ما يستحب صومه من الأيام .
مسألة : قال : ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال وإن فرقها فكأنما صام الدهر .
وجملة ذلك أن صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم روي ذلك عن كعب الأحبار والشعبي بن مهران وبه قال الشافعي وكرهه مالك وقال ما رأيت أحدا من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وإن يلحق برمضان ما ليس منه .
ولنا ما روى أبو أيوب قال : [ قال رسول الله A : من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن وقال أحمد : هو من ثلاثة أوجه عن النبي A وروي سعيد بإسناده عن ثوبان قال : [ قال رسول الله A : من صام رمضان شهر بعشرة أشهر وصام ستة أيام بعد الفطر وذلك تمام سنة ] يعني أن الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة والستة بستين يوما فذلك اثنا عشر شهرا وهو سنة كاملة ولا يجري هذا مجرى التقديم لرمضان لأن يوم الفطر فاصل فإن قيل فلا دليل في هذا الضعف والتشبيه بالتبتل لولا ذلك لكان ذلك فضلا عظيما لاستغراقه الزمان بالعبادة والطاعة والمراد بالخبر التشبيه به في حصول العبادة به على وجه عري عن المشقة كما قال عليه السلام : [ من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر ] ذكر ذلك حثا على صيامها وبيان فضلها ولا خلاف في استحبابها ونهى عبد الله ابن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث وقال : من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل لا في كراهة الزيادة عليه إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونها متتابعة أو مفرقة في أول الشهر أو في آخره لأن الحديث ورد بها مطلقا من غير تقييد فضيلتها لكونها تصير مع الشهر ستة وثلاثين يوما والحسنة بعشر أمثالها فيكون ذلك كثلاثمائة وستين يوما وهو السنة كلها فإذا وجد ذلك في كل سنة صار كصيام الدهر كله وهذا المعنى يحصل مع التفريق والله أعلم .
مسألة : قال : وصيام عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين .
وجملته أن صيام هذين اليومين مستحب لما روى أبو قتادة [ عن النبي A أنه قال : صيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ] وقال في صيام عاشوراء : [ إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ] أخرجه مسلم إذا ثبت هذا فإن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم وهذا قول سعيد ابن المسيب والحسن لما روى ابن عباس قال : [ أمر رسول الله A بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم ] رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي عن ابن عباس أنه قال : التاسع وروي [ أن النبي A كان يصوم التاسع ] أخرجه مسلم بمعناه وروى عنه عطاء أنه قال صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود إذا ثبت هذا فإنه يستحب صوم التاسع والعاشر لذلك نص عليه أحمد وهو قول إسحاق قال أحمد : فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر .
فصل : واختلف في صوم عاشوراء هل كان واجبا فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجبا وقال هذا قياس المذهب واستدل بشيئين .
أحدهما : أن النبي A أمر من لم يأكل بالصوم والنية في الليل شرط في الواجب .
والثاني : أنه لم يأمر من أكل بالقضاء ويشهد لهذا ما روى معاوية قال [ سمعت رسول الله A يقول : إن هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ] وهو حديث صحيح وروي عن أحمد أنه كان مفروضا لما [ روت عائشة أن النبي A صامه وأمر بصيامه فلما افترض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه ] وهو حديث صحيح وحديث معاوية محمول على أنه أراد ليس هو مكتوبا عليكم الآن وأما تصحيحه بنية من النهار وترك الأمر بقضائه فيحتمل أن نقول من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه كما قلنا فيمن أسلم وبلغ في أثناء يوم من رمضان على أنه قد روى أبو داود [ أن أسلم أتت النبي A فقال : صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا قال : فأتموا بقية يومكم واقضوه ] .
فصل : فأما يوم عرفة فهو اليوم التاسع من ذي الحجة سمي بذلك لأن الوقوف بعرفة فيه وقيل سمي يوم عرفة لأن إبراهيم عليه السلام أري في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه فأصبح يومه يتروى هل هذا من الله أو حلم فسمي يوم التروية فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة فعرف أنه من الله فسمي يوم عرفة وهو يوم شريف عظيم وعيد كريم وفضلة كبير وقد صح عن النبي A أن صيامه يكفر سنتين .
فصل : وأيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة يضاعف العمل فيها ويستحب الاجتهاد في العبادة فيها لما روى ابن عباس قال : [ قال رسول الله A : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله فقال رسول الله A : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ] وهو حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة [ عن النبي A قال : ما من أيام أحب إلى الله D أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر ] وهذا حديث غريب أخرجه الترمذي وروى أبو داود بإسناده عن بعض أزواج النبي A قالت : [ كان رسول الله A يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء ] .
مسألة : قال : ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصوم ليتقوى على الدعاء .
أكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه وقال قتادة : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وقال عطاء أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف لأن كراهة صومه إنما هي معللة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة .
ولنا ما روى [ عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله A فقال بعضهم صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفات فشربه النبي A ] متفق عليه و [ قال ابن عمر حججت مع النبي A فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه ] أخرجه الترمذي وقال حديث حسن وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة أن النبي A نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة ولأن الصوم يضعفه ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه وإجابة دعائه به فكان تركه أفضل .
فصل : روي عن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله A أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ] رواه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن .
وأفضل الصيام أن تصوم يوما وتفطر يوما لما [ روى عبد الله بن عمرو أن النبي A قال له : صم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود وهو أفضل الصيام فقلت إني أطيق أفضل من ذلك فقال النبي A : لا أفضل من ذلك ] متفق عليه .
فصل : وروى أبو داود بإسناده [ عن اسامة بن زيد أن نبي الله A كان يصوم يوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال : إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس ]