وهو ثلاثة أقسام جرح وإبانة طرف وإزالة منفعة .
وقد بدأ بالقسم الأول وهو الجرح فقال و " في موضحة الرأس " ولو للعظم الثاني خلف الأذن " أو الوجه " وإن صغرت ولو لما تحت المقبل من اللحيين وإن لم يدخل ذلك في غسل الوجه في الوضوء نصف عشر دية صاحبها ففيها " لحر " ذكر " مسلم " غير جنين " خمسة أبعرة " لما رواه الترمذي وحسنه في الموضحة خمس من الإبل فتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة والكتابي وغيرهما ففي موضحة الكتابي بعير وثلثان وفي موضحة المجوسي ونحوه ثلث بعير فلو عبر المصنف بما ذكرته لكان أشمل وأخصر وكذا يقال في الهاشمة وخرج بالرأس والوجه ما عداهما كالساق والعضد فإن فيهما الحكومة كما سيأتي " و " في " هاشمة على إيضاح " أو احتياج إليه بشق لإخراج عظم أو تقويمه أو سرت إليه " عشرة " من أبعرة وهي عشر دية الكامل بالحرية وغيرها ولو عبر به لكان أولى ليشمل الصور المتقدمة قبل هذا .
والأصل في ذلك ما روي عن زيد بن ثابت أنه A أوجب في الهاشمة عشرا من الإبل رواه الدارقطني والبيهقي مرفوعا عن زيد ومثل ذلك لا يكون إلا عن توقيف " و " هاشمة " دونه " أي الإيضاح وما ذكر معه " خمسة " من أبعرة على الأصح لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم وأرش الموضحة خمسة فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم فوجبت عند انفراده " وقيل " في الهشم إذا خلا عما ذكر " حكومة " لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام " ومنقلة " مع إيضاح وهشم كما صوره الرافعي " خمسة عشر " بعيرا روى النسائي ذلك عن النبي A ونقل في الأم فيه الإجماع وكذا ابن المنذر " و " في " مأمومة ثلث الدية " لخبر عمرو بن حزم بذلك .
قال في البحر وهو إجماع .
وفي الدامغة ما في المأمومة على الأصح المنصوص وقيل تزاد حكومة لخرق غشاء الدماغ قاله الماوردي وهو قياس ما يأتي في خرق الأمعاء في الجائفة .
وقيل يجب تمام الدية لأنها تذفف والأول يمنع ذلك وإنما يجب في المأمومة وما قبلها ما ذكر إن اتحد الجاني فلو تعدد فحكمه مذكور في قوله " ولو أوضح " واحدا ذكرا حرا مسلما " فهشم آخر " بعد الإيضاح أو قبله وليس تعقيب الهشم للإيضاح بشرط وإن أوهمه كلامه " ونقل ثالث وأم رابع فعلى كل من الثلاثة خمسة " من الإبل أما الأول فبسبب الإيضاح وأما الثاني فلأنه الزائد عليهما من دية الهاشمة وأما الثالث فلأنه الزائد عليهما من دية المنقلة " و " على " الرابع تمام الثلث " وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وهو ما بين المنقلة والمأمومة وصورة المسألة أن يهشم الآخر في محل الإيضاح كما قيده الإمام وغيره .
تنبيه : .
ما أطلقه من أن الواجب على الأول خمسة محله عند العفو أو لم يكن عمدا وإلا فالواجب القصاص كما صرح به في المحرر حتى لو أراد القصاص في الموضحة وأخذ الأرش من الباقين مكن نص عليه في الأم هذا كله إذا لم ( 4 / 59 ) يمت مما ذكر فإن مات منه وجبت ديته عليهم بالسراية لأن القتل لا يفرق فيه بين الجرح الكبير والصغير .
قاله الفارقي في فوائده " والشجاج " الخمس التي " قبل الموضحة " من خارصة ودامية وباضعة ومتلاحمة وسمحاق " إن عرفت نسبتها منها " أي الموضحة بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم " وجب قسط من أرشها " بالنسبة فإن شككنا في قدرها من الموضحة أوجبنا اليقين هذا ما جرى عليه المصنف تبعا للمحرر والذي في الروضة وأصلها عن الأصحاب وجوب الأكثر من الحكومة والقسط من الموضحة لأنه وجد سبب كل منهما فإن استويا وجب أحدهما " وإلا " بأن لم تعرف نسبته منها " فحكومة " لا تبلغ أرش موضحة " كجرح سائر " أي باقي " البدن " كالإيضاح والهشم والتنقيل فإن فيه الحكومة فقط لأن أدلة ما مر في الإيضاح والهشم والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس والوجه وليس غيرهما في معناهما لزيادة الخطر والقبح فيهما وأيضا فأرش نفس العضو لا ينبغي أن ينقص عن أرش الجناية على العضو وليس في الأنملة الواحدة إلا ثلاثة أبعرة وثلث فكيف نوجب في إيضاح عظمها خمسا من الإبل " وفي جائفة " وإن صغرت " ثلث دية " لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم وهذا كالمستثنى مما قبله إذا لا جرح في البدن يقدر غيرها " وهي جرح ينفذ " بالمعجمة أي يصل " إلى جوف " فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء كما أشار إلى ذلك بقوله " كبطن " أي كداخله " و " داخل " صدر و " داخل " ثغرة نحر " بضم المثلثة وغين معجمة ساكنة وهي نقرة بين الترقوتين " و " داخل " جبين " بموحدة بعد جيم وهو أحد جانبي الجبهة وفي بعض نسخ المتن بنون ساكنة بعد جيم تثنية جنب وبه عبر المحرر والروضة وأصلها والأول أولى لأن الجنب علم من التمثيل بالبطن " و " داخل " خاصرة " من الخصر وهو وسط الإسنان ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة .
وخرج بالجوف المذكور غيره كالفم والأنف والجفن والعين وممر البول إذ لا يعظم فيها الخطر كالأمور المتقدمة ولأنها لا تعد من الأجواف بل فيها حكومة فلو وصلت الجراحة إلى الفم أو داخل الأنف بإيضاح من الوجه أو بكسر قصبة الأنف فأرش موضحة في الأولى أو أرش هاشمة في الثانية مع حكومة فيهما للنفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى وإن حز بسكين من كتف أو فخذ إلى البطن فأجافه فواجبه أرش جائفة وحكومة لجراحة الكتف أو الفخذ لأنها في غير محل الجائفة أو حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر فأرش جائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة ولو أجافه حتى لدغ كبده أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة الدية وإن لم تنفذ إلا بكسره دخلت حكومة كسره في دية الجائفة .
تنبيه : .
سيأتي أنه لو نفذ الطعن إلى البطن وخرج من الظهر كان ذلك جائفتين ففيه إطلاق الجائفة على ما خرج من جوف وإن أوهم كلامه هنا تقييد الجائفة بما دخل الجوف " ولا يختلف أرش موضحة بكبرها " ولا صغرها لاتباع الاسم كالأطراف ولا بكونها بارزة أو مستورة بالشعر .
تنبيه : .
لا يتقيد ذلك بالموضحة الجائفة كذلك كما مرت الإشارة إليه حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى الجوف فهي جائفة ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه وهكذا كل ما في الرأس من الشجاج فهو على الأسماء .
واعلم أن الموضحة تتعدد صورة وحكما ومحلا وفاعلا وذكرها المصنف على هذا الترتيب وبدأ بأولها في قوله " ولو أوضح " الجاني مع اتحاد الحكم " موضعين بينهما لحم وجلد " معا سواء أوضحهما معا أو مرتبا " قيل أو " بينهما " أحدهما " أي لحم فقط أو جلد فقط " فموضحتان " أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحاجز وأما في الثانية فوجه القائل بالتعدد وجود حاجز بين الموضعين والأصح أنها واحدة لأن الجناية أتت على الموضع كله كاستيعابه ( 4 / 60 ) بالإيضاح ولو رفع الجاني الحاجز في الصورة الأولى بينهما أو تأكل قبل الاندمال عاد الأرشان إلى واحد على الأصح وكان كما لو أوضح في الابتداء موضحة واسعة ولو أدخل الحديدة ونفذها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها ففي تعدد الموضحة وجهان أقربهما عدم التعدد ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط وقيل لا يجب أكثر من دية النفس كما قيل به فيما لو استوعب الأسنان قلعا .
