مسائل وفصول : أجناس الطعام التي تجزي في زكاة الفطر .
مسألة : قال : واختيار أبي عبد الله إخراج التمر .
وبهذا قال مالك قال ابن المنذر : واستحب مالك اخراج العجوة منه واختار الشافعي و أبو عبيد اخراج البر وقال بعض أصحاب الشافعي يحتمل أن يكون الشافعي قال ذلك لأن البر كان أغلى في وقته ومكانه لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمنا وأنفسها [ لقول النبي A وقد سئل عن أفضل الرقاب فقال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ] وإنما اختار أحمد إخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله A واتباعا له .
وروى باسناده عن أبي مجلز قال : قلت لابن عمر إن رسول الله A قال : [ إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر ] قال إن أصحابي سلكوا طريقا وأنا أحب أن أسلكه وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقتهم وأحب أحمد أيضا الاقتداء بهم واتباعهم .
وروى البخاري عن ابن عمر أنه قال : فرض رسول الله A صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به صاعا من بر وكان ابن عمر يخرج التمر فأعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا ولأن التمر فيه قوة وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى .
فصل : والأفضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابنا : الأفضل بعده الزبيب لأنه أقرب تناولا وأقل كلفة فأشبه التمر ولنا أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير وكذلك قال أبو مجلز لابن عمر : البر أفضل من التمر يعني أنفع وأكثر قيمة ولم ينكره ابن عمر وانما عدل عنه اتباعا لأصحابه وسلوكا لطريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره وقال معاوية : اني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من التمر فأخد الناس به وتفضيل التمر انما كان لاتباع الصحابة ففيما عداه يبقى على مقتضى الدليل في تفضيل البر ويحتمل أن يكون الأفضل بعد التمر ما كان أعلى قيمة وأكثر نفعا .
مسألة : قال : ومن قدر على التمر أو الزبيب أو البر أو الشعير أو الاقط فأخرج غيره لم يجزه .
ظاهر المذهب أنه لا يجوز له العدول عن هذه الأصناف مع القدرة عليها سواء كان المعدول اليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكر : يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعا من طعام والطعام قد يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتمل وأقيسهما أنه لا يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالك : يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي : أي قوت كان الأغلب على الرجل أدى الرجل زكاة الفطر منه واختلف أصحابه فمنهم من قال بقول مالك ومنهم من قال الاعتبار بغالب قوت المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز وإن عدل إلى دونه ففيه قولان : أحدهما يجوز لقوله عليه السلام : [ اغنوهم عن الطلب ] والغنى يحصل بالقوت والثاني لا يجوز لأنه عدل عن الواجب إلى أدنى منه فلم يجزئه كما لو عدل عن الواجب في زكاة المال إلى أدنى منه .
ولنا أن النبي A فرض صدقة الفطر أجناسا معدودة فلم يجز العدول عنها كما لو أخرج القيمة وذلك لأن ذكر الأجناس بعد ذكره الفرض تفسير للمفروض فما أضيف إلى المفسر يتعلق بالتفسير فتكون هذه الاجناس مفروضة فيتعين الاخراج منها ولأنه اذا أخرج غيرها عدل عن المنصوص عليه فلم يجز كاخراج القيمة وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والاغناء يحصل بالاخراج من المنصوص عليه فلا منافاة بين الخبرين لكونهما جميعا يدلان على وجوب الاغناء باداء أحد الاجناس المفروضة .
فصل : والسلت نوع من الشعير فيجوز إخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال : كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله A صاعا من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت وعن أبي سعيد قال : لم نخرج على عهد رسول الله A إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت قال : ثم شك فيه سفيان بعد فقال دقيق أو سلت رواهما النسائي .
فصل : ويجوز اخراج الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمد : وقد روي عن ابن سيرين سويق أو دقيق وقال مالك و الشافعي : لا يجزي اخراجهما لحديث ابن عمر ولأن منافعه نقصت فهو كالخبز .
ولنا حديث أبي سعيد وقوله فيه : أو صاعا من دقيق ولأن الدقيق والسويق أجزاء الحب بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز اخراجه كما قبل الطحن وذلك لأن الطحن انما فرق اجزاءه وكفى الفقير مؤنته فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه ويفارق الخبز والهريسة والكبولا لأن مع أجزاء الحب فيها من غيره وقد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاع وهو مكيل وحديث ابن عمر لم يقتض ما ذكروه ولم يعملوا به .
فصل : ولا يجوز إخراج الخبز لأنه خرج عن الكيل والادخار ولا الهريسة والكبولا وأشباههما لذلك ولا الخل ولا الدبس لأنهما ليسا قوتا ولا يجوز أن يخرج حبا معيبا كالمسوس والمبلول ولا قديما تغير طعمه لقول الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } فان كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة منه جاز إخراجه لعدم العيب فيه والأفضل إخراج الأجود قال أحمد : كان ابن سيرين يحب أن ينقي الطعام وهو أحب إلي ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره فان كان المخالط له يأخذ حظا من المكيال وكان كثيرا بحيث يعد عيبا فيه لم يجزئه وإن لم يكثر جاز اخراجه اذا زاد على الصاع قدرا يزيد على ما فيه من غيره حتى يكون المخرج صاعا كاملا .
فصل : ومن أي الأصناف المنصوص عليها أخرج جاز وإن لم يكن قوتا له وقال مالك : يخرج من غالب قوت البلد وذكرنا قول الشافعي .
ولنا أن خبر الصدقة ورد بحرف التخيير بين هذه الأصناف فوجب التخيير فيه ولأنه عدل إلى منصوص عليه فجاز كما لو عدل الى الأعلى والغنى يحصل بدفع قوت من الأجناس ويدل على ما ذكرنا أنه خير بين التمر والزبيب والاقط قوتا لأهل المدينة فدل على أنه لا يعتبر أن يكون قوتا للمخرج