القول في أحكام الجان .
القول في أحكام الجان .
قل من تعرض لها من أصحابنا .
و قد ألف فيها من الحنفية القاضي بدر الدين الشبلي كتابه آكام المرجان : في أحكام الجان .
قال السبكي في فتاويه و قال ابن عبد البر : الجن عند الجماعة مكلفون مخاطبون .
و قال القاضي عبد الجبار : لا نعلم خلافا بين أهل النظر في ذلك و القران ناطق بذلك في آيات كثيرة .
و هذه فروع : .
الفرع للأول .
هل يجوز للانس نكاح لجنية ؟ .
قال العماد بن يونس في شرح الوجيز نعم .
و في المسائل التي سأل الشيخ جمال الدين الأسنوي عنها قاضي القضاة شرف الدين البارزي إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن عند فرض إمكانه فهل يجوز ذلك أو يمتنع ؟ فإن الله تعالى قال و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا فامتن .
الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف .
فإن جوزنا ذلك و هو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس فهل يجبرها على ملازمة المسكن أولا ؟ و هل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه ؟ لأنه قد تحصل النفرة أولا ؟ و هل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها و خلوها عن الموانع أولا ؟ و هل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أولا ؟ و هل إذا رآها في صورة غير التي ألفها و ادعت أنها هي فهل يعتمد عليها و يجوز له وطؤها أو لا ؟ .
و هل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم كالعظم و غيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أو لا ؟ .
فأجاب : لا يجوز له أن يتزوج بامرأة من الجن لمفهوم الآيتين الكريمتين قوله تعالى في سورة النحل { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } و قوله في سورة الروم { و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا } .
قال المفسرون في معنى الآيتين : { جعل لكم من أنفسكم } أي من جنسكم و نوعكم و على خلقكم كما قال تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } أي من الآدميين و لأن اللاتي يحل نكاحهن : بنات العمومة و بنات الخؤولة فدخل في .
ذلك من هي في نهاية البعد كما هو المفهوم من آية الأحزاب : و بنات عمك و بنات عماتك و بنات خالك و بنات خالاتك و المحرمات غيرهن و هن الأصول و الفروع و فروع أول الأصول و أول الفروع من باقي الأصول كما في آية التحريم في النساء فهذا كله في النسب و ليس بين الآدميين و الجن نسب .
هذا جواب البارزي .
فإن قلت : ما عندك من ذلك ؟ .
قلت : الذي أعتقده التحريم لوجوه .
منها : ما تقدم من الآيتين .
و منها : ما روى حرب الكرماني في مسائله عن أحمد و إسحاق قال : [ حدثنا عمد ابن يحيى القطيعي حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة عن يونس بن يزيد عن الزهري قال : نهى رسول الله A عن نكاح الجن ] .
و الحديث و إن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء .
فروى المنع عن الحسن البصري و قتادة و الحكم بن عيينة و إسحاق بن راهويه و عقبة الأصم .
و قال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب منية المفتي عن الفتاوي السراجية لا يجوز المناكحة بين الإنس و الجن و إنسان الماء لاختلاف الجنس .
و منها : أن النكاح شرع للألفة و السكون و الاستئناس و المودة و ذلك مفقود في الجن بل الموجود فيهم ضد ذلك و هو العداوة التي لا تزول .
و منها : أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك فإن الله تعالى قال : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } و النساء : اسم لإناث بني آدم خاصة فبقي ما عداهن على التحريم لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل .
و منها : أنه قد منع من نكاح الحر للأمة لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق و لا شك أن الضرر بكونه من جنية و فيه شائبة من الجن خلقا و خلقا و له بهم اتصال و مخالطة أشد من ضرر الإرهاق الذي هو مرجو الزوال بكثير فاذا منع من نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى .
و هذا تخريج قوي لم أر من تنبه له .
و يقويه أيضا أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل و علة ذلك : اختلاف الجنس و كون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل فيلزم منه قلتها و في حديث النهي : [ إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ] فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى و إذا تقرر المنع فالمنع من نكاح الجني الإنسية أولى و أحرى .
لكن روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب : الإلهام و الوسوسة فقال : حدثنا مقاتل حدثني سعيد بن داود الزبيدي قال : .
كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن و قالوا : إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ؟ فقال ما أرى بذلك باسا في الدين و لكن أكره إذا و جد امرأة حامل قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن .
فيكثر الفساد في الإسلام بذلك انتهى .
الفرع كثاني .
لو وطىء الجني الإنسية فهل يجب عليها الغسل ؟ .
لم يذكر ذلك أصحابنا .
وعن بعض الحنفية و الحنابلة : أنه لا غسل عليها لعدم تحقق الإيلاج و الإنزال فهو كالمنام بغير إنزال .
قلت : و هو الجاري على قواعدنا .
الفرع الثالث .
هل تنعقد لجماعة بالجن .
[ قال صاحب آكام المرجان : نعم و نقله عن ابن الصيرفي الحنبلي و استدل بحديث أحمد عن ابن مسعود في قصة الجن و فيه فلما قام رسول الله A يصلي أدركه شخصان منهم فقالا : يا رسول الله إنا نحب أن تؤمنا في صلاتنا قال : فصففنا خلفه ثم صلى بنا ثم انصرف ] .
و [ روى سفيان الثوري في تفسيره عن إسماعيل البجلي عن سعيد بن جبير قال قالت الجن للنبي A : كيف لنا بمسجدك : أن نشهد الصلاة معك و نحن ناءون عنك فنزلت { و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا } ] .
قلت : و نظير ذلك ما في الحلبيات للسبكي : أن الجماعة تحصل بالملائكة كما تحصل بالآدميين .
قال : و بعد أن قلت ذلك بحثا رأيته منقولا .
ففي فتاوي الحناطي من أصحابنا : فيمن صلى في فضاء من الأرض بأذان و إقامة و كان منفردا ثم حلفت أنه صلى بالجماعة هل يحنث أم لا ؟ .
قال : يكون بارا في يمينه و لا كفارة عليه لما [ روي أن النبي A قال : من أذن و أقام في فضاء من الأرض و صلى و حده صلت الملائكة خلفه صفوفا ] .
فإذا حلف على هذا المعنى لا يحنث أ ه .
قال السبكي : و ينبغي على ذلك أن من ترك الجماعة لعذر و قلنا بأنها فرض طعين هل نقول : يجب القضاء كمن صلى فاقد الطهورين ؟ فإن كان كذلك فصلاة الملائكة إن قلنا : بأنها كصلاة الآدميين و أنها تصير بها جماعة فقد يقال : إنها تسكن لسقوط القضاء .
قلت : و على هذا يندب نية الجماعة للمصلي أو الإمامة .
الفرع لرابع .
قال في آكام المرجان .
نقل ابن الصيرفي عن شيخه أبي البقاء العكبري الحنبلي : أنه سئل عن الجني هل تصح الصلاة خلفه فقال : نعم لأنهم مكلفون و النبي A مرسل إليهم .
الفرع الخامس .
إذا مر الجني بين يدي المصلي فهل يقطع صلاته ؟ فيه روايتان عن أحمد .
قلت أما مذهبنا فالصلاة لا يقطعها مرور شيء لكن يقاتل كما يقاتل الإنس .
الفرع السادس .
قال ابن تيمية لا يجوز قتل الجني بغير حق كما لا يجوز قتل الإنسي بغير حق و الظلم محرم في كل حال .
فلا يحل لأحد أن يظلم أحدا و لو كان كافرا و الجن يتصورون يه صور شتى فإذا كانت حيات البيوت قد تكون جنيا فيؤذن ثلاثا كما في الحديث فإن ذهبت فيها و إلا قتلت فإنها إن كانت حية أصلية قتلت و إن كانت جنية فقد أصرت على العدوان بظهورها للإنس في صورة حية تفزعهم بذلك و العادي : هو الصائل الذي يجوز دفعه بما يدفع ضرره و لو كان قتلا .
و قد روى ابن أبي الدنيا أن عائشة رأت في بيتها حية فأمرت بقتلها فقتلت فأتيت في تلك الليلة قيل لها إنها من النفر الذين استمعوا الوحي من النبي A فأرسلت إلى اليمن فابتيع لها أربعون رأسا فأعتقتهم .
و روى ابن أبي شيبة في مصنفه نحوه و فيه فلما أصبحت أمرت باثني عشر ألف درهم ففرقت عل المساكين و كيفية الإيذان كما في الحديث نسألك بعهد نوح و سليمان بن داود : أن لا تؤذينا .
الفرع السابع .
في رواية الجن للحديث أورد فيه صاحب آكام المرجان آثارا مما رووه فكأنه رأى بذلك قبول روايتهم .
و الذي أقول : إن الكلام في مقامين : .
روايتهم عن الإنس و رواية الإنس عنهم .
فأما الأول : فلا شك في جواز روايتهم عن الإنس ما سمعوه منهم أو قرىء عليهم و هم يسمعون سواء علم الإنسي بحضورهم أم لا و كذا إذا أجاز الشيخ من حضر أو سمع دخلوا في إجازته وإن لم يعلم به كما في نظير ذلك من الإنس .
و أما رواية الإنس عنهم : فالظاهر : منعها لعدم حصول الثقة بعدالتهم .
و قد ورد في الحديث يوشك أن تخرج شياطين كان أوثقها سليمان بن داود فيقولون : حدثنا و أخبرنا .
و أما الآثار التي أوردها صاحب آكام المرجان و هي : ما أخرجه الحافظ أبو نعيم حدثنا الحسن بن إسحاق بن إبراهيم حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر الرملي حدثنا أحمد ابن عمد بن طريق حدثنا محمد بن كئير عن الأعمش حدثنى وهب بن جابر عن أبي ابن كعب قال : خرج قوم يريدون مكة فأضلوا الطريق فلما عاينوا الموت أو كادوا أن يموتوا لبسوا أكفانهم و تضجعوا للموت فخرج عليهم جن يتخلل الشجر و قال : أنا بقية النفر الذين استمعوا على محمد A سمعته يقول المؤمن أخو المؤمن و دليله : و لا يخذله هذا الماء و هذا الطريق .
و قال ابن أبي الدنيا : حدثني أبي حدثنا عبد العزيز القرشي أخبرنا إسرائيل عن السدي عن مولى عبد الرحمن بن بشر قال : خرج قرم حجاجا في امرأة عثمان فأصابهم عطش فانتهوا إلى ماء ملح فقال بعضهم : لو تقدمتم فإنا .
نخاف أن يهلكنا هذا الماء فساروا حتى أمسوا فلم يصيبوا ماء فادلجوا إلى شجرة سمر فخرج عليهم رجل أسود شديد السواد جسيم فقال : يا معشر الركب إني سمعت رسول الله A يقول : [ من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليحب للمسلمين ما يحب لنفسه و يكره للمسلمين ما يكره لنفسه ] فسيروا حتى تنتهوا إلى أكمة فخذوا .
عن يسارها فإن الماء ثم .
و قال أيضا : حدثني محمد بن الحسين حدثنا يوسف بن الحكم الرقي حدثنا فياض ابن محمد : أن عمر بن عبد العزيز بينما هو يسير على بغلة إذا هو بجان ميت على .
قارعة الطريق فنزل فأمر به فعدل عن الطريق ثم حفر له فدفنه و واراه ثم مضى فإذا هو بصوت عال يسمعونه و لا يرون أحدا : ليهنك البشارة من الله يا أمير المؤمنين أنا و صاحبي هذا الذي دفنته من الجن الذين قال الله فيهم { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } فلما أسلمنا قال رسول الله A لصاحبي هذا : .
[ ستموت في أرض غربة يدفنك فيه يومئذ خير أهل الأرض ] .
الجواب عنها : أن رواتها ممن سمع من النبي A فالظاهر أن لهم حكم الصحابة في عدم البحث عن عدالتهم .
و قد ذكر حفاظ الحديث ممن صنف في الصحابة مؤمني الجن فيهم .
قال الحافظ أبو الفضل العراقي : و قد استشكل ابن الأثير ذكر مؤمني الجن في الصحابة دون من رآه من الملائكة و هم أولى بالذكر .
قال : و ليس كما زعم لأن الجن من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة و البعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا بخلاف الملائكة انتهى .
الفرع الثامن .
لا يجوز الاستنجاء بزاد الجن و هو العظم كما ثبت في الحديث .
فوائد .
الأولى : الجمهور على أنه لم يكن من الجن نبي و أما قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } فتأولوه على أنهم رسل عن الرسل سمعوا كلامهم فانذروا قومهم لا عن الله .
و ذهب الضحاك و ابن حزم إلى أنه كان منهم أنبياء و استدل بحديث [ و كان الني يبعث إلى قومه خاصة ] .
قال : و ليس الجن من قومه و لا شك أنهم قد أنذروا فصح أنهم جاءهم أنبياء منهم .
الثانية : لا خلاف في أن كفار الجن في النار .
و اختلف : هل يدخل مؤمنهم الجنة و يثابون على الطاعة ؟ على أقوال أحسنها : نعم و ينسب للجمهور .
و من أدلته : قوله تعالى : { و لمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلى آخر السورة و الخطاب للجن و الإنس فامتن عليهم بجزاء الجنة و وصفها لهم و شوقهم إليها فدل على أنهم ينالون ما امتن به عليهم إذا آمنوا .
و قيل : لا يدخلونها و ثوابهم النجاة من النار .
و قيل : يكونون في الأعراف .
الثالثة : ذهب الحارث المحاسبي إلى أن الجن الذين يدخلون الجنة يكونون يوم القيامة نراهم و لا يروننا عكس ما كانوا عليه في الدنيا .
الرابعة : صرح ابن عبد السلام بأن الملائكة في الجنة لا يرون الله تعالى .
قال : لأن الله تعالى : { لا تدركه الأبصار } و لهد استثنى منه مؤمنو البشر .
فبقي على عمومه في الملائكة .
قال في آكام المرجان : و مقتضى هذا أن الجن لا يرونه لأن الآية باقية على العموم فيهم أيضا