في الحج بالولد الصغير وما يتعلق به احكام الإحرام ومحظورات الإحرام .
مسألة : قال : وإذا حج بالصغير جنب ما يتجنبه الكبير وما عجز عنه من عمل الحج عمل عنه .
وجملة ذلك أن الصبي يصح حجه فإن كان مميزا أحرم بإذن ليه وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه فيصير محرما بذلك وبه قال مالك و الشافعي وروي عن عطاء و النخعي وقال أبو حنيفة : لا ينعقد إحرام الصبي ولا يصير محرما بإحرام وليه لأن الإحرام سبب يلزم به حكم فلم يصح من الصبي كالنذر .
ولنا ما روى ابن عباس قال : [ رفعت امرأة صبيا فقالت : يا رسول الله ألهذا أحج ؟ قال : نعم ولك أجر ] رواه مسلم وغيره من الأئمة وروي البخاري [ عن السائب بن يزيد قال : حج بي مع النبي A وأنا ابن سبع سنين ] ولأن أبا حنيفة قال : يجتنب ما يجتنبه المحرم ومن اجتنب ما يجتنبه المحرم كان إحرامه صحيحا والنذر لا يجب به شيء بخلاف مسألتنا .
والكلام في حج الصبي في فصول أربعة في الإحرام عنه أو منه وفيما يفعله بنفسه أو بغيره وفي حكم جناياته على إحرامه وفيما يلزمه من القضاء والكفارة .
الفصل الأول في الإحرام : إن كان مميزا أحرم بإذن وليه وإن أحرم بدو إذنه لم يصح لأن هذا عقد يؤدي إلى لزوم مال فلم ينعقد من الصبي بنفسه كالبيع وإن كان غير مميز فأحرم عنه من له ولاية على ماله كالأب والوصي وأمين الحاكم صح ومعنى إحرامه عنه أنه يعقد له الإحرام فيصح للصبي دون الولي كما يعقد النكاح له فعلى هذا يصح أن يعقد الإحرام عنه سواء كان محرما أو حلالا ممن عليه حجة الإسلام أو كان قد حج عن نفسه فإن أحرمت أمه عنه صح لقول النبي A : [ ولك أجر ] ولا يضاف الأجر إليها إلا لكونها تبعا لها في الإحرام قال الإمام أحمد في رواية حنبل : يحرم عنه أبوه أو وليه واختاره ابن عقيل وقال : المال الذي يلزم بالإحرام لا يلزم الصبي وإنما يلزم من أدخله في الإحرام في أحد الوجهين وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه لا يحرم عنه إلا وليه لأنه ولا ولاية للأم على ماله والإحرام يتعلق به إلزام مال فلا يصح من غير ذي ولاية كشراء شيء له فأما غير الأم والولي من الأقارب كالأخ والعم وابنه فيخرج فيهم وجهان بناء على القول في الأم أما الأجانب فلا يصح إحرامهم عنه وجها واحدا .
الفصل الثاني : إن كل ما أمكنه فعله بنفسه لزمه فعله ولا ينوب غيره عنه فيه كالوقوف والمبيت بمزدلفة ونحوهما وما عجز عنه عمله الولي عنه قال جابر : [ خرجنا مع رسول الله A حجاجا ومعنا النساء والصبيان فأحرمنا عن الصبيان ] رواه سعيد في سننه ورواه ابن ماجه في سننه فقال : [ فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ] ورواه الترمذي قال : [ فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان ] قال ابن المنذر : كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصبي الذي لا يقدر على الرمي كان ابن عمر يفعل ذلك وبه قال عطاء و الزهري و مالك و الشافعي و إسحاق وعن ابن عمر أنه كان يحج صبيانه وهم صغار وهم صغار فمن استطاع منهم أن يرمي رمى ومن لم يستطع أن يرمي رمى عنه وعن أبي إسحاق أن أبا بكر Bه طاف بابن الزبير في خرقة رواهما الأثرم قال الإمام أحمد : يرمي عن الصبي أبواه وليه قال القاضي : أن امكنه أن يناول النائب الحصى ناوله وإن لم يمكنه استحب أن يوضع الحصى في يده فيرمى عنه وإن وضعها في يد الصغير ورمى بها فجعل يده كالآلة فحسن ولا يجوز أن يرمي عنه إلا من قد رمى عن نفسه لأنه لا يجوز أن ينوب عن الغير وعليه فرض نفسه وأما الطواف فإنه ان أمكنه المشي مشى وإلا طيف به محمولا أو راكبا فإن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة ولأن الطواف بالكبير محمولا لعذر يجوز فالصغير أولى ولا فرق بين أن يكون الحامل له حلالا أو حرما ممن أسقط الفرض عن نفسه أو لم يسقطه لأن الطواف للمحمول لا للحامل ولذلك صح أن يطوف راكبا على بعير وتعتبر النية في الطائف به فإن لم ينو الطواف عن الصبي لم يجزئه لأنه لما لم تعتبر النية من الصبي اعتبرت من غيره كما في الإحرام فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي احتمل وقوعه عن نفسه كالحج إذا نوى به عن نفسه وغيره واحتمل أن يقع عن الصبي كما لو طاف بكبير ونوى كل واحد منهما عن نفسه لكون المحمول أولى واحتمل أن يلغو لعدم التعيين لكون الطواف لا يقع عن غير معين .
