وقضية تعليمهم إيجاب الغسل في النفاس لكونه دم حيض مجتمع أنه يصح نية أحدهما بالآخر عمدا أو لا وبه جزم في البيان .
وتكفي نية رفع الحدث عن كل البدن وكذا مطلقا في الأصح لاستلزام رفع المطلق رفع المقيد ولأنه ينصرف إلى حدثه لوجود القرينة الحالية فلو نوى الأكبر كان تأكيدا .
وصورة المسألة فيما إذا اجتمعا عليه إن قلنا باندراج الأصغر وإلا وجب التعيين . قاله الماوردي وتبعه المصنف في " التحقيق " .
فلو نوى رفع الحدث الأصغر عمدا لم ترتفع جنابته لتلاعبه أو غلطا ارتفعت عن أعضاء الأصغر لأن غسلها واجب في الحدثين وقد غسلها بنيته إلا الرأس فلا ترتفع عنه لأن غسله وقع عن مسحه الذي هو فرض في الأصغر وهو إنما نوى المسح وهو لا يغني عن الغسل بخلاف غسل باطن لحية الرجل الكثيفة فإنه يكفي لأن غسل الوجه هو الأصل فإذا غسله فقد أتى بالأصل . أما غير أعضاء الأصغر فلا ترتفع جنابته لأنه لم ينوه . قال في " المجموع " : ولو اجتمع على المرأة غسل حيض وجنابة كفت نية أحدهما قطعا . " .
أو " نية " استباحة مفتقر إليه " أي إلى الغسل كأن ينوي استباحة الصلاة أو الطواف مما يتوقف على غسل . فإن نوى ما لا يفتقر إليه كالغسل ليوم العيد لم يصح . وقيل : إن ندب له صح . " .
أو أداء فرض الغسل " أو فرض الغسل أو الغسل المفروض أو أداء الغسل وكذا الطهارة للصلاة كما في " الكفاية " وتقدم الاستشكال فيها . والجواب عنه في باب الوضوء . فعلم من ذلك : أن الجمع بين الفرض والأداء لا يجب وإن اقتضته عبارة المصنف وأن النية لا تنحصر فيما ذكره .
وأما إذا نوى ( 1 / 73 ) الغسل فقط فإنه لا يكفي وتقدم شروط نية الغسل والفرق بينه وبين نية الوضوء في بابه . " .
مقرونة بأول فرض " وهو أول ما يغسل من البدن سواء أكان من أعلاه أم من أسفله إذ لا ترتيب فيه .
فلو نوى بعد غسل جزء منه وجب إعادة غسله .
وفي تقديمها على السنن وعزوبها قبل غسل شيء من المفروض ما مر في الوضوء فإذا خلا عنها شيء من السنن لم يثبت عليه .
ولو أتى بها من أول السنن وعزبت قبل أول الفروض لم تكف .
فإن قيل : السنن التي قبله من محل الواجب فإذا نوى عندها رفع الجنابة مثلا وقع فرضا بخلاف سنن الوضوء التي قبله من غسل كفيه ومضمضة ونحو ذلك لأنه ليس محلا للفرض فلا يتصور أن تقترن النية بسنة قبل الغسل . أجيب : بأن ذلك قد يتصور كأن ينوي عند المضمضة ولم يمس الماء حمرة شفتيه كأن يتمضمض من إبريق .
ويستحب أن يبتدىء النية مع التسمية كما صرح به في " المجموع " هنا قال : وإذا اغتسل من إناء كإبريق ينبغي له أن ينوي عند غسل محل الاستنجاء بعد فراغه منه لأنه إذا لم ينو عنده قد يغفل عنه أو يحتاج إلى المس فينتقض وضوؤه أو إلى كلفة في لف خرقة على يده .
قال الشارح : و " مقرونة " بالرفع في خط المصنف وقيل : بالنصب صفة نية المقدرة المنصوبة بنية الملفوظة ا . ه . " .
أما الرفع : فعلى أنها صفة لقوله " نية " .
وأما النصب : فعلى أن " مقرونة " صفة لمصدر محذوف عامله المصدر الملفوظ به في كلام المصنف وتقديره : وأقله أن ينوي كذا نية مقرونة ف " نية " المقدرة مفعول مطلق والعامل فيه نية الملفوظة والمفعول المطلق مصدر وهو ينصب بمثله الذي هو نية لأنها مصدر . " .
