مسألة وفصول : صفة زكاة الركاز ومقدارها ومصرفها .
مسألة : قال : وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قل أو كثر ففيه الخمس لأهل الصدقات وباقيه له .
الدفن بكسر الدال المدفون والركاز المدفون في الأرض واشتقاقه من ركز يركز مثل غرز يغرز اذا خفي يقال ركز الرمح اذا غرز أسفله في الأرض ومنه الركز وهو الصوت الخفي قال الله تعالى : { أو تسمع لهم ركزا } والأصل في صدقة الركاز ما روى أبو هريرة عن رسول الله A أنه قال : [ العجماء جبار وفي الركاز الخمس ] متفق عليه وهو أيضا مجمع عليه قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث الا الحسن فانه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة .
فصل : وأوجب الخمس في الجميع الزهري و الشافعي و أبي حنيفة وأصحابه و أبو ثور و ابن المنذر وغيرهم وهذه المسألة تشتمل على خمسة فصول .
الفصل الأول : ان الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية هذا قول الحسن و الشعبي و مالك و الشافعي و أبي ثور ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك فان كان عليه علامة الاسلام أو اسم النبي A أو أحد من خلفاء المسلمين أو وال لهم أو آية من قرآن أو نحو ذلك فهو لقطة لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه وإن كان على بعضه علامة الاسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور لأن الظاهر أنه صار الى مسلم ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين فأشبه ما على جميعه علامة المسلمين .
الفصل الثاني : في موضعه ولا يخلو من أربعة أقسام .
أحدها أن يجده في موات أو ما لا يعلم له مالك مثل الارض التي يوجد فيها آثار الملك كالأبنية القديمة والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف سوى ما ذكرناه ولو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريق غير مسلوك أو قرية خراب فهو كذلك في الحكم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ سئل رسول الله A عن اللقطة فقال : ماكان في طريق مأتي أو في قرية عامرة فعرفها سنة فان جاء صاحبها وإلا فلك وما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس ] رواه النسائي .
القسم الثاني : أن يجده في ملكه المنتقل اليه فهو له في أحد الوجهين لأنه مال كافر مظهور عليه في الاسلام فكان لمن ظهر عليه كالغنائم ولأن الركاز لا يملك بملك الأرض لأنه مودع فيها وانما يملك بالظهور عليه وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه والرواية الثانية هو للمالك قبله إن اعترف به وان لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك الى أول مالك وهذا مذهب الشافعي لأنه كانت يده على الدار فكانت على ما فيها وإن انتقلت الدار بالميراث حكم بأنه ميراث فان اتفق الورثة على أنه لم يكن لموروثهم فهو لأول مالك فان لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك والاول أصح ان شاء الله تعالى لأن الركاز لا يملك بملك الدار لأنه ليس من أجزائها وانما هو مودع فيها فينزل منزلة المباحات من الحشيش والحطب والصيد يجده في أرض غيره فيأخذه فيكون أحق به لكن إن ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه أنه له فالقول قوله لأن يده كانت عليه لكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده وان اختلف الورثة فأنكر بعضهم أن يكون لموروثهم ولم ينكره الباقون فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المعترفين حكم المالك المعترف .
القسم الثالث : أن يجده في ملك آدمي مسلم معصوم أو ذمي فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار فانه قال فيمن استأجر حفارا ليحفر في داره فأصاب في الدار كنزا عاديا فهو لصاحب الدار وهذا قول ابي حنيفة و محمد بن الحسن ونقل عن أحمد ما يدل على أنه لواجده لأنه قال في مسألة من استأجر أجيرا ليحفر له في داره فأصاب في الدار كنزا فهو للأجير نقل ذلك عنه محمد بن يحيى الكحال قال القاضي هو الصحيح وهذا يدل على أن الركاز لواجده وهو قول الحسن بن صالح و أبي ثور واستحسنه أبو يوسف وذلك لأن الكنز لا يملك بملك الدار على ما ذكرنا في القسم الذي قبله فيكون لمن وجده لكن إن ادعاه المالك فالقول قوله لأن يده عليه بكونها على محله وان لم يدعه فهو لواجده وقا ل الشافعي : هو لمالك الدار إن اعترف به وان لم يعترف به فهو لأول مالك لأنه في يده ويخرج لنا مثل ذلك لما ذكرنا من الرواية في القسم الذي قبله وإن استأجر حفارا ليحفر له طلبا لكنز يجده فوجده فلا شيء للأجير ويكون الواجد له هو المستأجر لأنه استأجره لذلك فأشبه ما لو استأجره ليحتش له أو يصطاد فان الحاصل من ذلك للمستأجر دون الأجير وان استأجره لأمر غير طلب الركاز فالواجد له هو الأجير وهكذا قال الأوزاعي : اذا استأجرت أجيرا ليحفر لي في داري فوجد كنزا فهو له وان قلت استأجرتك لتحفر لي ههنا رجاء أن أجد كنزا فسميت له فله أجره ولي ما يوجد .
فصل : وإن اكترى دارا فوجد فيها ركازا فهو لواجده في أحد الوجهين والآخر هو للمالك بناء على الروايتين فيمن وجد ركازا في ملك انتقل اليه وان اختلفا فقال كل واحد منهما هذا لي فعلى وجهين : أحدهما القول قول المالك لأن الدفن تابع للأرض والثاني القول قول المكتري لأن هذا مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليها كالقماش .
