المتمتع وصوم المتمتع إن عجز عن الهدي .
مسألة : قال : ومن اعتمر في أشهر الحج فطاف وسعى ثم أحرم بالحج من عامه ولم يكن خرج من مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة فهو متمتع عليه دم .
فصل : الكلام في هذه المسألة في فصول : أحدها : وجوب الدم على المتمتع في الجملة وأجمع أهل العلم عليه قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها وحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي إن وجد وإلا فالصيام وقد نص الله تعالى بقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية وقال ابن عمر : [ تمتع الناس مع رسول الله A بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله A قال للناس : من لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ثم ليهل بالحج ويهدي فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ] متفق عليه و [ قال جابر : كنا نتمتع مع رسول الله A بالعمرة إلى الحج فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها ] رواه مسلم وعن أبي جمرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال : فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك من دم متفق عليه والدم الواجب شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة فإن نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيرا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك لا يجزئ إلا بدنة لأن النبي A لما تمتع ساق بدنة وهذا ترك لظاهر قوله تعالى : { فما استيسر من الهدي } واطراح للآثار الثابتة وما احتجوا به فلا حجة فيه فإن اهداء النبي A للبدنة التي يذبحها على صفة بدن النبي A ثم أنهم يقولون أن النبي A كان مفردا في حجته وكذلك ذهبوا إلى تفضيل الإفراد كيف يكون سوقه للبدن دليلا لهم في المتمتع ولم يكن متمتعا ؟ .
الفصل الثاني : في الشروط التي يجب الدم على من اجتمعت فيه وهي خمسة الأول : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج فإن أحرم بها في غير أشهره لم يكن متمتعا سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في غير أشهره نص عليه أحمد قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عمن أهل بعمرة في غير أشهر الحج ثم في شوال أو يكون متمتعا ؟ فقال : لا يكون متمتعا واحد بحديث جابر وذكر إسناده عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن امرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ثم تحل إلا ليلة واحدة ثم تحيض قال : لتخرج ثم لتهل بعمرة ثم لتنتظر حتى تطهر ثم لتطف بالبيت قال أبو عبد الله : فجعل عمرتها في الشهر الذي أهلت فيه لا في الشهر الذي حلت فيه ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من اعتمر في غير أشهر الحج عمرة وحل منها قبل أشهر الحج إنه لا يكون متمتعا إلى قولين شاذين إحداهما : عن طاوس أنه قال : إذا اعتمرت في غير أشهر الحج ثم أقمت حتى الحج فأنت متمتع والثاني : عن الحسن أنه قال : من اعتمر بعد النحر فهي متعة قال ابن المنذر : لا نعمل أحدا قال بواحد من هذين القولين فأما إن أحرم بالعمرة في غير شهر الحج ثم حل منها في أشهر الحج فذهب أحمد أنه لا يكون متمتعا ونقل معنى ذلك عن جابر وأبي عياض وهو قول إسحق واحد قولي الشافعي : وقال طاوس عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم وقال الحسن والحكم و ابن شبرمة و الثوري و الشافعي في أحد قوليه : عمرته في الشهر الذي يطوف فيه وقال عطاء عمرته في الشهر الذي يحل فيه وهو قول مالك وقال أبو حنيفة : إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس بمتمتع وإن طاف الأربعة أشهر في الحج فهو متمتع لأن العمرة صحت في أشهر الحج بدليل أنه لو وطئ أفسدها أشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج .
الثاني : أن يحج من عامة فإن اعتمر في أشهر الحج ولم يحج ذلك العام بل حج من العام القابل فليس بمتمتع لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج والجمهور على خلاف هذا لأن الله تعالى قال : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استسير من الهدي وهذا يقتضي الموالاة بينهما ولأنهم إذا اجتمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامة ذلك فليس بمتمتع فهذا أولى فإن التباعد بينهما أكثر .
الثالث : أن لا يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر في مثله الصلاة نص عليه وروي ذلك عن عطاء والمغيرة المديني و إسحاق وقال الشافعي : إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه وقال أصحاب الرأي إن رجع إلى مصيره بطلت متعته وإلا فلا وقال مالك إن رجع إلى مصيره أو إلى غيره أبعد من مصره بطلت متعته وإلا فلا وقال الحسن : هو متمتع وإن رجع إلى بلده واختاره ابن المنذر لعموم قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } .
ولنا ما روى عن عمر Bه أنه قالب : إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فإن خرج ورجع فليس بمتمتع وعن ابن عمر نحو ذلك ولأنه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الإحرام منه فإن كان بعيدا فقد أنشأ سفرا بعيدا لحجة فلم يترفه بأحد السفرين فلم يلزمه كموضع الوفاق والآية تناولت المتمتع وهذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر .
الرابع : أن يحل من إحرام العمر قبل إحرامه بالحج فإن دخل الحج على العمرة قبل حله منها كما فعل النبي A والذين كان معهم الهدي من أصحابه فهذا يصير قارنا ولا يلزمه دم المتعة [ قالت عائشة : خرجنا مع رسول الله النبي صلى الله عليه عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأن حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله A فقال : انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله A مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال : هذه مكان عمرتك ] قال عروة : فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة متفق عليه ولكن عليه دم للقران لأنه صار قارنا وترفه بسقوط أحد السفرين وقول عروة لم يكن في ذلك هدي يحتمل أنه أراد لم يكن فيه .
هدي للمتعة إذ قد ثبت أن رسول الله A ذبح عن نسائه بقرة بينهن .
الخامس : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ولا خلاف بين أهل العلم في أن دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام إذ قد نص الله تعالى في كتابه بقوله سبحانه : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ولأن حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة فلم يحصل له الترفه بأحد السفرين ولأنه أحرم بالحج من ميقاته فأشبه المفرد .
فصل : وحاضري المسجد الحرام : أهل الحرم ومن بينه وبين مكة دون مسافة القصر نص عليه أحمد وروي ذلك عن عطاء وبه قال الشافعي وقال مالك أهل مكة وقال مجاهد : أهل الحرم وروي ذلك عن طاوس وقال مكحول وأصحاب الرأي : من دون الميقات لأنه موضع شرع فيه النسك فأشبه الحرم .
ولنا أن حاضر الشي من دنا منه ومن دون مسافة قريب في حكم الحاضر بدليل أنه إذا قصده لا يترخص رخص السفر فيكون من حاضريه وتحديده بالميقات لا يصح لأنه قد يكون بعيدا يثبت له حكم السفر البعيد إذا فقده ولأن ذلك يفضي إلى جعل البعيد من حاضريه والقريب من غير حاضريه في المواقيت قريبا وبعيدا واعتبارنا أولى لأن الشارع حد الحاضر بدون مسافة القصر بنفي أحكام المسافرين عنه فالاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك لوجود لفظ الحضور في الآية .
فصل : إذا كان للمتمتع قريبان قريبة وبعيدة فهو من حاضري المسجد الحرام لأنه إذا كان بعض أهله قريبا فلم يوجد فيه الشرط وهو أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ولأن له أن يحرم من القرية فلم يكن بالتمتع مترفها بترك أحد السفرين وقال القاضي : له حكم القرية التي يقيم بها أكثر فإن استويا فمن التي ماله بها أكثر فإن استويا فمن التي ينوي الإقامة بها أكثر فإن استويا حكم للقرية التي أحرم منها وقد ذكرنا الدليل لما قلناه .
