ولا يدهن ما فيه طيب ولا يتعمد الشم .
مسألة : قال : ولا يدهن بما فيه طيب وما لا طيب فيه .
أما المطيب من الادهان كدهن الورد والنفسج والزنبق والخيري واللينوفر فليس في تحريم الأدهان به خلاف في المذهب وهو قول الأوزاعي وكره مالك و أبو ثور وأصحاب الرأي الادهان بدهن البنفسج وقال الشافعي ليس بطيب .
ولنا أنه يتخذ للطيب وتقصد رائحته فكان طيبا كماء الورد فأما ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج فنقل الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يدهن بالزيت والشيرج فقال : نعم يدهن به إذا احتج إليه ويتداوى المحرم بما يأكل قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أن المحرم أن يدهن بدنه بالشحم والزيت والسمن ونقل الأثرم جواز ذلك عن ابن عباس و أبي ذر والأسود ابن يزيد وعطاء والضحاك وغيرهم ونقل أبو داود عن أحمد أنه قال : الزيت الذي يؤكل لا يدهن المحرم به رأسه فظاهر هذا أنه لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان وهو قول عطاء و مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي لأنه يزيل الشعث ويسكن الشعر فأما دهن سائر البدن فلا نعلم عن أحمد فيه منعا وقد ذكرنا إجماع أهل العلم على إباحته في اليدين وإنما الكراهة في الرأس خاصة لأنه محل الشعر وقال القاضي في إباحته في جميع البدن روايتان فإن فعله فلا فدية فيه في ظاهر كلام أحمد سواء دهن رأسه أو غيره إلا أن يكون مطيبا وقد روي عن ابن عمر أنه صدع وهو محرم فقالوا : ألا ندهنك بالسمن ؟ فقال : لا قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالادهان به وعن مجاهد قال : إن تداوى به فعليه الكفارة وقال : الذين منعوا من دهن الرأس فيه الفدية لأنه مزيل للشعث أشبه ما لو كان مطيبا .
ولنا أن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولا دليل فيه من نص ولا إجماع ولا يصح قياسه على الطيب فإن الطيب يوجب الفدية وإن لم يزل شعثا فيه الرأس وغيره والدهن بخلافه ولأن مائع لا تجب الفدية باستعماله في اليدين فلم تجب باستعماله في الرأس كالماء .
مسألة : قال : ولا يتعمد لشم الطيب .
أي لا يقصد شمه من غيره بفعل منه نحو أن يجلس عند العطارين لذلك أو يدخل الكعبة حال تجميرها ليشم طيبها أو يحمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها قال أحمد : سبحان الله كيف يجوز هذا ؟ وأباح الشافعي ذلك إلا العقدة تكون معه يشمها فإن أصحابه اختلفوا فيها لأنه يشم الطيب من غيره أشبه ما لو لم يقصده .
ولنا أنه شم الطيب قاصدا مبتدئا به في الإحرام فحرم كما لو باشره يحققه أن القصد شمه لا مباشرته بدليل ما لو مس اليابس الذي لا يعلق بيده لم يكن عليه شيء ولو رفعه بخرقه وشمه لوجبت عليه الفدية ولم يباشره فأما شمه من غير قصد كالجالس عند العطار لحاجته وداخل السوق أو داخل الكعبة للتبرك بها ومن يشتري طيبا لنفسه وللتجارة ولا يمسه فغير ممنوع منه لأنه لا يمكن التحرز من هذا فعفي عنه بخلاف الأول