القسم الرابع : أن يجده في أرض الحرب فان لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة له وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات في أرض المسلمين وقال أبو حنيفة و الشافعي : إن عرف مالك الأرض وكان حربيا فهو غنيمة أيضا لأنه في حرز مالك معين فأشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة .
ولنا أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا إن الركاز في دابر الاسلام يكون لمالك الأرض .
الفصل الثالث : في صفة الركاز الذي فيه الخمس وهو كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة الحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك وهو قول إسحاق و أبي عبيد و ابن المنذر وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن مالك وأحد قولي الشافعي والقول الآخر لا تجب إلا في الأثمان .
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ وفي الركاز الخمس ] ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كاالغنيمة اذا ثبت هذا فان الخمس يجب في قليله وكثيره في قول امامنا و مالك و اسحق وأصحاب الرأي و الشافعي في القديم وقال في الجديد يعتبر النصاب فيه لأنه حق مال يجب فيما استخرج من الأرض فاعتبر فيه النصاب كالمعدن والزرع .
ولنا عموم الحديث ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمة ولأنه مال كافر مظهور عليه في الاسلام فأشبه الغنيمة والمعدن والزرع يحتاج الى عمل ونوائب فاعتبر فيه النصاب تخفيفا بخلاف الركاز ولأن الواجب فيهما مواساة فاعتبر النصاب ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه بخلاف مسألتنا .
الفصل الرابع : في قدر الواجب في الركاز ومصرفه أما قدره فهو الخمس لما قدمنا من الحديث والاجماع وأما مصرفه فاختلفت الرواية عن أحمد فيه مع ما فيه من اختلاف أهل العلم فقال الخرقي : هو لأهل الصدقات ونص عليه أحمد في رواية حنبل فقال : يعطي الخمس من الركاز على مكانه وان تصدق به على المساكين أجزأه وهذا قول الشافعي لأن علي بن أبي طالب Bه أمر صاحب الكنز أن يتصدق به على المساكين حكاه الامام أحمد وقال : حدثنا سعيد ثنا سفيان عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من قومه يقال له ابن حممة قال : سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها الى علي Bه فقال : اقسمها خمسة أخماس فقسمتها فأخذ علي منها خمسا وأعطاني أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني فقال : في جيرانك فقراء ومساكين ؟ قلت نعم قال فخذها فاقسميها بينهم ولأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع والرواية الثانية مصرفه مصرف الفيء نقله محمد بن الحكم عن أحمد وهذه الرواية أصح وأقيس على مذهبه وبه قال أبو حنيفة و المزني : لما روى أبو عبيد عن هشيم عن مجالد عن الشعبي أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب فأخذ منها الخمس مائتي دينار ودفع الى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين الى أن فضل منها فضلة فقال أين صاحب الدنانير ؟ فقام اليه فقال عمر : خذ هذه الدنانير فهي لك ولو كانت زكاة خص بها أهلها ولم يرده على واجده ولأنه يجب على الذمي والزكاة لا تجب عليه ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكافر أشبه خمس الغنيمة ! .
الفصل الخامس : فيمن يجب عليه الخمس وهو كل من وجده من مسلم وذمي وحر وعبد ومكاتب وكبير وصغير وعاقل ومجنون إلا أن الواجد له اذا كان عبدا فهو لسيده لأنه كسب مالا فأشبه الاحتشاش والاصطياد وإن كان مكاتبا ملكه وعليه خمسه لأنه بمنزلة كسبه وإن كان صبيا أو مجنونا فهو لهما ويخرج عنهما وليهما وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على الذمي في الركاز يجده الخمس قاله مالك وأهل المدينة و الثوري و الأوزاعي وأهل العراق وأصحاب الرأي وغيرهم وقال الشافعي : لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لأنه زكاة وحكي عنه في الصبي والمرأة أنهما لا يملكان الركاز وقال الثوري و الأوزاعي و أبو عبيد اذا كان الواجد له عبدا يرضخ له منه ولا يعطاه كله .
ولنا عموم قوله عليه السلام : [ وفي الركاز الخمس ] فانه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز يوجد وبمفهومه على ان باقيه لواجده من كان ولأنه مال كافر مظهور عليه فكان فيه الخمس على من وجده وباقيه لواجده كالغنيمة ولأنه اكتساب مال فكان لمكتسبه إن كان حرا أو لسيده إن كان عبدا كالاحتشاش والاصطياد ويتخرج لنا أن لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة بناء على قولنا أنه زكاة والأول أصح .
فصل : ويجوز أن يتولى الانسان تفرقة الخمس بنفسه وبه قال أصحاب الرأي و ابن المنذر لأن عليا أمر واجد الكنز بتفرقته على المساكين قاله الامام أحمد : ولأنه أدى الحق الى مستحقه فبرىء منه كما لو فرق الزكاة وأدى الدين الى ربه ويتخرج أن لا يجوز ذلك لأن الصحيح أنه فيء فلم يملك تفرقته بنفسه كخمس الغنيمة وبهذا قال أبو ثور قال : وان فعل ضمنه الامام قال القاضي : وليس للإمام رد خمس الركاز لأنه حق مال فلم يجز رده على من وجب عليه كالزكاة و خمس الغنيمة وقال ابن عقيل يجوز لأنه روي عن عمر أنه رد بعضه على واجده ولأنه فيء فجاز رده أو رد بعضه على واجده كخراج الأرض وهذا قول أبي حنيفة