فصل : فإن دخل الآفاقي مكة متمتعا ناويا للإقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولو كن الرجل منشؤه ومولده بمكة فخرج عنها منتقلا مقيما بغيره ثم عاد إليها متمتعا ناويا للإقامة بها أو غير ناو لذلك فعليه دم المتعة لأنه خرج بالانتقال عنها عن أن يكون من أهلها وبذلك قال مالك و الشافعي و إسحاق : وذلك لأن حضور المسجد الحرام إنما يحصل بنيه الإقامة وفعلها وهذا إنما نوى الإقامة إذا فرغ من أفعال الحج لأنه إذا فرغ من عمرته فه ناو للخرج إلى الحج فكأنه إنما نوى أن يقيم بعد أن يجب عليه الدم فأما ان خرج المكي مسافرا غير منتقل ثم عاد فاعتمر من الميقات أو قصر وحج من عامة فلا دم عليه لأنه لم يخرج بهذا السفر عن كون أهل من حاضري المسجد الحرام .
فصل : وهذا الشرط لوجوب الدم عليه وليس بشرط لكونه متمتعا فإن متعة المكي صحيحة لأن المتمتع بأحد الأنساك الثلاثة فصح من المكي كالنسكين الآخرين ولأن حقيقة التمتع هو أن يعتمر في أشهر الحج ثم بحج من عامة وهذا موجود في المكي وقد نقل عن أحمد : ليس على أهل مكة متعة ومعناه ليس عليهم دم المتعة لأن المتعة له لا عليه فيتعين حمله على ما ذكرناه .
فصل : وإذا ترك الآفاقي الإحرام من الميقات أو أحرم من دونه بعمرة ثم حل منها وأحرم بالحج من مكة من عامة فهو متمتع عليه دمان : دم المتعة ودم لإحرامه من دون ميقاته قال ابن المنذر وبان عبد البر : أجمع العلماء على أن من أحرم من أشهر الحج بعمرة وحل منها ولم يكن من حاضري المسجد الحرام ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامة أنه متمتع عليه دم وقال القاضي : إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكة أقل من مسافة القصر فأحرم منه فلا دم عليه للمتعة لأنه من حاضري المسجد الحرام وليس هذا بجيد فإن حضور المسجد الحرام إنما يحصل بالإقامة به وهذا لم يحصل منه الإقامة ولا نيتها ولأن الله تعالى قال : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } وهذا يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به وهذا ليس بساكن إن أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة فاعتمر من التنعيم في أشهر الحج وحج من عامة فهو متمتع عليه دم نص عليه أحمد وفي تنصيصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الأولى بطريق الأولى وذكر القاضي أن من شرط وجوب الدمن أن ينوي في ابتداء العمرة أو في اثنائها أنه متمتع وظاهر النص يدل على أن هذه غير مشترط فإنه لم يذكره وكذلك الإجماع الذي ذكرناه مخالف لهذا القول ولأنه قد حصل له الترفه بسقوط أحد السفرين فلزمه الدم كمن لم ينو .
الفصل الثالث : في وقت وجوب الهدي ووقت ذبحه أما وقت وجوبه فعن أحمد أنه يجب إذا أحرم بالحج وهو قول أبي حنيفة و الشافعي لأن اله تعالى قال : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } وهذا قد فعل ذلك ولأن ما جع غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ولأنه متمتع أحرم بالحج من دون الميقات فلزمه الدم كما لو وقف أو تحلل وعنه أنه يجب إذا وقف بعرفة وهو قول مالك واختيار القاضي لأن التمتع بالعمرة في الحج إنما يحصل بعد وجود الحج منه ولا يحصل ذلك إلا بالوقوف فإن النبي A قال [ الحج عرفة ] ولأنه قبل ذلك بعرض الفوات فلا يحصل التمتع ولأه لو أحرم بالحج ثم أحصر أو فاته الحج فلم يلزمه دم المتعة ولا كان متمتعا ولو وجب الدم لما سقط وقال عطاء : يجب إذا رمى الجمرة ونحوه قول أبي الخطاب قال : يجب إذا طلع الفجر يوم النحر لأنه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه فأما وقت اخراجه فيوم النحر وبه قال مالك و أبو حنيفة لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز فيه ذبح الأضحية فلا يجوز فيه ذبح هدي كمثل التحلل من العمرة وقال أبو طالب : سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي ! قال : ينحر بمكة وإن قدم قبل العشر نحره لا يضيع أو يموت أو يسرق وكذلك قال عطاء : وإن قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى لأن النبي A وأصحابه قدموا في العشر فلم ينحروا حتى نحروا بمنى ومن جاء قبل ذلك نحره عن عمرته وأقام على إحرامه وكان قارنا وقال الشافعي : يجوز نحره بعد الإحرام بالحج قولا واحدا فيما قبل ذلك بعد حله من العمرة احتمالان ووجه جوازه أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عند الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب واللباس ولأنه يجوز بدالة قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات .
مسألة : قال : فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام يكون آخرها يوم عرفة وسبعة إذا رجع .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن المتمتع إذا لم يجد الهدي ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع تلك عشرة كاملة وتعتبر القدرة في موضعه فمتى عدمه في موضعه جاز له الانتقال إلى الصيام وإن كان قادرا عليه في بلده لأن وجوبه موقت وما كان وجوبه موقتا اعتبرت القدرة عليه في موضعه كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه انتقل إلى التراب .
فصل : ولكل واحد من صوم الثلاثة والسبعة وقتا نوقت جواز ووقت استحباب فأما وقت الثلاثة فوت الاختيار لها أن يصومها ما بين إحرامه ويوم عرفة ويكون آخر الثلاثة يوم عرفة قال طاوس : يصوم ثلاثة أيام آخرها يوم عرفة وروي ذلك عن عطاء و الشعبي و مجاهد و الحسن و النخعي و سعيد ابن جبير و علقمة و عمرو بن دينار وأصحاب الرأي ابن عمر وعائشة أن يصومون ما بين اهلاله بالحج ويوم عرفة وظاهر هذا أن يجعل آخرها يوم التروية وهو قول الشافعي لأن صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب وكذلك ذكر القاضي في المحرر والمنصوص عن أحمد الذي وقفنا عليه مثل قول الخرقي أنه لكون آخرها يوم عرفة وهو قو من سمينا من العلماء وإنما أحببنا له صوم ويم عرفة ههنا لموضع الحاجة وهذا القول يستحب له تقديم الإحرام بالحج قبل يوم التروية ليصومها في الحج وإن صام منها شيئا قبل إحرامه بالحج جاز نص عليه وأما وقت جواز صومها فإذا أحرم بالعمرة وهذا قول أبي حنيفة وعن أحمد أنه إذا حل من العمرة وقال مالك و الشافعي : لا يجوز إلا بعد إحرام الحج ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول إسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى : { فصيام ثلاثة أيام في الحج } ولأنه صيام واجب فلم يجز تقديمه على وقت وجوبه كسائر الصيام الواجب ولأن ما قبله وقت لا يجوز فيه المبدل فلم يجز البدل كقبل الإحرام بالعمرة وقال الثوري و الأوزاعي : يصومهن من أول العشر إلى يوم عرفة .
ولنا أن إحرام العمرة أحد إحرامي التمتع فجاز الصوم بعده كإحرام الحج فأما قوله : { فصيام ثلاثة أيام في الحج } فقيل معنا في أشهر الحج فإنه لا بد من إضمار إذ كان الحج أفعال لا يام فيها إنما يصام في وقتها أو في شهرها فهو في قوله تعالى : { الحج أشهر } وأما تقدميه على وقت الوجوب فيجوز إذا وجد السبب كتقديم الكفارة على الحنث وزهوق النفس وأما كونه بدلا فلا يقدم على المبدل فقد ذكرنا رواية في جواز تقديم الهدي على إحرام الحج فكذلك الصوم وأما تقديم الصوم على إحرام العمر فغير جائز ولا نعلم قائلا بجوازه إلا رواية حكاها بعض أصحابنا عن أحمد وليس بشيء لأنه لا يقدم الصوم على سببه ووجوه ويخالف قول أهل العلم وأحمد ينزه عن هذا أما السبعة أيضا وقتان وقت اختيار ووقت جواز فأما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لما روى ابن عمر [ أن النبي A قال : فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إلى رجع إلى أهله ] متفق عليهن وأما وقت الجاز فمنذ تضمي أيام التشريق قال الأثرم : سئل أحمد هل يصوم في الطريق أو بمكة ؟ قال : كيف شاء وبهذا قال أبو حنيفة و مالك وعن عطاء و مجاهد يصومها في الطريق وهو قول إسحاق قال المنذر : يصومها إذا رجع إلى أهله للخبر ويروى ذلك عن ابن عمر وهو قول الشافعي وقيل عنه كقولنا وكقول إسحاق .