الثاني من أسباب التعدد ما ذكر بقوله ولو انقسمت موضحته عمدا أو خطأ أو شبه عمد أو قصاصا وعدوانا فموضحتان على الصحيح كما سيأتي لاختلاف الحكم .
الثالث من أسباب التعدد ما ذكره بقوله " أو شملت " بكسر الميم في الأفصح " رأسا ووجها فموضحتان " على الصحيح لاختلاف المحل فقوله فموضحتان راجع لكل من المسألتين وكذا قوله " وقيل موضحة " نظرا للصورة .
تنبيه : .
نصب عمدا وخطأ إما على نزع الخافض أو على المفعول المطلق نيابة عن المصدر أي موضحة عمدا أو خطأ .
واحترز بقوله رأسا ووجها عن شمولها رأسا وقفا فيلزمه مع موضحة الرأس حكومة القفا وعن شمولها الجبهة والوجه فالمذهب الاتحاد وقد يوهم كلامه شمول الموضحة لكل من الرأس والوجه مع أنه ليس بقيد فإن الحكم كذلك لو أوضح بعض الرأس وبعض الوجه " ولو وسع " الجاني " موضحته " مع اتحاد الحكم " فواحدة على الصحيح " كما لو أوضح أولا كذلك والثاني وهو احتمال للإمام لا وجه منقول ثنتان لأن التوسعة إيضاح ثان أما مع اختلاف الحكم فتعدد كما علم من قوله ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ .
الرابع من أسباب التعدد ما ذكره بقوله " أو غيره فثنتان " لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته فإن على كل منهما جنايته نعم لو كان الموسع مأمورا للموضح أولا وكان غير مميز فالأوجه عدم التعدد لأنه كالآلة وإن لم يصرحوا به هنا .
تنبيه : .
قوله أو غيره يجوز فيه الرفع أي وسعها غيره وهو ما في المحرر .
ونقل عن خط المصنف أنه ضبطه بالفتح والكسر فالكسر عطف على الضمير المجرور في موضحته أي وسع موضحة غيره فحذف وبقي المضاف إليه على حاله وهو ماش على ما اختاره شيخه ابن مالك تبعا للكوفيين من أنه لا يحتاج في العطف على مجرور إعادة الجار خلافا للبصريين والفتح على حذف المضاف وإعطاء إعرابه المضاف إليه كقوله تعالى " واسئل القرية " أي أهلها .
فرع لو اشترك اثنان في موضحة .
وعفا على مال هل يلزم كل واحد أرش كامل أو عليهما أرش واحد كما لو اشتركا في قتل النفس فإن عليهما دية واحدة وجهان أوجههما الأول كما جرى عليه صاحب الأنوار ويتفرع على ذلك ما لو أوضحا موضحتين مشتركين فيهما ثم رفع أحدهما الحاجز قبل الاندمال فإن الموضحة تتحد في حقه فإن قلنا بالتعدد فعلى الرافع أرش كامل وعلى غيره أرشان وإن قلنا بعدمه لزم الرافع نصف أرش ولزم صاحبه أرش كامل وجرى على هذا ابن المقري " والجائفة كموضحة في " الاتحاد وفي " التعدد " المتقدم صورة وحكما ومحلا وفاعلا وفي رفع الحاجز بين الجائفتين .
نعم يشترط في وجوب أرش الجائفة على من وسع جائفة غيره أن يوسع الظاهر والباطن بخلاف الموضحة في ذلك فلو أدخل سكينا في جائفة غيره ولم يقطع شيئا فلا ضمان ويعزر وإن زاد في غورها وكان قد ظهر عضو باطن كالكبد فغور السكين فيه فعليه الحكومة وإن قطع شيئا من الظاهر دون الباطن أو بالعكس فعليه حكومة وإن قطع من جانب بعض الظاهر ومن جانب بعض الباطن ففي التتمة أنه ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويقسط أرش الجناية على المقطوع من الجانبين وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش بأن يقطع نصف الظاهر من جانب ونصف الباطن من جانب وأقره الشيخان " ولو " طعنه بآلة طعنة " نفذت في بطن وخرجت من ظهر " أو عكسه أو نفذت من جنب وخرجت من جنب " فجائفتان في الأصح " المنصوص في الأم اعتبارا للخارجة بالداخلة وقد قضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه في رجل رمى رجلا بسهم فأنفذه بثلثي الدية وقضى به عمر رضي الله تعالى عنه وإلا ( 4 / 61 ) مخالف لهما فكان إجماعا كما نقله ابن المنذر والثاني في الخارجة حكومة .
تنبيه : .
المراد بالبطن والظهر حقيقتهما لا كل باطن وظاهر لما مر في الفم والذكر وغيرهما " ولو أوصل جوفه " بالخرق " سنانا " هو طرف الرمح " له طرفان فثنتان " إن سلم الحاجز بينهما كما لو أجافه باثنين فإن خرجا من ظهره فأربع جوائف .
وذكر السهيلي أنه لا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كنحاس وحديد .
تنبيه : .
هذه المسألة مكررة فإنها قد علمت من قوله والجائفة كموضحة في التعدد وقد سبق له في الموضحة أنه لو أوضح في موضعين بينهما لحم وجلد تعدد الأرش وكان ينبغي أن يقول ولو طعن جوفه بدل أوصل لأن عبارته تصدق لولا ما قدرته بأن يوصله من منفذ مفتوح كحلقة مع أن هذا لا يسمى جائفة .
وعبر في الروضة بالأصح " أن من " قتل معصوما .
ولا يسقط أرش باندمال ولا بالتحام موضحة وجائفة .
لأن مبنى الباب على اتباع الاسم وقد وجد وسواء أبقي شيء أم لا .
ثم شرع في القسم الثاني وهو إبانة الطرف ومقدر البدل من الأعضاء ستة عشر عضوا وأنا أسردها لك أذن عين جفن أنف شفة لسان سن لحي يد رجل حلمة ذكر أنثيان أليان شفران جلد ثم ما وجب فيه الدية منها وهو ثنائي كاليدين ففي الواحد منه نصفها أو ثلاثي كالأنف فثلثها أو رباعي كالأجفان فربعها ولا زيادة على ذلك وفي البعض من كل منها بقسطه لأن ما وجب فيه الدية وجب في بعضه بقسطه .
العضو الأول هو ما ذكره بقوله " والمذهب " المنصوص " أن في " قلع أو قطع " الأذنين " من أصلهما بغير إيضاح " دية " بالنصب اسم أن سواء أكان سميعا أم أصم " لا حكومة " لخبر عمرو بن حزم في الأذن خمسون من الإبل رواه الدارقطني والبيهقي ولأنهما عضوان فيهما جمال ومنفعة فوجب أن يكون فيهما الدية كاليدين وفي وجه أو قول مخرج تجب فيهما حكومة كالشعور .
تنبيه : .
المراد بالدية هنا وفيما يأتي من نظائره دية من جنى عليه فإن حصل بالجناية إيضاح وجب مع الدية على الأول أرش الإيضاح " وبعض " بالرفع مع الأذنين " بقسطه " أي المقطوع لما مر ويقدر بالمساحة .
تنبيه : .
شمل قوله بعض ما لو قطع إحداهما ما لو وقطع البعض من إحداهما ولهذا لم يحتج أن يقول وفي إحداهما نصف الدية كما قاله المحرر " ولو أيبسهما " بالجناية عليهما بحيث لو حركتا لم تتحركا " فدية " كما لو ضرب يده فشلت " وفي قول حكومة " لأن منفعتهما لا تبطل بذلك وهي جمع الصوت ليتمادى إلى محل السماع بخلاف اليد إذا شلت فإن منفعتها بطلت بالكلية ومال إليه البلقيني وقال نص الأم يقتضيه وأجاب الأول بأن المنفعة الأخرى وهي دفع الهوام بالإحساس قد بطلت ويكفي ذلك في وجوب الدية " ولو قطع " أذنين " يابستين " بجناية أو غيرها " فحكومة " تجب فيهما في الأظهر " وفي قول " فيهما " دية " تلزمه الأول مبني على الأول والثاني على الثاني كما في المحرر .
فإن قيل قد مر أن الأذن الصحيحة تقطع بالمستحشفة والجمع بين جريان القصاص فيها وعدم تكميل الدية مما لا يعقل .
أجيب بأنه لا تلازم بين وجوب القصاص ووجوب الدية وعلى الأول هل يشترط أن يبلغ بالحكومتين مقدار الدية حتى لا نكون قد أسقطنا الدية فيهما أو لا فيه طريقان أشار إليهما المارودي أوجههما الثاني .
