تطيب المحرم .
فصل : وإن صاد المحرم صيدا لم يملكه فإن تلف في يده فعليه جزاؤه وإن أمسكه حتى حل لزمه إرساله وليس له ذبحه فإن فعل أو تلف الصيد ضمنه وحرم أكله لأنه صيد ضمنه بحرمة الإحرام فلم يبح أكله كما لو ذبحه حال إحرامه ولأنها ذكاة منع منها بسبب الإحرام فأشبهت ما لو كان الإحرام باقيا واختار أبو الخطاب أنه له أكله وعليه ضمانه لأنه ذبحه وهو من أهل ذبح الصيد فأشبه ما لو صاده بعد الحل والفرق ظاهر لأن هذا يلزمه ضمانه والذي صاده بعد الحل لا ضمان عليه فيه .
مسألة : قال : ولا يأكله إذا صاده الحلال لأجله .
لا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه وقد قال الله تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وإن صاده حلال وذبحه وكان من المحرم اعانة فيه أو دلالة عليه أو إشارة إليه لم يبح أيضا وأن صيد من أجله لم يبح له أيضا أكله روي ذلك عن عثمان بن عفان وهو قول مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة : له أكله لقول النبي A في حديث أبي قتادة : [ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا لا قال : فكلوا ما بقي من لحمها ] متفق عليه فدل على أن التحريم إنما يتعلق بالإشارة والأمر والإعانة ولأنه صيد مذكى لم يحصل في هولا في سببه صنع منه فلم يحرم عله أكله كما لو لم يصد له .
وحكي عن علي وابن عمر وعائشة وابن عباس أن لحم الصيد يحرم على المحرم بكل حال وبه قال طاوس : وكرهه الثوري و إسحاق لعموم قوله { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وروي عن ابن عباس [ عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى إلى النبي A حمارا وحشيا وهو بالإيواء أو بودان فرجه عليه رسول الله A فلما رآى رسول الله عليه وسلم ما في وجهه قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ] متفق عليه وفي لفظ [ أهدى الصعب بن جثامة إلى النبي A رجل حمار ] وفي رواية : [ عجز حمار ] وفي رواية [ شق حمار ] روى ذلك كله مسلم وروى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال : كان الحارث خليفة عثمان على الطائف فصنع له طعاما وصنع فيه الحجل واليعاقيب ولحم الوحش فبعث إلى علي بن أبي طالب فجاءه فقال : أطعموه قوما حلالا فانا حرم ثم قال علي : أنشد الله من كان ههنا من أشجع أتعلمون أن رسول الله A أهدى إليه رجل حمار وحش فأبى أن يأكله ؟ قالوا : نعم ولأنه لحم صيد فحرم على المحرم كما لو دل عليه .
ولنا ما روى جابر قال : [ سمعت رسول الله A يقول : صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : هو أحسن حديث في الباب وهذا صريح في الحكم وفيه جمع بين الأحاديث وبيان المختلف منها فإن ترك النبي A للأكل مما أهدي إليه يحتمل أن يكو لعلمه أنه صيد من أجله أو أظنه ويتعين حمله على ذلك لما قدمت من حديث أبي قتادة وأمر النبي A أصحابه بأكل الحمار الذي صاده و [ عن طلحة أنه أهدي له طير وهو راقد فأكل بعض أصحابه وهم محرمون وتورع بعض فلما استيقظ طلحة وافق من أكله وقال : أكلناه مع رسول الله A ] رواه مسلم وفي الموطأ [ أن رسول الله وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير فجاء البهزي وهو صاحبه فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ] وهو حديث صحيح وأحاديثهم إن لم يكن فيها ذكر أنه صيد من أجلهم فتعين ضم هذا القيد إليها وجمعا بين الأحاديث ودفعا للتناقض عنها ولأنه صيد للمحرم فحرم كما لو أمر أو أعان .