و " ثانيهما : " تعميم شعره " ظاهرا وباطنا وإن كثف ويجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض لكن يعفى عن باطن الشعر المعقود ولا يجب غسل الشعر النابت في العين والأنف وإن كان يجب غسله من النجاسة . " وبشره " حتى الأظفار وما يظهر من صماخي الأذنين ومن فرج المرأة عند قعودها لقضاء الحاجة وما تحت القلفة من الأقلف وموضع شعر نتفه قبل غسله . قال البغوي : ومن باطن جدري اتضح .
فائدة : .
لو اتخذ له أنملة أو أنفا من ذهب أو فضة وجب عليه غسله من حدث أصغر أو أكبر ومن نجاسة غير معفو عنها لأنه وجب عليه غسل ما ظهر من الأصبع والأنف بالقطع وقد تعذر للعذر فصارت الأنملة والأنف كالأصليين . " .
ولا تجب " في الغسل " مضمضة و " لا " استنشاق " بل يسن كما في الوضوء وغسل الميت " وأكمله " أي الغسل " إزالة القذر " بالمعجمة طاهرا كان كالمني أو نجسا كودي استظهارا وإن قلنا يكفي لهما غسلة واحدة . " ثم " بعد إزالة القذر " الوضوء " كاملا ومنه التسمية للاتباع رواه الشيخان . فهو أفضل من تأخير قدميه عن الغسل . " .
وفي قول يؤخر غسل قدميه " لما روى البخاري عن ميمونة في صفة غسل النبي A : ( أنه توضأ وضوءه للصلاة غير غسل القدمين ) قال في " المجموع " نقلا عن الأصحاب : وسواء أقدم الوضوء كله أم بعضه أم أخره أم فعله في أثناء الغسل فهو محصل للسنة لكن الأفضل تقديمه .
ثم إن تجردت الجنابة عن الحدث كأن احتلم وهو جالس متمكن نوى سنة الغسل وإلا نوى رفع الحدث الأصغر وإن قلنا يندرج خروجا من خلاف من أوجبه .
وإذا أخر الوضوء عن الغسل هل ينوي به رفع الحدث خروجا من خلاف من قال بعدم الاندراج أو سنة الغسل ولأن حدثه ارتفاع على الأصح لم أر من تعرض له والذي يظهر أخذا مما جمع به شيخي بين عبارة الكتاب وعبارة " الروضة " في الصلاة المعادة وهو إن أراد الخروج من الخلاف نوى الفرض كما في الكتاب وإن لم يرد ذلك نوى الطهر مثلا ولا يحتاج لنية الفرضية كما في " الروضة " وأن يقال هنا إن أراد الخروج من الخلاف نوى رفع الحدث وإلا فسنة الغسل فإن ترك الوضوء والمضمضة والاستنشاق كره له ويستحب له أن يتدارك ذلك . ولو توضأ قبل غسله ثم أحدث قبل أن يغتسل ولم يحتج لتحصيل سنة الوضوء إلى إعادته بخلاف من غسل يديه في الوضوء ثم أحدث قبل المضمضة مثلا فإنه يحتاج في تحصيل السنة إلى إعادة غسلهما بعد نية الوضوء لأن تلك النية بطلت بالحدث . " .
ثم " بعد الوضوء " تعهد معاطفه " كأن يأخذ الماء بكفه فيجعله على المواضع التي فيها انعطاف والتواء كالأذنين وطبقات البطن وداخل السرة لأنه أقرب إلى الثقة بوصول الماء ويتأكد في الأذن ( 1 / 74 ) فيأخذ كفا من ماء ويضع الأذن عليه برفق ليصل الماء إلى معاطفه وزواياه . " ثم يفيض الماء على رأسه ويخلله " أي شعر رأسه وكذا شعر لحيته بالماء وليست الواو في عبارته للترتيب " فيدخل أصابعه العشر فيشرب بها أصول الشعر ثم يفيض الماء ليكون أبعد عن الإسراف في الماء وأقرب إلى الثقة بوصول الماء . " .