العضو الثاني هو ما ذكره بقوله " وفي " قلع " كل عين " وهي مؤنثة اسم لحاسة البصر من إنسان وغيره " نصف دية " لخبر عمرو بن حزم بذلك صححه ابن حبان والحاكم وحكى ابن المنذر فيه الإجماع ولأنها من أعظم الجوارح نفعا فكانت أولى بإيجاب الدية " ولو " هي " عين أحول " وهو من في عينه خلل دون بصره " و " عين " أعمش " وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف رؤيته " و " عين " أعور " وهو ذاهب حس إحدى العينين مع بقاء بصره وعين أخفش وهو صغير العين المبصرة وعين أعشى وهو من لا يبصر في الشمس لأن المنفعة باقية بأعين من ذكر أو مقدار المنفعة لا ينظر إليها ( 4 / 62 ) .
تنبيه : .
قد توهم عبارته أن العين العوراء فيها نصف دية وليس مرادا وإنما هو في العين الأخرى واحترز بذلك عمن يقول ك مالك و أحمد في عين الأعور كل الدية لأن بصر الذاهبة انتقل إليها .
وكذا من بعينه بياض .
على بياضها أو سوادها أو ناظرها وهو رقيق " لا ينقص الضوء " الذي فيها يجب في قلعها نصف دية لما مر " فإن نقص " الضوء وأمكن ضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها " فقسط " ما نقص يسقط من الدية " فإن لم ينضبط " أي النقص " فحكومة " تجب والفرق بينه وبين عين الأعمش أن البياض ينقص الضوء الذي كان في أصل الحدقة وعين الأعمش لم ينقص ضوؤها عما كان في الأصل .
قاله الرافعي ويؤخذ منه كما قاله الأذرعي وغيره أن العمش لو تولد من آفة أو جناية لا تكمل فيه الدية .
العضو الثالث هو ما ذكره بقوله " وفي " قطع " كل جفن " بفتح جيمه وكسرها وإن اقتصر المصنف على الفتح وهو غطاء العين كما مر " ربع دية " سواء الأعلى والأسفل ففي الأربعة الدية " ولو " كان " لأعمى " وبلا هدب لأن فيها جمالا ومنفعة وقد اختصت عن غيرها من الأعضاء بكونها رباعية وتدخل حكومة الأهداب في دية الأجفان بخلاف ما لو انفردت الأهداب فإن فيها حكومة إذا فسد منبتها كسائر الشعور لأن الفائت بقطعها الزينة والجمال دون المقاصد الأصلية وإلا فالتعزير وفي قطع الجفن المستحشف حكومة وفي إحشاف الجفن الصحيح ربع دية جزما بخلاف ما تقدم من الأذن فإن المنفعة هنا تزول أصلا بخلافه هناك وفي بعض الجفن الواحد قسط من الربع فإن قطع بعضه فتقلص باقيه فقضية كلام الرافعي عدم تكميل الدية .
العضو الرابع هو ما ذكره بقوله " و " في قطع " مارن " وهو ما لان من الأنف وخلا من العظم " دية " لخبر عمرو بن حزم بذلك ولأن فيه جمالا ومنفعة وهو مشتمل على الطرفين المسميان بالمنخرين وعلى الحاجز بينهما وتندرج حكومة قصبته في ديته كما رجحه في أصل الروضة .
وقيل فيها حكومة مع ديته .
قال الإسنوي وعليه الفتوى ولا فرق بين الأخشم وغيره لأن الشم ليس فيه " وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث " توزيعا للدية عليهما " وقيل في الحاجز " بينهما " حكومة " فقط " وفيهما " أي الطرفين " دية " لأن الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز .
تنبيه : .
ظاهره أن الخلاف وجهان وهو ما صححه في المحرر والراجح أنه قولان ولا تصريح في الروضة كأصلها بترجيح وفي قطع باقي المقطوع من المارن بجناية أو غيرها ولو بجذام قسطه من الدية بالمساحة وفي إشلال المارن الدية وفي شقه إذا لم يذهب منه شيء حكومة وإن يلتئم فإن تأكل بالشق بأن ذهب بعضه وجب قسطه من الدية وفي قطع القصبة وحدها دية منقلة .
العضو الخامس هو ما ذكره بقوله " و " في قطع " كل شفة " وهي في عرض الوجه إلى الشدقين وفي طوله ما يستر اللثة كما قاله في المحرر وفي بعض نسخ المنهاج وفي نسخة المصنف ذكر هذا ثم ضرب عليه " نصف دية " علويا أو سفليا رقت أو غلظت صغرت أو كبرت ففي الشفتين الدية لما في كتاب عمرو بن حزم وفي الشفتين الدية .
ولما فيهما من الجمال والمنفعة إذ الكلام يتميز بهما ويمسكان الريق والطعام والإشلال كالقطع وفي شقهما بلا إبانة حكومة ولو قطع شفة مشقوقة وجبت ديتها إلا حكومة الشق وإن قطع بعضها فتقلص البعضان الباقيان وبقيا كمقطوع الجميع وزعت الدية على المقطوع والباقي كما اقتضاه نص الأم وصرح به في الأنوار وهل تسقط مع قطعهما حكومة الشارب أو لا وجهان أظهرهما الأول كما في الأهداب مع الأجفان .
العضو السادس هو ما ذكره بقوله " و " في قطع " لسان " لناطق سليم الذوق " ولو " كان اللسان " لألكن " وهو من في لسانه لكنة أو عجمة " و " لو لسان " أرت " بمثناة " و " لو " ألثغ " بمثلثة وسبق تفسيرها في باب صلاة الجماعة " و " لو لسان " طفل " وإن لم ينطق .
وقوله " دية " يرجع لكل من الألسنة المذكورة لإطلاق حديث عمرو بن حزم وفي اللسان الدية صححه ابن حبان والحاكم .
ونقل في الأم وابن المنذر فيه الإجماع ولأن فيه جمالا ومنفعة يتميز به الإنسان عن البهائم في البيان والعبارة ( 4 / 63 ) عما في الضمير وفيه ثلاث منافع الكلام والذوق والاعتماد في أكل الطعام وإدارته في اللهوات حتى يستكمل طحنه بالأضراس " وقيل شرط " الدية في قطع لسان " الطفل ظهور أثر نطق بتحريكه " أي اللسان " لبكاء ومص " للثدي لأنها أمارات ظاهرة على سلامة اللسان فإن لم يظهر فحكومة لأن سلامته غير متيقنة والأصل براءة الذمة وعلى الأول لو بلغ الطفل أوان النطق والتحريك ولم يوجدا منه فحكومة لا دية لإشعار الحال بعجزه وإن لم يبلغ أوان النطق فدية كما شمله كلام المصنف أخذا بظاهر السلامة كما تجب الدية في يده ورجله إن لم يكن في الحال بطش ولا مشي .
تنبيه : .
لو أخذت دية اللسان فنبت لم تسترد .
وفارق عود المعاني كما يأتي بأن ذهابها كان مظنونا وقطع اللسان محقق والعائد غيره وهو نعمة جديدة ولو أخذت الحكومة لقطع بعض لسانه لأمر اقتضى إيجابها ثم نطق ببعض الحروف وعرفنا سلامة لسانه وجب تمام قسط ديته .
أما إذا كان اللسان عديم الذوق فجزم الماوردي وصاحب المهذب بأن فيه حكومة كالأخرس .
قال الأذرعي وهذا بناء على المشهور أن الذوق في اللسان وقد ينازعه قول البغوي وغيره إذا قطع لسانه فذهب ذوقه لزمه ديتان اه " .
واللسان ذو الطرفين إن استويا خلقة فلسان مشقوق فتجب بقطعهما الدية ويقطع أحدهما قسطه منها وإن كان أحدهما أصليا والآخر زائدا ففي قطع الأصلي الدية وفي قطع الزائد حكومة .
و .
في لسان " الأخرس حكومة " ولو كان خرسه عارضا كما في قطع اليد الشلاء قال الرافعي هذا إذا لم يذهب بقطعه الذوق أو كان ذاهب الذوق .
فأما إذا قطع لسان أخرس فذهب ذوقه وجبت الدية للذوق وهذا يعلم من قوله إن في الذوق الدية قال الزركشي ك الأذرعي ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو ولد أصم فقطع لسانه الذي ظهر فيه أمارة النطق فإن الأصح عدم وجوب الدية لأن المنفعة المعتبرة في اللسان النطق وهو مأيوس من الأصم والصغير إنما ينطق بما يسمعه وإذا لم يسمع لم ينطق وفي قطع اللهات حكومة .
