ولا يستلم من الأركان إلا الأسود واليماني .
مسألة : قال : ولا يستلم ولا يقبل من الأركان إلا الأسود واليماني : .
الركن اليماني قبلة أهل اليمن ويلي الركن الذي فيه الحجر الأسود وهو آخر ما يمر عليه من الأركان في طوافه وذلك أنه يبدأ بالركن الذي فيه الحجر الأسود وهو قبلة أهل خراسان فيستلمه ويقبله ثم يأخذ على يمين نفسه ويجعل البيت على يساره فإذا انتهى إلى الركن الثاني وهو العراقي لم يستلمه فإذا مر بالثالث وهو الشامي لم يستلمه أيضا وهذان الركنان يليان الحجر فإذا وصل إلى الرابع وهو الركن اليماني استلمه قال الخرقي : ويقبله والصحيح عن أحمد أنه لا يقبله وهو قول أكثر أهل العلم وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يستلمه قال ابن عبد البر جائز عند أهل العلم أن يستلم الركن اليماني والركن الأسود لا يختلفون في شيء من ذلك وإنما الذي فرقوا به بينهما التقبيل فرأوا التقبيل الأسود ولم يروا تقبيل اليماني وأما استلامهما فأمر مجمع عليه وقد روى مجاهد عن ابن عباس قال : [ رأيت رسول الله A إذا استلم الركن قبله ووضع خده الأيمن عليه ] قال : وهذا لا يصح وإنما يعرف التقبيل في الحجر الأسود وحده وقد روى ابن عمر [ أن رسول الله A كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني ] و [ قال ابن عمر : ما تركت استلام هذين الركنين اليماني والحجر منذ رأيت رسول الله A يستلمهما في شدة ولا رخاء ] رواهما مسلم ولأن الركن اليماني مبنى على قواعد إبراهيم عليه السلام فسن استلامه كالذي فيه الحجر وأما تقبيله فلم يصح عن النبي A فلا يسن وأما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يسن استلامهما في قول أكثر أهل العلم وروي عن معاوية وجابر وابن الزبير والحسن والحسين وأنس وعروة استلامهما وقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجورا .
ولنا قول ابن عمر أن رسول الله A كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني وقال : ما أراه - يعني النبي A - لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك وروي عن ابن عباس أن معاوية طاف فجعل يستلم الأركان كلها فقال له ابن عباس : لم تستلم هذين الركنين ولم يكن النبي A يستلمها ؟ فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجورا فقال ابن عباس : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } فقال معاوية : صدقت ! ولأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم فلم يسن استلامهما كالحائط الذي يلي الحجر .
فصل : ويستلم الركنين الأسود واليماني في كل طوافه لأن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوافه ] قال نافع : وكان ابن عمر يفعله رواه أبو داود وإن لم يتمكن من تقبيل الحجر استلمه وقبل يده وممن رأى تقبيل اليد عند استلامه ابن عمر وجابر وأبو هريرة وأبو سعيد وابن عباس و سعيد بن جبير و عطاء و عروة و أيوب و الثوري و الشافعي و إسحاق وقال مالك : يضع يده على فيه من غير تقبيل وروي أيضا عن القاسم بن محمد .
ولنا أن النبي A استلمه وقبل يده أخرجه مسلم وفعله أصحاب النبي صلى الله وسلم وتبعهم أهل العلم على ذلك فلا يعتد بمن خالفهم وإن كان في يده شيء يمكن أن يستلم الحجر به استلمه وقبله لما روي [ عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله A يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن ] رواه مسلم فإن لم يمكنه استلامه أشار إليه وكبر لما روى البخاري بإسناده عن ابن عباس قال : [ طاف النبي A على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر ] .
فصل : ويكبر كلما أتى الحجر أو حاذاه لما رويناه ويقو بين الركنين : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } لما روى الإمام أحمد في المناسك [ عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي A يقول : بين ركن بني جمح والركن الأسود : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ] .
وعن أبي هريرة [ أن النبي A قال : وكل به - يعني الركن اليماني - سبعون ألف ملك فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والأخرة : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } قالوا آمين ] وعن ابن عباس أنه كان إذا جاء الركن اليماني قال : اللهم قنعني بما رزقتني واخلف لي على كل غائبة بخير .
ويستحب أن يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وكان عبد الرحمن بن عوف يقول : رب قني شح نفسي وعن عروة قال : كان أصحاب النبي A يقولون : لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعدما أمتا ومهما أتى به من الدعاء والذكر فحسن قالت عائشة : [ قال رسول الله A : إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ] رواه الأثرم و ابن المنذر