ولنا أن كل صوم لزمه وجاز في وطنه جاز قبل ذلك كسائر الفروض وأما الآية فإن الله تعالى جوز له تأخير الصيام الواجب فلا ينع ذلك الأجزاء قبله كتأخير صوم رمضان في السفر والمرض بقوله سبحانه : { فعدة من أيام أخر } ولأن الصوم وجد من أهله بعد سببه فأجزأه كصوم المسافر والمريض .
فصل : ولا يجب التتابع وذلك لا يقض جمعا ولا تفريقا وهذا قول الثوري وإسحاق وغرهما ولا نعلم فيه مخالفا .
مسألة : قال : فإن لم يصم قبل يوم النحر صام أيام منى في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله والرواية الأخرى لا يصوم أيام منى ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم .
وجملة ذلك أن المتمتع إذا لم يصم الثلاثة أيام في الحج فإنه يصومها بعد ذلك وبهذا قال علي وابن عمر وعائشة وعروة والزبير وعبيد بن عمير والحسن و عطاء و الزهري و مالك و الشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس و سعيد بن جبير و طاوس و مجاهد إذا فاته الصوم في العشر وبعده استقر الهدي في ذمته لأن الله تعالى قال : { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } ولأنه بدل موقت فيسقط بخروج وقته كالجمعة .
ولنا أنه صوم واجب فلا يسقط بخروج وقته كصوم رمضان والآية تدل على وجوبه لا على سقوطه والقياس منتقض بصوم الظهار إذا قدم المسيس عليه والجمعة ليست بدلا وإنما هي الأصل وإنما سقطت لأن الوقت جعل شرطا لها كالجماعة إذا ثبت هذا فإنه يصوم أيام منى وهذا قول ابن عمر وعائشة وعروة و عبيد بن عمير و الزهري و مالك و الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في القديم لما روى ابن عمر وعائشة قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري وهذا ينصرف إلى ترخيص النبي A ولأن الله تعالى أمر بصيام الثلاثة في الحج ولم يبق من أيام الحج إلا هذه الأيام فيتعين الصوم فيها فإذا صام هذه الأيام فحكمه من صام قبل يوم النحر وعن أحمد رواية أخرى : لا يصوم أيام منى روي ذلك عن علي و الحسن و عطاء وهو قول ابن المنذر لأن النبي A نهى عن صوم ستة أيام ذكر منها أيام التشريق و [ قال عليه السلام : إنها أيام أكل وشرب ] ولأنها لا يجوز فيها صوم النفل فلا يصومها عن الهدي كيوم النحر فعلى هذه الرواية يصوم بعد ذلك عشرة أيام وكذلك الحكم إذا قلنا يصوم أيام منى فلم يصمها واختلفت الرواية عن أحمد في وجوب الدم عليه فعنه عليه دم لأنه أخر الواجب من مناسك الحج عن وقته فلزمه دم كرمي الجمار ولا فرق بين المؤخر لعذر أو لغيره لما ذكرناه وقال القاضي : أن أخر لعذر ليس عليه إلا قضاءه لأن الدم الذي هو المبدل لو أخره لعذر لا دم عليه لتأخيره فالبدل أولى وروي عن أحمد لا يلزمه مع الصوم دم يحال وهاذ اختيار أبي الخطاب ومذهب الشافعي لأنه صوم واجب يجب القضاء بفواته كصوم رمضان فأما الهدي الواجب إذا أخره لعذر مثل ضاعت نفقته فليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا الواجبة وإن أخره لغير عذر ففيه روايتان إحداهما : ليس عليه إلا قضاؤه كسائر الهدايا والأخرى عليه هدي آخر لأه نسك مؤقت فلزم الدم بتأخيره عن وقته كرم الجمار قال أحمد : من تمتع فلم يهد إلى قابل يهدي هديين كذا قال ابن عباس .
فصل : وإذا صام عشرة الأيام لم يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة وقال أصحاب الشافعي : عليه التفريق لأنه وجب من حيث الفعل وما وجب التفريق فيه من حيث الفعل لم يسقط بفوات وقته كأفعال الصلاة من الركوع والسجود .
ولنا أنه صام أيام منى في زمن يصح الصوم يه فلم يجب تفريقه كسائر الصوم ولا نسلم وجوب الفريق في الأداء فإنه إذا صام أيام منى وأتبعها السبعة فما حصل التفريق وإن سلمنا وجوب التفريق في الأداء فإن كان من حيث الوقت فإذا فات الوقت سقط كالتفريق بين الصلاتين .
فصل : ووقت وجوب الصوم وقت وجوب الهدي لأنه بدل فكان وقت وجوبه وقت وجوب المبدل كسائر الإبدال فإن قيل : فكيف جوزتم الانتقال إلى الصوم قبل زمان وجوب المبدل ولم يتحقق العجز عن المبدل لأنه إنما يتحقق المجوز للانتقال إلى البدل زمن الوجوب وكيف جوزتم الصوم قبل وجوبه ؟ قلنا : إنا جوزنا له الانتقال إلى المبدل بناء على العجز الظاهر فإن الظاهر من المعسر استمرار إعساره وعجزه كما جوزنا التكفير بالبدل قبل وجوب المبدل وأما تجويز الصوم قبل وجوبه فقد ذكرناه .
مسألة : قال : ومن دخل في الصيام ثم قدر على الهدي لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى الهدي إلا أن يشاء .
وبهذا قال الحسن و قتادة و مالك و الشافعي وقال ابن أبي نجيح و حماد و الثوري : أن أيسر قبل أن تكمل الثلاثة فعليه الهدي وإن أكمل الثلاثة صام السبعة وقيل متى قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه صام أو لم يصم وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام قدر على الهدي أو لم يقدر لأنه قدر على المبدل في زمن وجوبه فلم يجزئه البدل كما لو لم يصم .
ولنا أنه صوم دخل فيه لعدم الهدي لم يلزمه الخروج إليه كصوم السبعة وعلى هذا يخرج الأصل الذي قاسوا عليه وإنه ما شرع في الصيام .
فصل : وإن وجب عليه الصوم فلم يشرع حتى قدر على الهدي ففيه روايتان : إحداهما : لا يلزمه الانتقال إليه قال في رواية المروذي : إذا لم يصم في الحج فليصم إذا رجع إلى الدم وقد انتقل فرضه إلى الصيام وذلك لأن الصيام استقر في ذمته لوجوبه حال وجود السبب المتصل بشرطه وهو عدم الهدي والثانية : يلزمه الانتقال إليه قال يعقوب : سألت أحمد عن المتمتع إذا لم يصم قبل يوم النحر ؟ قال : عليه هديان يبعث بهما إلى مكة أوجب عليه الهدي الأصلي وهديا لتأخيره الصوم عن وقته ولأنه قدر على المبدل قبل شروعه في البدل فلزمه الانتقال إليه كالمتيمم إذا وجد الماء .
فصل : ومن لزمه صوم المتعة فمات قبل أن يأتي به لعذر منعه عن الصوم فلا شيء عليه وإن كان لغير عذر أطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام رمضان ولأنه صوم وجب بأصل الشرع أشبه صوم رمضان