قال الجوهري وهي الهفة المطبقة في أقصى سقف الفم .
العضو السابع هو ما ذكره بقوله " و " في قلع " كل سن " أصلية تامة مثغورة غير مقلقلة صغيرة كانت أو كبيرة بيضاء أو سوداء نصف عشر دية صاحبها ففيها " لذكر حر مسلم خمسة أبعرة " لحديث عمرو بن حزم بذلك ولا فرق بين الثنية والناب والضرس وإن انفرد كل منها باسم كالسبابة والوسطى والخنصر في الأصابع وفيها لأنثى حرة مسلمة بعيران ونصف ولذمي بعير وثلثان ولمجوسي ثلث بعير ولرقيق نصف عشر قيمته ولو قال ما قدرته في كلامه لشمل جميع هذه الصور واستفيد منه التغليظ والتخفيف .
ويستثنى من إطلاقه صورتان إحداهما لو انتهى صغر السن إلى أن لا يصلح للمضغ فليس فيها إلا حكومة .
الثانية أن الغالب طول الثنايا على الرباعيات فلو كانت مثلها أو أقصر فقضية كلام الروضة وأصلها أن الأصح أنه لا يجب الخمس بل ينقص منها بحسب نقصانها .
ثم نبه بقوله " سواء أكسر الظاهر منها دون السنخ " وهو بكسر المهملة وسكون النون وإعجام الخاء ويقال بالجيم أصلها المستتر باللحم " أو قلعها به " أي معه على أنه لا فرق في ديتها بين حالة وجوب القصاص فيها كالقلع أو لا كالكسر لأن السنخ نابع فأشبه الكف مع الأصابع .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه لو أذهب منفعة السن وهي باقية على حالها عدم وجوب الدية وليس مرادا فقد صرح الماوردي بوجوب الدية بذلك .
قال وإن اختلفا فالقول قول المجني عليه لأن ذهاب منافعها لا يعرف إلا من جهته والمراد بالظاهر البادي خلقة .
أما لو ظهر بعض السنخ لخلل أصاب اللثة لم يلحق ذلك بالظاهر بل يكمل الدية فيما كان ظاهرا في الأصل وقيل تجب للسنخ حكومة ومحل الخلاف إذا كان القالع لها واحدا وقلعهما معا كما يشعر به تعبير المصنف فلو قلع الظاهر ثم السنخ بعد الاندمال وكذا قبله على الأصح أو قلع واحد السن وآخر السنخ وجب للسنخ حكومة جزما ولو قلع السن فبقيت معلقة بغروقها ثم عادت إلى ما كانت لزمه حكومة لأنها إنما تجب بالإبانة ( 4 / 64 ) ولم توجد وإن كسر سنا مكسورة واختلف هو وصاحبها في قدر الفائت صدق في قدره بيمينه لأن الأصل عدم فوات الزائد وإن كسر منه صحيحة واختلف هو وصاحبها في قدر ما كسر منها صدق الجاني في قدر ما كسر بيمينه لأن الأصل براءة ذمته " وفي سن زائدة " وهي الخارجة عن سمت الأسنان الأصلية لمخالفة نباتها " حكومة " كالأصبع الزائدة .
تنبيه : .
لو عبر بالشاغية كالمحرر كان أولى واستغنى عما قدرته فإن عبارته تشمل الزائد على الغالب على الفطرة وهي اثنان وثلاثون ولو كانت على سمت الأسنان مع أن الراجح أن فيها أرشا ويعزر قالع سن اتخذت من نحو ذهب كفضة من غير أرش ولا حكومة وإن تشبثت باللحم واستعدت للمضغ لأنها ليست جزءا من الشخص " وحركة السن " لكبر أو مرض " إن قلت " بحيث لا تؤذي القلة لنقص منفعتها من مضغ وغيره " فكصحيحة " حكمها في وجوب القصاص والأرش لبقاء الجمال والمنفعة " وإن بطلت المنفعة " منها لشدة حركتها " فحكومة " تجب فيها للشين الحاصل بزوال المنفعة ولعل المراد كما قال الزركشي منفعة المضغ فإن منفعة الجمال وحبس الطعام والريق موجودة " أو نقصت " تلك المنفعة المذكورة " فالأصح " وفي الروضة الأظهر أنها " كصحيحة " فيجب الأرش لوجود أصل المنفعة من المضغ وحفظ الطعام ورد الريق ولا أثر لضعفها كضعف البطش .
تنبيه : .
لو تزلزلت سن صحيحة بجناية ثم سقطت بعد لزمه الأرش وإن ثبتت وعادت كما كانت ففيها حكومة كما لو لم يبق في الجراحة نقص ولا شين وإن عادت ناقصة المنفعة ففيها أرش وكذا في الشرحين والروضة والذي في الأنوار لزمته الحكومة لا الأرش لأن الأرش إنما يجب بقلعهما كما مر .
قال وهذا الموضع مزلة القدم في الشرحين والروضة فليتأمل اه " .
وقد يجاب بأن المراد بنقص المنفعة ذهابها بالكلية فلا مخالفة حينئذ " ولو قلع سن صغير " أو غيره " لم يثغر " بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة ساكنة وغين معجمة مفتوحة لم تسقط أسنانه وهي رواضعه التي من شأنها غالبا عودها بعد سقوطها " فلم تعد " وقت أوان عودها " وبان فساد المنبت " منها " وجب " القصاص فيها كما سبق في باب كيفية القصاص أو " الأرش " تاما فإن عادت فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة إن بقي شين وإلا فلا " والأظهر " وفي الروضة الأصح " أنه لو مات قبل البيان " لحال طلوعها وعدمه " فلا شيء " على الجاني لأن الأصل براءة ذمته والظاهر أنه لو عاش لعادت والثاني يجب الأرش لتحقق الجناية والأصل عدم العود .
تنبيه : .
ظاهر إطلاقه أنه لا حكومة عليه لكن المجزم به في الروضة كأصلها ونص عليه في الأم وجوبها وظاهره أيضا أنه لو مات قبل تمام نباتها أنه لا حكومة عليه بطريق الأولى والراجح وجوب الحكومة وإنما لم يجب القسط لأنا لم نتيقن أنه لو عاش لم تكمل ولو قلعها قبل تمام نباتها آخر انتظرت فإن لم تنبت فالدية على الآخر وإلا فحكومة أكثر من الحكومة الأولى وإن أفسد منبت غير المثغورة آخر بعد قلع غيره لها فعليه حكومة وعلى الأول كذلك في أحد احتمالين للإمام رجحه في البيان وإن سقطت بلا جناية ثم أفسد شخص منبتها لزمه حكومة على قياس ما مر لأنه لم يقلع سنا .
و .
الأظهر " أنه لو قلع " شخص " سن مثغور فعادت " تلك المقلوعة " لا يسقط " الأرش لأن العود نعمة جديدة كموضحة أو جائفة التحمت بعد أخذ أرشها فإنه لا يسترد كما لا يسقط بالتحامها القصاص والثاني يسقط لأن العائدة قائمة مقام الأولى وإن لم تعد وجب الأرش جزما " ولو قلعت الأسنان " كلها وهي اثنان وثلاثون في غالب الفطرة كما مر أربع ثنايا وهي الواقعة في مقدم الفم ثنتان من أعلى وثنتان من أسفل ثم أربع ( 4 / 65 ) رباعيات ثنتان من أعلى وثنتان من أسفل ثم أربع ضواحك .
ثم أربعة أنبات وأربعة نواجذ واثنا عشر ضرسا وتسمى الطواحين قاله في أصل الروضة .
فإن قيل قضيته أن النواجذ في الاثني عشر وليس كذلك بل هي آخرها أجيب بأن هذا ليس قضيته لأنه عبر في الأول بثم ثم عطف النواجذ والأضراس بالواو وهي لا تقتضي ترتيبا .
وأما خبر أنه A ضحك حتى بدت نواجذه فالمراد ضواحكه لأن ضحكه A كان تبسما " فبحسابه " ففيها مائة وستون بعيرا سواء أقلعها معا أم مرتبا لما مر أن كل سن خمسة أبعرة " وفي قول " حكاه الماوردي وغيره وجها " لا يزيد " أرش جميع الأسنان " على دية إن اتحد جان وجناية " عليها كأن أسقطها بشرب دواء أو بضربة أو بضربات من غير تخلل اندمال لأن الأسنان جنس متعدد فأشبه الأصابع وفرق الأول بأنا إنما اعتبرنا الأسنان في أنفسها وإن زاد أرشها على الدية لأنها مما يختلف نباتها ويتقدم ويتأخر فاحتيج إلى اعتبارها في أنفسها بخلاف الأصابع فإنها متساوية متفقة في النبات فقسطت الدية عليها فإن تخلل الاندمال بين كل سن وأخرى أو تعدد الجاني فإنها تزاد قطعا .
تنبيه : .
قضية إطلاقه أنه لو زادت الأسنان على اثنين وثلاثين يجب لكل سن خمس من الإبل وقد مر ما فيه عند قوله وفي سن زائد حكومة هذا كله إن خلقت مفرقة كما هو العادة فإن خلقت صفيحتان كان فيهما دية فقط وفي إحداهما نصفها كما نبه على ذلك الدميري وذكر هنا فائدتين الأولى قال جزم في الجواهر تبعا لابن سيده أن من لا لحية له والكوسج لا تكمل أسنانه العدة المتقدمة .
الثانية قال عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير مات بأسنانه التي ولد بها ولم يثغر وكانت قطعة واحدة من الأسفل وقطعة واحدة من الأعلى وعاش نحوا من ثمانين سنة .
العضو الثامن هو ما ذكره بقوله " و " في " كل لحي نصف دية " وهو بفتح لامه وكسرها واحد اللحيين بالفتح لأن فيهما جمالا ومنفعة فوجب فيهما الدية وفي أحدهما نصفها كالأذنين وهما عظمان تنبت عليهما الأسنان السفلى وملتقاهما الذقن أما العليا فمنبتها عظم الرأس .
تنبيه : .
استشكل المتولي إيجاب الدية في اللحيين بأنه لم يرد فيهما خبر والقياس لا يقتضيه لأنهما من العظام الداخلية فيشبهان الترقوة والضلع وأيضا فإنه لا دية في الساعد والعضد والساق والفخذ وهي عظام فيها جمال ومنفعة وقد يجاب بأنهما لما كانا من الوجه كانا أشرف من غيرهما فوجب فيهما الدية .
ولا يدخل أرش الأسنان في دية .
فك " اللحيين في الأصح " لأن كلا منهما مستقل برأسه وله بدل مقدر واسم يخصه فلا يدخل أحدهما في الآخر كالأسنان واللسان والثاني يدخل كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع وفرق الأول بأن اسم اليد يشمل الكف والأصابع ولا يشمل اللحيان الأسنان وبأن اللحيين كاملا الخلق قبل الأسنان بدليل الطفل بخلاف الكف مع الأصابع لأنهما كالعضو الواحد .
تنبيه : .
ظاهر كلامهم أن سن المثغور وغيره في ذلك سواء ويتصور إفراد اللحيين عن الأسنان في صغير أو كبير سقطت أسنانه بهرم أو غيره ولو فكهما أو ضربهما فيبسا لزمه ديتهما فإن تعطل بذلك منفعة الأسنان لم يجب لها شيء لأنه لم يجن عليها بل على اللحيين نص عليه في الأم كما قاله الأذرعي وغيره .
العضو التاسع هو ما ذكره بقوله " و " في " كل يد نصف دية " لخبر عمرو بن حزم بذلك رواه النسائي وغيره .
تنبيه : .
المراد باليد الكف مع الأصابع الخمس هذا " إن قطع " اليد بتأويلها بالعضو " من " مفصل " كف " وهو الكوع .
تنبيه : .
قد يفهم قوله إن قطع من الكف أنه لا يجب النصف إذا قطع الأصابع وبقي الكف لكنه متروك بقوله بعد وكل أصبع عشرة وإنما قيد ذلك في اليد دفعا لتوهم احتمال إيجاب الحكومة لأجل الكف لا للنقص إن ( 4 / 66 ) قطع من دونه وهذا إذا حزه من الكف فإن قطع الأصابع ثم قطع الكف هو أو غيره بعد الاندمال أو قبله وجبت الحكومة كما في النسخ مع السن .
وأورد على المصنف ما لو كانت أصابع إحدى يديه وكفها أقصر من الأخرى فإنه لا يجب القصيرة نصف دية كاملة بل يجب نصف دية ناقصة حكومة كما نقلاه عن البغوي وأقراه .
فإن قطع من فوقه .
أي الكف " فحكومة " تجب " أيضا " مع دية الكف ليس بتابع بخلاف الكف مع الأصابع فإنهما كالعضو الواحد بدليل قطعهما في السرقة بقوله تعالى " فاقطعوا أيديهما " .
تنبيه : .
قال بعض المتأخرين قد يجب في اليد ثلث الدية وذلك فيما لو قطع إنسان يمين آخر حال صياله ثم يساره حال توليه عنه ثم رجليه حال صياله عليه ثانيا فمات بذلك فعليه ثلث الدية لليد اليسرى اه " .
وهذا ممنوع لأن الثلث إنما وجب لأجل أن النفس فاتت بثلاث جراحات فوزعت الدية على ذلك لا أن اليد وجب فيها ثلث الدية .
ثم قال وقد يجب في اليدين بعض الدية كأن سلخ جلد شخص فبادر آخر وحياته مستقرة فقطع يديه فالسالخ يلزمه دية وقاطع اليدين يلزمه دية ينقص منها ما يخص الجلد الذي كان على اليدين اه " .
وهذا ممنوع فإنا أوجبنا في اليدين الدية بتمامها وإنما نقصنا منها شيئا لأجل ما فات من اليدين لا أنا أوجبنا دون الدية في يدين تامتين .
وفي كل أصبع .
أصلية من يد أو رجل عشر دية صاحبها ولو عبر به كان أولى ففيها لذكر حر مسلم " عشرة أبعرة " كما جاء في خبر عمرو بن حزم .
أما الأصبع الزائدة ففيها حكومة " و " في كل " أنملة " منها من غير إبهام " ثلث العشرة " لأن لكل أصبع ثلاث أنامل إلا الإبهام فله أنملتان كما قال " و " في " أنملة الإبهام نصفها " عملا بقسط واجب الأصبع .
تنبيه : .
لو انقسمت أصبع أربع أنامل متساوية ففي كل واحدة ربع العشر كما صرح به في أصل الروضة ويقاس بهذه النسبة الزائدة على الأربع والناقصة عن الثلاث وبه صرح الماوردي .
ثم قال فإن قيل لم لم يقسموا دية الأصابع عليها إذا زادت أو نقصت كما في الأنامل بل أوجبوا في الأصبع الزائدة حكومة قلنا الفرق أن الزائدة من الأصابع متميزة ومن الأنامل غير متميزة فلذلك اشتركت الأنامل وتفرقت الأصابع وأيضا أن الأنامل لما اختلفت في أصل الخلقة بالزيادة والنقص كان كذلك في الخلقة النادرة ولما لم تختلف الأصابع في الخلقة المعهودة فارقها حكم الخلقة النادرة ولو لم يكن لأصبعه أنامل ففيه دية تنقص شيئا لأن الانثناء إذا زال سقط معظم منافع اليد .
العضو العاشر هو ما ذكره بقوله " والرجلان " في قطعهما وأصابعهما وأناملهما " كاليدين " في جميع ما ذكر فيهما لحديث عمرو بن حزم بذلك والقدم كالكف والساق كالساعد والفخذ كالعضد والأعرج كالسليم لأن العيب ليس في نفس العضو وإنما العرج نقص في الفخذ والشلل في الرجل كما في اليد وتقدم بيانه .
العضو الحادي عشر هو ما ذكره بقوله " وفي حلمتيها " أي الأنثى " ديتها " لأن منفعة الإرضاع وجمال الثدي بهما كمنفعة اليدين وجمالهما بالأصابع سواء أذهبت منفعة الإرضاع أم لا وفي إحداهما نصفها والحلمة كما في المحرر المجتمع الناتىء على رأس الثدي وهذا التفسير صادق بحلمة الرجل .
قال الإمام ولون الحلمة يخالف لون الثدي غالبا وحواليه دائرة على لونها وهي من الثدي لا منها ولو قطع باقي الثدي أو قطعه غيره وجبت فيه حكومة وإن قطعه مع الحلمة دخلت حكومته في ديتها في الأصح كالكف مع الأصابع فإن قطعهما مع جلدة الصدر وجبت حكومة الجلدة مع الدية فإن وصلت الجراحة الباطن وجب أرش الجائفة مع الدية " و " في " حلمتيه " أي الرجل ومثله الخنثى " حكومة " إذ ليس فيها منفعة مقصودة بل مجرد جمال " وفي قول ديته " أي الرجل كالمرأة فالخنثى على هذا القول تلحق بالأنثى كما علم من قول المصنف سابقا والمرأة والخنثى كنصف رجل .
تنبيه : .
يجب للحلمة التي تحت حلمة الرجل أو الخنثى حكومة أخرى ولا يتداخلان لأن المقطوع منه عضوان ومن المرأة كعضو واحد .
قال الروياني وليس للرجل ثدي وإنما هي قطعة لحم من صدره ( 4 / 67 ) فرع لو ضرب ثدي امرأة .
الله جل ذكره فشل بفتح الشين وجبت ديته وإن استرسل فحكومة لأن الفائت مجرد جمال .
وإن ضرب ثدي خنثى فاسترسل لم تجب فيه حكومة حتى يتبين كونه امرأة لاحتمال كونه رجلا فلا يلحقه نقص بالاسترسال ولا يفوته جمال فإن تبين امرأة وجبت الحكومة .
العضو الثاني عشر هو ما ذكره بقوله " وفي أنثيين " من الذكر " دية " لحديث عمرو بن حزم بذلك ولأنهما من تمام الخلقة ومحل التناسل وفي إحداهما نصفها سواء اليمنى واليسرى ولو من عنين ومجبوب وطفل وغيرهم .
تنبيه : .
المراد بالأنثيين البيضتان كما صرح بهما في بعض طرق حديث عمرو بن حزم .
وأما الخصيتان فالجلدتان اللتان فيهما البيضتان .
العضو الثالث عشر هو ما ذكره بقوله " وكذا ذكر " سليم في قطعه دية لخبر عمرو بن حزم بذلك " ولو " كان " لصغير وشيخ وعنين " وخصي لإطلاق الخبر المذكور ولأن ذكر الخصي سليم وهو قادر على الإيلاج وإنما الفائت الإيلاد والعنة عيب في غير الذكر لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب وليس الذكر بمحل لواحد منهما فكان سليما من العيب بخلاف الأشل " وحشفة كذكر " فيجب في قطعها وحدها الدية لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها كالكف مع الأصابع لأن معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها وأحكام الوطء تدور عليها " وبعضها " أي قطعه يجب " بقسطه " أي الذكر " منها " أي الحشفة لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها " وقيل " يجب بقسطه " من " كل ا " الذكر " لأنه المقصود بكمال الدية وتبع المصنف المحرر في حكاية الخلاف وجهين وهما قولان منصوصان في الأم .
تنبيه : .
محل ما ذكر إذا لم يختل مجرى البول فإن اختل فعليه أكثر الأمرين من قسط الدية وحكومة فساد المجرى كما نقلاه عن المتولي وأقراه ولو قطع باقي الذكر بعد قطع الحشفة أو قطعه غيره وجبت فيه حكومة بخلاف ما إذا قطعه معها كما علم مما مر فإن شق الذكر طولا فأبطل منفعته وجبت فيه دية كما لو ضربه فأشله وإن تعذر بضربه الجماع به لا الانقباض والانبساط فحكومة لأنه ومنفعته باقيان والخلل في غيرهما فلو قطعه قاطع بعد ذلك فعليه القصاص أو كمال الدية كما قاله الرافعي .
أما الذكر الأشل ففيه حكومة .
وكذا حكم .
قطع " بعض مارن و " قطع بعض " حلمة " من المرأة هل ينسب المقطوع إلى المارن والحلمة أو إلى الأنف والثدي فيه الخلاف السابق والأصح التوزيع على الحلمة والمارن فقط .
العضو الرابع عشر هو ما ذكره بقوله " وفي الأليين " وهما الناتئان عن البدن عند استواء الظهر والفخذ " الدية " لما فيهما من الجمال والمنفعة في الركوب والقعود وفي أحدهما نصفها وفي بعض بقسطه إن عرف قدره وإلا فالحكومة ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ولا نظر إلى اختلاف البدن الناتىء واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الأعضاء ولا يشترط في وجوب الدية بلوغ الحديد إلى العظم ولو نبت ما قطع لم تسقط الدية على ظاهر المذهب كما قاله البغوي .
تنبيه : .
اللحم الناتىء على الظهر في جانبي السلسلة فيه حكومة وجرى في التنبيه على أن فيه دية قيل ولا يعرف لغيره .
العضو الخامس عشر هو ما ذكره بقوله " وكذا شفراها " أي المرأة بضم الشين وهما اللحمان المحيطان بحرفي فرج المرأة إحاطة الشفتين بالفم ففي قطعهما وإشلالهما ديتها وفي أحدهما نصفها لأن فيهما جمالا ومنفعة إذ بهما يقع الالتذاذ بالجماع لا فرق في ذلك بين الرتقاء والقرناء وغيرهما لأن النقصان فيهما ليس في الشفرين بل في داخل الفرج ولا بين البكر وغيرها فلو زالت بقطعهما البكارة وجب أرشها مع الدية وإن قطع العانة معهما أو مع الذكر فدية وحكومة ولو قطعهما فجرح موضعهما آخر بقطع لحم أو غيره لزم الثاني حكومة .
العضو السادس عشر هو ما ذكره بقوله " وكذا سلخ " جلد فيه دية المسلوخ منه إن لم ينبت لأن في الجلد جمالا ومنفعة ظاهرة وأشار بقوله " إن ( 4 / 68 ) بقي " فيه " حياة مستقرة " إلا أن إيجاب الدية فيه إنما يظهر إن فرضت الحياة المذكورة بعد سلخه اه " .
و .
مات بسبب آخر غير السلخ كأن " حز غير السالخ رقبته " بعد السلخ فيجب على الجاني القصاص لأنه أزهق روحه وعلى السالخ الدية ومثل حز غير السالخ ما لو انهدم عليه حائط أو نحوه فإن مات بسبب السلخ أو لم يمت لكن حز السالخ رقبته فالواجب حينئذ دية النفس إن عفا عن القود .
تنبيه : .
عبارته توهم أنه لا يتصور حز الرقبة من غيره وليس مرادا بل يتصور منه أيضا بأن تكون إحدى الجنايتين عمدا والأخرى خطأ أو شبه عمد فإن الأصح أنهما لا يتداخلان .
تتمة في كسر الترقوة وهو بفتح التاء العظم المتصل بين المنكب وتغرة النحر حكومة كسائر العظام وقيل الواجب فيها جمل لما روي عن عمر أنه قضى بذلك وحمله الأولى على أن الحكومة كانت في الواقعة قدر جمل .
ولكل أحد ترقوتان والجمع تراق كما قال تعالى " كلا إذا بلغت التراقي " والضمير في بلغت للنفس وإن لم يجر لها ذكر لأن الكلام يدل عليها كما قال حاتم لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فائدة روي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما احتضر جلست ابنته عائشة رضي الله تعالى عنها عند رأسه تبكيه وتكرر هذا البيت ففتح عينيه وقال لا تقولي هكذا ولكن قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد " وكذلك كان يقرأ الآية وهي كذلك في مصحف ابن مسعود .
ثم شرع في القسم الثالث وهو إزالة المنافع بالجناية وترجم لذلك بقوله فرع وترجم في المحرر بفصل وهو أولى وهي أربعة عشر شيئا وأنا أسردها لك عقل سمع بصر شم نطق صوت ذوق مضغ إمناء إحبال جماع إفضاء بطش مشي .
الشيء الأول هو ما ذكره بقوله " في العقل " أي إزالته إن لم يرج عوده بقول أهل الخبرة في مدة يظن أنه يعيش إليها ويجري ذلك في السمع والبصر ونحوهما " دية " كما جاء في خبر عمرو بن حزم .
وقال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم على ذلك لأنه أشرف المعاني وبه يتميز الإنسان عن البيهمة .
قال الماوردي وغيره والمراد العقل الغريزي الذي به التكليف دون المكتسب الذي به حسن التصرف ففيه حكومة .
فإن رجي عوده في المدة المذكورة انتظر فإن عاد فلا ضمان كما في سن من لم يثغر .