ثم " يفيضه على " شقه الأيمن ثم الأيسر " لأنه E ( كان يحب التيمن في طهوره ) متفق عليه . " .
ويدلك " ما وصلت إليه يده من بدنه احتياطا وخروجا من خلاف من أوجبه وإنما لم يجب عندنا لأن الآية والأحاديث ليس فيهما تعرض لوجوبه . " .
ويثلث " تأسيا به A كما في الوضوء .
وكيفية ذلك وإن لم تؤدها عبارة المصنف : أن يتعهد ما ذكر ثم رأسه ويدلكه ثلاثا ثم باقي جسده كذلك بأن يغسل ويدلك شقه الأيمن المقدم ثم المؤخر ثم الأيسر كذلك مرة ثم ثانية ثم ثالثة كذلك للأخبار الصحيحة الدالة على ذلك .
قال شيخنا : وما قيل أي ما قاله الإسنوي : أن المتجه إلحاقه بغسل الميت حتى لا ينتقل إلى المؤخر إلا بعد الفراغ من المقدم رد بسهولة ما ذكر هنا على الحي بخلافه في الميت لما يلزم فيه من تكرير تقليب الميت قبل الشروع في شيء من الأيسر .
ولو انغمس في ماء فإن كان جاريا كفى في التثليث أن يمر عليه ثلاث جريات لكن قد يفوته الدلك لأنه لا يتمكن منه غالبا تحت الماء إذ ربما يضيق نفسه .
وإن كان راكدا انغمس فيه ثلاثا بأن يرفع رأسه منه وينقل قدميه أو ينتقل من مقامه إلى آخر ثلاثا ولا يحتاج إلى انفصال جملته ولا رأسه كما في التسبيع من نجاسة الكلب فإن حركته تحت الماء كجري الماء عليه . " .
وتتبع " المرأة غير المحرمة والمحدة " لحيض " أو نفاس ولو كانت خلية أو بكرا . " .
أثره " أي أثر الدم " مسكا " فتجعله في قطنة وتدخلها الفرج بعد غسلها وهو المراد بالأثر وهو بفتح الهمزة والمثلثة ويجوز كسر الهمزة وإسكان الثاء وذلك لما روى الشيخان عن عائشة Bها : أن امرأة جاءت إلى النبي A تسأله عن الغسل من الحيض فقال : ( خذي فرصة من مسك فتطهري بها ) فقالت : كيف أتطهر بها فقال A : ( سبحان الله - واستتر بثوبه - تطهري بها ) فاجتذبتها عائشة فعرفتها أنها تتبع بها أثر الدم .
ويكره تركه بلا عذر كما في " التنقيح " .
والمسك : فارسي معرب الطيب المعروف وكانت العرب تسميه المشموم والنبي A يسميه أطيب الطيب رواه مسلم . " .
وإلا " أي وإن لم يتيسر بأن لم تجده أو لم تسمح به . " فنحوه " مما فيه حرارة كالقسط والأظفار . فإن لم تجد طيبا فطينا فإن لم تجده كفى الماء .
أما المحرمة فيحرم عليها الطيب بأنواعه والمحدة تستعمل قليل أظفار أو قسط . قال المحاملي في المقنع : كل موضع أصابه الدم تتبعه بالطيب . قال الدميري : وهو شاذ لا يعرف لغيره . والصحيح أو الصواب : أن المقصود به تطبيب المحل ودفع الرائحة الكريهة لا سرعة العلوق فلذلك كان الأصح أنها تستعمله بعد الغسل . قال الزركشي : والمستحاضة ينبغي لها أن لا تستعمله لأنه يتنجس بخروج الدم فيجب غسله فلا تبقى فيه فائدة . " .
ولا يسن تجديده " أي الغسل لأنه لم ينقل ولما فيه من المشقة " بخلاف الوضوء " فيسن تجديده إذا صلى بالأول صلاة ما كما قاله المصنف في باب النذر من " زوائد الروضة " و " شرح المهذب " و " التحقيق " وظاهره : أنه لا فرق بين تحية المسجد وسنة الوضوء وغيرهما .
