المبيت بمزدلفة .
مسألة : قال : فإذا دفع الإمام دفع معه إلى مزدلفة .
الإمام هنا الوالي الذي إليه أمر الحج من قبل الإمام ولا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع قال أحمد : ما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام وسئل عن رجل دفع قبل الإمام بعد غروب الشمس فقال : ما وجدت عن أحد أنه سهل فيه كلهم يشدد فيه والمستحب أي يقف حتى يدفع الإمام ثم يسير نحو المزدلفة على سكينة ووقار لقول النبي A حين دفع وقد شنق لناقته القصواء بالزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده المينى : [ أيها الناس السكينة السكينة ] هذا في حديث جابر وروي [ عن ابن عباس أنه دفع مع النبي A يوم عرفة فسمع النبي A ورأى زجرا شديدا وضربا للإبل فأشار بصوته إليهم وقال : أيها الناس عليكم السكينة فإن البر ليس بإيضاع الإبل ] رواه البخاري و [ قال عروة : سئل أسامة وأنا جالس : كيف كان رسول الله يسير في حجة الوداع ؟ قال : كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ] قال هشام بن عروة : النص فوق العنق متفق عليه .
مسألة : قال : ويكبر في الطريق ويذكر الله تعالى .
ذكر الله تعالى يستحب في الأوقات كلها وهو في هذا الوقت أشد تأكيدا لقوله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم } ولأنه زمن الاستشعار والتلبيس بعبادته والسعي إلى شعائره ويستحب التلبية وذكر وقم أنه لا يلبي .
ولنا ما روى الفضل بن عباس [ أن النبي A لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة ] متفق عليه وعن عبد الرحمن بن يزيد قال : شهدت ابن مسعود يوم عرفة وهو يلبي فقال له رجل كلمة فسمعته زاد في تلبيته شيئا لم أسمعه قبل ذلك قالها : لبيك عدد التراب ويستحب أن يمضي على طريق المأزمين لأنه يروى أن النبي A سلكها وإن سلك الطريق الأخرى جاز .
مسألة : قال : ثم يصلي مع الإمام المغرب وعشاء الآخرة بإقامة لكل صلاة فإن جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس .
وجملة ذلك أن السنة لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل مزدلفة فيجمع بين المغرب والعشاء لا خلاف في هذا قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم إن السنة أن يجمع الحاج بين المغرب والعشاء والأصل في ذلك أن النبي A جميع بينهما رواه جابر و ابن عمر و أبو أيوب وغيرهم وأحاديثهم صحاح ويقيم لكل صلاة إقامة لما [ روى أسامة بن زيد قال : دفع رسول الله A من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ فقلت له : الصلاة يا رسول الله الصلاة أمامك فركب فما جاء مزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما ] متفق عليه وروي هذا القول عن ابن عمر وبه قال سالم والقاسم بن محمد و الشافعي و إسحاق وإن جمع بينهما بإقامة الأولى فلا بأس يروى ذلك عن ابن عمر أيضا وبه قال الثوري لما روى ابن عمر قال : [ جمع رسول الله A بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاث والعشاء ركعتين بإقامة واحدة ] رواه مسلم وإن أذن للأولى وأقام ثم أقام للثانية فسحن فإنه يروى في حديث جابر وهو متضمن للزيادة وهو معتبر بسائر الفوائت والمجموعات وهو قول ابن المنذر وأبي ثور والذي أختار الخرقي إقامة لكل صلاة من غير أذان قال ابن المنذر : وهو آخر قولي أحمد لأنه رواية أسامة وهو أعلم بحال النبي A فإنه كان رديفه وقد اتفق هو وجابر في حديثهما على إقامة لكل صلاة واتفق أسامة وابن عمر على الصلاة بغير أذان مع أن حديث ابن عمر المتفق عليه قال بإقامة قال : وإنما لم يؤذن للأولى ههنا لأنها في غير وقتها بخلاف المجوعتين بعرفة وقال مالك يجمع بينهما بأذان وإقامتين وروي ذلك عن عمر وابن عمر وابن مسعود واتباع السنة أولى قاب ابن عبد البر لا أعلم فيما قاله مالك حديثا مرفوعا بوجه من الوجوه وقال قوم : إنما أمر عمر بالتأذين للثانية لأن الناس كانوا قد تفرقوا لعشائهم فأذن لجمعهم وكذلك ابن مسعود فإنه يجعل العشاء بالمزدلفة بين الصلاتين .
مسألة : قال : وإن فاته مع الإمام صلى وحده .
معناه أنه يجمع منفردا كما يجمع الإمام ولا خلاف في هذا لأن الثانية مهما تصلي في وقتها بخلاف العصر مع الظهر وكذلك إن فرق بينهما لم يبطل الجمع كذلك ولما روى أسامة قال : ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها وروى البخاري [ عن عبد الرحمن بن يزيد قال : حج عبد الله فأتينا إلى مزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب ثم صلى بعدها ركعتين ثم عاد بعشائه ثم أمر - أرى - فإذن وأقام ثم صلى العشاء ثم قال : رأيت رسول الله A يفعله ] ولأن الجمع متى كان في وقت الثانية لم يضر التفريق شيئا .
