إفساد الوطء للحج واحكامه .
مسألة : قال : فإن وطىء المحرم في الفرج فأنزل أو لم ينزل فقد فسد حجمهما وعليه بدنه ان كان استكرهها وإن كانت طاوعته فعلى كل واحد منهما بدنة .
إما فساد الحج بالجماع في الفرج فليس فيه اختلاف قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحج لا يفسد باتيان شيء في حال الإحرام إلا الجماع والأصل في ذلك ما روي عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال : إني وقعت بامرأتي ونحن محرمان فقال : أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون وحل إذا حلوا فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وكذلك قال ابن عباس وعبد الله بن عمر ولم نعلم لهم في عصرهم مخالفا روى حديثهم الأثرم في سننه : وفي حديث ابن عباس ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شيء روي فيمن وطئ في حجه وروي ذلك عن عمر Bه وبه قال ابن السميب وعطاء و النخعي و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي ولا فرق بين ما قبل الوقوف وبعده وقال أبو حنيفة : إن جامع قبل الوقوف فسد حجه وإن جامع بعده لم يفسد لقول النبي A : [ الحج عرفة ] ولأنه معنى يأمن به الفوات فأمن به الفساد كالتحلل .
ولنا أن قول الصحابة الذين روينا قولهم مطلق فيمن واقع محرما ولأن جماع صادف إحراما تاما فإفسده كما قبل الوقوف وقوله عليه السلام : [ الحج عرفة ] يعني معظمة أو أنه ركن متأكد فيه ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد بدليل العمرة إذا ثبت هذا فإنه يجب على المجامع بدنه روي ذلك عن ابن عباس وعطاء و طاوس و مجاهد و مالك و الشافعي و أبي ثور وقال الثوري و إسحاق : عليه بدنه فإن لم يجد فشاة قال أصحاب الرأي : ان جامع قبل الوقوف فسد حجه وعليه شاة وإن كان بعده فعليه بدنة وحجه صحيح لأنه قبل الوقوف معنى يوجب القضاء فلم يجب به بدنة كالفوات .
ولنا أنه جماع صادف إحراما تاما فوجبت به البدنة كبعد الوقوف ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يفرقوا بين قبل الوقوف وبعده وأما الفوات فهو مفارق للجماع بالإجماع ولذلك لا يوجبون فيه الشاة بخلاف الجماع وإذا كانت المرأة مكرهة على الجماع فلا هدي عليها ولا على الرجل أن يهدي عنها نص عليه أحمد لأنه جماع يوجب الكفارة فلم تجب به حال الإكراه أكثر من كفارة واحدة كما في الصيام وهذا قول إسحاق وأبي ثور وابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى ان عليه أن يهدي عنها وهو قول عطاء ومالك لأن افساد الحج وجد منه في حقها فكان عليه لإفساد حجها هدي قياسا على حجه وعنه ما يدل على أن الهدي عليها لأن فساد الحج ثبت بالنسبة إليها فكان الهدي عليها كما لو طاوعت ويحتمل أنه أراد أن الهدي عليها يتحمله الزوج عنها فلا يكون رواية ثالثة فأما حال المطاوعة فعلى كل واحد منهما بدنة هذا قول ابن عباس و سعيد ابن المسيب و النخعي و الضحاك و مالك والحكم وحماد لأن ابن عباس قال : اهد ناقة ولتهد ناقة لأنها أحد المتجامعين من غير إكراه فلزمتها بدنة كالرجل وعن أحمد أنه قال : أرجو أن يجزئهما هدي واحد وروي ذلك عن عطاء وهو مذهب الشافعي لأنه جماع واحد فلم يجب أكثر من بدنة كحالة الإكراه والنائمة المكرهة في هذا وأما فساد الحج فلا فرق فيه بين حال الإكراه والمطاوعة لا نعلم فيه خلافا .
فصل : ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر من آدمي أو بهيمة وبه قال الشافعي و أبو ثور : ويتخرج في وطء البهيمة أن الحج لا يفسد به وهو قول مالك وأبي حنيفة لأنه لا يوجب الحد فأشبه الوطء دون الفرج وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أن اللواط والوطء في الدبر لا يفسد الحج لأنه لا يثبت به الاحصان فلم يفسد الحج كالوطء دون الفرج .
