الوقوف بعرفة .
مسألة : قال : فإذا طلعت الشمس دفع إلى عرفة فأقام بها حتى يصلي الظهر والعصر بإقامة لكل صلاة وإن أذن فلا بأس وإن فاته مع الإمام صلى في رحله .
وجملة ذلك أن المستحب أن يدفع إلى الموقف من منى إذا طلعت الشمس يوم عرفة فيقيم بنمرة وإن شاء بعرفة حتى تزول الشمس ثم يخطب الإمام خطبة يعلم الناس فيها مناسكهم من موضع الوقوف ووقته والدفع من عرفات ومبيتهم بمزدلفة وأخذ الحصا لرمي الجمار لما تقدم في حديث جابر أن النبي A فعل ذلك ثم يأمر بالأذان فينزل فيصلي الظهر والعصر يجمع بينهما ويقيم لكل كصلاة إقامة وقال أبو ثور : يؤذن المؤذن إذا صعد الإمام المنبر فجلس فإذا فرغ المؤذن قام الإمام فخطب وقيل : يؤذن في آخر خطبة الإمام وحديث جابر يدل على أنه أذن بعد فراغ النبي A من خطبته وكيفما فعل فحسن وقوله وإن أذن فلا بأس كأنه ذهب إلى أنه مخير بين أن يؤذن للأولى أو لا يؤذن وكذا قال أحمد : لأن كلا مروي عن رسول الله A والأذان أولى وهو قول الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي وقال مالك : يؤذن لكل صلاة واتباع ما جاء في السنة أولى وهو مع ذلك موافق للقياس كما في سائر المجموعات والفوائت وقول الخرقي : فإنه مع الإمام صلى في رحله يعني أن المفرد يجمع كما يجمع مع الإمام فعله ابن عمر وبه قال عطاء و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وصاحبا أبي حنيفة وقال النخعي و الثوري و أبو حنيفة : لا يجمع إلا مع الإمام فإذا لم يكن إمام رجعنا إلى الأصل .
ولنا أن ابن عمر كان إذا فاته الجمع بين الظهر والعصر مع الإمام بعرفة جمع بينهما منفردا ولأن كل جميع جاز مع الإمام جاز منفردا كالجميع بين العشاء ين يجمع وقولهم : إنما جاز الجمع في الجماعة لا يصح لأنهم قد سلموا أن الإمام يجمع وإن كان منفردا .
فصل : والسنة تعجيل الصلاة حين تزول الشمس وأن يقصر الخطبة ثم يروح إلى الموقف لما روى سالم أنه قال للحاج يوم عرفة : إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال ابن عمر : صدق رواه البخاري ولأن تطويل ذلك يمنع الرواح إلى الموقف في أول وقت الزوال والسنة التعجيل في ذلك فقد روى سالم [ أن الحجاج أرسل إلى ابن عمر : أية ساعة كان رسول الله A يروح في هذا اليوم قال : إذا كان ذاك رحنا فلما أراد ابن عمر أن يروح قال : أزاغت الشمس ؟ قالوا : لم تزغ فلما قد زاغت أرتحل ] رواه أبو داود وقال ابن عمر : [ غدا رسول الله A من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله A ] مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة وقد ذكرنا حديث جابر في هذا قال ابن عبد البر : هذا كله لا خلاف فيه بين علماء المسلمين .
فصل : ويجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي وغيره قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الإمام وذكر أصحابنا أنه يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخا إلحاقا له بالقصر وليس بصحيح لأن النبي A جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم القصر حين قال : أتموا فانا سفر ولو حرم الجميع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يقر النبي A على الخطأ وقد كان عثمان يتم الصلاة لأنه اتخذ أهلا ولم يترك الجمع وروي نحو ذلك عن ابن الزبير قال ابن أبي ملكية : وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك فذكر أنه قال : إذا أفاض فلا صلاة إلا يجمع رواه الأثرم وكان عمر بن عبد العزيز والي مكة فخرج فجميع بين الصلاتين ولم يبلغنا عن أحمد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة ومزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره والحق فيما أجمعوا عليه فلا يعرج على غيره .
فصل : فأما الصلاة فلا يجوز لأهل مكة وبهذا قال عطاء و مجاهد و الزهري و ابن جريج و الثوري و يحيى و القطان و الشافعي وأصحاب الرأي وبان المنذر وقال القاسم بن محمد وسالم ومالك و الأوزاعي : لهم القصر لأن لهم الجمع فكان لهم العصر كغيرهم .
