باب زكاة الدين والصدقة مسألة وفصلان : زكاة الدين ومهر المرأة .
الصدقة هي الصداق وجمعها صدقات قال الله تعالى : { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } وهي من جملة الديون وحكمها حكمها وانما أفردها بالذكر لاشتهارها باسم خاص .
مسألة : قال : واذا كان معه مائتا درهما وعليه دين فلا زكاة عليه .
وجملة ذلك أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة وهي الأثمان وعروض التجارة وبه قال عطاء وسليمان بن يسار و ميمون بن مهران و الحسن و النخعي و الليث و مالك و الثوري و الأوزاعي و اسحق و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال ربيعة و حماد بن أبي سليمان و الشافعي في جديد قوليه لا يمنع الزكاة لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه .
ولنا ما روى أبو عبيد في الأموال : حدثنا ابراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم وفي رواية فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله قال ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران عن شجاع عن نافع عن ابن عمر : قال رسول الله A : [ اذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه ] وهذا نص ولأن النبي A قال : [ أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم ] فدل على أنها إنما تجب على الاغنياء ولا تدفع الا الى الفقراء وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيرا فلا تجب عليه الزكاة لأنها لا تجب إلا على الأغنياء للخبر ولقوله عليه السلام : [ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ] ويخالف من لا دين له عليه فانه غني يملك نصابا يحقق هذا أن الزكاة انما وجبت مواساة للفقراء وشكرا لنعمة الغنى والمدين محتاج الى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد وليس من الحكمة تعطيل حاجةالمالك لحاجة غيره ولا حصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالاخراج وقد قال النبي A : [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] .
فصل : فأما الاموال الظاهرة وهي السائمة والحبوب والثمار فروي عن أحمد أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها لما ذكرناه في الأموال الباطنة قال أحمد في رواية إسحق بن ابراهيم يبتدىء بالدين فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد اخراج النفقة فيزكي ما بقي ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبل أو بقر أو غنم أو زرع ولا زكاة وهذا قول عطاء و الحسن و سلميان و ميمون بن مهران و النخعي و الثوري و الليث و إسحق لعموم ما ذكرنا وروي أنه لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك و الأوزاعي و الشافعي وروي عن أحمد أنه قال : قد اختلف ابن عمر و ابن عباس فقال ابن عمر يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي وقال الآخر يخرج ما استدان على ثمرته ويزكي ما بقي واليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة ويزكي على ما بقي لأن المصدق اذا جاء فوجد ابلا أو بقرا أو غنما لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين وليس المال هكذا فعلى هذه الرواية لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للأنفاق عليها خاصة وهذا ظاهر قول الخرقي لأنه قال في الخراج يخرجه ثم يزكيه ما بقي جعله كالدين على الزرع وقال في الماشية المرهونة يؤدي منها اذا لم يكن له مال يؤدي عنها فأوجب الزكاة فيها مع الدين وقال أبو حنيفة : الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزرع والثمار بناء منه على أن الواجب فيها ليس بصدقة والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أو تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها ولهذا يشرع ارسال من يأخذ صدقتها من أربابها وكان النبي A يبعث السعاة فيأخذون الصدقة من أربابها وكذلك الخلفاء بعده وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق Bه ولم يأت عنه أنهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت ولا طالبوه بها إلا أن يأتي بها طوعا ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون لا يسألون عما على صاحبها من الدين فدل على أنه لا يمنع زكاتها ولأن تعلق اطماع الفقراء بها أكثر والحاجة الى حفظها أوفر فتكون الزكاة فيها أوكد .
فصل : وانما يمنع الدين الزكاة اذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو ما لا يستغني عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالا وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب اذا قضاه به ولا يجد له قضاء من غير النصاب فان كان له ثلاثون مثقالا وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين وان كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه وان كان عليه خمسة فعليه زكاة خمسة وعشرين ولو أن له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الأربعين فان كان عليه ما يقابل إحدى وستين فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب وان كان له مالان من جنسين وعليه دين جعله في مقابلة ما يقضي منه فلو كان له خمس من الابل ومائتا درهم فان كانت عليه سلما أو دية ونحو ذلك مما يقضى بالابل جعلت الدين في مقابلتها ووجبت عليه زكاة الدراهم وان كان أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم لأنها تقضى منها وان كانت قرضا خرج على الوجهين فيما يقضى منه فان كانت اذا جعلناها في مقابلة أحد المالين فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر واذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شيء كرجل له خمس من الابل ومائتا درهم وعليه ست من الابل قيمتها مائتا درهم فاذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يفضل من الدين شيء ينقص نصاب السائمة واذا جعلناها في مقابلة الابل فضل منها بعير نقص نصاب الدراهم أو كانت بالعكس مثل أن يكون عليه مائتان وخمسون درهما وله من الابل خمس أو أكثر تساوي الدين أو تفضل عليه جعلنا الدين في مقابلة الابل هاهنا وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب وكذلك لو كان عليه مائة درهم وله مائتا درهم وتسع من الابل فاذا جعلناها في مقابلة الابل لم ينقص نصابها لكون الأربع لزائدة عنه تساوي المائة و أكثر منها وان جعلناه في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منها فجعلناها في مقابلة الابل كما ذكرنا في التي قبلها ولأن ذلك أحظ للفقراء وذكر القاضي نحو هذا فانه قال : اذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته وان كان من غير جنس الدين فان كان أحد المالين لا زكاة فيه والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهم وعروض للقنية تساوي مائتين فقال القاضي : يجعل الدين في مقابلة العروض وهذا مذهب مالك و أبي عبيد قال أصحاب الشافعي : وهو مقتضى قوله لأنه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه فوجبت عليه زكاتها كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا وظاهر كلام أحمد C أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضى منه فانه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف ان كانت العروض للتجارة زكاها وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شيء وهذا مذهب أبي حنيفة ويحكى عن الليث بن سعد لأن الدين يقضى من جنسه عن التشاح فجعل الدين في مقابلته أولى كما لو كان النصابان زكويين ويحتمل أن يحمل كلام أحمد هاهنا على ما اذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية ولم يكن فاضلا عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين لأن الحاجة أهم ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته وهذا أحسن لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهما ولا يقضى من أحدهما فانك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته