فصلان : صفة ما يخرجه من زكاة الذهب والفضة .
فصل : ويخرج الزكاة من جنس ماله فان كان أنواعا متساوية القيم جاز أن يخرج الزكاة من أحدها كما تخرج من أحد نوعي الغنم وإن كانت مختلفة القيم أخذ من كل نوع ما يخصه وإن أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب وقيمته جاز وإن أخرج الفرض من أجودها بقدر الواجب جاز وله ثواب الزيادة وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيد لم يجز لأن النبي A نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه وإن أخرج من الأدنى وزاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب مثل أن يخرج عن دينار دينارأ ونصفا بقيمته جاز وكذلك لو أخرج عن الصحاح مكسرة وزاد بقدر ما بينهما من الفضل جاز لأنه أدى الواجب عليه قيمة وقدرا وإن أخرج عن كثير القيمة قليل القيمة فكذلك فان أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيد فقال أبو الخطاب يجوز وقال القاضي : يلزمه اخراج جيد ولا يرجع فيما أخرجه من المعيب لأنه أخرج معيبا في حق الله تعالى فأشبه ما لو أخرج مريضه عن صحاح وبهذا قال الشافعي إلا أن أصحابه قالوا : له الرجوع فيما أخرج من المعيب في أحد الوجهين : وقال أبو حنيفة : يجوز اخراج الرديئة عن الجيدة والمكسورة عن الصحيحة من غير جبران لأن الجودة اذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها .
ولنا أن الجودة متقومة بدليل ما لو أتلف حيدا لم يجزئه أن يدفع عند رديئا ولأنه اذا لم يجبره بما يتم به قيمة الواجب عليه دخل في عموم قوله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } ولأنه أخرج رديئا عن جيد بقدره فلم يجز كما في الماشية ولأن المستحق معلوم القدر والصفة فلم يجز النقص في الصفة كما لا يجوز في القدر وأما الربا فلا يجري ههنا لأن المخرج حق لله ولا ربا بين العبد وسيده ولأن المساواة في المعيار الشرعي انما اعتبرت في المعاوضات والقصد من الزكاة المواساة واغناء الفقير وشكر نعمة الله تعالى فلا يدخل الربا فيها فان قيل فلو أخرج في الماشية رديئتين عن جيدة أو أخرج قفيزين رديئين عن قفيز جيد لم يجز فلم اجزتم أن يخرج عن الصحيح أكثر منه مكسرا ؟ قلنا يجوز ذلك اذا لم يكن في إخراجه عيب سوى نقص القيمة وإن سلمناه فالفرق بينهما أن القصد من الاثمان القيمة لا غير فاذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والقدر جاز وسائر الأموال يقصد الانتفاع بعينها فلا يلزم من التساوي في الامرين الاجزاء لجواز أن يفوت بعض المقصود .
فصل : وهل يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر ؟ فيه روايتان نص عليهما احداهما لا يجوز وهو اختيار أبي بكر لأن أنواع الجنس لا يجوز اخراج أحدهما عن الآخر اذا كان أقل في المقدار فمع اختلاف الجنس أولى والثانية يجوز وهو أصح إن شاء الله لأن المقصود من أحدهما يحصل باخراج الآخر فيجزىء كأنواع الجنس وذلك لأن المقصود منهما جميعا الثمنية والتوسل بها إلى المقاصد وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الاجناس والانواع مما تجب فيه الزكاة فان لكل جنس مقصودا مختصا به لا يحصل من الجنس الآخر وكذلك أنواعها فلا يحصل باخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل باخراج الواجب وههنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤه إذ لا فائدة باختصاص الاجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة وكون ذلك أرفق بالمعطي والآخذ وأنفع لهما ويندفع به الضرر عنهما فانه لو تعين اخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين دينارا اخراج جزء من دينار ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله أو بيع أحدهما نصيبه فيستضر المالك والفقير واذا جاز اخراج الدراهم عنها دفع إلى الفقير من الدراهم بقدر الواجب فيسهل ذلك عليه وينتفع الفقير من غير كلفة ولا مضرة ولأنه اذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه أو قطعة من درهم في مكان لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته بها وان أراد بيعها بحسب ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربما لا يقدر عليه ولا يفيده شيئا وإن أمكن بيعها احتاج إلى كلفة البيع والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتها فقد دار بين ضررين وفي جواز اخراج أحدهما عن الآخر نفع محض ودفع لهذا الضرر وتحصيل لحكمة الزكاة على التمام والكمال فلا حاجة ولا وجه لمنعه وإن توهمت هنا منفعة تفوت بذلك فهي يسيرة مغمورة فيما يحصل من النفع الظاهر ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبين فلا يعتبر والله أعلم .
وعلى هذا لا يجوز الابدال في موضع يلحق الفقير ضرر مثل أن يدفع اليه ما لا ينفق عوضا عما ينفق لأنه اذا لم يجز اخراج أحد النوعين عن الآخر مع الضرر فمع غيره أولى وإن اختار الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك اجابته لأنه اذا أدى ما فرض عليه لم يكلف سواه والله أعلم