العمرة والحج وأدلة الوجوب .
وفصل : وتجب العمرة على من يجب عليه الحج في إحدى الروايتين روى ذلك عن عمر و ابن عباس و زيد بن ثابت و ابن عمر و سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و عطاء و طاوس و مجاهد و الحسن و ابن سيرين و الشعبي وبه قال الثوري و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه : والرواية الثانية ليست واجبة وروي ذلك عن ابن مسعود وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي لما روى جابر [ أن النبي A سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : لا وإن تعتمروا فهو أفضل ] أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح و [ عن طلحة أنه سمع رسول الله A يقول : الحج جهاد والعمرة تطوع ] رواه ابن ماجة ولأنه نسك غير موقت فلم يكن واجبا كالطواف المجرد .
ولنا قول الله تعالى { وأتموا الحج والعمرة } ومقتضى الأمر الوجوب ثم عطفها على الحج والأصل التساوي بني المعطوف والمعطوف عليه قال ابن عباس : إنها لقرينة الحج في كتاب الله وعن الضبي ابن معبد قال : أتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين إني أسلمت وإني وجد الحج والعمرة مكتوبين علي فاهللت بهما فقال عمر : هديت لسنة نبيك A رواه أبو داود والنسائي و [ عن أبي رزين أنه أتى النبي A فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال : حج عن أبيك واعتمر ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال : حديث حسن صحيح وذكره أحمد ثم قال : وحديث يرويه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن بان عمر قال : [ جاء رجل إلى النبي A فقال : أوصني قال : تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر ] وروى الأثرم بإسناده عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهن عن جده [ أن رسول الله A كتب إلى أهل اليمن وكان في الكتاب إن العمرة هي الحج الأصغر ] ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم نعلمه إلا أن ابن مسعود على اختلاف عنه وأما حديث جابر فقال الترمذي قال الشافعي : هو ضعيف لا تقوم بمثله الحجة وليس في العمرة شيء ثابت بأنها تطوع وقال ابن عبد البر : روي ذلك بأسانيد لا تصح ولا تقوم بمثلها الحجة ثم نحمله على المعهود وهي العمرة التي قضوها حين أحصروا في الحديبية أو على العمرة التي اعتمروها مع حجتهم مع النبي A فإنها لم تكن واجبة على من اعتمر أو تحمله على ما زاد على العمرة الواحدة وتفارق الطواف لأن من شرطها الإحرام والطواف بخلافه .
فصل : وليس على أهل مكة عمرة نص عليه أحمد وقال : كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول : يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت بهذا قال عطاء وطاوس : قال عطاء : ليس أحد من خلق الله إلا عليه حج وعمرة واجبان لا بد منهما لمن استطاع إليهما سبيلا إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت ووجه ذلك أن ركن العمرة ومعظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فاجزأ عنهم وحمل القاضي كلام أحمد على أنه لا عمرة عليهم مع الحجة لأنه يتقدم منهم فعلها في غير وقت الحج والأمر على ما قلناه .
فصل : وتجزئ عمرة المتمتع وعمرة القارن والعمرة من أدنى الحل عن العمرة الواجبة ولا نعلم في أجزاء عمرة التمتع خلافا كذلك قال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد : ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وروي عن أحمد أن عمرة القارن لا تجزئ وهو اختيار أبي بكر وعن أحمد أن العمرة من أدنى الحلل لا تجزئ العمرة الواجبة وقال إنما هي من أربعة أميال واحتج على أن عمرة القارن لا تجزئ أن عائشة حين حاضت أعمرها من التنعيم فلو كانت عمرتها قرانها أجزأتها لما أعمرها بعدها .
ولنا قول الضبي بن معبد : إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال عمر : هديت لسنة نبيك وهذا يدل على أنه أحرم بهما يعتقد أداء ما كتبه الله عليه منهما والخروج عن عهدتهما فصوبه عمر قال : هديت لسنة نبيك وحديث عائشة حين قرنت الحج والعمرة فقال لها النبي A حين حلت منهما : [ قد حللت من حجك وعمرتك ] وإنما أعمرها النبي A من التنعيم قصدا لتطيب قلبها وإجابة مسألتها لا لأنها كانت واجبة عليها ثم إن لم تكن أجزأتها عمرة القرآن فقد أجزأتها العمرة من أدنى الحل وهو أحد ما قصدنا الدلالة عليه ولأن الواجب عمرو واحدة وقد أتى بها صحيحة فتجزئه كعمرة المتمتع ولأن عمرة القارن أحد نسكي القرآن فأجزأت كالحج والحج من مكة يجزئ في حق المتمتع فالعمرة من أدنى الحل في حق المفرد أولى وإذا كان الطواف المجرد يجزئ عن العمرة في حق المكي فلأن تجزئ العمرة المشتملة على الطواف وغيره أولى .
فصل : ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارا روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوس وعكرمة والشافعي وكره العمرة في السنة مرتين الحسن وابن سيرين ومالك وقال النخعي : ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة ولأن النبي A لم يفعله .
ولنا أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي A عمرة مع قرانها وعمرة بعد حجها ول [ أن النبي A قال : العمرة إلى العمرة كفاره لما بينهما ] متفق عليه وقال علي Bه : في كل شهر مرة وكان أنس إذا حمم رأسه خرج فاعتمر رواهما الشافعي في مسنده وقال عكرمة : يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره وقال عطاء : إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه وكذلك قال أحمد : إذا اعتمر فلا بد م أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام وقال في رواية الأثرم : إن شاء اعتمر في كل شهر وقال بعض أصحابنا : يستحب الإكثار من الاعتمار وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه ولأن النبي A وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم قال طاوس : الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون قيل له : فلم يعذبون قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غيره شيء .
وقد اعتمر النبي A أربع سفرات لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ولا أحد ممن معه ولم يبغلنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه إلا عائشة حين حاضت فأعمرها في التنعيم لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ولهذا قالت : يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فأعمرها لذلك ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه