مسألة وفصول : زكاة المعادن والقدر الواجب فيه .
مسألة : قال : واذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالا أو من الورق مائتي درهم أو قيمة ذلك من الزئبق والرصاص والصفر أو غير ذلك مما يستخرج من الأرض فعليه الزكاة من وقته .
اشتقاق المعدن من عدن في المكان يعدن اذا أقام به ومنه سميت جنة عدن لأنها دار إقامة وخلود قال أحمد : المعادن هي التي تستنبط ليس هو شيء دفن والكلام في هذه المسألة في فصول أربعة : .
أحدها : في صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة كالذي ذكره الخرقي ونحوه من الحديد والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والسبج والكحل والزاج والزرنيخ والمغرة وكذلك المعادن الجارية كالقار والنفط والكبريت ونحو ذلك وقال مالك و الشافعي لا تتعلق الزكاة إلا بالذهب والفضة لقول النبي A : [ لا زكاة في حجر ] ولأنه مال يقوم بالذهب والفضة مستفاد من الأرض أشبه الطين الأحمر وقال أبو حنيفة في احدى الروايتين عنه تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره .
ولنا عموم قوله تعالى : { ومما أخرجنا لكم من الأرض } ولأنه معدن فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان ولأنه مال لو غنمه وجب عليه خمسه فاذا أخرجه من معدن وجبت الزكاة كالذهب وأما الطين فليس بمعدن لأنه تراب والمعدن ما كان في الأرض من غير جنسها .
الفصل الثاني : في قدر الواجب وصفته وقدر الواجب فيه ربع العشر وصفته أنه زكاة وهذا قول عمر بن عبد العزيز و مالك وقال أبو حنيفة : الواجب فيه الخمس وهو فيء واختاره أبو عبيد وقال الشافعي هو زكاة واختلف قوله في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقول النبي A : [ ما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس ] رواه النسائي و الجوزجاني وغيرهما وفي رواية : [ ما كان في الخراب ففيها وفي الركاز الخمس ] وروى سعيد و الجوزجاني باسنادهما عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : [ الركاز والذهب الذي ينبت من الأرض ] وفي حديث [ عن النبي A أنه قال : وفي الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز ؟ قال : هوة لذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السماوات والأرض ] وهذا نص وفي حديث عنه عليه السلام أنه قال : [ وفي السيوب الخمس ] قال : والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض ولأنه مال مظهور عليه في الاسلام أشبه الركاز .
ولنا ما روى أبو عبيد باسناده عن ربيعة بن عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم [ أن رسول الله A أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية ] في ناحية الفرع قال : فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة الى اليوم وقد أسنده عبد الله بن كثير بن عوف الى النبي A عن أبيه عن جده ورواه الدراوردي عن ربيعة بن الحارث بن بلال بن الحارث المزني ان النبي A أخذ منه زكاة المعادن القبلية قال أبو عبيد : القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى فكان زكاة كالواجب في الأثمان التي كانت مملوكة له وحديثهم الأول لا يتناول محل النزاع لأن النبي A انما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطة ولا يتناوله اسمها فلا يكون متناولا لمحل النزاع والحديث الثاني يرويه عبد الله بن سعد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا يعرف صحتها ولا هي مذكورة في المسانيد والدواوين ثم هي متروكة الظاهر فان هذا ليس هو المسمى بالركاز والسيوب هو الركاز لأنه مشتق من السيب وهو العطاء الجزيل .
الفصل الثالث : في نصاب المعادن : وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالا ومن الفضة مائتي درهم أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره من غير اعتبار نصاب بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز .
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ ليس فيما دون خمس أواق صدقة ] وقوله : [ ليس في تسعين ومائة شيء ] وقوله عليه السلام : [ ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالا ] وقد بينا ان هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث أن الركاز مال كافر أخذ في الاسلام فأشبه الغنيمة وهذا وجب مواساة وشكرا لنعمة الغني فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات وانما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزرع والثمار اذا ثبت هذا فانه يعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك اهمال فان خرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما وإن بلغا بمجموعهما نصابا وإن بلغ أحدهما نصابأ دون الآخر زكى النصاب ولا زكاة في الآخر وفيما زاد على النصاب بحسابه فأما ترك العمل ليلا أو للاستراحة أو لعذر من مرض أو لاصلاح الأداة أو إباق عبيده ونحوه فلا يقطع حكم العمل ويضم ما خرج في العملين بعضه الى بعض في اكمال النصاب وكذلك ان كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شيء فيه وان اشتمل المعدن على أجناس كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضي : انه لا يضم أحدهما الى الآخر في تكميل النصاب وانه يعتبر النصاب في الجنس بانفراده لأنه أجناس فلا يكمل نصاب أحدها بالآخر كغير المعدن والصواب ان شاء الله أنه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما الى الآخر وجهان بناء على الروايتين في ضم أحدهما الى الآخر في غير المعدن وان كان فيه أجناس من غير الذهب والفضة ضم بعضها الى بعض لأن الواجب في قيمتها والقيمة واحدة فأشبهت عروض التجارة وان كان فيها أحد النقدين وجنس آخر ضم أحدهما الى الآخر كما تضم العروض الى الأثمان فان استخرج نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه لأنه مال رجل واحد فأشبه الزرع في مكانين .
الفصل الرابع : في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالك و الشافعي وأصحاب الرأي وقال اسحاق و ابن المنذر : لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول لقول رسول الله A : [ لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ] .
ولنا أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول كالزرع والثمار والركاز ولأن الحول انما يعتبر في غير هذا لتكميل النماء وهو يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول كالزروع والخبر مخصوص بالزرع والثمر فيخص محل النزاع بالقياس عليه اذا ثبت هذا فلا يجوز اخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته كعشر الحب فان أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا أو قيمته إن كان تالفا والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لأنه غارم فان صفاه الآخذ وكان قدر الزكاة أجزأ وإن زاد رد الزيادة إلا أن يسمح له المخرج وإن نقص فعلى المخرج وما أنفقه الآخذ على تصفيته فهو من ماله لا يرجع به على المالك ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه من المعدن ولا في تصفيته وقال أبو حنيفة : لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمة وبناه على أصله أن هذا ركاز فيه الخمس وقد مضى الكلام في ذلك وقد ذكرنا أو الواجب في هذا زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه فتصفيته كالحب وإن كان ذلك دينا عليه احتسب به كما يحتسب بما أنفق على الزرع