مسألة وفصل : ولا ياكل الزعفران ما يجد ريحه .
وجملة ذلك أن الزعفران وغيره من الطيب إذا جعل في مأكول أو مشروب فلم تذهب رائحته لم يبح للمحرم تناوله نيئا كان أو قد مسته النار وبهذا قال الشافعي وكان مالك وأصحاب الرأي لا يرون بما مست النار من الطعام بأسا سواء ذهب لونه وريحه وطعمه أو بقي ذلك كله لأنه بالطبخ استحال عن كونه طيبا وروي عن ابن عمر و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و طاوس أنهم لم يكونوا يرون بأكل الخشكنانج الأصفر بأسا وكرهه القاسم بن محمد و جعفر بن محمد .
ولنا أن الإستمتاع به والترفه به حاصل من حيث المباشرة فأشبه ما لو كان نيئا ولأن المقصود من الطيب رائحته وهي باقية وقول من أباح الخشكنانج الأصفر محمول على ما لم يبق فيه رائحة فإن ما ذهبت رائحته وطعمه ولم يبق فيه إلا اللون مما مسته النار لا بأس بأكله لا نعلم فيه خلافا سوى أن القاسم و جعفر بن محمد كرها الخشكنانج الأصفر ويمكن حمله على ما بقيت رائحته ليزول الخلاف فإن لم تمسه النار لكن ذهبت رائحته وطعمه فلا بأس به وهو قول الشافعي : وكره مالك و الحميدي وأصحاب الرأي الملح الأصفر وفرقوا بين ما مسته النار وما لم تمسه .
ولنا أن المقصود الرائحة فإن الطيب إنما كان طيبا لرائحته لا للونه فرجب دوران الحكم معها دونه .
فصل : فإن ذهبت رائحته وبقي لونه وطعمه فظاهر كلام الخرقي إباحته لما ذكرنا من أنها المقصود فيزول المنع بزوالها وظاهر كلام أحمد في رواية صالح تحريمه وهو مذهب الشافعي قال القاضي : محال أن تنفك الرائحة عن الطعم فمتى بقي الطعم دل على بقائها فلذلك وجبت الفدية باستعماله