وفي إزالته بعضه بعض الدية بالقسط إن ضبط بزمان كأن كان يجن يوما ويفيق يوما أو يغيره كأن يقابل صواب قوله وفعله بالمحتل منهما وتعرف النسبة بينهما فإن لم ينضبط فحكومة يقدرها الحاكم باجتهاده فإن مات في أثناء المدة المقدر عوده فيها وجبت ديته كما جزم به الجرجاني وغيره وقال في الروضة نقلا عن المتولي فإن توقع عوده فيتوقف في الدية فإن مات قبل الاستقامة ففي الدية وجهان كما لو قلع سن مثغور فمات قبل عودها وقوله سن مثغور صوابه كما قال الأذرعي وغيره سن غير مثغور فإنه الذي ذكره المتولي وإن كان الموافق للمنقول أي من حيث الحكم ما عبر به فالمشاححة إنما هي في نسبة ذلك إلى المتولي لا في الحكم كما توهمه بعضهم .
تنبيه : .
اقتصار المصنف على الدية يقتضي عدم وجوب القصاص فيه وهو المذهب للاختلاف في محله وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب أسباب الحدث فقيل القلب وقيل الدماغ وقيل مشترك بينهما والأكثرون على الأول وقيل مسكنه الدماغ وتدبيره في القلب .
ويسمى عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ولا يزاد شيء على دية العقل إن زال بما لا أرش له كأن ضرب رأسه أو لطمه لكن يعزر على الأصح " فإن زال " العقل الغريزي " بجرح له أرش " مقدر كالموضحة " أو حكومة " كالباضعة " وجبا " أي الدية والأرش أو هي والحكومة ولا يندرج ذلك في دية العقل لأنها جناية أبطلت منفعة غير حالة في محل الجناية فكانت كما لو أوضحه فذهب سمعه أو بصره وكما لو انفردت الجناية عن زوال العقل فعلى هذا لو قطع يديه ورجليه فزال عقله لزمه ثلاث ديات " وفي قول " قديم ( 4 / 69 ) يدخل الأقل في الأكثر " فإن كانت دية العقل أكثر كأن أوضحه فذهب عقله دخل فيه أرش الموضحة وإن كان أرش الجناية أكثر كأن قطع يديه ورجليه فزال عقله دخل فيه دية العقل .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه لو تساويا كأن قطع يديه فزال عقله أنه لا يتأتى القول بالتداخل .
وقال البلقيني إن مقتضى نص الإمام على هذا القول التداخل أيضا " ولو ادعى زواله " أي العقل وأنكر الجاني ونسبه إلى التجانن اختبر في غفلانه " فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته فله دية بلا يمين " لأن يمينه تثبت جنونه والمجنون لا يحلف .
فإن قيل يستدل بحلفه على عقله أجيب بأنه قد يجري انتظام ذلك منه اتفاقا وهذا في الجنون المطبق أما المتقطع فإنه يحلف في زمن إفاقته فإن انتظم قوله وفعله وحلف الجاني لاحتمال صدور المنتظم اتفاقا أو جريا على العادة والاختبار لا يقدر بمدة بل إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه ولا بد في سماع دعوى الزوال كما قال البلقيني من كون الجناية تحتمل زوال العقل وإلا لم تسمع الدعوى ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصعقة خفيفة .
تنبيه : .
قول المصنف ولو ادعى زواله الخ ينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله أي ادعى ذلك من له ولاية الدعوى من ولي أو منصوب حاكم والشارح قدر بعد ادعى المجني عليه وهو ممنوع وقدره ابن الملقن أيضا إذ كيف يصح دعوى المجنون لكن الشارح قال في آخر القولة واستشكل سماع دعواه لتضمنه لزوال عقله وأول بأن المراد ادعى وليه ومنه منصوب الحاكم اه " .
ولو قدر هذا أولا كان أولى وظاهره أن كلام المتن يقرأ مبنيا للفاعل ويقدر بما ذكر .
الشيء الثاني هو ما ذكره بقوله " وفي السمع " أي إزالته " دية " لخبر البيهقي وفي السمع الدية ونقل ابن المنذر فيه الإجماع ولأنه من أشرف الحواس فكان كالبصر بل هو أشرف منه عند أكثر الفقهاء لأن به يدرك الفهم ويدرك من الجهات الست وفي النور والظلمة ولا يدرك بالبصر إلا من جهة المقابلة وبواسطة من ضياء أو شعاع وقال أكثر المتكلمين بتفضيل البصر عليه لأن السمع لا يدرك به إلا الأصوات والبصر يدرك الأجسام والألوان والهيئات فلما كانت تعلقاته أكثر كان أشرف .
تنبيه : .
لا بد في وجوب الدية من تحقق زواله فلو قال أهل الخبرة يعود وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت فإن استبعد ذلك أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال وإن قالوا لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن انسد منفذ السمع والسمع باق وجبت فيه حكومة إن لم يرج فتقه لا دية لبقاء السمع فإن رجى لم يجب شيء " و " في إزالته " من أذن نصف " من الدية لا لتعدد السمع فإنه واحد وإنما التعدد في منفذه بخلاف ضوء البصر إذ تلك اللطيفة متعددة ومحلها الحدقة بل لأن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب منه بغيره وهذا ما نص عليه في الأم " وقيل قسط النقص " منه من الدية فيعتبر ما نقص من السمع بحالة الكمال على ما سيأتي " ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان " لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا كما لو أوضحه فعمي " .
فائدة : .
السمع عند الحكماء قوة أودعها الله في العصب المفروش في الصماخ وهو بكسر الصاد خرق الأذن يدرك بها الصوت بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية الصوت إلى الصماخ وعند أهل السنة أن الوصول المذكور بمشيئة الله تعالى على معنى خلق الله الإدراك في النفس عند ذلك الوصول " .
الله جل ذكره فشل بفتح الشين وجبت ديته وإن استرسل فحكومة لأن الفائت مجرد جمال .
ولو ادعى .
المجني عليه " زواله " أي السمع من أذنيه وكذبه الجاني " وانزعج للصياح في نوم وغفلة فكاذب " لأن ذلك يدل على التصنع .
تنبيه : .
مقتضى تعبيره بكاذب أن الجاني لا يحلف وليس مرادا بل لا بد من تحليفه أن سمعه لباق لاحتمال أن يكون انزعاجه اتفاقا ولا يختص الانزعاج بالصياح بل الرعد وطرح شيء له صوت من علو كذلك ويكرر ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها " وإلا " بأن لم ينزعج بالصياح ونحوه فصادق في دعواه ( 4 / 70 ) و " حلف " حينئذ لاحتمال تجلده " وأخذ دية " لسمعه .
قال الماوردي ولا بد في يمينه من التعرض لذهاب سمعه بجناية الجاني لجواز ذهابه بغير جنايته ثم إذا ثبت زواله قال الماوردي يراجع عدول الأطباء فإن نفوا عوده وجبت الدية في الحال وإن جوزوا عوده إلى مدة معينة يعيش إليها انتظرت فإن عاد فيها لم تجب الدية وإلا وجبت .
تنبيه : .
لو ادعى الزوال من إحدى الأذنين حشيت السليمة وامتحن في الأخرى على ما سبق .
وإن نقص .
سمع المجني عليه " فقسطه " أي النقص من الدية " إن عرف " قدر ما ذهب بأن كان يسمع من مكان كذا فصار يسمع من قدر نصفه مثلا وطريق معرفة ذلك أن يحدثه شخص ويتباعد إلى أن يقول لا أسمع فيعلي الصوت قليلا فإن قال أسمع عرف صدقه ثم يعمل كذلك من جهة أخرى فإن اتفقت المسافتان ظهر صدقه ثم ينسب ذلك من مسافة سماعه قبل الجناية إن عرف ويجب بقدر من الدية فإن كان التفاوت نصفا وجب نصف الدية " وإلا " بأن لم يعرف قدره بالنسبة " فحكومة " تجب فيه " باجتهاد قاض " في الأصح المنصوص لأنه لا يمكن تقديره " وقيل يعتبر سمع قرنه " وهو بفتح القاف وسكون الراء من له مثل سنه " في صحته " كأن يجلس القرن بجنبه ويناديهما رفيع الصوت من مسافة لا يسمعه واحد منهما ثم يقرب المنادي شيئا فشيئا إلى أن يقول قرنه سمعت ثم يضبط ذلك الموضع ثم يرفع صوته من هذا الموضع شيئا فشيئا حتى يقول المجني عليه سمعت " ويضبط التفاوت " بين سمعيهما ويؤخذ بنسبته من الدية فلو قال المجني عليه أنا أعرف قدر ما ذهب من سمعي .