فإن قيل : يتسلسل عليه الأمر ويحصل له مشقة . أجيب : بأن هذا مفوض إليه إن أراد زيادة الأجر فعل نعم إن عارضه فضيلة أول الوقت قدمت عليه لأنها أولى منه كما أفتى به شيخي . أما إذا لم يصل به فلا يسن فإن خالف وفعل لم يصح وضوؤه لأنه غير مطلوب لما روى أبو داود وغيره أنه A قال : ( من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ) ولأنه كان في أول الإسلام يحب الوضوء لكل صلاة فنسخ وجوبه وبقي أصل الطلب . وشمل إطلاقه تجديده لماسح الخف وتقدم في بابه والوضوء المكمل بالتيمم لجراحة ونحوها وهو الظاهر كما نقله مجلي عن القفال وإن نظر فيه ابن الرفعة . " .
ويسن أن لا ينقص ماء الوضوء " في معتدل الجسد " عن مد " تقريبا وهو رطل وثلث بغدادي " والغسل عن صاع " تقريبا وهو أربعة أمداد لحديث ( 1 / 75 ) مسلم عن سفينة أنه A : ( كان يغسله الصاع ويوضئه المد ) أما من لم يعتدل جسده فيعتبر بالنسبة إلى جسده A كما قاله العز بن عبد السلام زيادة ونقصا . " .
ولا حد له " أي لماء الوضوء والغسل فلو نقص عن ذلك وأسبغ كفى . قال الشافعي : قد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي . وفي خبر أبي داود : ( أنه A توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مد ) وظاهر عبارة المصنف عدم النقص عن المد والصاع لا الاقتصار عليهما .
وعبر آخرون بأنه يندب المد والصاع وقضيته أنه يندب الاقتصار عليهما .
قال ابن الرفعة : ويدل له الخبر وكلام الأصحاب لأن الرفق محبوب وهذا هو الظاهر وإن نازع الإسنوي ابن الرفعة فيما نسبه للأصحاب . ولا تنحصر السنن فيما قاله المصنف بل يسن أن يستصحب النية إلى آخر الغسل وأن لا يغتسل في الماء الراكد ولو كثر أو بئر معينة كما في " المجموع " بل يكره ذلك لخبر مسلم : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب ) فقيل لأبي هريرة - الراوي للحديث - : كيف يفعل قال يتناوله تناولا . قال في " المجموع " : قال في " البيان " : والوضوء فيه كالغسل وهو محمول - كما قال شيخنا - على وضوء الجنب .
وإنما كره ذلك لاختلاف العلماء في طهورية ذلك الماء أو لشبهه بالماء المضاف إلى شيء لازم كماء الورد فيقال : ماء عرق أو وسخ . وينبغي أن يكون ذلك في غير المستبحر وأن يكون اغتساله بعد بول لئلا يخرج بعده مني وأن يأتي بالتشهد المذكور في الوضوء عقبه . وحكم الموالاة هنا كحكمها في الوضوء وأن يرتبه فيبدأ بعد الوضوء بأعضائه كما في " الروضة " وغيرها لشرفها ثم بالرأس ثم بالبدن مبتدئا بأعلى ذلك بأن يفيض الماء على كل منهما مبتدئا بالأيمن من كل منهما بالأعلى كما علم مما مر .
فائدة : .
قال في الإحياء : لا ينبغي أن يقلم أو يحلق أو يستحد أو يخرج دما أو يبين من نفسه جزءا وهو جنب إذ يرد إليه سائر أجزائه في الآخرة فيعود جنبا ويقال : إن كل شعرة تطالب بجنابتها .
فرع : .
يجوز أن ينكشف للغسل في خلوة أو بحضرة من يجوز له نظره إلى عورته والستر أفضل لقوله A لبهز بن حكيم : ( احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك ) قال : أرأيت إن كان أحدنا خاليا ؟ قال : ( الله أحق أن يستحيي منه الناس ) . فإن قيل : الله سبحانه وتعالى لا يحجب عنه شيء فما فائدة الستر له ؟ أجيب : بأن يرى متأدبا بين يدي خالقه ورازقه . " .
ومن به " أي ببدنه شيء " نجس يغسله ثم يغتسل " لأنه أبلغ في التطهير .
والنجس بفتح الجيم : النجاسة . " .
