ما يفطر دون كفارة وما لا يفطر وما لا يفسد الصيام .
مسألة : قال : ومن أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل أي ذلك فعل عامدا وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان صوما واجبا .
في هذه المسألة فصول : فصل الأول إنه يفطر بالأكل والشرب بالإجماع وبدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } مد الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما وأما السنة فـ [ قول النبي A والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ] واجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به فأما مالا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به وقال الحسن بن صالح : لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب وحكي عن أبي طلحة الأنصاري أنه كان يأكل البرد في الصوم ويقول ليس بطعام ولا شراب ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم فيدخل فيه محل النزاع ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافا .
الفصل الثاني : إن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم وبه قال إسحاق و ابن المنذر و محمد بن إسحاق بن خزيمة وهو قول عطاء و عبد الرحمن بن مهدي وكان الحسن ومسروق و ابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة وحسين بن علي وعروة و سعيد بن جبير وقال مالك و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي يجوز للصائم أن يحتجم ولا يفطر لما روى البخاري عن ابن عباس [ أن النبي A احتجم وهو صائم ] ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد .
ولنا قول النبي A [ أفطر الحاجم والمحجوم ] رواه عن النبي A أحد عشر نفسا قال أحمد حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب وإسناد حديث رافع إسناد جيد وقال : حديث ثوبان وشداد صحيحان وعن علي بن المديني أنه قال أصح شيء في هذا الباب حديث شداد وثوبان وحديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روى ابن عباس أنه قال : [ احتجم رسول الله A بالقاحة بقرن وناب وهو محرم صائم فوجد لذلك ضعيفا شديدا فنهى رسول الله A أن يحتجم الصائم ] رواه إسحاق الجوزجاني في المترجم وعن الحكم قال : [ احتجم رسول الله A وهو صائم فضعف ثم كرهت الحجامة للصائم ] وكان ابن عباس وهو راوي حديثهم يعد الحجام والمحاجم فإذا غابت الشمس احتجم بالليل كذلك رواه الجوزجاني وهذا يدل على أنه علم نسخ الحديث الذي رواه ويحتمل [ أن النبي A احتجم فأفطر ] كما [ روي عنه عليه السلام أنه قاء فأفطر ] فإن قيل فقد روي [ أن النبي A رأي الحاجم والمحتجم يغتابان ] فقال ذلك : قلنا لم تثبت حصة هذه الرواية مع أن اللفظ أعم من السبب فيجب العمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على أننا قد ذكرناه الحديث الذي فيه بيان علة النهي عن الحجامة وهي الخوف من الضعف فيبطل التعليل بما سواه أو يكون كل واحد منهما علة مستقلة على أن الغيبة لا تفطر الصائم إجماعا فلا يصح حمل الحديث على ما يخالف الإجماع قال أحمد : لأن يكون الحديث كما جاء عن النبي A [ أفطر الحاجم والمحجوم ] أحب إلينا من أن يكون من الغيبة لأن من أراد أن يمتنع من الحجامة امتنع وهذا أشد من الناس أن يسلم من الغيبة ؟ فإن قيل : فإذا كانت علة النهي ضعف الصائم بها فلن يقتضي ذلك الفطر وإنما يقتضي الكراهة ومعنى قوله : [ أفطر الحاجم والمحجوم ] أي قربا من الفطر قلنا هذا تأويل يحتاج إلى دليل على أنه لا يصح ذلك في حق الحاجم فإنه لا ضعف فيه .
الفصل الثالث : أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة كالوجور واللدود أو من الأنف كالسعوط أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه أو من دواء المأمومة إلى دماغه فهذا كله يفطره لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل وكذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه وبهذا كله قال الشافعي : وقال مالك : لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل إلى حلقة ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة واختلف عنه في الحقنة واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف ولنا أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره كالواصل إلى الحلق والدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كجوف البدن .
فصل : فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطره وإلا لم يفطره نص عليه أحمد وقال ابن أبي موسى ما يجد طعمه كالذرور والصبر والفطور أفطر إن اكتحل باليسير من الاثمد غير المطيب كالميل ونحوه لم يفطر نص عليه أحمد وقال ابن عقيل : إن كان الكحل حادا فطره وإلا فلا ونحو ما ذكرناه قال أصحاب مالك وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطره لما [ روي عن النبي A أنه اكتحل في رمضان وهو صائم ] ولأن العين ليست منفذا فلم يفطر بالداخل منها كما لو دهن رأسه .
ولنا أنه أوصل إلى حلقة ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأمطر به كما لو أوصله من أنفه وما رووه لم يصح قال الترمذي لم يصح عن النبي A في باب الكحل للصائم شيء ثم نحمله على أنه اكتحل بما لا يصل وقولهم ليست العين منفذا لا يصح فإنه يوجد طعمه في الحلق ويكتحل بالاثمد فيتنخعه قال أحمد : حدثني إنسان أنه اكتحل بالليل فتنخعه بالنهار ثم لا يعتبر في الواصل أن يكون من منفذ بدليل ما لو جرح نفسه جائفة فإنه يفطر .
فصل : وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق لا يفطره لأن اتقاء ذلك يشق فأشبه غبار الطريق وغربلة الدقيق فإن جمعه ثم ابتلعه قصدا لم يفطره لأنه يفطره لأنه يصل إلى جوفه من معدته أشبه إذا لم يجمعه وفيه وجه آخر أنه يفطر لأنه أمكنه من التحرز منه أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق والأول أصح فإن الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وإن قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لأنه ابتلعه من غير فمه فأشبه ما لو بلغ غيره فإن قيل فقد [ روت عائشة أن النبي A كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها ] رواه أبو داود قلنا قد روي أنه قال هذا إسناد ليس بصحيح ويجوز أن يكون يقبل في الصوم ويمص لسانها في غيره ويجوز أن يمصه ثم ابتلعه ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها في البلل إلى فمه فأشبه ما لو ترك حصاه مبلولة في فيه أو لو تمضمض بماء ثم مجه ولو ترك في فمه حصاة أو ردهما فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظرت فإن كان ما عليه من الريق كثيرا فابتلعه أفطر وإن كان يسيرا لم يفطر بابتلاع ريقه وقال بعض أصحابنا يفطر لابتلاعه ذلك البلل الذي كان على الجسم .
ولنا أنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه فلا يفطره كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب والمبلول ويقوي ذلك حديث عائشة في مص لسانها ولو أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع ريقه لم يفطر .
فصل : وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان : إحداهما يفطر قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة من الرأس تنزل والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدراه أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها من غير الفم أشبه القيء والرواية الثانية لا يفطر قال في رواية المروذي ليس عليك إذا ابتلعت النخاعة وأنت صائم لأنه معتاد في الفم غير واصل من خارج أشبه الريق .
فصل : فإن سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر وإن كان يسيرا لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فما عداه من يبقى على الأصل وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجسا أو تنجس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء وإلا فلا .
فصل : ولا يفطر بالمضمضة بغير خلاف سواء كان في الطهارة أو غيرها وقد روي [ عن النبي A أن عمر سأله عن القبلة للصائم فقال النبي A أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت : لا بأس قال فمه ] ولأن الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عله وبه قال الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس وقال مالك و أبو حنيفة يفطر لأنه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه فأفطر كما لو تعمد شربه .
ولنا أنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها لقول النبي A للقيط بن صبرة : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما حديث صحيح ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد : يعجبني أن يعيد الصوم وهل يفطر بذلك ؟ على وجهين : أحدهما يفطر لأن النبي A نهى عن المبالغة حفظا للصوم فدل ذلك على أنه يفطر به ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد والثاني لا يفطر به لأنه وصل من غير قصد فأشبه غبار الدقيق إذا نخله فأما المضمضة لغير الطهارة فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه فحكمه حكم المضمضة للطهارة وإن كان عابثا أو تمضمض من أجل العطش كره وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه قال : يرش على صدره أحب إلي فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه أو ترك الماء فيه عابثا أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث لأنه مكروه ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش لما روي عن بعض أصحاب رسول الله A أن ه قال رأيت رسول الله A بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر رواه أبو داود .
فصل : ولا بأس أن يغتسل الصائم فإن عائشة وأم سلمة قالتا : نشهد على رسول الله إن كان ليصبح جنبا من غير احتلام ثم يغتسل ثم يصوم متفق عليه وروى أبو بكر بإسناده أن ابن عباس دخل الحمام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان فأما الغوص في الماء فقال أحمد في الصائم يغتمس في الماء إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه وكره الحسن و الشعبي أن ينغمس في الماء خوفا من أن يدخل في مسامعه فإن دخل في مسامعه فوصل إلى دماغه من الغسل المشروع من غير إسراف ولا قصد فلا شيء عليه كما لو دخل إلى حلقة من المضمضة والاستنشاق والزائد على الثلاث والله أعلم .
فصل : قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد : الصائم يمضغ العلك قال : لا قال أصحابنا : العلك ضربان : أحدهما ما يتحلل منه أجزاء وهو الرديء الذي إذا مضغه يتحلل فلا يجوز مضغه إلا إن لا يبلغ ريقه فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به كما لو تعمد أكله والثاني العلك القوي الذي كلما مضغه صلب وقوي فهذا يكره مضغه ولا يحرم وممن كرهه الشعبي و النخعي و محمد بن علي و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش ورخصت عائشة عن مضغه وبه قال عطاء لأنه لا يصل إلى الجوف فهو كالحصاة يضعها في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر وإن وجد طعمه في حلقه ففيه وجهان : أحدهما يفطره كالكحل إذا وجد طعمه في حلقه فالثاني لا يفطره لأنه لم ينزل منه شيء ومجرد الطعم لا يفطر بدليل أنه قد قيل من لطخ باطن قدمه بالحنطل وجد طعمه ولا يفطر بخلاف الكحل فإن أجزاءه تصل إلى الحلق ويشاهد إذا تنخع قال أحمد : من وضع في فيه درهما أو دينارا وهو صائم ما لم يجد طعمه في حلقه فلا بأس به وما يجد طعمه فلا يعجبني وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيوط قال يعجبني أن يبزق .
فصل : قال أحمد أحب إلي أن تجتنب ذوق الطعام فإن فعل لم يضره ولا بأس به قال ابن عباس : لا بأس أن يذوق الطعام والخل والشيء يريد شراءه والحسن كان يمضغ الجوز لأبن ابنه وهو صائم ورخص فيه إبراهيم قال ابن عقيل : يكره ن غير حاجة ولا بأس به من الحاجة فإن فعل فوجد طعمه في حلقه أفطر وإلا لم يفطر .
فصل : قال أحمد : لا بأس بالسواك للصائم [ قال عامر بن ربيعة : رأيت النبي A ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ] قال الترمذي هذا حديث حسن وقال زياد بن حدير ما رأيت أحدا كان أدوم لسواك رطب وهو صائم من عمر بن الخطاب ولكنه عودا ذاوبا ولم ير أهل العلم بالسواك أول النهار بأسا إذا كان العود يابسا واستحب أحمد وإسحاق السواك بالعشي قال أحمد : [ قال رسول الله A خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الاذفر ] لتلك الرائحة لا يعجبني للصائم أن يستاك بالعشي واختلفت الرواية عنه في التسوك بالعود الرطب فرويت عنه الكراهة وهو قول قتادة و الشعبي والحكم وإسحق ومالك في رواية لأنه مغرر بصومه لاحتمال أن يتحلل منه أجزاء إلى حلقه فيفطره وروي عنه لا يكره وبه قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة وروي ذلك عن علي وابن عمر وعروة ومجاهد لما رويناه من حديث عمر وغيره من الصحابة .
فصل : ومن أصبح بين أسنانه طعام لم يخل من حالين : أحدهما أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه فازدرده فإنه لا يفطر به لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق قال ابن المنذر : أجمع على ذلك أهل العلم : الثاني أن يكون كثيرا يمكن لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن ازدرده عامدا فسد صومه في قول أكثر أهل العلم وقال حنيفة : لا يفطر لأنه لا بد أن يبقى بين أسنانه شيء مما يأكله فلا يمكن التحرز منه فأشبه ما يجري به الريق .
ولنا أنه بلغ طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأمطر به كما لو ابتدأ الأكل ويخالف ما يجري به الريق فإنه لا يمكن لفظه فإن قيل يمكنه قلنا لا يخرج جميع الريق ببصاقه وإن منع من ابتلاع ريقه كله لم يمكنه .
فصل : فإن قطر في احليله دهنا لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يفطر لأنه أوصل الدهن إلى جوف في جسده فأفطر كما لو داوى الجائفة ولأن المني يخرج من الذكر فيفطره ومن أفطر بالخارج منه جاز أن يفطر بالداخل منه كالفم .
ولنا أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ وإنما يخرج البول رشحا فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف فلا يفطره كالذي يتركه في فيه ولم يبتلعه .
الفصل الرابع : إذا قيل فأمني أو أمذي ولا يخلو القبل من ثلاثة أحوال : أحدها أن لا ينزل فلا يفسد صومه بذلك لا نعلم فيه خلافا لما [ روت عائشة : أن النبي A كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لأربه ] رواه البخاري و مسلم ويروي بتحريك الراء وسكونها قال الخطابي : معناها واحد وهو حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالفتح الحاجة وروي [ عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله : صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال : أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت : لا بأس به قال فمه ] رواه أبو داود شبه كان بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الشهوة وإن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر وإن كان معها نزوله أفطر إلا أن أحمد ضعف هذا الحديث وقال هذا ريح ليس من هذا شيء .
الحال الثاني : أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه لما ذكرناه من إيماء الخبرين ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج .
الحال الثالث : أن يمذي فيفطر عند إمامنا مالك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر وروي ذلك عن الحسن و الشعبي و الأوزاعي لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول .
ولنا أنه خارج تخلله الشهوة خرج بالمباشرة فأفسد الصوم كالمني وفارق البول بهذا واللمس لشهوة كالقبلة في هذا : إذا ثبت هذا فإن المقبل إذ كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرضه صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد وقد روي عن عمر أنه قال : رأيت رسول الله A في المنام فأعرض عني فقلت له مالي ؟ فقالت : إنك تقبل وأنت صائم ولأن العبادة إذا منعت في الوطء منعت القبلة كالإحرام ولا تحرم القبلة في هذه الحال لما [ روي أن رجلا قبل وهو صائم فأرسل امرأته فسألت النبي A فأخبرها النبي A أنه يقبل وهو صائم فقال الرجل إن رسول الله A ليس مثلنا قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فغضب النبي A وقال : إني لأخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ] رواه مسلم بمعناه ولأن افضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه ولا يثبت التحريم بالشك فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الهرم ففيه روايتان : إحداهما لا يكره له ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي A كان يقبل وهو صائم لما كان مالكا لأربه وغير ذي الشهوة في معناه .
وقد روي أبو هريرة [ أن رجلا سأل النبي A عن المباشرة للصائم فرخص له فأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب ] أخرجه أبو داود ولأنها مباشرة لغير شهوة فأشبهت لمس اليد لحاجة .
والثانية : يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته وغيره كالإحرام فأما اللمس لغير شهوة كلمس يدها ليعرف مرضها فليس بمكروه بحال لأن ذلك لا يكره في الإحرام فلا يكره في الصيام كلمس ثوبها .
فصل : ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل فإن أنزل فسد صومه لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة فأما إن انزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه لم يفسد صومه لأنه عن غير اختيار منه فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم ولو جامع في الليل فأنزل بعدما أصبح لم يفطر لأنه لم يتسبب إليه في النهار فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل فذرعه القيء في النهار .
الفصل الخامس : إذا كرر النظر فأنزل ولتكرار النظر أيضا ثلاثة أحوال أحدها أن لا يقترن به إنزال فال يفسد الصوم بغير اختلاف .
الثاني : أن يقترن به إنزال المني فيفسد الصوم في قول إمامنا وعطاء والحسن البصري ومالك والحسن بن صالح وقال جابر بن زيد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر لا يفسد لأنه إنزال عن غيره مباشرة أشبه الإنزال بالفكر ولنا أنه إنزال بفعل يتلذذ به ويمكن التحرز منه فأفسد الصوم كالإنزال باللمس والفكر لا يمكن التحرز منه بخلاف تكرار النظر الثالث مذي بتكرار النظر فظاهر كلام أحمد أه لا يفطر به لأنه لا نص في الفطر به ولا يمكن قياسه على إنزال المني لمخالفته إياه في الإحكام فيبقى على الأصل فأما إن نظر فصرف بصره لم يفسد صومه سواء أنزل وقال مالك إن أنزل فسد صومه لأنه أنزل بالنظر أشبه ما لو كرره .
ولنا أن النظرة الأولى لا يمكن التحرز منها فلا يفسد الصوم ما أفضت إليه كالفكرة وعليه يخرج التكرار فإذا ثبت هذا فإن تكرار النظر مكروه لمن يحرك شهوته غير مكروه لمن لا يحرك شهوته كالقبلة ويحتمل أن لا يكره بحال لأن قضاءه إلى الإنزال المفطر بعيد جدا بخلاف القبلة فإن حصول المذي لها ليس ببعيد .
فصل : فإن فكر فأنزل لم يفسد صومه وحكي عن أبي حفص البرمكي أنه يفسد واختاره ابن عقيل لأن الفكرة تستحضر فتدخل تحت الاختيار بدليل تأثيم صاحبها في مساكنها في بدعة وكفر ومدح الله سبحانه الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ونهى النبي A عن التفكر في ذات الله وأمر بالتفكر في الآية ولو كانت غير مقدور عليها لم يتعلق ذلك بها كالاحتلام فأما أن خطر بقلبه صورة الفعل فأنزل لم يفسد صومه لأن الخاطر لا يمكن دفعه .
ولنا قول النبي A : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ] ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر لأنه دونها في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال ويخالفهما في التحريم إذا تعلق ذلك بأجنبية أو الكراهة إن كان في زوجة فيبقى على الأصل .
الفصل السادس : أن المفسد للصوم من هذا كله ما كان عن عمد وقصد فأما ما حصل منه عن غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق ونخل الدقيق والذبابة التي تدخل حلقه أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو أنفه أو حلقه أو يلقي في ماء فيصل إلى جوفه أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة أو يصب في حلقه أو أنفه شيء كرها أو تداوى مأمومته أو جائفته بغي اختياره أو يحجم كرها أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل أو ما أشبه هذا فلا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافا لأنه لا فعل له فلا يفطر كالاحتلام وأما إن اكره على شيء من ذلك بالوعيد ففعله فقال ابن عقيل : قال أصحابنا لا يفطر به أيضا لقول النبي A [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] ويحتمل عند أن يفطر لأنه فعل المفطر لدفع الضرر عن نفسه فأشبه المريض إليه لدفع المرض ومن يشرب لدفع العطش ويفارق الملجأ لأنه خرج بذلك عن حيز الفعل ولذلك لا يضاف إليه ولذلك افترقا فيما لو أكره على قتل آدمي والقي عليه .
الفصل السابع : أنه متى أفطر بشيء من ذلك فعليه القضاء لا نعلم في ذلك خلافا لأن الصوم كان ثابتا في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه ولم يؤده فبقي على ما كان عليه ولا كفارة في شيء مما ذكرناه في ظاهر المذهب وهو قول سعيد بن جبير و النخعي و ابن سيرين و حماد و الشافعي وعن أحمد أن الكفارة تجب على من أنزل بلمس أو قبله أو تكرار نظر لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الإنزال بالجماع وعنه في المحتجم إن كان عالما بالنهي فعليه الكفارة وقال عطاء في المحتجم عليه الكفارة وقال مالك تجب الكفارة بكل ما كان هتكا للصوم إلا الردة لأنه إفطار في رمضان أشبه الجماع وحكي عن عطاء و الحسن و الزهري و الثوري و الأوزاعي و إسحاق أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع وبه قال أبو حنيفة : إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها فلا كفارة عليه واحتجوا بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه فوجب عليه الكفارة كالجامع .
ولنا أنه أفطر بغير جماع فلت توجب الكفارة كبلع الحصاة أو التراب أو كالردة عند مالك ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع ولا يصح قياسه على الجماع لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس والحكم في التعدي به آكد ولهذا يجب به الحد إذا كان محرما ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته ووجوب البدنة ولأنه في الغالب يفسد صومه اثنين بخلاف غيره .
فصل : والواجب في القضاء عن كل يوم يوم في قول عامة الفقهاء وقال أحمد : قال إبراهيم و وكيع بصوم ثلاثة آلاف يوم وعجب أحمد من قولهما وقال سعيد بن المسيب : من أفطر يوما متعمدا يصوم شهرا وحكي عن ربيعة أنه قال : يحل مكان كل يوم اثنا عشر يوما لأن رمضان يجزئ عن جميع السنة هي اثنا عشر شهرا .
ولنا قول الله تعالى : { فعدة من أيام أخر } و [ قال النبي A في قصة المجامع صم يوما مكانه ] رواه د أبو داود ولأن القضاء يكون على حسب الأداء بدليل سائر العبادات ولأن القضاء لا يختلف بالعذر وعدمه بدليل الصلاة والحج وما ذكروه تحكم لا دليل عليه والتقدير لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع وليس معهم واحد منهما وقول ربيعة يبطل بالمعذور وذكر لأحمد حديث أبي هريرة من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه ولو صام الدهر فقال ليس يصح هذا الحديث .
مسألة : قال : وإن فعل ذلك ناسيا فهو على صومه ولا قضاء عليه .
وجملته أن جميع ما ذكره الخرقي في هذه المسألة لا يفطر الصائم بفعله ناسيا وروي عن علي Bه لا شيء على من أكل ناسيا وهو قول أبي هريرة وابن عمر و عطاء و طاوس وابن أبي ذئب و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أبي حنيفة و إسحق وقال ربيعة و مالك : يفطر لأن ما لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمدا لا يجوز مع سهوه كالجماع وترك النية .
ولنا ما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله A إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ] متفق عليه وفي لفظ [ من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله ] ولأنها عبادات ذات تحليل وتحريم فكان في محظوراتها ما يختلف عمده وسهوه كالصلاة والحج وأما النية فليس تركها فعلا ولأنها شرط والشروط لا تسقط بالسهو بخلاف المبطلات والجماع حكمه أغلظ ويمكن التحرز عنه .
فصل : فإن فعل شيئا من ذلك وهو نائم لم يفسد صومه لأنه لا قصد له ولا علم بالصوم فهو أعذر من الناسي وذكر أبو الخطاب أن من فعل من هذا شيئا جاهلا بتحريمه لم يفطر ولم أره عن غيره .
وقول النبي A [ أفطر الحاجم والمحجوم ] في حق الرجلين اللذين رآهما يحك أحدهما صاحبه مع جهلهما بتحريمه يدل على أن الجهل لا يعذر به ولأنه نوع جهل فلم يمنع الفطر كالجهل بالوقت في حق من يأكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع .
مسألة : قال : ومن استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه .
معنى تقيأ مستدعيا للقيء خروج من غير اختيار منه فمن استقاء فعليه القضاء لأن صومه يفسد به ومن ذرعه فلا شيء عليه وهذا قول عامة أهل العلم قال الخطابي : لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدا وحكي عن ابن مسعود وابن عباس أن القيء لا يفطر وروي [ أن النبي A قال ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام ] ولأن الفطر بما يدخل لا بما يخرج .
ولنا ما روى أبو هريرة [ أن النبي A قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عامدا فليقض ] قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ورواه أبو داود وحديثهم غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث قال الترمذي والمعنى الذي ذكر لهم يبطل بالحيض والمني .
فصل : وقليل القيء وكثيره سواء في ظاهر قول الخرقي وهو إحدى الروايات عن أحمد .
والرواية الثانية لا يفطر إلا بملء الفم لأنه روى [ عن النبي A أنه قال ولكن دسعة تملأ الفم ] ولأن اليسير لا ينقض الوضوء فلا يفطر كالبلغم والثالثة نصف الفم لأنه ينقض الوضوء فأفطر به كالكثير والأولى أولى لظاهر الحديث الذي رويناه ولأن سائر المفطرات لا فرق بين قليلها وكثيرها وحديث الرواية الثانية لا نعرف له أصلا ولا فرق بين كون القيء طعاما أو مرارا أو بلغما أو دما أو غيره لأن الجميع داخل تحت عموم الحديث والمعنى والله تعالى أعلم بالصواب .
مسألة : قال : ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ قال الله تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة .
مسألة : قال : ومن نوى الإفطار فقد أفطر .
هذا الظاهر من المذهب وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي إلا أن أصحاب الرأي قالوا : إن عاد فنوى قبل أن ينتصف النهار أجزأه بناء على أصلهم أن الصوم يجزئ بينه من النهار وحكي عن ابن حامد أن الصوم لا يفسد بذلك لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها فلم تفسد بنية الخروج منه كالحج .
ولنا أنها عبادة من شرطها النية ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ولكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بقاء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه زالت حقيقة وحكما ففسد الصوم لزوال شرطه وما ذكره ابن حامد لا يطرد في غير رمضان ولا يصح القياس على الحج فإنه يصح بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حج عن نفسه فافترقا .
فصل : فأما صوم النافلة فإن نوى الفطر ثم لو ينو الصوم بعد ذلك لم يصح صومه لأن النية انقطعت ولم توجد نية غيرها فأشبه من لم ينو أصلا وإن عاد فنوى الصوم صح صومه كما لو أصبح غير ناو للصوم لأن نية الفطر إنما أبطلت الفرض لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكما وخلو بعض أجزاء النهار عنها والنفل مخالف للفرض في ذلك فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه ولأن نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت وعدمها لا يمنع صحة الصوم إذا نوى بعد ذلك فكذلك إذا نوى الفطر ثم نوى الصوم بعده بخلاف الواجب فإنه لا يصح بنية من النهار وقد روي عن أحمد أنه قال إذا أصبح صائما ثم عزم على الفطر فلم يفطر حتى بدا له ثم قال : لا بل أثم صومي من الواجب لم يجزئه حتى يكون عازما على الصوم يومه كله ولو كان تطوعا كان أسهل وظاهر هذا موافق لما ذكرناه وقد دل على صحته [ أن النبي A كان يسأل أهله : هل من غداء ؟ فإن قالوا : لا قال : إني إذا صائم ] .
فصل : وإن نوى أنه سيفطر ساعة أخرى فقال ابن عقيل : هو كنية الفطر في وقته وإن تردد في الفطر فعلى وجهين كما ذكرنا في الصلاة وإن نوى أنني إن وجدت طعاما أفطرت وإن لم أجد أتممت صومي خرج فيه وجها : أحدهما يفطر لأنه لم يبق جازما بنية الصوم وكذلك لا يصح ابتداء النية بمثل هذا : والثاني لا يفطر لأنه لم ينو الفطر بنية صحيحة فإن النية لا يصح تعليقها على شرط ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذا النية