السعي بين الصفا والمروة .
مسألة : قال : ويخرج إلى الصفا من بابه فيقف عليه فيكبر الله D ويهلله ويحمده ويصلي على النبي A .
وجملة ذلك أنه إذا فرغ من طوافه وصلى ركعتين واستلم الحجر فيستحب أن يخرج إلا الصفا من بابه فيأتي الصفا فيرقي عليه حتى يرى الكعبة ثم يستقبلها فيكبر الله D ويهلله ويدعو بدعاء النبي A وما أحب من خير الدنيا والآخرة [ قال جابر في صفة حج النبي A : بعد ركعتي الطواف ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبر وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال : مثل هذا ثلاث مرات ] قال أحمد : ويدعو بدعاء ابن عمر ورواه عن إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه فيكبر سبع مرارا ثلاثا ثلاثا يكبر ثم يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ثم يدعو فيقول : اللهم اعصمني بدينك وطواعتيك وطواعيه رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطئيتي يوم الدين اللهم قلت قولك الحق { ادعوني أستجب لكم } وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني على الإسلام اللهم لا تقدمني إلى العذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن قال : ويدعو دعاء كثيرا حتى أنه ليملنا وأنا لشباب وكان إذا أتى على المسعى سعى وكبر وكل ما دعا به فهو جائز .
فصل : فإن لم يرق على الصفا فلا شيء عليه قال القاضي : لكن يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقيبة بأسفل الصفا ثم يسعى إلى المروة فإن لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة والصعود عليها هو الأولى اقتداء بفعل النبي A فإن ترك مما بينهما شيئا ولو ذراعا لم يجزئه حتى يأتي به والمرأة لا يسن له أن ترقى لئلا تزاحم الرجال وترك ذلك أستر لها ولا ترمل في طواف ولا سعي والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم الرجل .
مسألة : قال : ثم ينحدر من الصفا فيمشي حتى يأتي العلم الذي في بطن الوادي فيرمل من العلم إلى العلم ثم يمشي حتى يأتي فيقف عليها ويقول كما قال على الصفا وما دعا به أجزأه ثم ينزل ماشيا إلى العلم ثم يرمل حتى يأتي العلم يفعل ذلك سبع مرات يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختم بالمروة .
هذا وصف السعي وهو أن ينزل من الصفا فيمشي حتى يأتي العلم ومعناه يحاذي العم وهو الميل الأخضر المعلق في ركن المسجد فإذا كان منه نحوا من ستة أذرع سعي سعيا شديدا حتى يحاذى العلم الآخر وهو الميلان الأخضران اللذان بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يترك السعي ويمشي حتى يأتي المروة فيستقبل القبلة ويدعو بمثل دعائه على الصفا وما دعا به فجائز في الدعاء مؤقت ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعية ويكثر ن لادعاء والذكر فيما بين ذلك قال أبو عبد الله : كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال : رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الاكرم و [ قال النبي A : إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله تعالى ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح حتى يكمل سبعة أشواط يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية وحكى عن ابن جرير وبعض أصحاب الشافعي أنهم قالوا : ذهابه ورجوعه سعية وهذا غلط ل [ أن جابرا قال في صفة حج النبي A : ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا فلما كان آخر طوافه على المروة قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ] وهذا يقتضي أنه آخر طوافه ولو كان على ما ذكروه كان آخر طوافه عند الصفا في الموضع الذي بدأ منه ولأنه في كل مرة طائف بهما فينبغي أن يحتسب بذلك مرة كما أنه إذا طاف بجميع البيت احتسب به مرة .
مسألة : قال : ويفتتح بالصفا ويختتم بالمروة .
وجملة ذلك أن الترتيب شرط في السعي وهو أن يبدأ بالصفا فإن بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك ل [ أن النبي A بدأ بالصفا وقال : نبدأ بما بدا الله به ] وهذا قول الحسن و مالك و الشافعي و الأوزاعي وأصحاب الرأي وعن ابن عباس قال : قال الله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } فبدأ بالصفا وقال : اتبعوا القرآن فما بدا الله فابدأوا به .
مسألة : قال : ومن نسي الرمل في بعض سعية فلا شيء عليه .
وجملة ذلك أن الرمل في بطن الوادي سنة مستحبة لأن النبي A سعى وسعى أصحابه فروت صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة قال : [ رأيت رسول الله A يسعى بين الصفا والمروة ويقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا ] وليس ذلك بواجب ولا شيء على تاركه فإن ابن عمر قال : إن أسع بين الصفا والمروة فقد رأيت رسول الله A يسعى وإن أمش فقد رأيت رسول الله A يمشي وأنا شيخ كبير رواهما ابن ماجة وروى هذا أبو داود ولأن ترك الرمل في الطواف بالبيت لا شيء فيه فبين الصفا والمروة أولى .
فصل : واختلفت الرواية في السعي فروي عن احمد أنه ركن لا يتم الحج إلا به وهو قول عائشة و عروة و مالك و الشافعي لما روي [ عن عائشة قالت : طاف رسول الله A وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة فكانت سنة ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة ] رواه مسلم و [ عن حبيبة بنت أبي شجراء إحدى نساء بني عبد الدار قالت : دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله A وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه حتى إني لأقول إني لأرى ركبتيه وسمعته يقول : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ] رواه ابن ماجة ولأنه نسك في الحج والعمرة فكان ركنا فيهما كالطواف بالبيت وروي عن أحمد أنه سنة لا يجب بتركه دم روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وابن سيرين لقول الله تعالى : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ونفي الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه فإن هذا رتبة المباح وإنما تثبت سنيته بقوله : من شعائر الله وروي أن مصحف أبي وابن مسعود : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وهذا إن لم يكن قرآنا فلا ينحط عن رتبة الخبر لأنهما يرويانه عن النبي A ولأنه نسك ذو عدد لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركنا كالرمي وقال القاضي هو واجب وليس بركن إذا تركه وجب عليه دم وهو مذهب الحسن وأبي حنيفة والثوري وهو أولى لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب لا على كوه لا يتم الحج إلا به وقول عائشة في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة وحديث بنت أبي شجرة قال ابن المنذر يرويه عبد الله بن المؤمل وقد تكلموا في حديثه ثم هو يدل على انه مكتوب وهو الواجب وأما الآية فإنها نزلت لما تحرج ناس من السعي في الإسلام لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية لأجل صنمين كانا على الصفا والمروة كذلك قالت عائشة