ما يحرم ويضمن في الحرم كالإحرام وما يستثنى .
فصل : وما يحرم ويضمن في الإحرام ويحرم ويضمن في الحرم وما لا فلا إلا شيئين .
أحدهما : القمل مختلف في قتله في الإحرام وهو مباح في الحرم بلا اختلاف لأنه حرم في الإحرام للترفه بقتله وإزالته لا لحرمته ولا يحرم الترفه في الحل فأشبه ذلك قص الشعر وتقليم الظفر .
الثاني : صيد البحر مباح في الإحرام بغير خلاف ولا يحل صيده من آبار الحرم وعيونه وكرهه جابر بن عبد الله لعموم قوله عليه والسلام : [ لا ينفر صيدها ] ولأن الحرمة تثبت للصيد كحرمة المكان وهو شامل لكل صيد ولأنه صيد غير مؤذ فأشبه الظباء وعن أحمد رواية أخرى أنه مباح لأن الإحرام لا يحرمه فأشبه السباع والحيوان الأهلي .
فصل : ويضمن صيد الحرم في حق المسلم والكافر والكبير والصغير والحر والعبد لأن الحرمة تعلقت بمحله بالنسبة إلى الجميع فوجب ضمانه كالآدمي .
فصل : ومن ملك صيدا في الحل فأدخله الحرم لزمه رفع يده عنه وإرساله فإن تلف في يده أو أتلفه فعليه ضمانه كصيد الحل في حق المحرم وقال عطاء : إن ذبحه فعليه الجزاء وروي ذلك عن ابن عمر وممن كره إدخال الصيد الحرم ابن عمر وابن عباس وعائشة و عطاء و طاوس و إسحاق وأصحاب الرأي ورخص فيه جابر بن عبد الله ورويت عنه الكراهة له أخرجه سعيد وقال هشام بن عروة : كان ابن الزبير تسع سنين يراها في الأقفاص وأصحاب النبي A لا يرون به بأسا ورخص فيه سعيد بن جبير و مجاهد و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لأنه ملكه خارجا وحله له التصرف فيه فجاز له ذلك في الحرم كصيد المدينة إذا أدخله حرمها .
ولنا أن الحرم سبب محرم للصيد ويوجب ضمانه فحرم استدامة إمساكه كالإحرام ولأنه صيد ذبحه في الحرم فلزمه جزاؤه كما لو صاده منه وصيد المدينة لا جزاء بخلاف صيد الحرم .
فصل : ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة كصيد الإحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال في الحل أو الحرم وقال القاضي : لا جزاء على الدال إذا كان في الحل والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما على صيده .
ولنا أن قتل الصيد الحرمي حرم على الدال فيضمنه بالدلالة كما لو كان في الحرم يحققه أن صيد الحرم محرم على كل واحد لقوله عليه السلام : [ لا ينفر صيدها ] وفي لفظ [ لا يصاد صيدها ] وهذا عام في حق كل واحد ولأن صيد الحرم معصوم بمحله فحرم قتله عليهما كالملتجئ إلى الحرم وإذا تثبت تحريمه عليهما فيضمن بالدلالة ممن يحرم عليه قتله كما يضمن بدلالة المحرم عليه .
فصل : وإذا رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم فقتله أو أرسل كلبه عليه فقتله أو قتل صيدا على فرع في الحرم أصله في الحل ضمنه وبهذا قال الثوري و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي وحكي أبو الخطاب عن أحمد رواية أخرى لا جزاء عليه في جميع ذلك لأن القاتل حلال في الحل وهذا لا يصح فـ [ إن النبي A قال لا ينفر صيدها ] ولم يفرق بين من هو في الحل والحرم وقد أجمع المسلمين على تحريم صيد الحرم وهذا من صيده ولأن صيد الحرم معصوم بمحله بحرمة الحرم فلا يختص تحريمه بمن في الحرم وكذلك الحكم أن أمسك طائرا في الحل فهلك فراخه في الحرم ضمن الفراخ لما ذكرنا ولا يضمن الأم لأنها من صيد الحل وهو حلال وإن انعكست الحال فرمي من الحرم صيدا في الحل أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل فلا ضمان عليه كما في الحل قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل فلا شيء عليه وحكي عنه رواية أخرى في جميع الصور يضمن وعن الشافعي ما يدل عليه وذهب الثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر فيمن قتل طائرا على غصن في الحل أصله في الحرم لا جزاء عليه وهو ظاهر قول أصحاب الرأي وقال ابن المادشون وإسحاق عليه الجزاء لأن الغصن تابع للأصل وهو في الحرم .
