السحور وصيام وما يستحب للصائم .
مسألة : قال : والاختيار تأخير السحور وتعجيل الفطر .
الكلام في هذه المسألة في فصلين .
أحدهما في السحور : والكلام فيه في ثلاثة أشياء .
أحدها : في استحبابه ولا نعلم فيه بين العلماء خلافا وقد روى أنس [ أن النبي A قال تسحروا فإن في السحور بركة ] متفق عليه وعن عمرو بن العاص قال : [ قال رسول الله A فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكله السحر ] أخرجه مسلم و أبي داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورو الإمام أحمد بإسناده عن أبي سعيد قال : [ قال رسول الله A السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ] .
الثاني في وقته : قال أحمد يعجبني تأخير السحور لما [ روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله A ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك ؟ قال خمسين آية ] متفق عليه و [ روى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله A إلى السحور فقال : هلم إلى الغداء المبارك ] رواه أبو داود و النسائي سماه غداء لقرب وقته منه ولأن المقصود بالسحور التقوي على الصوم وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه وهذا قول ابن عباس و عطاء و الأوزاعي قال أحمد : يقول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } [ قال النبي A : لا يمنعكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق ] .
وقال الترمذي : هذا حديث حسن وروى أبو قلابة قال : قال أبو بكر الصديق Bه وهو يستحر يا غلام أخف الباب لا يفجأنا الصبح وقال رجل لابن عباس إني اتسحر فإذا شككت امسكت فقال ابن عباس كل ما شككت حتى لا تشك فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لأنه ليس مما يتقوى به وفيه خطر وجوب الكفارة وحصول الفطر به .
الثالث : فيما يستحر به وكل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة السحور [ لقوله عليه السلام : ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ] وروى أبو هريرة [ عن النبي A قال : نعم سحور المؤمن التمر ] رواه أبو داود .
الفصل الثاني : في تعجيل الفطر وفيه أمور ثلاثة .
احدها : في استحبابه وهو قول اكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي [ أن النبي A قال : لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ] متفق عليه وعن أبي عطية قال دخلت أنا ومسروق على عائشة فقال مسروق رجلان من أصحاب رسول الله A احدهما يعجل الإفطاء ويعجل المغرب والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر المغرب قالت : من الذي يعجل الإفطار ويعجل المغرب ؟ قال عبد الله قالت : هكذا كان رسول الله A يصنع رواه مسلم وعن أبي هريرة قال : [ قال رسول الله A : يقول الله تعالى : أحب عبادي إلي أسرعهم فطرا ] قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب و [ قال أنس ما رأيت رسول الله A يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء ] رواه ابن عبد البر .
الثاني فيما يفطر عليه : يستحب أن يفطر على رطبات فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن فعلى الماء لما روى أنس قال : [ كان رسول يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء ] رواه أبو داود و الاثرم و الترمذي وقال حديث حسن غريب وعن سليما بن عامر قال : [ قال رسول الله A : إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على الماء فإنه طهور ] أخرجه أبو داود و الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
الثالث في الوصال : وهو أن لا يفطر بين اليومين بأكل ولا شرب وهو مكروه في قول أكثر أهل العلم وروي عن ابن الزبير أنه كان يواصل اقتداء برسول الله A .
ولنا ما روى ابن عمر قال : [ واصل رسول الله A في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله A عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال : إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى ] متفق عليه وهذا يقتضي اختصاصه بذلك ومنع إلحاق غيره به وقوله : [ إني أطعم وأسقى ] يحتمل أنه يريد أنه يعان على الصيام ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام بمنزلة من طعم وشرب ويحتمل أنه أراد إني أطعم حقيقة وأسقى حملا للفظ على حقيقته والأول أظهر لوجهين .
أحدهما : أنه لو طعم وشرب حقيقة لم يكن مواصلا وقد أقرهم على قولهم إنك تواصل .
والثاني : أنه قد روي أنه قال : [ إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ] وهذا يقتضي أنه في النهار ولا يجوز الأكل في النهار له ولا لغيره إذا ثبت هذا فإن الوصال غير محرم وظاهر قول الشافعي أنه محرم تقريرا لظاهر النهي في التحريم .
ولنا أنه ترك الأكل والشرب المباح فلم يكن محرما كما لو تركه في حال الفطر فإن قيل فصوم يوم العيد محرم مع كونه تركا للأكل والشرب المباح قلنا ما حرم ترك الأكل والشرب بنفسه وإنما حرم بنية الصوم ولهذا لو تركه من غير نية الصوم لم يكن محرما وأما النهي فإنما أتى به رحمة لهم ورفقا بهم لما فيه من المشقة عليهم كما نهى عبد الله بن عمرو عن صيام النهار وقيام الليل وعن قراءة القرآن في أقل من ثلاث قال عائشة : نهى رسول الله A عن الوصال رحمة لهم وهذا لا يقتضي التحريم ولهذا لم يفهم منه أصحاب النبي A التحريم بدليل أنهم واصلوا بعده ولو فهموا منه التحريم لما استجازوا فعله قال أبو هريرة : [ نهى رسول الله A عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ويوما ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر لزدتكم ] كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا متفق عليه فإن واصل من سحر إلى سحر جاز لما روى أبو سعيد أنه [ سمع رسول الله A يقول : لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ] أخرجه البخاري وتعجيل الفطر أفضل لما قدمناه .
فصل : ويستحب تفطير الصائم لما روى زيد بن خال الجهني [ عن النبي A أنه قال : من فطر صائما كان له أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
فصل : روى ابن عباس قال : [ كان النبي A إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم ] وعن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A إذا أفطر يقول : ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ] وإسناده حسن ذكرهما الدارقطني