في اعتكاف المرأة .
فصل : وليس للزوجة أن تعتكف إلا بإذن زوجها ولا للمملوك أن يعتكف إلا بإذن سيده لأن منافعها مملوكة لغيرهما والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفاءها وليس بواجب عليهما بالشرع فكان لها المنع منه وأم الولد والمدبر كالقن في هذا لأن الملك باق فيهما فإن أذن السيد والزوج لهما ثم أراد إخراجهما منه بعد شروعهما فيه فلهما ذلك في التطوع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في العبد كقولنا : وفي الزوجة ليس لزوجها إخراجها لأنها تملك بالتمليك فالإذن أسقط حقه من منافعها وأذن لها في استيفائها فلم يكن له الرجوع فيها كما لو أذن لها في الحج فأحرمت به بخلاف العبد فإنه لا يملك بالتمليك وقال مالك : ليس له تحليلهما لأنهما عقدا على أنفسهما تمليك منافع كانا يملكانها لحق الله تعالى فلم يجز الرجوع فيهما كما لو أحرما بالحج بإذنهما .
ولنا أن لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع منه دواما كالعارية ويخالف الحج لأنه يلزم بالمشروع فيه بخلاف الاعتكاف على ما مضى من الخلاف فيه فإذا كان ما أذنا فيه منذورا لم يكن لهما تحليهما منه لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه فيصير كالحج إذا أحرما به فأما ان نذرا الاعتكاف فأراد السيد والزوج منعهما الدخول فيه نظرات فإن كان النذر بإذنهما وكان معينا لم يملكا منعهما منه لأنه وجب بإذنهما وإن كان بغير إذنهما فلهما منعهما منه لأن نذرهما تضمن تفويت حق غيرهما بغير إذنه فكان لصاحب الحق المنع منه وإن كان النذر المأذون فيه غير معين فهل لهما منعهما ؟ على وجهين أحدهما لهما ذلك منعهما لأن حقهما ثابت في كل زمن فكان تعيين زمن سقوطه إليهما كالدين والثاني ليس لهما ذلك لأنه وجب التزمه بإذنهما فأشبه المعين وأما المعتق بعضه فإن كان بينه وبين سيده مهايأة فله أن يعتكف في يومه بغير إذن سيده لأن منافعه غير مملوكة لسيده في هذا اليوم وحكمه في يوم سيده حكم القن فإن لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه لأن له ملكا في منافعه في كل وقت .
فصل : وأما المكاتب فليس لسيده منعه من واجب ولا تطوع لأنه لا يستحق منافعه وليس له إجباره على الكسل وإنما له دين في ذمته فهو كالحر المدين .
مسألة : قال : وإذا حاضت المرأة خرجت من المسجد وضربت خباء في الرحبة .
أما خروجها من المسجد فلا خلاف فيه لأن الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد فهو كالجنابة وآكد منه وقد [ قال النبي A : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] رواه أبو داود وإذا ثبت هذا فإن المسجد إن لم يكن له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فأتمت اعتكافها وقضت ما فاتها ولا كفارة عليها نص عليه أحمد لأنه خروج معتاد واجب أشبه الخروج للجمعة أو لما لا بد منه وإن كانت له رحبة خارجة من المسجد يمكن أن تضرب فيها خباءها فقال الخرقي : تضرب خباءها فيها مدة حيضها وهو قول أبي قلابة وقال النخعي : تضرب فسطاطها في دارها فإذا طهرت قضت تلك الأيام وإن دخلت بيتا أو سقفا استأنفت وقال الزهري و عمرو بن دينار و ربيعة و مالك و الشافعي : ترجع إلى منزلها فإذا طهرت فلترجع لأنه وجب عليها الخروج من المسجد فلم يلزمها الإقامة في رحبته كالخارجة لعدة أو خوف فتنة .
ووجه قول الخرقي ما روى المقدام بن شريح [ عن عائشة قالت : كن معتكفات إذا حضن أمر رسول الله A بإخراجهن من المسجد وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن ] رواه أبو حفص بإسناده وفارق المعتدة فإن خروجها لتقيم في بيتها وتعتد فيه ولا يحصل ذلك مع الكون في الرحبة وكذلك الخائفة من الفتنة خروجها لتسلم من الفتنة فلا تقيم في موضع لا تحصل السلامة بالإقامة فيه والظاهر إن إقامتها في الرحبة مستحب وليس بواجب وإن لم يقيم في الرحبة ورجعت إلى منزلها أو غيره فلا شيء عليها لأنها خرجت بإذن الشرع ومتى طهرت رجعت إلى المسجد فقضت وبنت ولا كفارة عليها لا نعلم فه خلافا لأنه خروج لعذر معتاد أشبه الخروج لقضاء الحاجة وقول إبراهيم تحكم لا دليل عليه .
فصل : فأما الاستحاضة فلا تمنع الاعتكاف لأنها لا تمنع الصلاة ولا الطواف وقد [ قالت عائشة : اعتكفت مع رسول الله A امرأة مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي ] أخرجه البخاري إذا ثبت هذا فإنها تتحفظ وتتلجم لئلا تلوث المسجد فإن لم يمكن صيانته منها خرجت من المسجد لأنه عذر وخروج لحفظ المسجد من نجاستها فأشبه الخروج لقضاء حاجة الإنسان