حج المرأة والزوجة والمعتدة .
مسألة : قال : وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل .
ظاهر هذا أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها لأنه جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج وقد نص عليه أحمد فقال أبو داود : قلت لأحمد امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج ؟ قال : لا وقال أيضا المحرم من السبيل وهذا قول الحسن والنخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وعن أحمد أن المحرم من شرائط لزوم السعي دون الوجوب فمتى فاتها الحج بعد كمال الشرائط الخمس بموت أو مرض لا يرجى برؤه أخرج عنها حجة لأن شروط الحج المختصة به قد كملت وإنما المحرم لحفظها فهو كتخلية الطريق وإمكان المسير وعنه رواية ثالثة أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب قال الأثرم : سمعت أحمد يسأل : هل يكون الرجل محرما لأم امرأته يخرجها إلى الحج ؟ فقال : أما في حجة الفريضة فأرجو لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته وأما شرطا في حجها بحال قال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به وقال مالك : تخرج مع جماعة النساء وقال الشافعي : تخرج مع حرة مسلمة ثقة وقال الأوزاعي : تخرج مع قوم عدول تتخذ سلما تصعد بظاهر الحديث واشترط كل واحد منهم شرطا لا حجة معه عليه واحتجوا بأن النبي A فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة وقال لعدي بن حاتم : يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جواز معها لا تخاف إلا الله ولأنه سفر واجب فلم يشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار .
ولنا ما روي أبو هريرة قال : [ قال رسول الله A : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا ومعها محرم ] وعن ابن عباس قال : [ سمعت رسول الله A يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم فقام رجل فقال : يا رسول الله إني كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال النبي A انطلق فاحجج مع امرأتك ] متفق عليه وروى ابن عمر وأبو سعيد نحوا من حديث أبي هريرة قال أبو عبد الله : أما أبو هريرة فيقول يوما وليلة ويروى عن أبي هريرة لا تسافر سفرا أيضا وأما حديث أبي سعيد يقول : ثلاثة أيام قلت : ما تقول أنت ؟ قال : لا تسافر سفرا قليلا ولا كثيرا إلا مع ذي محرم وروى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس [ أن النبي A قال : لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ] وهذا صريح في الحكم ولأنها انشأت سفرا في دار الإسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع وحديثهم محمول على الرجل بدليل أنهم اشترطوا خروج غيرها معها فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي A في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل ويحتمل أنه أراد أن الزاد والراحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ولذلك اشترطوا تخلية الطريق وإمكان المسير وقضاء الدين ونفقة العيال واشتراط مالك إمكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطا من عند نفسه لا من كتاب ولا من سنة فما ذكره النبي A أولى بالاشتراط ولو قدر التعارض فحديثنا أخص أصح وأولى بالتقديم وحديث عدي يدل على وجود السفر لا على جوازه ولذلك لم يجز في غير الحج المفروض ولم يذكر فيه خروج غيرها معها وقد اشترطوا ههنا خروج غيرها معها وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفارة فإن سفرها سفر ضرورة لا يقاس عليه حاله الاختيار ولذلك تخرج فيه وحدها ولأنها تدفع ضررا متيقنا بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلا .
فصل : والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع لما روى أبو سعيد قال : [ قال رسول الله A : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها ] رواه مسلم قال أحمد : ويكون زوج أم المرأة محرما لها يحج بها ويسافر الرجل مع أم ولد جده فإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه وقال في أم امرأته : يكون محرما لها في حج الفرض دون غيره قال الأثرم : كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله : { لا يبدين زينتهن } الآية فأما من تحل له في حال كعبدها وزوج أختها فليسا بمحرم لها نص عليه أحمد لأنهما غير مأمونين عليهما ولا تحرم عليهما على التأبيد فهما كالأجنبي وقد روى عن نافع عن ابن عمر [ عن النبي A قال : سفر المرأة مع عبدها ضيعة ] أخرجه سعيد وقال الشافعي : عبدها محرم لها لأنه يباح له النظر إليها فكان محرما لها كذي رحمها والأول أولى ويفارق ذا الرحم لأنه مأمون عليها وتحرم عليه على التأبيد وينتقض ما ذكروه بالقواعد من النساء وغير أولي الاربة من الرجال وأما أم الموطوءة بشبهة أو المزني بها أو ابنتهما فليس بمحرم لهما لأن تحريمهما بسبب غير مباح فلم يثبت به حكم المحرمية كالتحريم الثبت باللعان وليس له الخلوة بهما ولا النظر إليهما لذلك والكافر ليس بمحرم للمسلمة وإن كانت ابنته قال أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت ابنته : لا يزوجها ولا يسافر معها ليس هو لها بمحرم وقال أبو حنيفة والشافعي : هو محرم لها لأنها محرمة عليه على التأبيد .
