الإستطاعة إلى الحج .
فصل : وإمكان السير معتبر بما جرت به العادة فول أمكنه المسير بأن يحمل على نفسه ويسير سيرا يجاوز العادة أو يعجز عن تحصيل آلة السفر لم يلزمه السعي وتخلية الطريق هو أن تكون مسلوكة لا مانع فيها بعيدة كانت أو قريبة برا كان أو بحرا إذا كان الغالب السلامة فإن لم يكن الغالب السلامة لم يلزمه سلوكه فإن كان في الطريق عدو يطلب خفارة فقال القاضي : لا يلزمه السعي وإن كانت يسيرة لأنها رشوة فلا يلزم بذلها في العبادة كالكبيرة وقال ابن حامد : إن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج لأنها غرامة يقف إمكان الحج على بذلها فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم .
فصل : والاستطاعة المشترطة ملك الزاد والراحلة وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وإسحاق قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم وقال عكرمة : هي الصحة وقال الضحاك : إن كان شابا فليؤخر نفسه بأكله وعقله حتى يقضي نسكه وعن مالك إن كان يمكنه المشي وعادته سؤال الناس لزمه الحج لأن هذه الاستطاعة في حقه فهو كواجد الزاد والراحلة .
ولنا أن النبي A فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة فوجب الرجوع إلى تفسيره فروى الدارقطني بإسناده عن جابر وعبد الله بن عمر وعبد الله نب عمرو بن العاص وأنس وعائشة Bهم [ أن النبي A سئل : ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة ] وروى ابن عمر قال : [ جاء رجل إلى النبي A فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال : الزاد والراحلة ] رواه الترمذي وقال حديث حسن وروى الإمام أحمد حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } [ قال رجل : يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة ] ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشتراط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد وما ذكروه ليس باستطاعة فإنه شاق وإن كان عادة والاعتبار بعموم الأحوال دون خصوصها كما أن رخص السفر تعم من يشق عليه ومن لا يشق عليه .
فصل : ولا يلزمه الحج ببذل غيره له ولا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا وسواء بذل له الركوب والزاد أو بذل له مالا وعن الشافعي أنه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه لأنه أمكنه الحج من غير منة تلزمه ولا ضرر يلحقه فلزمه الحج كما لو ملك الزاد والراحلة .
ولنا أن قول النبي A يوجب الحج الزاد والراحلة يتعين فيه تقدير ملك ذلك أو ملك ما يحصل به بدليل ما لو كان الباذل أجنبيا ولأنه ليس بمالك للزاد والراحلة ولا ثمنها فلم يلزمه الحج كما لو بذل له والده ولا نسلم أنه لا يلزمه منه ولو سلمنا فيبطل ببذل الوالد وبذل من للمبذول له عليه أيادي كثيرة ونعم .
فصل : ومن تكلف الحج ممن لا يلزمه فإن أمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره مثل أن يمشي ويكتسب بصناعة كالخرز أو معاونة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ولا يسأل الناس استحب له الحج لقول الله تعالى : { يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } فقدم ذكر الرجال ولأن في ذلك مبالغة في طاعة الله D وخروجا من الخلاف وإن كان يسأل الناس كره له الحج لأنه يضيق على الناس ويحصل كلا عليهم في التزام ما لا يلزمه وسئل أحمد عمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة فقال : لا أحب له ذلك هذا يتوكل على أزواد الناس .
فصل : ويختص اشتراط الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر فأما القريب الذي يمكنه المشي فلا يعتبر وجود الراحلة في حقه لأنها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه كالسعي إلى الجمعة وإن كان ممن لا يمكنه المشي اعتبر وجود الحمولة في حقه لأنه عاجز عن المشي فهو كالبعيد وأما الزاد فلا بد منه فإن لم يجد زادا ولا قدر على كسبه لم يلزمه الحج .
فصل : والزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة فإن كان يملكه أو وجده يباع بثمن المثل في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله لزمه شراؤه وإن كانت تجحف بماله لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء وإذا كان يجد الزاد في كل منزلة لم يلزمه حمله وإن لم يجده كذلك لزمه حمله وأما الماء وعلف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة وإلا لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها لأن هذا يشق ولم تجر العادة به ولا يتمكن من حمل الماء لبهائمه في جميع الطرق والطعام بخلاف ذلك ويعتبر أيضا قدرته على الآلات التي يحتاج إليها كالغرائز ونحوها وأوعية الماء وما أشبهها لأنه مما لا سيتغنى عنه فهو كأعلاف البهائم .
فصل : وأما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله إما بشراء أو بكراء لذهابه ورجوعه ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثلهن فإن كان ممن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط أجزأ وجود ذلك وإن كان لم تجر عادته بذلك ويخشى السقوط عنهما اعتبر وجود محمل وما أشبهه مما لا مشقة في ركوبه ولا يخشى السقوط عنه لأن اعتبار الراحلة في حق القادر على المشي إنما كان لدفع المشقة فيجب أن يعتبر ههنا ما تدفع به المشقة وإن كان ممن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبرت القدرة على من يخدمه لأنه من سبيله .
فصل : ويعتبر أن يكون هذا فاضلا عن ما يحتاج إليه لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في مضية ورجوعه لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد وقد روي عن عبد الله بن عمر [ عن النبي A أنه قال : كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ] رواه أبو داود وإن بكون فاضلا عما يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم وما لا بد منه وإن يكون فاضلا عن قضاء دينه لأن قضاء الدين من حوائجه الأصلية ويتعلق به حقوق الآدميين فهو آكد ولذلك منع الزكاة مع تعلق حقوق الفقراء بها وحاجتهم إليها فالحج الذي هو خالص حق الله أولى وسواء كان الدين لآدمي معين أو من حقوق الله تعالى كزكاة في ذمته أو كفارات ونحوها وإن احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العنت قدم التزويج لأنه واجب عله ولا غنى به عنه فهو كنفقته وإن لم يخف قدم الحج لأن النكاح تطوع فلا يقدم على الحج الواجب وإن حج من تلزمه هذه الحقوق وضيعها صح حجه لأنه متعلقة بذمته فلا تمنع صحة فعله .
فصل : ومن له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله أو يحتاج إلى أجرته لنفقة نفسه أو عياله أو بضاعة متى نقصها اختل ربحها فلم يكفهم أو سائمة يحتاجون إليها لم يلزمه الحج وإن كان له من ذلك شيء فاضل عن حاجته لزمه بيعه في الحج فإن كان له مسكين واسع يفضل عن حاجته وأمكنه بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل قدر ما يحج به لزمه وإن كانت له كتب يحتاج إليها لم يلزمه بيعها في الحج وإن كانت مما لا يحتاج إليها أو كان له بكتاب نسختان يستغنى بأحدهما باع ما لا يحتاج إليه فإن كان له دين على ملئ باذل له يكفيه للحج لزمه لأنه قادر وإن كان على معسر أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه