مسائل وفصول : وجوب زكاة الفطر ووقت ادائها .
مسألة : قال : ويخرجها اذا خرج الى المصلى .
المستحب إخراج صدقة الفطر يوم الفطر قبل الصلاة لأن النبي A أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس الى الصلاة في حديث ابن عمر وفي حديث ابن عباس : [ من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ] فان أخرها عن الصلاة ترك الأفضل لما ذكرنا من السنة ولأن المقصود منها الاغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل إغناؤهم في جميعه لا سيما في وقت الصلاة ومال الى هذا القول عطاء و مالك وموسى بن وردان و إسحق وأصحاب الرأي وقال القاضي : اذا أخرجها في بقية اليوم لم يكن فعل مكروها لحصول الغناء بها في اليوم قال سعيد : حدثنا أبو معسر عن نافع عن ابن عمر قال : أمرنا رسول الله A أن نخرج وذكر الحديث قال فكان يؤمر أن يخرج قبل أن يصلي فاذا انصرف رسول الله A قسمه بينهم وقال : [ أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم ] وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة فان أخرها عن يوم العيد أثم ولزمه القضاء وحكي عن ابن سيرين و النخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد وروى محمد بن يحيى الكحال قال : قلت لأبي عبد الله فان أخرج الزكاة ولم يعطها قال نعم اذا أعدها لقوم وحكاه ابن المنذر عن أحمد واتباع السنة أولى .
فصل : فأما وقت الوجوب فهو وقت غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فانها تجب بغروب الشمس من آخر شهر رمضان فمن تزوج أو ملك عبدا أو ولد له ولد أو أسلم قبل غروب الشمس فعليه الفطرة وإن كان بعد الغروب لم تلزمه ولو كان حين الوجوب معسرا ثم أيسر في ليلته تلك أو في يومه لم يجب عليه شيء ولو كان في وقت الوجوب موسرا ثم أعسر لم تسقط عنه اعتبارا بحالة الوجوب ومن مات بعد غروب الشمس ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر نص عليه أحمد : وبما ذكرنا في وقت الوجوب قال الثوري و إسحق و مالك في إحدى الروايتين عنه و الشافعي في أحد قوليه وقال الليث و أبو ثور وأصحاب الرأي تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهو رواية عن مالك لأنها قربة تتعلق بالعيد فلم يتقدم وجوبها يوم العيد وهو رواية عن مالك كالأضحية .
ولنا قول ابن عباس إن النبي A فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ولأنها تضاف الى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال وذلك لأن الإضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره والأضحية لا تعلق لها بطلوع الفجر ولا هي واجبة ولا تشبه ما نحن فيه فعلى هذا اذا غربت الشمس والعبد المبيع في مدة الخيار أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضه فالفطرة على المشتري والمتهب لأن الملك له والفطرة على المالك ولو أوصي له بعبد ومات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غابت فالفطرة عليه في أحد الوجهين والآخر على ورثة الموصي بناء على الوجهين في الموصى به هل ينتقل بالموت أو من حين القبول ؟ ولو مات فان كان موته بعد هلال شوال ففطرة العبد في تركته لأن الورثة انما قبلوه له وان كان موته قبل هلال شوال ففطرته على الورثة ولو أوصي لرجل برقبة عبد ولآخر بمنفعته فقبلا كانت الفطرة على مالك الرقبة لأن الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة ولهذا تجب على من لا نفع فيه ويحتمل أن يكون حكمها حكم نفقته وفيها ثلاثة أوجه أحدها أنها على مالك نفعه والثاني على مالك رقبته والثالث في كسبه .
مسألة : قال : وإن قدمها قبل ذلك بيوم أو يومين أجزأه .
وجملته أنه يجوز تقديم الفطرة قبل العيد بيومين لا يجوز أكثر من ذلك وقال ابن عمر كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين وقال بعض أصحابنا : يجوز تعجيلها من بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل وقال أبو حنيفة ويجوز تعجيلها من أول الحول لأنها زكاة فأشبهت زكاة المال وقال الشافعي : يجوز من أول شهر رمضان لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه فاذا وجد أحد السببين حاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب .
ولنا ما روى الجوزجاني ثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A يأمر به فيقسم قال يزيد أظن هذا يوم الفطر ويقول : أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ] والأمر للوجوب ومتى قدمها بالزمان لكثير لم يحصل اغناؤهم بها يوم العيد وسبب وجوبها الفطر بدليل اضافتها اليه وزكاة المال سببها ملك النصاب والمقصود اغناء الفقير بها في الحول كله فجاز اخراجها في جميعه وهذه المقصود منها الاغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت فأما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري باسناده عن ابن عمر قال : فرض رسول الله A صدقة الفطر من رمضان - وقال في آخره - وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين وهذا اشارة إلى جميعهم فيكون إجماعا ولأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها فان الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه ولأنها زكاة فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال والله أعلم .
مسألة : قال : ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله اذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته .
عيال الانسان من يعوله أي يمونه فتلزمه فطرتهم كما تلزمه مؤنتهم اذا وجد ما يؤدى عنهم لحديث ابن عمر أر رسول الله A فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون والذي يلزم الانسان نفقتهم وفطرتهم ثلاثة أصناف الزوجات والعبيد والاقارب فأما الزوجات فعليه فطرتهن وبهذا قال مالك و الشافعي و اسحاق وقال أبو حنيفة و الثوري و ابن المنذر : لا تجب عليه فطرة امرأته وعلى المرأة فطرة نفسها لقول النبي A : [ صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى ] ولأنها زكاة فوجبت عليها كزكاة مالها .
ولنا الخبر ولأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة بخلاف زكاة المالك فانها لا تتحمل بالملك والقرابة فان كان لامرأته من يخدمها بأجرة فليس على الزوج فطرته لأن الواجب الأجر دون النفقة وإن كان لها نظرت فان كانت ممن لا يجب لها خادم فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج أن يخدمها ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يستأجر أو ينفق على خادمها فان اشترى لها خادما أو اختار الانفاق على خادمها فعليه فطرته وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشرط لأن المؤنة اذا كانت أجرة فهي من مال المستأجر وإن تبرع بالأنفاق على من لا تلزمه نفقته فحكمه حكم من تبرع بالانفاق على أجنبي وسنذكره إن شاء الله تعالى وإن نشزت المرأة في وقت الوجوب ففطرتها على نفسها دون زوجها لأن نفقتها لا تلزمه واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لأن الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والأول أصح لأن هذه ممن لا تلزمه مؤنته فلا تلزمه فطرته كالأجنبية وفارق المريضة لأن عدم الانفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعها بخلاف الناشز وكذلك كل امرأة لا يلزمه نفقتها كغير المدخول بها اذا لم تسلم اليه والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها فانه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها لأنها ليست ممن يمون .
فصل : وأما العبيد فان كانوا لغير التجارة فعلى سيدهم فطرتهم لا نعلم فيه خلافا وإن كانوا للتجارة فعليه أيضا فطرتهم وبهذا قال مالك و الليث و الأوزاعي و الشافعي و اسحاق و ابن المنذر وقال عطاء و النخعي و الثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه فطرتهم لأنها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجبت فيهم زكاة التجارة فيمتنع وجوب الزكاة الأخرى كالسائمة اذا كانت للتجارة .
ولنا عموم الأحاديث وقول ابن عمر فرض رسول الله A : [ زكاة الفطر على الحر والعبد ] وفي حديث عمرو بن شعيب : [ ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو انثى حر أو عبد صغير أو كبير ] ولأن نفقتهم واجبة فوجبت فطرتهم كعبيد القنية أو نقول مسلم تجب مؤنته فوجبت فطرته كالأصل وزكاة الفطرة تجب على البدن ولهذا تجب على الأحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمة وهي المال بخلاف السوم والتجارة فانهما يجبان بسبب مال واحد متى كان عبيد التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لأن مؤنتهم منها وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنها على رب المال .
ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي من مال المضاربة فكذلك الفطرة