ولنا ان إثبات المحرمية يقتضي الخلوة بها فيجب أن لا تثبت لكافر على مسلمة كالحضانة للطفل ولأنه لا يؤمن عليها أن يفتنها عن دينها كالطفل وما ذكروه يبطل بأم المزني بها وابنتها والمحرمة باللعان وبالمجوسي مع ابنته ولا ينبغي أن يكون في المجوسي خلاف فإنه لا يؤمن عليها ويعتقد حلها نص عليه أحمد في مواضع ويشترط في المحرم أن يكون بالغا عاقلا قيل لأحمد : فيكون الصبي محرما قال : لا حتى يحتلم لأنه لا يقوم بنفسه فكيف يخرج مع امرأة وذلك لأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل إلا من البالغ العاقل فاعتبر ذلك .
فصل : ونفقة المحرم في الحج عليها نص عليه أحمد لأنه من سبيلها فكان عليها نفقته كالراحلة فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها فإن امتنع محرمها من الحج معها مع بذلها له نفقته فهي كمن لا محرم لها لأنها لا يمكنها الحج بغير محرم وهل يلزمه إجابتها إلى ذلك ؟ على روايتين نص عليهما والصحيح أنه لا يلزمه الحج معها لأن في الحج مشقة شديدة وكلفة عظيمة فلا تلزم أحدا لأجل غيره كما لم يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة .
فصل : وإذا مات محرم المرأة في الطريق فقال أحمد : إذا تباعدت مضت فقضت الحج قيل له : قدمت من خراسان فمات وليها ببغداد فقال : تمضي إلى الحج وإذا كان الفرض خاصة فهو آكد ثم قال : لا بد لها من أن ترجع وهذا لأنها لا بد لها من السفر بغير محرم فمضيها إلى قضاء حجها أولى لكن إن كان حجها تطوعا وأمكنها الإقامة في بلد فهو أولى من سفرها بغير محرم .
فصل : وليس للرجل منع امرأته من حجة الإسلام وبهذا قال النخعي و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وهو الصحيح من قولي الشافعي وله قول آخر له منعها منه بناء على أن الحج على التراخي .
ولنا أنه فرض فلم يكن له منعها منه كصوم رمضان والصلوات الخمس ويستحب أن تستأذنه في ذلك نص عليه أحمد فإن أذن وإلا خرجت بغير فأما حج التطوع فله منعها منه قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع وذلك لأن حق الزوج واجب فليس لها تفويته بما ليس بواجب كالسيد مع عبده وليس له منعها من الحج المنذور لأنه واجب عليها أشبه حجة الإسلام .
فصل : ولا تخرج إلى الحج في عدة الوفاة نص عليه أحمد قال : ولها أن تخرج إليه في عدة الطلاق المبتوت وذلك لأن لزوم المنزل والمبيت فيه واجب في عدة الوفاة وقد على الحج لأنه يفوت والطلاق المبتوت لا يجب فيه ذلك وأما عدة الرجعية فالمرأة فيه بمنزلتها في طلب النكاح لأنها زوجة وإذا خرجت للحج فتوفي زوجها وهي قريبة رجعت لتعتد في منزلها وإن تباعدت مضت في سفرها ذكره الخرقي في موضع آخر