الموالاة بين الطواف والسعي محمولا أو راجلا .
مسألة : قال : وإن أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة وهو يطوف أو يسعى فإذا صلى بنى .
وجملة ذلك أنه إذا تلبس بالطواف أو بالسعي ثم أقيمت المكتوبة فإنه يصلي مع الجمعة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسالم وعطاء والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي روي ذلك عنهم في السعي وقال مالك : يمضي في طوافه ولا يقطعه إلا أن يخاف أن يضر الوقت الصلاة لأن الطواف صلاة فلا يقطعه لصلاة أخرى .
ولنا قول النبي A : [ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ] والطواف صلاة فيدخل تحت عموم الخبر وإذا ثبت ذلك في الطواف بالبيت مع تأكده ففي السعي بين الصفا والمروة أولى مع أنه قول ابن عمر ومن سميناه من أهل العلم ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا وإذا صلى بنى على طوافه وسعيه في قول من سمينا من أهل العلم قال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا الحسن فإنه قال : يستأنف وقول الجمهور أولى لأن هذا فعل مشروع في أثناء الطواف فلم يقطعه كاليسير وكذلك الحكم في الجنازة إذا حضرت يصلي عليها ثم يبني على طوافه لأنها تفوت بالتشاغل عنها قال أحمد : ويكون ابتداؤه من الحجر يعني أنه يبتدئ الشوط الذي يقطعه من الحجر حين شرع في البناء .
فصل : فإن ترك الموالاة لغير ما ذكرنا وطال الفصل ابتدأ الطواف وإن لن يطل بنى ولا فرق بين ترك الموالاة عمدا أو سهوا مثل من يترك شوطا من الطواف يحسب أنه قد أتمه وقال أصحاب الرأي فيمن طاف ثلاثة أشواط من طواف الزيارة ثم رجع إلى بلده لعيه أن يعود فيطوف ما بقي .
ولنا [ أن النبي A والى بين طوافه وقال : خذوا عني مناسككم ] ولأنه صلاة فيشترط كسائر الصلوات أو نقول عبادة متعلقة بالبيت فاشترطت لها الموالاة كالصلاة ويرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف من غير تحديد وقد روي عن أبي عبد الله C رواية أخرى إذا كان له عذر يشغله بنى وإن قطعه من غير عذر أو لحاجة استقبل الطواف وقال : إذا أعيا في الطواف لا بأس أن يستريح وقال : الحسن غشي عليه فحمل إلى أهله فلما أفاق أتمه قال أبو عبد الله : فإن شاء أتمه وإن شاء استأنف وذلك لأنه قطعه لعذر فجاز البناء عليه كما لو قطعه لصلاة .
فصل : فأما السعي بين الصفا والمروة فظاهر كلام أحمد أن الموالاة غير مشترطة فيه فإنه قال في رجل كان بين الصفا والمروة فلقيه فإذا يعرفه يقف فيسلم عليه ويسائله ؟ قال : نعم أمر الصفا سهل إنما كان يكره الوقوف في الطواف بالبيت فأما بين الصفا والمروة فلا بأس وقال القاضي : تشترط الموالاة فيه قياسا على الطواف وحكاه أبو الخطاب رواية عن أحمد والأول أصح فإنه نسك لا يتعلق بالبيت فلم تشترط له الموالاة كالرمي والحلاق وقد روي الأثرم أن سودة بنت عبد الله بن عمر امرأة عروة بن الزبير سعت بين الصفا والمروة فقضت طوافها في ثلاثة أيام وكانت ضخمة وكان عطاء لا يرى بأسا أن يستريح بينهما ولا يصح قياسه على الطواف لأن الطواف يتعلق بالبيت وهو صلاة وتشترط له الطهارة والستارة فاشترطت له الموالاة بخلاف السعي .
مسألة : قال : وإن أحدث في بعض طوافه تطهر وابتدأ الطواف إذا كان فرضا .
أما إذا أحدث عمدا فإنه يبتدئ الطواف لأن الطهارة شرط له فإذا أحدث عمدا أبطله كالصلاة وإن سبقه الحدث ففيه روايتان .
إحداهما : يبتدئ أيضا وهو قول الحسن و مالك قياسا على الصلاة والرواية الثانية : يتوضأ ويبنى وبها قال الشافعي و إسحاق قال حنبل عن أحمد فيمن طاف ثلاثة أشواط أو اكثر يتوضأ بنى وإن شاء استأنف قال أبو عبد الله : يبني إذا لم يحدث حدثا إلا الوضوء فإن عمل عملا غير ذلك استقبل الطواف وذلك لأن الموالاة تسقط عد العذر في إحدى الروايتين وهذا معذور فجاز البناء وإن اشتغل بغير الوضوء فقد ترك الموالاة لغير عذر فلزمه الابتداء إذا كان الطواف فرضا فأما المسنون فلا يجب إعادته كالصلاة المسنونة إذا بطلت .
مسألة : قال : ومن طاف وسعى محمولا لعلة أجزأه .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر فإن ابن عباس روى [ أن النبي A طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ] و [ عن أم سلمة قالت : شكوت إلى رسول الله A أني أشتكي فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ] متفق عليهما وقال جابر : [ طاف النبي A على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه فإن الناس غشوه ] والمحمول كالراكب فيما ذكرناه .
فصل : فأما الطواف راكبا أو محمولا لغير عذر فمفهوم كلام الخرقي أنه لا يجزئ وهو إحدى الروايات عن أحمد ل [ أن النبي A قال : الطواف بالبيت صلاة ] ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكبا لغير عذر كالصلاة .
والثانية : يجزئه ويجبره بدم وهو قول مالك وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال يعيد ما كان بمكة فإن رجع جبره بدم لأنه ترك صفة واجبة في ركن الحج فأشبه ما لو وقف بعرفة نهارا ودفع قبل غروب الشمس .
والثالثة : يجزئه ولا شيء عليه اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي و ابن المنذر لأن النبي A طاف راكبا قال ابن المنذر : لا قول لأحد مع فعل النبي A ولأن الله تعالى أمر الطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه ولا يجوز تقييد المطلق بغير دليل ولا خلاف في أن الطواف راجلا أفض لأن أصحاب النبي A طافوا مشيا والنبي A في غير حجة الوداع طاف مشيا وفي [ قول أم سلمة : شكوت إلى النبي A أني أشتكي فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ] دليل على أن الطواف إنما يكون مشيا وإنما طاف النبي A راكبا لعذر فإن ابن عباس روى أن رسول الله A كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله A لا يضرب الناس بين يديه فما كثروا عليه ركب رواه مسلم وكذلك في حديث جابر : فإن الناس غشوة وروي عن ابن عباس أن رسول الله A طاف راكبا لشكاة به وبهذا يعتذر من منع الطواف راكبا عن طواف النبي صلى لله عليه وسلم والحديث الأول أثبت فعلى هذا يكون كثرة الناس وشدة الزحام وعذرا ويحتمل أن يكون النبي A قصد تعليم الناس مناسكهم فلم يتمكن منه إلا بالركوب والله أعلم .
فصل : إذا طاف راكبا أو محمولا فلا رمل عليه وقال القاضي : يخب به بعيره والأول أصح لأن النبي A لم يفعله ولا أمر به ولأن معنى الرمل لا يتحقق فيه .
فصل : فأما السعي راكبا فيجزئه لعذر ولغير عذر لأن المعنى الذي منع الطواف راكبا غير موجود فيه