ما يلزم بإفساد الحج وكيف يقضي الحج من أفسده .
مسألة : قال : فإن قال أنا أرفض إحرامي فلبس الثياب وذبح الصيد وعمل ما يعمله الحلال كان عليه في كل فعل فعله دم وإن كان وطئ فعليه للوطء بدنة مع ما يجب عليه من الدماء .
وجملة ذلك أن التحلل من الحج لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أشياء : كما أفعاله أو التحلل عند الحصر أو بالعذر إذا شرط وما عدا هذا فليس له أن يتحلل به فإن نوى التحلل لم يحل ولا يفسد الإحرام برفضه لأنه عبادة لا يخرج منها بالفساد فلا يخرج منه برفضها بخلاف سائر العبادات ويكون الإحرام باقيا في حقه تلزمه أحكامه ويلزمه جزاء كل جناية جناها عليه وإن وطئ أفسد حجه وعليه لذلك بدنة مع ما وجب عليه من الدماء سواء كان الوطء قبل الجنايات أو بعدها فإن جناية على الإحرام الفاسد توجب الجزاء كالجناية على الصحيح وليس عليه لرفضه الإحرام شيء لأنه مجرد نية لم تؤثر شيئا .
مسألة : قال : ويمضي في الحج الفاسد ويحج من قابل .
وجملة ذلك أن الحج لا يفسد إلا بالجماع فإذا فسد فعليه إتمامه وليس له الخروج منه روي ذلك عن عمر و علي و أبي هريرة و ابن عباس Bهم وبه قال أبو حنيفة و الشافعي وقال الحسن و مالك ويجعل الحجة عمرة ولا يقيم على حجة فاسدة وقال داود يخرج بالإفساد من الحج والعمرة لقول النبي A : [ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ] .
ولنا عموم قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا لأنه معنى يجب به القضاء فلم يخرج به منه كالفوات والخبر لا يلزمنا لأن المضي فيه بأمر الله وإنما وجب القضاء لأنه لم يأت به على الوجه الذي يلزمه بالإحرام ونخص مالكا بأنها حجة لا يمكنه الخروج منها بالإخراج فلا يخرج منها إلى عمرة كالصحيحة إذا ثبت هذا فإنه لا يحل من الفاسد بل يجب عليه أن يفعل بعد الإفساد كل ما يفعله قبله ولا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة والرمي ويجتنب بعد الفاسد كل ما يجتنبه قبله من الوطء ثانيا وقتل الصيد والطيب واللباس ونحوه وعليه الفدية في الجناية على الإحرام الفاسد كالفدية في الجناية على الإحرام الصحيح فأما الحج من قابل فيلزمه بكل حال لكن إن كانت الحجة التي أفسدها واجبة بأصل الشرع أو النذر أو قضاء كانت الحجة من قابل مجزئه قضاؤها لأنه بالدخول في الإحرام صار الحج عليه واجبا فإذا أفسده وجب قضاؤه كالمنذور ويكون القضاء على الفور ولا نعلم فيه مخالفا لأن الحج الأصلي واجب على الفور فهذا أولى لأنه قد تعين بالدخول فيه والواجب بأصل الشرع لم يتعين بذلك .
فصل : ويحرم بالقضاء من أبعد الموضعين الميقات أو موضع إحرامه الأول لأنه إن كان الميقات أبعد فلا يجوز له تجاوز الميقات بغير إحرام وإن كان موضع إحرامه أبعد فعليه الإحرام بالقضاء منه نص عليه أحمد وروي ذلك عن ابن عباس و سعيد بن المسيب و الشافعي و إسحاق واختاره ابن المنذر وقال النخعي يحرم من موضع الجماع لأنه موضع الفساد .
ولنا إنها عبادة فكان قضاؤها على حسب أدائها كالصلاة .
فصل : وإذا قضيا تفرقا من موضع الجماع حتى يقضيا حجهما روي هذا عن عمر وابن عباس وروى سعيد و الأثرم باسناديهما عن عمر أنه سئل عن رجل وقع بامرأته وهما محرمان فقال : أتما حجكما فإذا كان عام قابل فحجا واهديا حتى إذا بلغتما المكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما فتفرقا حتى تحلا ورويا عن ابن عباس مثل ذلك وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء و النخعي و الثوري و الشافعي وأصحابه الرأي وروي عن أحمد أنهما يتفرقان من حيث يحرمان حتى يحلا ورواه مالك في الموطأ عن علي Bه وروي عن ابن عباس وهو قول مالك لأن التفريق بينهما خوفا من معاودة المحظور وهو يوجد في جميع إحرامهما ووجه الأول أن قبل موضع الإفساد إحرامهما فيه صحيحا فلم يجب التفريق فيه كالذي لم يفسد وإنما اختص التفريق بموضع الجماع لأنه ربما يذكره برؤية مكانه فيدعوه ذلك إلى فعله ومعنى التفرق أن لا يركب معها في محمل ولا ينزل معها في فسطاط ونحوه قال أحمد : يتفرقان في النزول وفي المحمل والفسطاط ولكن يكون بقربها وهل يجب التفريق أو يستحب ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجب وهو قول أبي حنيفة لأنه لا يجب الفريق في قضاء رمضان إذا أفسداه كذلك الحج والثاني : يجب لأنه روي عمن سمينا من الصحابة الأمر به ولم نعرف لهم مخالفا ولأن الإجماع في ذلك الموضع يذكر الجماع فيكون من دواعيه والأول أولى لأن حكمة التفريق الصيانة عما يتوهم من معاودة الوقاع عند تذكره برؤية مكانه وهذا وهم بعيد لا يقضي الإيجاب .
فصل : والعمرة فيما ذكرناه كالحج فإن كان المعتمر مكيا - أحرم بها من الحل - أحرم للقضاء من الحل وإن كان أحرم بها من الحرم أحرم للقضاء من الحل ولا فرق بين المكي ومن حصر بها من المجاورين وإن أفسد المتمتع عمرته ومضى في فاسدها فأتمها فقال أحمد : يخرج إلى الميقات فيحرم منه للحج فإن خشي الفوات أحرم من مكة وعليه دم فإذا فرغ من حجة خرج إلى الميقات فأحرم منه بعمرة مكان التي أفسدها وعلي هدي يذبحه إذا قدم مكة لما أفسده من عمرته ولو أفسد الحاج حجته وأتمها فله الإحرام بالعمرة من أدنى الحل كالمكيين .
فصل : وإذا أفسد القضاء لم يجب عليه قضاؤه وإنما يقضي عن الحج الأول كما لو أفسد الصلاة كالصيام وجب القضاء للأصل دون القضاء كذا ههنا وذلك لأن الواجب لا يزداد بفواته وإنما يبقى ما كان واجبا في الذمة على ما كان عليه فيؤديه القضاء