مسألة وفصل : صيد المحرم جزاؤه .
مسألة : قال : ولا يقتل الصيد ولا يصيده ولا يشير إليه ولا يدل عليه حلالا ولا حراما .
لا خلاف بن أهل العلم في تحريم قتل الصيد واصطياده على المحرم وقد نص الله تعالى عليه في كتابه سبحانه : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم وقال تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وتحرم عليه الإشارة إلى الصيد والدلالة عليه فإن في حديث أبي قتادة [ لما صاد الحمار الوحشي وأصحابه محرمون قال النبي A لأصحابه : هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ] وفي للفظ متفق عليه فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذني واحبوا لو أني أبصرته وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الدلالة علية وسؤال النبي صلى عليه وسلم لهم : هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ؟ يدل على تعلق التحريم بذلك لو وجد منهم ولأنه تسبب إلى محرم عليه فحرم كنصبه الأحبولة .
فصل : ولا تحل له الإعانة على الصيد بشيء فإن في حديث أبي قتادة متفق عليه : ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم : ناولوني السوط والرمح قالوا : والله لا نعينك عليه وفي رواية فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الإعانة والنبي A أقرهم على ذلك ولأنه أعانه على محرم فحرم كالإعانة على تقل الآدمي .
فصل : ويضمن الصيد بالدلالة فإذا دل المحرم حلالا على الصيد فأتلفه فالجزاء كله على المحرم روي ذلك عن علي وابن عباس وعطاء ومجاهد وبكر المزني و إسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك و الشافعي : لا شيء على الدال لأنه يضمن بالجناية فلا يضمن بالدلالة كالآدمي .
ولنا [ قول النبي A لأصحاب أبي قتادة : هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ] ولأنه سبب يتوصل به إلى إتلاف الصيد فتعلق به الضمان كما لو نصب أحبولة ولأنه قول علي وابن عباس ولا نعرف لهما مخالفا في الصحابة .
فصل : فإن دل محرما على الصيد فقتله فالجزاء بينهما وبه قال عطاء وحماد بن أبي سليمان وقال الشعبي و سعيد بن جبير و الحارث العكي وأصحاب الرأي على كل واحد جزاء لأن كل واحد من الفعلين يستقل بجزاء كامل إذا كان منفردا فكذلك إذا انضم إليه غيره وقال مالك و الشافعي : لا ضمان على الدال .
ولنا أن الواجب جزاء المتلف وهو واحد فيكون الجزاء واحدا وعلى مالك و الشافعي ما سبق ولا فرق في جميع ذلك بين كون المدلول ظاهرا أو خفيا لا يراه إلا بالدلالة عليه ولو دل محرم محرما على صيد ثم دل الآخر آخر ثم كذلك إلى عشرة فقتله العاشر كان الجزاء على جمعيهم وإن قتله الأول لم يضمن غيره لأنه لم يدله عليه أحد فلا يشاركه في ضمانه أحد لو كان المدلول رأى الصيد قبل الدلالة والإشارة فلا شيء على الدال والمشير لأن ذلك لم يكن سببا في تلفه ولأن هذه ليست دلالة على الحقيقة وكذلك إن وجد من المحرم حدث عند رؤية الصيد من ضحك أو استشراف إلى الصيد ففطن له غيره فصاده فلا شيء على المحرم بدليل ما جاء في حديث [ أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول الله A حتى إذا كنا بالقاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش ] وفي لفظ [ فبينا أنا مع أصحابي يضحك بعضهم إذ نظرت فإذا أنا بحمار وحش ] وفي لفظ : [ فلما كنا بالصفاح فإذا هم يتراءون فقلت : أي شيء تنظرون ؟ فلم يخبروني ] متفق عليه .
فصل : فإن أعار قاتل الصيد سلاحا فقتله به فهو كما لو دله عليه سواء كان المستعار مما لا يتم قتله إلا به أو أعاره شيئا هو مستغن عنه مثل أن يعيره رمحا ومعه رمح وكذلك لو أعانه عليه بمناولته سوكه أو رمحه أو أمره باصطياد لما ذكرنا من حديث أبي قتادة وقول أصحابه : والله لا نعينك عليه بشيء وقول النبي A [ هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها ] وكذلك إن أعاره سكينا فذبحه بها فإن أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فاستعملها في الصيد لم يضمن لأن ذلك غير محرم عليه فأشبه ما لو ضحك عند رؤية الصيد ففطن له إنسان فصاده .
فصل : وإن دل الحلال محرما على الصيد فقتله فلا شيء على الحلال لأنه لا يضمن الصيد بالإتلاف فبالدلالة إلا أن يكون ذلك في الحرم فيشاركه في الجزاء لأن صيد الحرم حرام على الحلال والحرام نص عليه أحمد