مبيت أهل الأعذار بمنى ورميهم أهل السقاية والرعاء .
مسألة : قال : ومباح لأهل السقاية والرعاة أن يرموا بالليل .
تروى هذه اللفظة الرعاة بضم الراء وإثبات الهاء مثل الدعاة والقضاء والرعاء بكسر الراء والمد من غير هاء وعما لغتان صحيحتان قال الله تعالى : { حتى يصدر الرعاء } وفي بعض الحديث أرخص للرعاة أن يرموا يوما ويدعوا يوما وأنا أبيح لهؤلاء الرمي بالليل لأنهم يشتغلون بالنهار برعي المواشي وحفظها وأهل السقاية هم الذين يسقون من بئر زمزم للحاج فيشتغلون بسقايتهم نهارا فأبيح لهم الرمي في وقت فراغهم تخفيفا عليهم فيجوز لهم رمي كل يوم في الليلة المستقبلة فيرمون جمرة العقبة في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق ورمي اليوم الأول في ليلة الثاني ورمي الثاني في ليلة الثالث والثالث إذا أخروه إلى الغروب سقط عنهم كسقوطه عن غيرهم قال عطاء : لا يرمي بالليل إلا رعاء الإبل فأما التجار فلا وكان مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولن : من نسي الرمي إلى الليل رمي ولا شيء عليه من الرعاة ومن غيرهم .
مسألة : قال : ومباح للرعاء أن يؤخروا فيقضوه في الوقت الثاني .
وجملة ذلك أنه يجوز للرعاة ترك المبيت بمنى ليالي منى ويؤخرون رمي اليوم الأول ويرمون يوم النفر الأول عن الرميين جميعا لما عليهم من المشقة في المبيت والإقامة للرمي وقد روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه قال : رخص رسول الله A لرعاء الإبل في البيتوته أن يرموا يوم النحر ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما قال مالك : ظننت أنه في أول يوم منهما ثم يرمون يوم النفر رواه ابن ماجة وا لترمذي وقال حديث حسن صحيح رواه ابن عيينه قال : رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما وكذلك الحكم في أهل سقاية الحاج وقد روى ابن عمر [ أن العباس استأذن النبي A ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ] متفق عليه إلا أن الفرق بين الرعاء وأهل السقاية أن الرعاء إذا قاموا حتى غربت الشمس فقد انقضى وقت الرعي وأهل السقاية يشتغلون ليلا ونهارا فافترقا وصار الرعاء كالمريض الذي يباح له ترك الجمعة لمرضه فإذا حضرها تعينت عليه والرعاء أبيح لهم ترك المبيت لأجل الرعي فإذا فات وقته وجب المبيت .
فصل : وأهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاء في ترك البيتوتة لأن النبي A رخص لهؤلاء تنبيها على غيرهم أو تقول نص عليه لمعنى وجد في غيرهم فوجب إلحاقه بهم .
فصل : إذا كان الرجل مريضا أو محبوسا أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أو يكون في رحله ؟ قال : يعجبني أن يشهد ذلك ان قدر حين يرمى عنه قلت : فإن ضعف عن ذلك أيكون في رحله ويرمي عنه ؟ قال نعم قال القاضي : المستحب أن يضع الحصا في يد النائب ليكون له عمل في الرمي وإن أغمي على المستنب لم تنقطع النيابة وللنائب عنه كما لو استنابه في الحج ثم أغمي عليه وبما ذكرنا في هذه المسألة قال الشافعي : ونحوه قال مالك : إلا أنه قال يتحرى المريض حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات .
فصل : ومن ترك الرمي من غير عذر فعليه دم قال أحمد : أعجب إلي إذا ترك الأيام كلها كن عليه دم وفي ترك جمرة واحدة دم أيضا نص عليه أحمد وبهذا قال عطاء و الشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن ما لم أن عليه في جمرة أو جمرات كلها بدنة قال الحسن : من نسي جمرة واحدة يتصدق على مسكين .
ولنا قول ابن عباس من ترك شيئا من مناسكه فعليه دم ولأنه ترك من مناسكه ما لا يفسد الحج بتركه فكان الواجب عليه شاة كالمبيت وإن ترك أقل من جمرة فالظاهر عن أحمد أنه شيء عليه في حصاة ولا في حصاتين وعنه أنه يجب الرمي بسبع فإن ترك شيئا من ذلك تصدق بشيء أي شيء كان وعنه أن في حصاة دما وهو مذهب مالك والليث لأن ابن عباس قال : من ترك شيئا من مناسكه فعليه دم وعنه في الثلاثة دم وهو مذهب الشافعي وفيما دون ذلك في كل حصاة مد وعنه درهم وعنه نصف درهم وقال أبو حنيفة : إن ترك جمرة العقبة أو الجمار كلها فعله دم وإن ترك غير ذلك فعله في كل حصاة نصف صاع إلى أن يبلغ دما وقد ذكرنا ذلك وآخر وقت الرمي آخر أيام التشريق فمتى خرجت قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي هذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن عطاء فيمن رمى جمرة العقبة ثم خرج إلى ابله في ليلة أربع عشرة ثم رمى قبل طلوع الفجر فإن لم يرم هراق دما والأول أولى لأن محل الرمي النهار فيخرج وقت الرمي بخروج النهار والله أعلم