ولا تكفي لهما غسلة " واحدة " وكذا في الوضوء " لأنهما واجبان مختلفا الجنس فلا يتداخلان وعلى هذا تقديم إزالته شرط لا ركن . " قلت : الأصح تكفيه والله أعلم " كما لو اغتسل من جنابة وحيض ولأن واجبهما غسل العضو وقد حصل ومحل الخلاف إذا كان النجس حكميا كما في " المجموع " ويرفعهما الماء معا وللسابعة في المغلظة حكم هذه الغسلة فإن كان النجس عينا ولم تزل بقي الحدث أما غير السابعة في النجاسة المغلظة فلا يرتفع حدث ذلك المحل لبقاء نجاسته . فإن قيل : قد جزم في " الروضة " و " المنهاج " تبعا للرافعي في غسل الميت بأن أقل الغسل استيعاب بدنه بالماء بعد إزالة النجاسة مع أن الاكتفاء بالغسلة في الميت أولى لأن النية لا تجب في غسله . أجاب الشارح في كتاب الجنائز : بأنه مبني على ما صححه الرافعي في الحي وترك الاستدراك عليه للعلم به مما قدمه . وأجاب غيره : بأن ما ذكراه في الجنائز ليس بصريح في اشتراط تقدم إزالة النجاسة لأن كلمة بعد لا تدل على الترتيب فهي بمعنى مع كما في قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) أي مع ذلك زنيم أي دعي في قريش . فيكون التقدير : استيعاب بدنه مع إزالة النجاسة ونظير ذلك ما قاله المصنف في باب الوقف في قوله : " وقفت على أولادي وأولاد أولادي بطنا بعد بطن " أنه يقتضي التسوية بين الكل وهذا الجواب أظهر .
وقيل : يفرق بين غسل الحي والميت : بأن هذا آخر أحواله فاحتيط له فيراعى في حقه الأكمل كما يجب تكفينه في ثلاثة أثواب لأنها حقه حتى لو اتفق الورثة على ثوب واحد لم يجابوا إلى ذلك كما صححه في " الروضة " مع أن المصنف جزم بما جزم به الرافعي في صفة غسل الجنابة من " شرح المهذب " . " .
ومن اغتسل لجنابة " أو نحوها كحيض ( 1 / 76 ) و " نحو " جمعة " كعيد بأن نواهما " حصلا " أي غسلهما كما لو نوى الفرض وتحية المسجد . وقيل : لا يحصل واحد منهما لأن كل واحد منهما مقصود بخلاف التحية لحصولها ضمنا فعلى الأولى : الأكمل أن يغتسل للجنابة ثم للجمعة كما نقله في البحر عن الأصحاب . فإن قيل : قد صرحوا بأنه لو اجتمع جمعة وكسوف وقدم الكسوف ثم خطب ونوى بخطبته خطبة الجمعة والكسوف لم يصح للتشريك بين فرض ونفل . أجيب : بأن خطبة الجمعة في معنى الصلاة ولهذا اشترط فيها ما يشترط في الصلاة فالتشريك بينها وبين الكسوف كالتشريك بين الظهر وسنته بخلاف ما هنا فإن مبنى الطهارات على التداخل . " .
أولأحدهما حصل " غسله " فقط " اعتبارا بما نواه . وإنما لم يندرج النفل في الفرض لأنه مقصود فأشبه سنة الظهر مع فرضه .
فإن قيل : لو نوى بصلاته الفرض دون التحية حصلت التحية وإن لم ينوها أو نوى رفع الجنابة حصل الوضوء وإن لم ينوه . أجيب : بأن القصد ثم إشغال البقعة بصلاة وقد حصل وليس القصد هنا النظافة فقط بدليل أنه يتيمم عند عجزه عن الماء ومن وجب عليه فرضه كغسلي جنابة وحيض كفاه الغسل لأحدهما وكذا لو سن في حقه سنتان كغسلي عيد وجمعة ولا يضر التشريك بخلاف نحو الظهر مع سنته لأن مبنى الطهارات على التداخل - كما مر - بخلاف الصلاة . " .
