مسألة وفصول : زكاة الربح في التجارة .
مسألة : قال : وإذا كان في ملكه نصاب للزكاة فاتجر فيه فنمى أدى زكاة الأصل مع النماء إذا حال الحول .
وجملته أن حول النماء مبني على حول الأصل لأنه تابع له في الملك فتبعه في الحول كالسخال والنتاج وبهذا قال مالك و اسحاق و أبو يوسف وأما أبو حنيفة فانه بنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره وقال الشافعي : إن نضت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب واستأنف لها حولا لقوله عليه السلام : [ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ] ولأنها فائدة تامة لم تتولد مما عنده فلم يبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح وإن اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فانه يضم الفائدة ويزكي عن الجميع بخلاف ما اذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من نصاب فانه يزكي عند رأس الحول عن النصاب ويستأنف للزيادة حولا .
ولنا أنه نماء جار في الحول تابع لأصله في الملك فكان مضموما اليه في الحول كالنتاج وكما لو لم ينض ولأنه ثمن عرض تجب زكاة بعضه ويضم إلى ذلك البعض قبل البيع فيضم اليه بعده كبعض النصاب ولأنه لو بقي عرضا زكى جميع القيمة فاذا نض كان أولى لأنه يصير متحققا ولأن هذا الربح كان تابعا للأصل في الحول كما لو لم ينض فبنضه لا يتغير حوله والحديث فيه مقال وهو مخصوص بالنتاج وبما لم ينض فنقيس عله .
فصل : وإن اشترى للتجارة ما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصابا انعقد عليه الحول من حين صار نصابا في قول أكثر أهل العلم وقال مالك اذا كانت له خمسة دنانير فاتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت ما تجب فيه الزكاة يزكيها .
ولنا أنه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره .
فصل : واذا اشترى للتجارة شقصا بألف فحال عليه الحول وهو يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين فان جاء الشفيع أخذه بألف لأن الشفيع انما يأخذ بالثمن لا بالقيمة والزكاة على المشتري لأنها وجبت وهو في ملكه ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد به عيبا فرده فانه يأخذ من البائع ألفا ولو انعكست المسألة فاشتراه بألفين وحال الحول وقيمته ألف فعليه زكاة ألف فيأخذه الشفيع إن أخذه ويرده بالعيب بألفين لأنهما الثمن الذي وقع البيع به .
فصل : وإن دفع إلى رجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان فحال الحول وقد صار ثلاثة آلاف فعلى رب المال زكاة ألفين لأن ربح التجارة حوله حول أصله وقال الشافعي في أحد قوليه : عليه زكاة الجميع لأن الأصل له والربح نماء ماله ولا يصح لأن حصة المضارب له وليست ملكا لرب المال بدليل أن للمضارب المطالبة بها ولو أراد رب المال دفع حصته اليه من غير هذا المال لم يلزمه قبوله ولا تجب على الانسان زكاة ملك غيره ولأن رب المال يقول : حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لك أو تتلف فلا تكون لي ولا لك فكيف يكون علي زكاة ما ليس لي بوجه ما وقوله : إنه نماء ماله قلنا لكنه لغيره فلم تجب عليه زكاة كما لو وهب نتاج سائمته لغيره اذا ثبت هذا فانه يخرج الزكاة من المال لأنه من مؤنته فكان منه كمؤنة حمله ويحسب من الربح لأنه وقاية لرأس المال .
وأما العامل فليس عليه زكاة في حصته حتى يقتسما ويستأنف حولا من حينئذ نص عليه أحمد في رواية صالح وابن منصور فقال : فاذا احتسبا يزكي المضارب اذا حال الحول من حين احتسبه لأنه علم ماله في المال ولأنه اذا اتضع بعد ذلك كانت الوضيعة على رب المال يعني اذا اقتسما لأن القسمة في الغالب تكون عند المحاسبة ألا تراه يقول : ان اتضع بعد ذاك كانت الوضيعة على رب المال وانما يكون هذا بعد القسمة وقال أبو الخطاب : يحتسب حوله من حين ظهور الربح يعني اذا كمل نصابا إلا على قول من قال : إن الشركة تؤثر في غيرالماشية قال ولا يجب اخراج زكاته حتى يقبض المال لأن العامل يملك الربح بظهوره فاذا ملكه جرى في حول الزكاة ولأن من أصلنا أن في المال الضال والمغصوب والدين على مماطل الزكاة وإن كان رجوعه إلى ملك يده مظنونا كذا ههنا .
ولنا أن ملك المضارب غير تام لأنه يعرض أن تنقص قيمة الأصل أو يخسر فيه وهذا وقاية له ولهذا منع من الاختصاص به والتصرف فيه بحق نفسه فلم يكن فيه زكاة كمال المكاتب يؤكد هذا أنه لو كان ملكا تاما لاختص بربحه فلو كان رأس المال عشرة فاتجر فيه فربح عشرين ثم أتجر فربح ثلاثين لكانت الخمسون التي ربحها بينهما نصفين ولو تم ملكه بمجرد ظهور الربح لملك من العشرين الأولى عشرة واختص بربحها وهي عشرة من الثلاثين وكانت العشرون الباقية بينهما نصفين فيملك المضارب ثلاثين ولرب المال ثلاثون كما لو اقتسما العشرين ثم خلطاها وفارق المغصوب والضال فان الملك فيه ثابت تام انما حيل بينه وبينه بخلاف مسألتنا ومن أوجب الزكاة على المضارب فانما يوجبها عليه اذا حال الحول من حين تبلغ حصته نصابا بمفردها أو بضمها إلى ما عنده من جنس المال أو من الأثمان إلا على الرواية التي تقول إن للشركة تأثيرا في غير السائمة وليس عليه اخراجها قبل القسمة كالدين لا يجب الاخراج منه قبل قبضه وإن أراد اخراجها منه قبل القسمة لم يجز لأن الربح وقاية لرأس المال ويحتمل أن يجوز لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه وجوب الزكاة واخراجها من المال .
فصل : واذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته أو أذن رجلان غير شريكين كل واحد منهما للآخر في اخراج زكاته فأخرج كل واحد منهما زكاته وزكاة صاحبه معا في حال واحدة ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأن كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم عن الوكالة لإخراج من عليه الزكاة زكاته بنفسه ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم باخراج صاحبه إذا قلنا ان الوكيل لا ينعزل قبل الحكم بعزل الموكل أو بموته ويحتمل أن لا يضمن وإن قلنا أنه ينعزل لأنه غره بتسليطه على الاخراج وأمره به ولم يعلمه باخراجه فكان خطر التغرير عليه كما لو غره بحرية أمة وهذا أحسن ان شاء الله تعالى وعلى هذا إن علم أحدهما دون الآخر فعلى العالم الضمان دون الآخر فأما إن أخرجها أحدهما قبل الآخر فعلى هذا الوجه لا ضمان على واحد منهما اذا لم يعلم وعلى الأول على الثاني الضمان دون الأول