ولنا أنهم في غير سفر بعيد فلم يجز لهم القصر كغير من في عرفة ومزدلفة قيل لأبي عبد الله : فرجل أقام بمكة ثم خرج إلى الحج قال : إن كان لا يريد أن يقيم بمكة إذا رجع صلى ثم ركعتين وذكر فعل ابن عمر قال : لأن خروجه إلى منى وعرفة ابتداء سفر فإن عزم على أن يرجع فيقيم بمكة أتم بمنى وعرفة .
مسألة : قال : ثم يصير إلى موقف عرفة عند الجبل وعرفة كلها موقف ويرفع عن بط عرنة فإن لا يجزئه الوقوف فيه .
يعني إذا صلى الصلاتين صار إلى الوقوف بعرفة ويستحب أن يغتسل للوقوف كان ابن مسعود يفعله وروي عن علي وبه ويقول الشافعي وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر : لأنه مجمع للناس فاستحب الاغتسال لها كالعيد والجمعة وعرفة كلا موقف ف [ إن النبي A قال : قد وقفت ههنا وعرفه كلها موقف ] رواه أبو داود وابن ماجة و [ عن يزيد بن شيبان قالب : أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن بعرفة في مكان يباعده عمرو عن الإمام فقال : إني رسول الله A إليكم يقول : كونوا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث أبيكم إبراهيم ] وحد عرفة من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر وليس وادي عرنة من المواقف ولا يجزئه الوقوف فيه قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن وقف به لا يجزئه وحكي عن مالك أنه يهريق دما وحجه تام .
ولنا قول النبي A : [ كل عرفة موقف وارفعوا على بطن عرنة ] رواه ابن ماجة ولأنه لم يقف بعرفة فلم يجزئه كما لو وقف بمزدلفة والمستحب أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة ويستقبل القبلة لما جاء في حديث جبار أن النبي A جعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة .
فصل : والأفضل أن يقف راكبا على بعيره كما فعل النبي A فإن ذلك أعون له على الدعاء قال أحمد حين سئل عن الوقوف راكبا فقال : النبي A وقف على راحتله وقيل الراجل أفضل لأنه أخف على الراحلة ويحتمل التسوية بينهما .
فصل : والوقوف ركن لا يتم الحج إلا به إجماعا وقد روى الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن نعم الديلي قال : [ رأيت رسول الله A بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا : يا رسول الله كيف الحج ؟ قال : الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ] رواه أبو داود و ابن ماجة قال محمد بن يحيى : ما أرى للثوري حديثا أشرف منه .
مسألة : قال : فيكبر ويهلل ويجتهد في الدعاء إلى غروب الشمس .
يستحب الاكثار من ذكر الله تعالى والدعاء يوم عرفة فإن يوم ترجى فيه الإجابة : ولذلك أحببنا له الفطر يومئذ ليتقوى على الدعاء مع أن صومه بغير عرفة يعدل سنتين وروى ابن ماجة في سننه قال : قالت عائشة Bها [ إن رسول الله A قال : ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة فإنه ليدنو D ثم يباهي بكم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ] رواه مسلم ويستحب أن يدعو بالمأثور من الأدعية مثل ما روي عن علي Bه قال : [ قال رسول الله A : أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ] وكان ابن عمر يقول : الله أكبر ولله الحمد الله أكقبر ولله الحمد الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد اللهم اهدني بالهدى وقني بالتقوى واغفر لي في الآخرة والأولى ويرد يديه ويسكت كقدر ما كان إنسان قارئا فاتحة الكتاب ثم يعود فيرفع يديه ويقول مثل ذلك ولم يزل يفعل مثل ذلك حتى أفاض وسئل سفيان بن عيينه عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء فقال : أما سمعت قو الشاعر : .
( أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حباؤك أن شيمتك الحباء ) .
( إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء ) .
وروى من دعاء النبي A بعرفة : [ اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي تعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليه ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خشعت لك رقبته وذل لك جسده وفاضت لك عينه ورغم لك أنفه ] روينا عن سفيان الثوري أنه قال : سمعت أعرابيا وهو مستلق بعرفة يقول : إلهي من أولى بالزلل والتقصير منى وقد خلقتني ضعيفا ومن أولى بالعفو عني منك وعلمك في سابق وأمرك بي محيط أطعتك بإذنك والمنة لك وعصيتك بعلمك والحجة لك فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتي وبفقري إليك وغناك عني أن تغفر لي وترحمني إلهي لم أحسن حتى أعطيتني ولم أسئ حتى قضيت علي اللهم أطعتك بنعمتك في أحب الأشياء إليك شهادة إن له إله إلا الله ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك الشرك بك فاغفر لي ما بينهما اللهم أنت أنس المؤنسين لأوليائك وأقربهم بالكفاية من المتوكلين عليك تشاهدهم في ضمائرهم وتطلع على سرائرهم وسري اللهم لك مكشوف وأنا إليك ملهوف إذا أوحشتني الغربة آنسني ذكرك وإذا أصمت علي الهموم لجأت إليك استجارة بك عليما بأن أزمة الأمور بيدك ومصدرها عن قضائك وكان إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول : الهم قد آوتني من ضناي وبصرتني من عماي وأنقذتني من جهلي وجفائي أسألك ما يتم به فوزي وما أؤمل في عاجل دنياي وديني ومأمول أجلي ومعادي ثم ما لا أبلغ أداء شكره ولا أنال إحصاءه وذكره إلا بتوفيك وإلهامك إن هيجت قلبي القاسي على الشخص إلى حرمك وقويت أركاني الضعيفة لزيارة عتيق بيتك ونقلت بدني لاشهادي مواقف حرمك اقتداء بسنة خليلك واحتذاء على مثال رسولك واتباعا لآثار خيرتك وأنبيائك وأصفيائك صلى الله عليهم وأدعوك في مواقف والأنبياء عليهم السلام ومناسك السعداء ومساجد الشهداء دعاء من أتاك لرحمتك راجيا وعن وطنه نائيا ولقضاء نسكه مؤديا ولفرائضك قاضيا ولكتابك تاليا ولربه D داعيا ملبيا ولقلبه شاكيا ولذنبه خاشيا ولحظة مخطئا ولرهنه مغلقا ولنفسه ظالما وبجرمه عالما دعاء من عمت عيوبه وكثرت ذنوبه وتصرمت أيامه واشتدت فاقته وانقطعت مدته دعاء من ليس لذنبه سواك غافرا ولا لعيبه غيرك مصلحا ولا لضعفه غيرك مقويا ولا لكسره غيرك جابرا ولا لمأمول خير غيرك معطيا ولا لما يتخوف من حر ناره غيرك معتقا اللهم وقد أصبحت في بلد حرام في شهر حرام في قيام من خير الانام أسألك أن تجعلني أشقي خلقك المذنبين عند ولا أخيب الراجين لديك لا أحرم الآملين لرحمتك الزائرين لبيتك ومن مظالمي ما قد أحصيت من بلادك اللهم وقد كان تقصيري ما قد عرفت ومن توبيقي نفسي ما قد فرجت ودعاء قد استجيبت وشدة قد أزلت ورخاء قد أنلت منك النعماء وحسن القضاء ومني الجفاء وطول الاستقصاء والتقصير عن أداء شكرك لك النعماء يا محمود فلا يمنعنك يا محمود من اعطائي مسألتي من حاجتي إلى حيث انتهى لها سؤالي ما تعرف من تقصيري وما تعلم من ذنوبي وعيوبي اللهم فأدعوك راغبا وأنصب لك وجهي طالبا وأضع لك خدي مذنبا راهبا فتقبل دعائي وارحم ضعفي واصلح الفساد من أمري واقطع من الدنيا همي وحاجتي واجعل فيما عند رغبتي اللهم واقلبي منقلب المدركين لرجائهم المقبول منقلب من لا يعصي لك بعده أمرا ولا يأتي من بعده مأثما ولا يركب بعده جهلا ولا يحمل بعده وزرا منقلب من عمرت قلبه بذكرك ولسانه بشكرك وطهرت الأدناس من بدنه واستودعت الهدي قلبه وشرحت بالإسلام صدره وأقررت بعفوك قبل الممات عينه وأغضضت عن المآثم بصره واستشهدت في سبيلك نفسه يا أرحم الراحمين وصلى لله علي سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا كما تحب وبنا وترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وقول الخرقي : إلى غروب الشمس معناه ويجب عليه الوقوف إلى غروب الشمس ليجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة فإن النبي صلى الله عليه وسل موقف بعرفة حتى غابت الشمس في حديث جابر وفي حديث علي وأسامة أن النبي A دفع حين غابت الشمس فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا مالكا قال : لا حج له قال ابن اعبد البر : لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك وحجته ما روى ابن عمر [ أن النبي A قال : من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل ] .