ولنا أنه وطء في فرج يوجب الاغتسال فأفسد الحج كوطء الآدمية في القبل ويفارق الوطء دون الفرج فإنه ليس من الكبائر في الأجنبية ولا يوجب مهرا ولا عدة ولا حدا ولا غسلا إلا أن ينزل فيكون كمسألتنا في رواية .
فصل : إذا تكرر الجماع فإن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة ثانية كالأول وإن لم يكن كفر عن الأول فكفارة واحدة وعنه أن لكل وطء كفارة لأنه سبب للكفارة فأوجبها كالأول والمذهب الأول لأنه جماع موجب للكفارة فإذا تكرر قبل التكفير عن الأول لم يوجب كفارة ثانية كما في الصيام وقال أبو حنيفة عليه للوطء الثاني شاة سواء كفر عن الأول أ لم يكفر إلا أن يتكرر الوطء في مجلس واحد على وجه الرفض للإحرام لأنه وطء صادف إحراما ناقص الحرمة فأوجب شاة كالوطء بعد التحلل الأول وقال مالك : لا يجب بالثاني شيء وروي ذلك عن عطاء لأنه لا يفسد الحج فلا يجب به شيء كما لو كان قبل التكفير وقال الشافعي كقولنا وقريبا من قول أبي حنيفة .
ولنا على وجوب البدنة إذا كفر أنه وطئ في إحرام ولم يتحلل منه ولا أمكن تداخل كفارته في غيره فأشبه الوطء الأول ولأن الإحرام الفاسد كالصحيح في سائر الكفارات فكذلك في الوطء ولأنه إذا لم يكفر عن الأول فتتداخل كفاراته كما يتداخل حكم المهر والحد والتحديد بعدم التكفير أولى من التحديد بالمجلس الواحد لما ذكرنا من المهر والحد والتكفير في اليمين والظهار وغيرهما .
مسألة : قال : وإن وطئ دون الفرج فلم ينزل فعليه دم وإن أنزل فعليه بدنة وقد فسد حجه .
أما إذا لم ينزل فإن حجه لا يفسد بذلك لا نعلم أحدا قال بفساد حجه لأنها مباشرة دون الفرج عريت عن الإنزال فلم يفسد بها الحج كاللمس أو مباشرة لا توجب الاغتسال اشبهت اللمس وعليه شاة وقال الحسن فيمن ضرب بيده على فرج جاريته عليه بدنة وعن سعيد بن جبير إذا نال منها ما دون الجماع ذبح بقرة .
ولنا أنها ملامسة من غير إنزال فأشبهت لمس غير الفرج فأما ان أنزل فعليه بدنة وبذلك قال الحسن و سعيد بن جبير و الثوري و أبو ثور وقال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر عليه شاة لأنها مباشرة دون الفرج فأشبه ما لو لم ينزل .
ولنا أنه جماع أوجب الغسل فأوجب بدنة كالوطء في الفرج وفي فساد حجة بذلك روايتان .
إحداهما : يفسد اختارها الخرقي و أبو بكر وهو قول عطاء والحسن والقاسم بن محمد ومالك وإسحاق لأنها عبادة يفسدها الوطء فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصيام .
والثانية : لا يفسد الحج وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وهي الصحيحة إن شاء الله لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج كما لو لم ينزل ولأنه لا نص فيه ولا جماع ولا هو في معنى المنصوص عليه لأن الوطء في الفرج يجب بنوعه الحد ويتعلق به اثنا عشر حكما ولا يفترق فيه الحال بين الإنزال وعدمه والصيام يخالف الحج في المفسدات ولذلك يفسد بتكرار النظر مع الإنزال والمذي وسائر محظوراته والحج لا يفسد بشيء من محظوراته غير الجماع فافترقا والمرأة كالرجل في هذا إذا كانت ذات شهوة وإلا فلا شيء عليها كالرجل إذا لم يكن له شهوة