في حج العبد .
فصل : وقد بقي من أحكام حج العبد فصول : أحدهما : في حكم إحرام الثاني : في حكم نذره للحج الثالث : في حكم ما يلزمه من الجنايات على إحرامه الرابع : حكم إفساده وفواته .
الفصل الأول في إحرامه : وليس للعبد أن يحرم بغير إذن سيده لأنه يفوت به حقوق سيده الواجبة عليه بالتزام ما ليس بواجب فإن فعل انعقد إحرامه صحيحا لأنها عبادة بدنية فصح من العبد الدخول فيها بغير إذن سيده كالصلاة والصوم ولسيده تحليله في إحدى الروايتين لأن في بقائه عليه تفويتا لحقه من منافعه بغير إذنه فلم يلزم ذلك سيده كالصوم المضر ببدنه وهذا اختيار ابن حامد وإذا حلله منه كان حكمه حكم المحصر والثانية : ليس له تحليله وهو اختيار أبي بكر لأنه لا يمكنه التحلل من تطوعه فلم يملك تحليل عبده والأول أصح لأنه التزم التطوع باختيار نفسه فنظيره أن يحرم عبده بإذنه وفي مسألتنا يفوت حقه الواجب بغير اختياره فأما إن احرم بإذن سيده فليس له تحليله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : له ذلك لأنه ملكه منافع نفسه فكان له الرجوع فيها كالمعير يرجع في العارية .
ولنا أنه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه منه كالنكاح ولا يشبه العارية لأنها ليست لازمة ولو أعاره شيئا ليرهنه فرهنه لم يكن له الرجوع فيه ولو باعه سيده بعدما أحرم فحكم مشتريه في تحليله حكم بائعه سواء لأنه اشتراه مسلوب المنفعة أشبه الأمة المزوجة والمستأجرة فإن علم المشتري بذلك فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فأشبه ما لو اشترى معيبا يعلم عيبه وإن لم يعلم فله الفسخ لأنه يتضرر بمضي العبد في حجه لفوات منافعه إلا أن يكون إحرامه بغير إذن سيده ونقول : له تحليله فلا يملك الفسخ لأنه يمكنه دفع الضرر عنه ولو يعلم حتى أحرم فهل يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيده ؟ على وجهين بناء على الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل العلم ؟ على روايتين .
الفصل الثاني : إذا نذر العبد الحج صح نذره لأنه مكلف فانعقد نذره كالحر ولسيده منعه من المضي فيه لأن فيه تفويت حق سيده الواجب فمنع منه كما لو لم ينذر ذكره القاضي و ابن حامد وروي عن أحمد أنه قال : لا يعجبني منعه من الوفاء به وذلك لما فيه من أداء الواجب فيحتمل أن ذلك على الكراهة لا على التحريم لما ذكرنا ويحتمل لأنه واجب فلم يملك منع منه كسائر الواجبات والأول أولى فإن أعتق لزمه الوفاء به بعد حجة الإسلام فإن أحرم به أولا انصرف إلى حجة الإسلام كالحر إذا نذر حجا .
الفصل الثالث : في جناياته وما جنى على إحرامه لزمه حكمه وحكمه فيما يلزمه حكم الحر المعسر فرضه الصيام وإن تحلل بحصر عدو أو حلله سيده فعليه الصيام لا يتحلل قبل فعله كالحر وليس لسيده أن يحول بينه وبين الصوم نص عليه لأنه صوم واجب أشبه صوم رمضان فإن ملكه السيد هديا وإذن له في إهدائه وقلنا أنه يملكه فهو كالهدي الواجب لا يتحلل إلا به وإن قلنا لا يملكه ففرضه الصيام وإن أذن له سيده في تمتع أو قران فعليه الصيام بدلا عن الهدي الواجب بهما وذكر القاضي أن على سيده تحمل ذلك عنه لأنه بإذنه فكان على من أذن فيه كما لو فعله النائب بإذن المستنيب وليس يجيد لأن الحج لعبد وهذا من موجباته فيكون عليه كالمرأة إذا حجت بإذن زوجها ويفارق من حج عن غيره فإن الحج للمستنيب فموجبه عليه وإن تمتع أو قارن بغير إذن سيده فالصيام عليه بغير خلاف وإن أفسد حجة فعليه أن يصوم لذلك لأنه لا مال له فهو كالمعسر من الأحرار .
الفصل الرابع : إذا وطئ العبد قبل التحلل الأول فسد ويلزمه المضي في فاسده كالحر لكن إن كان الإحرام مأذونا فيه فليس لسيده إخراجه منه لأنه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسده وإن كان الإحرام بغير إذنه فله تحليله منه لأنه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى وعليه القضاء سواء كان الإحرام مأذونا فيه أو غير مأذون ويصح القضاء في حال رقه لأنه وجب فيه فصح منه كالصلاة والصيام ثم إن كان الإحرام الذي أفسده مأذونا فيه فليس له منعه من قضائه لأن إذنه في الحج الأول إذن في موجبه ومقتضاه ومن موجبه القضاء لما أفسده فإن كان الأول غير مأذون فيه احتمل أن لا يملك منه من قضائه لأنه واجب وليس للسيد منعه من الواجبات واحتمل أن له منعه منه لأنه يملك منعه من الحج الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك هذا فإن اعتق قبل القضاء فليس له فعله قبل حجة الإسلام لأنها آكد فإن أحرم بالقضاء انصرف إلى حجة الإسلام وبقي القضاء في ذمته وإن عتق في أثناء الحجة الفاسدة وأدرك من الوقوف ما يجزئه أجزأه القضاء عن حجة الإسلام لأن المقضي لو كان صحيحا أجزأه فكذلك قضاؤه وإن أعتق بعد ذلك لم يجزئه القضاء عن حجة الإسلام لأن المقضي لا يجزئه فكذلك قضاؤه والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد والمعتق بعضه حكمه حكم القن فيما ذكرناه