تطيب المحرم .
مسألة : قال : ولا يتطيب المحرم .
أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب وقد [ قال النبي A في المحرم الذي وقصته راحلته : لا تمسوه بطيب ] رواه مسلم وفي لفظ [ لا تحنطوه ] متفق عليه فلما منع الميت من الطيب لإحرامه فالحي أولى ومتى تطيب فعليه الفدية لأنه استعمل ما حرمه الإحرام فوجبت عليه الفدية كاللباس ومعنى الطيب ما تطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك والعنبر والكافور والغالية والزعفران وماء الورد والأدهان المطيبة كدهن البنسفج ونحوه .
فصل : والنبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب .
أحدها : ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم والخزامي والفواكه كلها من الأتراج والتفاح والسفرجل وغيره وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر فمباح شمه ولا فدية فيه ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن ابن عمر أنه كان يكره للمحرم أن يشم شيئا من نبات الأرض من الشيح والقيصوم وغيرهما ولان علم أحدا أوجب في ذلك شيئا فإنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه طيب أشبه سائر نبات الأرض قد روي أن أزواج رسول الله A كن يحرمن في المعصفرات .
الثاني : ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي والمرزجوش والبرم ففيه وجهان : .
أحدهما : يباح بغير فدية قاله عثمان بن عفان وابن عباس والحسن ومجاهد وإسحاق .
والآخر : يحرم شمه فإن فعل فعليه الفدية وهو قول جابر وابن عمر و الشافعي و أبي ثور لأنه يتخذ للطيب فأشبه الورد وكرهه مالك وأصحاب الرأي ولم يوجبوا فيه شيئا وكلام أحمد فيه محتمل لهذا فإنه قال في الريحان : ليس من آلة المحرم ولم يذكر فديته وذلك لأنه لا يتخذ منه طيب فأشبه العصفر .
الثالث : ما ينبت للطيب ويتخذ منه طيب كالورد والبنفسج والياسمين والخيري فهذا إذا استعمله وشمه ففيه الفدية تجب فيما يتخذ منه فكذلك في أصله وعن أحمد رواية أخرى في الورد لا فدية عليه في شمه لأنه زهر شمه سائر الشجر وذكر أبو الخطاب في هذا والذي قبله روايتين والأولى تحريمه لأنه ينبت للطيب ويتخذ منه أشبه الزعفران والعنبر قال القاضي : يقال إن العنبر ثم شجر وكذلك الكافور .
فصل : وإن مس من الطيب ما يعلق بيده كالغالية وماء الورد والمسك المسحوق الذي يعلق بأصابعه فعليه الفدية لأنه مستعمل للطيب وإن مس ما لا يتعلق بيده كالمسك غير المسحوق وقطع الكافور والعنبر فلا فدية لأنه غير مستعمل للطيب فإن شمه فعليه الفدية لأنه يستعمل هكذا وإن شم العود فلا فدية عليه لأنه لا يتطيب به هكذا .
مسألة : قال : ولا يلبس ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا طيب .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا قول جابر وابن عمر و مالك و الشافعي و أبي ثور وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر : لا خلاف في هذا بين العلماء وقد [ قال النبي A : لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس ] متفق عليه فكل ما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس في ماء ورد أو بخر بعود فليس للمحرم لبسه ولا الجلوس عليه ولا النوم عليه نص أحمد عليه وذلك لأنه استعمال له فأشبه لبسه ومتى لبسه أو استعمله فعليه الفدية وبذلك قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إن كان رطبا يلي بدنه أو يابسا ينفض فعليه الفدية وإلا فلا لأنه ليس بمتطيب .
ولنا أنه منهي عنه الأجل الإحرام فلزمته الفدية به كاستعمال الطيب في بدنه ولأنه محرم استعمل ثوبا مطيبا فلزمته الفدية به كالرطب فإن غسله حتى ذهب ما فيه من ذلك فلا بأس به عند جميع العلماء .
فصل : وإن انقطعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه أو لكونه صبغ بغيره فغلب عليه بحيث لا يفوح له رائحة إذا رش فيه الماء فلا بأس باستعماله لزوال الطيب منه وبهذا قال سعيد بن المسيب والحسن و النخعي و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي وروي ذلك عن عطاء و طاوس وكره ذلك إلا أن يغسل ويذهب لونه لأن عين الزعفران ونحوه فيه .
ولنا أنه إنما نهي عنه من أجل رائحته وقد ذهبت بالكلية فإما إن لم يكن له رائحة في الحال لكن كان بحيث إذا رش فيه ماء فاح ريحا ففيه الفدية لأنه متطيب بطيب بدليل أن رائحته تظهر عند رش الماء فيه والماء لا رائحة له وإنما هي من الصبغ الذي فيه فإما أن فرش فوق الثوب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة والمباشرة فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه وإن كان الحائل بينهما ثياب بدنه ففيه الفدية لأنه يمنع من استعمال الطيب في الثوب الذي عليه كمنعه من استعماله في بدنه .
مسألة : قال : ولا بأس بما صبغ بالعصغر .
وجملة ذلك أن العصفر ليس بطيب ولا بأس باستعماله وشمه ولا بما صبغ به وهذا قول جابر وابن عمر وعبد الله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب وهو مذهب الشافعي و [ عن عائشة وأسماء وأزواج النبي A أنهن كن يحرمن في المعصفرات ] وكرهه مالك إذا كان ينتفض في بدنه ولم يوجب فيه فدية ومنع منه الثوري و أبو حنيفة و محمد بن الحسن وشبهوه بالمورس والمزعفر لأنه صبغ طيب الرائحة فأشبه ذلك .
ولنا مما روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر أنه سمع رسول الله A نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الروس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قميص أو خف وروى الإمام أحمد في المناسك بإسناده [ عن عائشة بنت سعد قالت : كنا أزواج النبي A نحرم في المعصفرات ] ولأنه قول من سمينا من الصحابة لم نعرف لهم مخالفا ولأنه ليس بطيب فلم يكره ما صبغ به كالسواد والمصبوغ بالمغرة وأما الورس والزعفران فإنه طيب بخلاف مسألتنا .
فصل : ولا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمغرة لأنه مصبوغ بطين لا بطيب وكذلك المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا لأن الأصل الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه وما كان في معناه وليس هذا كذلك وأما المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها فما منع المحرم من استعماله منع لبس المصبوغ به إذا ظهرت رائحته وإلا فلا