ما دون الوطء وإحكامه في الحج والخطأ والنسيان سواء .
مسألة : قال : فإن قبل فلم ينزل فعليه دم وإن أنزل فعليه بدنة وعن أبي عبد الله C رواية أخرى إن أنزل فسد حجه .
وجملة ذلك أن الحكم القبلة حكم المباشرة دون الفرج سواء إلا أن الخرقي ذكر في هذه المسألة روايتين في إفساد الحج عند الإنزال ولم يذكر في إفساد الحج في الوطء دون الفرج إلا رواية واحدة وقد ذكرنا أن فيها أيضا روايتين وذكرنا الخلاف فيه لكن نشير إلى الفرق توجيها لقول الخرقي فنقول : إنزال بغير وطء فلم يفسد به الحج كالنظر ولأن اللذة بالوطء فوق اللذة بالقبلة فكانت فوقها في الواجب لأن مراتب أحكام الاستمتاع على وفق ما يحصل به من اللذة فالوطء في الفرج أبلغ الاستمتاع فأفسد الحج مع الإنزال وعدمه والوطء دون الفرج دونه فأوجب البدنة وأفسد الحج عند الإنزال والدم عند عدمه والقبلة دونهما فتكون فيما يجب بها فيجب بها بدنة عند الإنزال من غير إفساد وتكرار النظر دون الجميع فيجب به الدم عند الإنزال ولا يجب عند عدمه شيء ومن جمع بين الوطء دون الفرج والقبلة قال كلاهما مباشرة فاستوى حكمهما في الواجب بهما وقد روى عن ابن عباس أنه قال لرجل قبل زوجته : أفسدت حجتك وروي ذلك عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب و عطاء و ابن سيرين و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي عليه دم وروي ذلك عن الشعبي و سعيد بن جبير وروى الإثرم بإسناده عن عبد الرحمن بن الحارث أن عمر بن عبد الله قبل عائشة بنت طلحة محرما فسأل فأجمع له على أن يهريق دما .
الظاهر أنه لم يكن أنزل لأنه لم يذكر وسواء أمذى أو لم يمذ وقال سعيد بن جبير : ان قبل فمذى أو لم يمذ فعليه دم وسائر اللمس كالقبلة فيما ذكرنا لأنه استمتاع يلتذ به فهو كالقبلة قال أحمد فيمن قبض على فرج امرأته وهو محرم فإنه يهريق دم شاة وقال عطاء : إذا قبل المحرم أو لمس فليهرق دما .
مسألة : قال : وإن نظر فصرف بصره فأمنى فعليه دم وإن كرر النظر حتى أمنى فعله بدنة .
وجملة ذلك أن الحج لا يفسد بتكرار النظر أنزل أو لم ينزل روي ذلك عن ابن عباس وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وروي عن الحسن و عطاء و مالك فيمن ردد النظر حتى أمنى عليه حج قابل لأنه أنزل بفعل محظور أشبه الإنزال بالمباشرة .
ولنا أنه أنزل عن غيره مباشرة فأشبه الإنزال بالفكر والاحتلام والأصل الذي قاسوا عليه ممنوع ثم إن المباشرة أبلغ في اللذة وآكد في استدعاء الشهوة فلا يصح القياس عليه فأما ان نظر ولم يكرر فأمنى فعله شاة وإن كرر فأنزل ففيه روايتان إحداهما : عليه بدنة روي ذلك عن ابن عباس والثانية : عليه شاة وهو قول سعيد بن جبير و إسحاق ورواية ثانية عن ابن عباس وقال أبو ثور : لا شيء عليه وحكي ذلك عن أبي حنيفة و الشافعي لأنه ليس بمباشرة أشبه الفكر .
ولنا أنه إنزال بفعل محظور فأوج الفدية كاللمس وقد روى الأثرم عن ابن عباس أنه قال له رجل : فعل الله بهذه وفعل إنها تطيبت لي فكلمني وحدثني حتى سبقتني الشهوة فقال ابن عباس : أتمم حجك وأهرق دما وروى حنبل في المناسك عن مجاهد أن محرما نظر إلى امرأته حتى أمذى فجعل يشتمها فقال ابن عباس أهرق دما ولا تشتمها .
فصل : فإن كرر النظر حتى أمذى فقال أبو الخطاب : عليه دم وقال القاضي ذكره الخرقي قال القاضي : لأنه جزء من المني ولأنه حصل به التذاذ فهو كاللمس وإن لم يقترن بالنظر منى أو مذي فلا شيء عليه سواء كرر النظر أو لم يكرره وقد روي عن أحمد فيمن جرد امرأته ولم يكن منه غير التجريد أن عليه شاة وهذا محمول على أنه لمس فإن التجريد لا يعرى عن اللمس ظاهرا أو على أنه أمنى أو أمذى أما مجرد النظر فلا شيء فيه فقد كان النبي A ينظر إلى نسائه وهو محرم وكذلك أصحابه .
فصل : فإن فكر فأنزل فلا شيء عليه فإن الفكر يعرض للإنسان من غير إرادة ولا اختيار فلم يعتلق به حكم كما في الصيام وقد [ قال النبي A : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به ] متفق عليه .
فصل : والعمد والنسيان في الوطء سواء نص عليه أحمد فقال : إذا جامع أهله بطل حجه لأنه شيء لا يقدر على رده والشعر إذا حلقه فقد ذهب لا يقدر على رده والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده فهذه الثلاثة العمد والنسيان فيها سواء ولم يذكر الخرقي النسيان ههنا لكن ذكره في الصيام .
وبين أن الوطء في الفرج أو دون الفرج مع الإنزال يستوي عمده وسهوه وما عداه من القبلة واللمس والمذي بتكرار النظر يختلف حكم عمده وسهوه فههنا ينبغي أن يكون مثله لأن الوطء لا يكاد يتطرق النسيان إليه دون غيره ولأن الجماع مفسد للصوم دون غيره فاستوى مده وسهوه كالفوات بخلاف ما دونه والجاهل بالتحريم والمكره في حكم الناسي لأنه معذور وممن قال : ان عمد الوطء ونسيانه سواء أبو حنيفة ومالك والشافعي في قديم قوليه وقال في الجديد : لا يفسد الحج ولا يجب عليه شيء مع النسيان والجهل لأنها عبادة يجب بإفسادها الكفارة فافترق فيها وطء العامد والناسي كالصوم .
ولنا أنه سبب يتعلق به وجوب القضاء في الحج فاستوى عمده وسهوه كالفوات والصوم ممنوع ثم أن الصوم لا تجب الكفارة فيه بالإفساد بدليل أن إفساده بكل ما عدا الجماع لا يوجب كفارة وإنما تجب بخصوص الجماع فافترقا