ولنا ما [ روى عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال : أتيت رسول الله A بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبل وطي أكللت راحلتي وأتبعت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله A : من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى يدفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أونهارا فقد تم حجه وقضي تفثه ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ولأنه وقف في زمن الوقوف فأجزأه كالليل فأما خبره فإنما خص الليل لأن الفوات يتعلق به إذا كان يوجد بعد النهار فهو آخر وقت الوقوف كما [ قال عليه السلام : من أدرك ركعت من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ] .
وعلى من دفع قبل الغروب دم في قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و الثوري و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ومن تبعهم وقال ابن جريج عليه بدنة وقال الحسن البصري عليه هدي من الإبل ولنا أنه واجب لا يفسد الحج بفواته فلم يوجب البدنة كالإحرام من الميقات .
فصل : فإن دفع قبل الغروب ثم عاد نهارا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه وبهذا قال مالك والشافعي وقال الكوفيون وأبو ثور عليه دم لأنه بالدفع لزمه الدم فلم يسقط برجوعه كما لو عاد بعد غروب الشمس .
ولنا أنه أتى بالواجب وهو الجمع بين الوقوف في الليل والنهار فلم يجب عليه دم كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم رجع فأحرم منه فإن لم يعد حتى غربت الشمس فعله دم لأن عليه الوقوف حال الغروب وقد فاته بخروجه فأشبه من تجاوز الميقات غير محمر فأحرم دونه ثم عاد إليه ومن لم يدرك جزءا من النهار ولا جاء عرفة حتى غابت الشمس فوقف ليلا فلا شيء عليه وحجه تام لا نعلم مخالفا لقول النبي A : [ من أدرك عرفات بليل ] ولأنه لم يدرك جزءا من النهار فأشبه من منزله دون الميقات إذا أحرم منه .
فصل : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر م يوم النحر لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن آخر الوقت طلوع فجر يوم النحر قال جابر : لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع قال أبو الزبير : فقلت له أقال رسول الله A ذلك ؟ قال : نعم رواه الأثرم وأما أوله فمن طلوع الفجر يوم عرفة فمن أدرك عرفة في شيء من هذا الوقت وهو عاقل فقد تم حجه وقال مالك و الشافعي أول وقته زوال الشمس من يوم عرفة واختاره أبو حفص العكبري وحمل عليه كلام الخرقي وحكى ابن عبد البر ذلك إجماعا وظاهر كلام الخرقي ما قلناه فإنه قال : ولو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل الإمام فعليه دم .
ولنا قول النبي A [ من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه ] ولأنه يم يوم عرفة فكان وقتا للوقوف كبعد الزوال وترك الوقوف لا يمنع كونه وقتا للوقوف كبعد العشاء وإنما وقفوا في وقت الفضيلة ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف .
فصل : وكيفما حصل بعرفة وهو عاقل أجزأه قائما أو جالسا أو راكبا أو نائما وإن مر بها مجتازا فلم يعلم أنها عرفة أجزأه أيضا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال أبو ثور لا يجزئه لأنه لا يكون واقفا إلا بإرادة .
ولنا عموم قوله A : [ وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا ونهارا ] ولأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وهو عاقل فأجزأه كما لو علم وإن وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ولم يفق حتى خرج منها لم يجزئه وهو قول الحسن و الشافعي و أبي ثور و إسحاق و ابن المنذر وقال عطاء في المغمى عليه يجزئه وهو قول مالك وأصحاب الرأي وقد توقف أحمد C في هذه المسألة وقال : الحسن يقول : بطل حجه وعطاء يرخص فيه وذلك لأنه لا يعبر له نية ولا طهارة ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة ومن نصر الأول قال : ركنا من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه قال ابن عقيل : والسكران كالمغمى عليه لأنه زائل العقل بغير نوم فأشبه المغمى عليه وأما النائم فيجزئه الوقوف لأنه في حكم المستيقظ .
فصل : ولا يشترط للوقوف طهارة ولا ستارة ولا استقبال ولا نية ولا نعلم في ذلك خلافا قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوقوف بعرفة غير طاهر يندرك للحج ولا شيء عليه وفي [ قول النبي A لعائشة : افعلي ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت ] دليل على أن الوقوف بعرفة على غير طهارة جائز ووقفت عائشة Bها بها حائضا بأمر النبي A ويستحب أن يكون طاهرا قال أحمد : يستحب له أن يشهد المناسك كلها على وضوء كان عطاء يقول : لا يقضي شيئا من المناسك إلا على وضوء