وجوب القضاء والكفارة في جماع صائم رمضان .
مسألة : قال : ومن جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون الفرج عامدا أو ساهيا فعليه القضاء والكفارة إذا كان في شهر رمضان .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دنه الفرج فأنزل أنه يفسد صومه إذا كان عامدا وقد دلت الأخبار الصحيحة على ذلك وهذه المسألة فيها مسائل أربع : .
إحداها : أن من أفسد صوما واجبا بجماع فعليه القضاء سواء كان في رمضان أو غيره وهذا قول أكثر الفقهاء وقال الشافعي في أحد قوليه : من لزمته الكفارة لا قضاء عليه لأن النبي A لم يأمر الأعرابي بالقضاء وحكي عن الأوزاعي أنه قال : إن كفر بالصيام فلا قضاء عليه لأنه صام شهرين متتابعين .
ولنا [ أن النبي A قال للمجامع وصم يوما مكانه ] رواه أبو داود بإسناده و ابن ماجة و الاثرم ولأنه أفسد يوما من رمضان فلزمه قضاؤه كما لو أفسده بالأكل أو أفسد صومه الواجب بالجماع فلزمه قضاؤه كغير رمضان .
المسألة الثانية : إن الكفارة تلزم من جامع في الفرج في رمضان عامدا أنزل أو لم ينزل في قول عامة أهل العلم وحكي عن الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير لا كفارة عليه لأن الصوم عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها فلا تجب في أدائها كالصلاة .
ولنا ما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : [ بينا نحن جلوس عند النبي A إذ جاء رجل فقال يا رسول الله هلكت قال مالك ؟ قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله A هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا قال فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا قال فمكث النبي A فبينا نحن على ذلك أتى النبي A بعرق فيه تمر - والعرق المكتل - فقال : أين السائل ؟ فقال أنا قال : خذ هذا فتصدق به فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي A حتى بدت أنيابه ثم قال : أطعمه أهلك ] متفق عليه ولا يجوز اعتبار الأداء في ذلك بالقضاء لأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به والقضاء محلة الذمة والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلاف مسألتنا .
المسألة الثالثة : أن الجماع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال فيه عن أحمد روايتان : إحداهما عليه الكفارة وهذا قول مالك و عطاء و الحسن و ابن المبارك و اسحق لأنه فطر بجماع فأوجب الكفارة كالجماع في الفرج : والثانية لا كفارة فيه وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة لأنه فطر بغير جماع تام فأشبه القبلة ولأن الأصل عدم وجوب الكفارة ولا نص في وجوبها ولا إجماع ولا قياس ولا يصح القياس على الجماع في الفرج لأنه أبلغ بدليل أنه يوجبها من غير إنزال ويجب به الحد إذا كان محرما ويتعلق به اثنا عشر حكما ولأن العلة في الأصل الجماع بدون الإنزال والجماع ههنا غير موجب فلم يصح اعتباره به .
المسألة الرابعة : أنه إذا جامع ناسيا فظاهر المذهب أنه كالعامد نص عليه أحمد وهو قول عطاء و ابن الماجشون وروى أبو داود عن أحمد أنه توقف عن الجواب وقال أجبن أن أقول فيه شيئا وإن أقول ليس عليه شيء قال سمعته غير مرة لا ينفذ له فيه قول ونقل أحمد بن القاسم عنه : كل أمر غلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره قال أبو الخطاب : هذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان وهو قول الحسن ومجاهد والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لأنه معنى حرمه الصوم فإذا وجد منه مكرها أو ناسيا لم يفسده كالأكل وكان مالك و الأوزاعي و الليث يوجبون القضاء دون الكفارة لأن الكفارة لرفع الإثم وهو محطوط عن الناسي .
ولنا أن النبي A أمر الذي قال وقعت على امرأتي بالكفارة ولم يسأله عن العمد ولو افترق الحال لسأل واستفصل ولأنه يجب التعليل بما تناوله لفظ السائل وهو الوقوع على المرأة في الصوم ولأن السؤال كالمعاد في الجواب فكأن النبي A قال : من وقع على أهله في رمضان فليعتق رقبة فإن قيل ففي الحديث ما يدل على العمد وهو قوله : هلكت وروي احترقت قلنا يجوز أن يخبر عن هلكته لما يعتقده في الجماع ما النسيان من إفساد الصوم وخوفه من غير ذلك ولأن الصوم عبادة تحرم الوطء فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج ولأن إفساد الصوم ووجوب الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع لا تسقطها الشبهة فيها العمد والسهو كسائر أحكامه