فصل : وما حرم على المحرم لكونه صيد من أجله أو دل عليه أو أعان عليه لم يحرم على الحلال أكله لقول علي : اطعموه حلالا وقد بينا حمله على أنه صيد أجلهم وحديث الصعب بن جثامة حين رد النبي A الصيد عليه ولم ينهه عن أكله ولأنه صيد حلال فأبيح للحلال أكله لكما لو تصيد لهم وهل يباح أكله المحرم آخر ظاهر الحديث إباحته له لقوله : [ صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ] وهو قول عثمان بن عفان Bه لأنه روي أنه أهدي إليه صيد وهو محرم فقال لأصحابه : كلوا ولم يأكل هو وقال : إنما صيد من أجلي ولأنه لم يصد من أجله فحل له كما لو صاده الحلال لنفسه ويحتمل أن يحرم عليه وهو ظاهر قول علي Bه لقوله : اطعموه حلالا فإنا حرم ولقول النبي A في حديث أبي قتادة : [ هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ قالوا : لا قال : فكلوه ] فمفهومه أن إشارة واحد منهم تحرمه عليهم .
فصل : إذا قتل المحرم الصيد ثم أكله ضمنه للقتل دون الأكل وبه قال مالك و الشافعي وقال عطاء و أبو حنيفة : يضمنه للأكل أيضا لأنه أكل من صيد محرم عليه فيضمنه كما لو أكل مما صيد لأجله .
ولنا أنه صيد مضمون بالجزاء فلم يضمن ثانيا كما لو أتلفه بغير الأكل وكصيد الحرم إذا قتله الحلال وأكل وكذلك إن قتله محرم آخر ثم أكل هذا منه لم يجب عليه الجزاء لما ذكرنا ولأن تحريمه لكونه ميتة والميتة لا تضمن بالجزاء وكذلك ان حرم عليه أكله والإعانة عليه فأكل منه لم يضمن لأنه صيد مضمون بالجزاء مرة فلا يجب به جزاء ثان كما لو أتلفه وإن أكل مما صيد لأجله ضمنه وهو قول مالك وقاله الشافعي في القديم وقال في الجديد لا جزاء عليه لأنه أكل للصيد فلم يجب به الجزاء كما لو قتله ثم أكله ولنا إنه إتلاف ممنوع منه لحرمة الإحرام فتعلق به الضمان كالقتل أما إذا قتله ثم أكله لا يحرم للإتلاف إنما حرم لكونه ميتة إذا ثبت هذا فإنه يضمنه بمثله من اللحم لأن أصله مضمون بمثله من النعم فكذلك ابعاضه تضمن بمثلها بخلاف حيوان الآدمي فإنه يضمن بقيمته فكذلك ابعاضه .
فصل : وإذا ذبح المحرم الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس وهذا قول الحسن والقاسم وسالم و مالك و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق وأصحاب الرأي وقال الحكم و الثوري و أبو ثور : لا بأس بأكله قال ابن المنذر : هو بمنزلة ذبيحة السارق وقال عمرو بن دينار و أيوب السختياني : يأكله الحلال وحكي عن الشافعي قول قديم أنه يحل لغيره الأكل منه لأن من أباحت ذكاته غير الصيد أباحت الصيد كالحلال .
ولنا أنه حيوان حرم عليه ذبحه لحق الله تعالى فلم يحل بذبحه كالمجوسي وبهذا فارق سائر الحيوانات وفارق غير الصيد فإنه لا يحرم ذبحه وكذلك الحكم في صيد الحرم إذا ذبحه الحلال .
فصل : وإذا اضطر المحرم فوجد صيدا وميتة أكل الميتة وبهذا قال الحسن و الثوري و مالك وقال الشافعي و إسحاق و ابن المنذر : يأكل الصيد وهذه المسألة مبينة على أنه إذا ذبح الصيد كان ميتة فيساوي الميتة في التحريم ويمتاز بإيجاب فيأكل الجزاء وما يتعلق به من هتك حرمه الإحرام فلذلك كان أكل الميتة أولى إلا أن لا تطيب نسه بأكله فيأكل الصيد كما لو لم يجد غيره