فصل : والسنة التعجيل بالصلاتين وإن يصلي قبل حط الرحال لما ذكرنا من حديث أسامة وفي بعض ألفاظة [ أن النبي A أقام المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا ] رواه مسلم والسنة أن لا يتطوع بينهما قال ابن المنذر : ولا أعلمهم يختلفون في ذلك وقد روي عن ابن مسعود أنه تطوع بينهما رواه عن النبي A .
ولنا حديث أسامة وابن عمر أن النبي A لم يصل بينهما وحديثهما أصح وقد قدم في ترك التفريق بينهما .
فصل : فإن صلى المغرب قبل أن يأتي مزدلفة ولم يجمع خالف السنة وصحت صلاته وبه قال عطاء و عروة و القاسم بن محمد و سعيد بن جبير و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أبو يوسف و ابن المنذر وقال أبو حنيفة و الثوري : لا يجزئه ل [ أن النبي A جمع بين الصلاتين فكان نسكا وقد قال : خذوا عني مناسككم ] .
ولنا أن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق بينهما كالظهر العصر بعرفة وفعل النبي A محمول على الأولى والأفضل ولئلا ينقطع سيره ويبطل ما ذكروه بالجمع بعرفة .
مسألة : قال : فإذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام فدعا .
يعني أنه يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر الصبح والسنة أن يعجلها في أول وقتها ليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام وفي حديث جابر [ أن النبي A صلى حين تبين له الصبح ] وفي حديث ابن مسعود [ أنه صلى الفجر حين طلع الفجر ] قائل يقول : قد طلع الفجر وقائل يقول : لم يطلع ثم قال في آخر الحديث : رأيت النبي A يفعله رواه البخاري نحو هذا ثم إذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام وهو فزح فيرقي عليه إن أمكنه وإلا وقف عنده فذكر الله تعالى ودعا واجتهد قال الله تعالى : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } وفي حديث جابر أن النبي A أتى المشعر الحران فرقي عليه فدعا الله وهلله وكبره ووحده ويستحب أن يكون من دعائه : اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا فوقفنا لذكرك كما هديتنا واغفر لها وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق : { فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } ويقف حتى يسفر جدا لما في حديث جابر [ أن النبي A لم يزل واقفا حتى أسفر جدا ] .
فصل : وللمزدلفة ثلاثة أسماء : مزدلفة وجمع المشعر والحرام وحدها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب ففي أي موضع وقف منها أجزأه لقول النبي A : [ المزدلفة موقف ] رواه أبو داود و ابن ماجة وعن جابر [ عن النبي A أنه قال : وقفت ههنا بجمع وجمع كلها موقف ] وليس وادي محسر من مزدلفة لقوله : [ وارفعوا عن بطن محسر ] .
فصل : والمبيت بمزدلفة واجب من تركه فعليه دم هذا قول عطاء و الزهري و قتادة و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي ثور وأصحاب الرأي وقال علقمة و النخعي و الشعبي : من فاته جمع فاته الحج لقول الله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام و [ قول النبي A من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ] .
ولنا [ قول النبي صلى لله عليه وسلم : الحج عرفة فمن جاء قبل ليلة جمع فقد تم حجه ] يعني من جاء عرفة وما احتجوا به من الآية والخبر فالمنطوق فيهما ليس بركن في الحج إجماعا فإنه لو بات بجمع ولم يذكر الله تعالى ولم يشهد الصلاة فيها صح حجة فما هو من ضرورة ذلك أولى ولأن المبيت ليس من الضرورة ذكر الله تعالى بها وكذلك شهود صلاة الفجر فإنه لو أفاض من عرفة في آخر ليلة النحر أمكنه ذلك فيتعين حم ذلك على مجرد الإيجاب أو الفضيلة أو الاستحباب .
فصل : ومن بات بمزدلفة لم يجز له الدفع قبل النصف الليل فإن دفع بعده فلا شيء عليه وبهذا قال الشافعي وقال مالك : إن مر بها ولم ينزل فعليه دم فإن لنزل فلادم عليه متى ما دفع .
ولنا أن النبي A بات بها وقال : [ خذوا عني مناسككم ] وإنما أبيح الدفع بعد النصف الليل بما ورد من الرخصة فيه فـ [ روى ابن عباس قال : كنت فيمن قدم النبي A في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى ] وعن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند دار المزدلفة فقامت تصلي فصلت ثم قالت : هل غاب القمر ؟ قلت : نعم قالت : فارتحلوا فارتحنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها قلت لها : أي هنتاه ما أرانا إلا غلسنا قالت : كلا يا بني إن رسول الله A أذن لظعن متفق عليهما و [ عن عائشة قالت : أرسل رسول الله A بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمر قبل الفجر ثم مضت فأفاضت ] رواه أبو داود فمن دفعه من جمع قبل نصف الليل ولم يعد في الليل فعليه دم فإن عاد فيه فلا دم عليه كالذي دفع من عرفة نهارا ولم يوافق مزدلفة إلا في النصف الأخير من الليل فلا شيء عليه لأنه لم يدرك جزءا من النصف الأول فلم يتعلق به حكمه كمن أدرك الليل بعرفات دون النهار والمستحب الاقتداء برسول الله A في المبيت إلى أن يصبح ثم يقف حتى يسفر ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء وممن كن يقدم ضعفة أهله عبد الرحمن بن عوف وعائشة وبه قال عطاء و الثوري و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا ولأن فيه رفقا بهم ودفعا لمشقة الزحام عنه واقتداء بفعل نبيهم A