وأما الإحرام فإن الصبي يجرد كما يجرد الكبير وقد روي عن عائشة Bهما أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم قال عطاء : يفعل بالصغير كما يفعل بالكبير ويشهد به المناسك كلها إلا أنه لا يصلى عنه .
الفصل الثالث في محظورات الإحرام : وهي قسمان : ما يختلف عمده وسهوه كاللباس والطيب وما لا يختلف كالصيد وحلق الشعر وتقليم الأظفار فالأول : لا فدية على الصبي لأن عمده خطأ والثاني : عليه فيه الفدية وإن وطئ أفسد حجة ويمضي في فاسده وفي القضاء عليه وجهان أحدهما : لا يجب لئلا تجب عبادة بدنية على من ليس من أهل التكليف والثاني : يجب لأنه افساد موجب للفدية فأوجب القضاء كوطء البالغ فإن قضى بعد البلوغ بدأ بحجة الإسلام فإن أحرم بالقضاء قبلها انصرف إلى حجة الإسلام وهل تجزئه عن القضاء ؟ ينظر فإن كانت الفاسدة قد أدرك فيها شيئا من الوقوف بعد بلوغه أجزأ عنهما جميعا وإلا لا يجزئه كما قلنا في العبد على ما مضى .
الفصل الربع فيما يلزمه من الفدية : قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن جنايات الصبيان لازمة لهم في أموالهم وذكر أصحابنا في الفدية التي تجب بفعل الصبي وجهين أحدهما : هي في ماله لأنها وجبت بجنايته أشبهت الجناية إلى الآدمي والثاني على الولي وهو قول مالك لأنه حصل بعقده أو اذنه فكان عليه كنفقه حجه فأما النفقة فقال القاضي : ما زاد على نفقه الحضر ففي مال الولي لأنه كلفه ذلك ولا حاجة به إليه وهذا اختيار أبي الخطاب وحكي عن القاضي أنه ذكر في الخلاف أن النفقة كلها على الصبي لأن الحج له فنفقته عليه كالبالغ ولأن فيه مصلحة له بتحصيل الثواب له ويتمرن عليه فصار كأجر المعلم والطبيب والأول أولى فإن الحج لا يجب في العمر إلا مرة ويحتمل أن لا يجب فلا يجوز تكليفه بذل ماله من غير حاجة إليه للتمرن عليه والله أعلم .
فصل : إذا أغمي على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه وبه قال الشافعي و أبو يوسف و محمد وقال أبو حنيفة : يصح ويصير محرما بإحرام رفيقه عنه استحسانا لأن ذلك معلوم من قصده ويلحقه مشقة في تركه فاجزأ عنه إحرام غيره .
ولنا أنه بالغ فلم يصر محرما بإحرام غيره كالنائم ولو أنه أذن في ذلك وأجازه لم يصح فمع عدم هذا أولى أن لا يصح .
مسألة : قال : ومن طيف به محمولا كان الطواف له دون حامله .
أما إذا طيف به محمولا لعذر فلا يخلو أما أن يقصدا جميعا عن المحمول فيصح عنه دون الحامل بغير خلاف نعلمه أو يقصدا جميعا عن الحامل فيقع عنه أيضا ولا شيء للمحمول أو يقصد كل واحد منهما الطواف عن نفسه فإنه يقع للمحمول دون الحامل وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر يقع للحامل لأنه الفاعل وقال أبو حنيفة : يقع لهما لأن كل واحد منهما طائف بنية صحيحة فاجزأ الطواف عنه كما لو لم ينو صاحبه شيئا ولأنه لو حمله بعرفات لكان الوقوف عنهما كذا ههنا وهذا القول حسن ووجه الأول أنه طواف أجزأه عن المحمول فلم يقع عن الحامل كما لو نويا جميعا المحمول ولأنه طواف واحد فلا يقع عن شخصين والراكب لا يقع طوافه إلا عن واحد وأما إذا حمله في عرفه فما حصل الوقوف بالحمل فإذا المقصود الكون في عرفات وهما كائنان بها والمقصود ههنا الفعل وهو واحد فلا يقع عن شخصين ووقوعه عن المحمول أولى لأنه لم ينو بطوافه إلا لنفسه والحامل لم يخلص قصده بالطواف لنفسه فإنه لو لم يقصد الطواف بالمحمول لما حمله فإن تمكنه من الطواف لا يقف على حمله فصار المحمول مقصودا لهما ولم يخلص قصد الحامل لنفسه فلم يقع عنه لعدم التعيين قال أبو حفص العكبري في شرحه : لا يجزئ الطواف عن واحد منهما لأن فعلا واحدا لا يقع عن اثنين وليس أحدهما أولى به من الآخر وقد ذكرنا أن المحمول به أولى لخلوص نيته لنفسه وقصد الحامل له ولا يقع عن الحامل لعدم التعيين فإن نوى أحدهما نفسه دون الآخر صح الطواف له وإن عدمت النية منهما أو نوى كل واحد منهما الآخر لم يصح لواحد منهما