قلت : ولو أحدث ثم أجنب أو عكسه " أي أجنب ثم أحدث أو أجنب وأحدث معا " كفى الغسل " سواء أنوى الوضوء معه أم لا غسل أعضاء الوضوء مرتبة أم لا . " على المذهب والله أعلم " لاندراج الوضوء في الغسل لأنه A قال : ( أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت ) رواه ابن ماجه وغيره عن جبير بن مطعم .
ولم يفصل A مع أن الغالب أن الجنابة لا تتجرد عن الحدث فتداخلتا كالجنابة والحيض . وقد نبه الرافعي على أن الغسل إنما يقع عن الجنابة وأن الأصغر يضمحل معه أي لا يبقى له حكم ولهذا عبر المصنف ب " كفى " .
والثاني : لا يكفي وإن نوى معه الوضوء بل لا بد من الوضوء معه .
والثالث : إن نوى مع الغسل الوضوء كفى وإلا فلا . وقيل : إن كان سبب اجتماعهما هو الجماع كفى وإلا فلا . وفي الصورة الثانية طريق قاطع بالاكتفاء لتقدم الأكبر فيها فلا يؤثر بعده الأصغر فقوله : " على المذهب " إنما يأتي على اصطلاحه في الصورة الثانية فإنها ذات طرق وأما الأولى ففيها أوجه لا طرق . وأجاب الشارح عن هذا الاعتراض بقوله : فالطريقان في مجموع الصورتين من حيث الثانية لا في كل منهما أي لا في جميعهما فيكفي في صدق كونه في المجموع كونه في بعض الأفراد بخلاف كونه في الجميع .
تتمة : .
لو أحدث في أثناء غسله جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته لكن لا يصلي به حتى يتوضأ . كذا في زوائد الروضة . وهو محمول كما قال الإسنوي : على ما إذا أحدث بعد فراغ أعضاء الوضوء أما قبل الفراغ فيأتي ببقية أعضاء الوضوء مرتبة ولا يحتاج إلى استئنافه .
خاتمة : .
يباح للرجال دخول الحمام ويجب عليهم غض البصر عما لا يحل لهم وصون عورتهم عن الكشف بحضرة من لا يحل له النظر إليها وفي غير وقت الاغتسال كما علم مما مر ونهيهم الغير عن كشف عورته وإن ظنوا أنه لا ينتهي وقد روي : ( أن الرجل إذا دخل الحمام عاريا لعنه ملكاه ) رواه القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى : ( كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) . وروى النسائي و الحاكم عن جابر أن النبي A قال : ( حرام على الرجال دخول الحمام إلا بمئزر ) . وأما النساء فيكره لهن بلا عذر لخبر : ( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى ) رواه الترمذي وحسنه .
وروى أبو داود وغيره أنه A قال : ( ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء ) ولأن أمرهن مبني على المبالغة في الستر ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة والشر . قال شيخنا : والخناثي كالنساء فيما يظهر .
ويجب أن لا يزيد في الماء على قدر الحاجة ولا العادة . وآدابه : أن يقصد التطهير والتنظيف لا الترفه والتنعيم وأن يسلم الأجرة قبل دخوله وأن يسمي للدخول ثم يتعوذ كما في دخول الخلاء وكذا في تقديم رجله اليسرى دخولا واليمنى خروجا وأن يتذكر بحرارته حرارة نار جهنم لشبهه بها وأن لا يدخله إذا رأى فيه عريانا وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول وأن لا يكثر ( 1 / 77 ) الكلام وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء الحمام إن قدر على ذلك فإنه وإن لم يكن فيه إلا أهل الدين فالنظر إلى الأبدان مكشوفة فيه شوب من قلة الحياء وأن يستغفر الله تعالى ويصلي ركعتين بعد خروجه منه فقد كانوا يقولون : يوم الحمام يوم إثم .
ويكره دخوله قبيل الغروب وبين العشاءين لأنه وقت انتشار الشياطين وللصائم ومن جهة الطب صب الماء البارد على الرأس وشربه عند خروجه منه ولا بأس بدلك غيره إلا عورة أو مظنة شهوة . قال في " المجموع " : ولا بأس بقوله : لغيره عافاك الله ولا بالمصافحة . ويسن لمن يخالط الناس التنظف بالسواك وإزالة شعر وريح كريهة وحسن الأدب معهم