نحر الهدي وتوزيعه النحر للإبل والذبح لسواها .
مسألة : قال : ثم ينحر إن كان معه هدي .
وجملة ذلك أنه إذا فرغ من رمي الجمرة يوم النحر لم يقف وانصرف فأول شيء يبدأ به نحر الهدي إن كان معه هدي واجبا أو تطوعا فإن لم يكن معه هدي وعليه هدي واجب اشتراه وإن لم يكن عليه واجب فأحب أن يضحي اشترى ما يضحي به وينحر الإبل ويذبح ما سواها والمستحب أن يتولى ذلك بيده وإن استناب غيره جاز هذا قول مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي وذلك لما [ روى جابر في صفة حج النبي A أنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ] وقال أنس [ نحر النبي A بيده سبع بدنات قياما ] رواه البخاري .
فصل : والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيضربها بالحرية في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ممن استحب ذلك مالك و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر واستحب عطاء نحرها باركة وجوز الثوري وأصحاب الرأي كل ذلك .
ولنا ما روى دينار بن جبير قال : رأيت ابن عمر أتى رجل أناخ بدنته لينحرها فقال : ابعثها قياما مقيدة سنة محمد رسول الله A متفق عليه وروى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي A وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها وفي قول الله تعالى : { فإذا وجبت جنوبها } دليل على أنها تنحر قائمة ويروى في تفسير قوله تعالى : { فاذكروا اسم الله عليها صواف } أي قياما وتجزئه كيفما نحر قال أحمد : ينحر البدن معقولة على ثلاث قوائم وإن خشي عليها أن تنفر أناخها .
فصل : ويستحب توجيه الذبيحة إلى القبلة ويقول : بسم الله والله أكبر وإن قال : ما روي عن النبي A فحسن قال ابن المنذر : ثبت [ أن رسول الله A كان إذا ذبح يقول : بسم الله والله أكبر ] وكذلك يقول ابن عمر وروي [ أن النبي A ذبح يوم العيد كبشين ثم قال حين وجهها : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين بسم الله والله أكبر والله هذا منك ولك عن محمد وأمته ] رواه أبو داود وإن اقتصر على التسمية ووجه الذبيحة إلى غير القبلة ترك الأفضل وأجزأه هذا قول القاسم بن محمد و النخعي و الشافعي و ابن المنذر وكان ابن عمر وابن سيرين يكرهان الأكل من الذبيحة توجه لغير القبلة والصحيح أن ذلك غير واجب ولم يقيم على وجوبه دليل .
فصل : وقت نحر الأضحية والهدي ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده نص عليه أحمد وقال : هو عن غير واحد من أصحاب الرسول الله A ورواه الأثرم عن ابن عمر وابن عباس وبه قال مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر : وقال ابن سيرين يوم واحد وعن سعيد بن جبير وجابر بن زيد في الأمصار يوم واحد وبمنى ثلاثة .
ولنا أن النبي A نهى عن الأكل من النسك فوق ثلاث وغير جائز أن يكون الذبح مشروعا في وقت يحرم فيه الأكل ثم نسخ تحريم الأكل وبقي وقت الذبح بحاله ولأن اليوم الرابع لا يجب فيه الرمي فلم يجز فيه الذبح كالذي بعد فأما الليالي المتخللة لأيام النحر فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئ فيها ذبح الهدي والأضحية لأن اله تعالى قال : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فذكر الأيام دون الليالي وقال غيره : من أصحابنا يجوز ليلتي يومي التشريق الأولتين وهو قول أكثر الفقهاء لأن هاتين الليلتين داخلتان في مدة الذبح فجاز الذبح فيهما كالأيام .
فصل : وإذا نحر الهدي فرقة على المساكين من أهل الحرم وهو من كان في الحرم فإن أطلقها لهم جاز كما روى أنس [ أن النبي A نحر خمس بدنات ثم قال : من شاء فليقتطع ] رواه أبو داود وإن فسلمنها فهو أحسن وأفضل ولا يعطي الجازر باجرته شيئا منا لما روي عن علي Bه قال : أمرني النبي A أن أقوم على بدنه وإن أقسم بدنه كلها جلودها وجلالها وإن لا أعطى الجازر منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا متفق على معناه ولأنه بقسمها يكون على يقين من افضائها إلى مسحقها ويكفي المساكين مؤنة النهب والزحام عليها وإنما لم يعط الجازر باجرته منها لأنه ذبحها فعوضه عليه دون المساكين ولأن دفع جزء منها عوضا عن الجزارة كبيعة ولا يجوز بيع شيء منها وإن كان الجازر فقيرا فأعطاه لفقره سوى ما يعطيه أجره جاز لأنه مستحق الأخذ منها لفقره لا لأجره فجاز كغيره ويقسم جلودها وجلالها كما جاء في الخبر لأنه ساقها لله تعلى تلك الصفة فلا يأخذ شيئا مما جعل لله وقال بعض أصحابنا : لا يلزمه إعطاء جلالها لأه إنما أهدى الحيوان دون ما عليه .
فصل : والسنة النحر بمنى لأن النبي A نحر بها ؟ وحيث نحر من الحرم أجزأه لقول رسول الله A [ كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وطريق ] رواه أبو داود .
فصل : وليس من شرط الهدي أن يجمع فيه بين الحل والحرم ولا أن يقفه بعرفة لكن يستحب ذلك روي عن ابن عباس وبه قال الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وكان ابن عمر لا يرى الهدي إلا ما عرف به ونحوه عن سعيد بن جبير وقال مالك : أحب للقارن أن يسوق هديه من حيث يحرم فإن ابتاعه من دون ذلك مما يلي مكة بعد أن يقفه بعرفة جاز وقال في الهدي المجامع : إن لم يكن ساقه فليشتره من مكة ثم ليخرجه إلى الحل وليسقه إلى مكة .
ولنا أن المراد من الهدي نحره ونفع المساكين بلحمه بهذا لا يقف على شيء مما ذكروه ولم يرد بما قالوه دليل يوجبه فبقي على أصله