ولنا أن الأصل حل الصيد فحرم صيد الحرم بقوله عليه السلام : [ لا ينفر صيدها ] وبالإجماع فبقي ما عداه على الأصل ولأنه صيد حل صاده حلال فلم يحرم كما لو كانا في الحل ولان الجزاء إنما يجب في صيد الحرم أو صيد المحرم وليس هذا بواحد منهما .
فصل : فإن كان الصيد والصائد في الحل فرمى الصيد بسهمه أو أرسل عليه كلبه فدخل الحرم ثم خرج فقتل الصيد في الحل فلا جزاء فيه وبهذا قال أصحاب الرأي و أبو ثور و ابن المنذر وحكي أبو ثور عن الشافعي أن عليه الجزاء .
ولنا ما ذكرناه قال القاضي : لا يزيد سهمه على نفسه ولو عدا بنفسه فسلك الحرم في طريقه ثم قتل صيدا في الحل لم يكن عليه شيء فسهمه أولى .
فصل : وإن رمى من الحل صيدا في الحل فقتل صيدا في الحرم فعليه جزاؤه وبهذا قال الثوري و إسحاق وأصحاب الرأي وقال أبو ثور : لا جزاء عليه وليس بصحيح لأنه قتل صيدا حرميا فلزمه جزاؤه كما لو رمى حجرا في الحرم فقتل صيدا يحققه أن الخطأ كالعمد في وجوب الجزاء وهذا لا يخرج عن كونه واحدا منهما فأما أن أرسل كلبه على صيد في الحل فدخل الكلب الحرم فقتل صيدا آخر لم يضمنه وهذا قول الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي و أبي ثور و ابن المنذر لأنه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد وإنما دخل باختيار نفسه فهو كما لو استرسل بنفسه من غير إرسال وإن أرسله على صيد فدخل الصيد الحرم ودخل الكلب خلفه فقتله في الحرم فكذلك نص عليه أحمد وهو قول الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر وقال عطاء و أبو حنيفة وصاحباه عليه الجزاء لأنه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه فضمنه كما لو قتله بسهمه واختاره أبو بكر عبد العزيز وحكى صالح عن أحمد أنه قال : إن كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لأنه فرط بإرساله في موضع يظهر أنه يدخل الحرم وإن كان بعيدا لم يضمن لعدم التفريط وهذا قول مالك .
ولنا أنه أرسل الكلب على صيد مباح فلم يضمن كما لو قتل صيدا سواه وفارق السهم لأن الكلب له قصد واختيار ولهذا يسترسل بنفسه ويرسله إلى جهة فيمضي إلى غيرها والسهم بخلافه إذا ثبت هذا فإنه لا يأكل الصيد في هذه المواضع كلها ضمنه أو لم يضمنه لأنه صيد حرمي قتل في الحرم فحرم كما لو ضمنه ولأننا إذا قطعنا فعل الآدمي صار كأن الكلب استرسل بنفسه فقتله ولكن لو رمى الحلال من الحل صيدا في الحل فجرحه وتحامل الصيد فدخل فمات فيه حل أكله ولا جزاء فيه لأن الزكاة حصلت في الحل فأشبه ما لو جرح صيدا ثم أحرمت فمات الصيد بعد إحرامه ويكره أكله لموته في الحرم .
فصل : وإن وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فقتله قاتل ضمنه تغليبا للحرم وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي وإن نفر صيدا من الحرم فأصابه شيء في حال نفوره ضمنه لأنه تسبب إلى اتلافه فأشبه ما لو تلف بشركة أو شبكته وإن سكن من نفوره ثم أصابه شيء فلا شيء على نم نفره نص عليه أحمد وهو قول الثوري : لأنه لم يكن سببا لاتلافه وقد روي عن عمر أنه وقعت على ردائه حمامة فأطارها فوقعت على واقف فانتهزتها حية فاستشار في ذلك عثمان ونافع بن عبد الحارث فحكما عليه بشاة وهذا يدل على أنهم رأوا عليه الضمان بعد سكوته لكن لو انتقل عن المكان الثاني فأصابه شيء فلا ضمان عليه لأنه خرج عن المكان الذي طرد إليه وقول الثوري و أحمد : إنما يدل على هذا لأن سفيان قال : إذا طردت في الحرم شيئا فأصاب شيئا قبل أن يقع أو حين وقع ضمنت وإن وقع من ذلك المكان إلى مكان آخر فليس عليك شيء فقال أحمد : جيد