قال الماوردي صدق بيمينه لأنه لا يعرف إلا من جهته كالحيض ولعله فيما إذا لم يمكن معرفته بالطريق المتقدم وأما القرن بكسر القاف فهو الكفء " وإن نقص " سمع المجني عليه " من أذن " واحدة " سدت " هذه الناقصة " وضبط منتهى سماع الأخرى ثم عكس " بأن تسد الصحيحة ويضبط منتهى سماع الناقصة " ووجب قسط التفاوت " ويؤخذ قسطه من الدية فإن كان بين مسافة السميعة والأخرى النصف فله ربع الدية لأنه أذهب ربع سمعه وإن كان الثلث عليه سدس الدية وهكذا فإن لم ينضبط فالواجب حكومة .
قال الرافعي بالاتفاق .
الشيء الثالث هو ما ذكره بقوله " وفي " إذهاب " ضوء " أي بصر " كل عين " صغيرة أو كبيرة حادة أو كالة صحيحة أو عليلة عمشاء أو حولاء من شيخ أو طفل حيث البصر سليم " نصف دية " وفي العينين الدية لخبر معاذ في البصر الدية وهو غريب ولأنه من المنافع المقصودة " .
فائدة : .
البصر عند الحكماء قوة أودعها الله في العصبتين المجوفتين الخارجتين من مقدم الدماغ ثم تنعطف معصبة التي من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى والتي من اليسرى إلى اليمنى حتى يتلاقيا ثم تأخذ التي من الجهة اليمنى يمينا والتي من جهة اليسرى يسارا حتى تصل كل واحدة إلى عين تدرك بتلك القوة الألوان وغيرها .
وأما عند أهل السنة فإدراك ما ذكر بمشيئة الله تعالى على معنى أن الله تعالى يخلق إدراك ما ذكر في نفس العبد عند استعماله تلك القوة .
فلو فقأها لم يزد .
على نصف الدية كما لو قطع يده بخلاف إزالة الأذن مع السمع لما مر " وإن ادعى " المجني عليه " زواله " أي الضوء وأنكر الجاني " سئل أهل الخبرة " بذلك أي عدلان منهم مطلقا أو رجل وامرأتان إن كان خطأ أو شبه عمد فإنهم إذا أوقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينه عرفوا أن الضوء ذاهب أو موجود بخلاف السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه ثم أشار إلى طريق آخر في معرفة زواله بقوله " أو يمتحن " المجني عليه " بتقريب عقرب أو حديدة " محماة أو نحو ذلك " من عينيه بغتة ونظر هل ينزعج " أو لا فإن ( 4 / 71 ) انزعج صدق الجاني بيمينه وإلا فالمجني عليه بيمينه .
تنبيه : .
قضية كلامه تبعا للمحرر التخيير بين الأول والثاني وبه قال المتولي وجعل ذلك في أصل الروضة خلافا فقال وجهان أحدهما وهو نصه في الأم يراجع أهل الخبرة إلخ .
والثاني يمتحن بتقريب حديدة الخ ورتب في الكفاية فقال يسألون فإن تعذر الأخذ بقولهم امتحن وظاهر كلامه أنه المعتبر وهو كذلك وقال البلقيني إنه متعين وإذا جعلت أو في كلام المصنف للتنويع لا للتخيير أي إذا عجز عن أهل الخبرة فينقل إلى الامتحان وافق ذلك ثم إن قالوا يعود وقدروا مدة انتظر كالسمع فإن مات قبل عوده في المدة وجبت الدية لأن الظاهر عدم عوده لو عاش وهل يجب القصاص أو لا وجهان أحدهما وهو الأوجه كما جرى عليه الرافعي تبعا للبغوي وصاحب المهذب .
الثاني للشبهة وصوب الزركشي الأول كما جزم به الماوردي وغيره وإن ادعى الجاني عوده قبل الموت وأنكر الوارث صدق الوارث بيمينه لأن الأصل عدم عوده .
وإن نقص .
ضوء المجني عليه " فكالسمع " أي فحكمه كنقص السمع فإن عرف قدر النقص بأن كان يرى الشخص من مسافة فصار لا يراه إلا من نصفها مثلا فقسطه من الدية وإلا فحكومة فإن نقص بعض ضوء عينه عصبت ووقف شخص في موضع يراه ويؤمر أن يتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع مثلا وبالأخرى من مائة فالنصف .
نعم لو قال أهل الخبرة إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية وجب ثلثا دية العليلة وإن أعشاه لزمه نصف دية وفي إزالة عين الأعشى بآفة سماوية الدية وإن كان مقتضى كلام التهذيب وجوب نصفها موزعا على إبصارها بالنهار وعدم إبصارها بالليل وإن أعمشه أو أخفشه أو أحوله أو أشخص بصره فالواجب حكومة وإن أذهب أحد شخصين الضوء والآخر الحدقة واختلفا في عود الضوء صدق الثاني بيمينه وإن كذبه المجني عليه لأن الأصل عدم عوده .
حادثة سئل ابن الصلاح عن رجل أرمد أتى امرأة لبادية تدعي الطب لتداوي عينه فكحلته فتلفت عينه فهل يلزمها ضمانها .
فأجاب إن ثبت أن ذهاب عينه بتداويها فعلى عاقلتها ضمانها فإن لم تكن فعلى بيت المال فإن تعذر فعليها في ما لها إلا أن يكون الأرمد أذن لها في المداواة بهذا الدواء المعين فلا تضمن .
قال ونظيره ما إذا أذن البالغ العاقل في قطع سلعته أو فصده فمات لا يضمن أما إذا لم ينص عليه فلا يتناول إذنه ما يكون سببا في إتلافه .
الشيء الرابع هو ما ذكره بقوله " وفي " إزالة " الشم " من المنخرين بجناية على رأس وغيره " دية على الصحيح " كما جاء في خبر عمرو بن حزم وهو غريب ولأنه من الحواس النافعة فكملت فيه الدية كالسمع .
والثاني لا بل حكومة لأنه ضعيف النفع إذ منفعته إدراك الروائح والأنتان أكثر من الطيبات فيكون التأذي أكثر من التلذذ وعلى الأول ففي إزالة شم كل منخر نصف دية ولو نقص الشم وجب بقسطه من الدية إذا أمكن معرفته وإلا فالحكومة وإن نقص شم أحد المنخرين اعتبر بالجانب الآخر كما في السمع والبصر كما بحثه في أصل الروضة وصرح به سليم .
تنبيه : .
لو أنكر الجاني زواله امتحن المجني عليه في غفلاته بالروائح الحادة فإن هش للطيب وعبس لغيره حلف الجاني لظهور كذب المجني عليه وإلا حلف هو لظهور صدقه مع أنه لا يعرف إلا منه .
ولو وضع المجني عليه يده على أنفه فقال له الجاني فعلت ذلك لعود شمك فقال بل فعلته اتفاقا أو لغرض آخر كامتخاط ورعاف وتفكر صدق بيمينه لاحتمال ذلك .
فإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان كما في السمع لأن الشم ليس في الأنف " .
فائدة : .
الشم عند الحكماء قوة أودعها الله تعالى في الزائدتين الناتئتين من مقدم الدماغ بين العينين عند منتهى قصبة الأنف الشبيهتين بحلمتي الثديين لما فيهما من الثقب يدرك بتلك القوة الروائح بطريق وصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى الخيشوم وعند أهل السنة أن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى يعني أن الله تعالى ( 4 / 72 ) يخلق في الشخص إدراك ما ذكر عند استعماله تلك القوة .
الشيء الخامس هو ما ذكره في قوله " وفي " إبطال " الكلام " بجناية على اللسان " الدية " لخبر البيهقي في اللسان الدية إن منع الكلام .
وقال ابن أسلم مضت السنة بذلك ولأن اللسان عضو مضمون بالدية فكذا منفعته العظمى كاليد والرجل وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل الخبرة لا يعود كلامه قاله في أصل الروضة على ما سبق من الفرق بين أن يقدروا مدة يعيش إليها أولا فإن أخذت ثم عاد استردت ولو ادعى زوال نطقه امتحن بأن يروع في أوقات الخلوات وينظر هل يصدر منه ما يعرف به كذبه فإن لم يظهر شيء حلف المجني عليه كما يحلف الأخرس ووجبت الدية هذا في إبطال نطقه بكل الحروف " و " أما " في " إبطال " بعض الحروف " فيعتبر " قسطه " من الدية هذا إذا بقي له كلام منتظم مفهوم وإلا فعليه كمال الدية كما جزم به صاحب الأنوار " و " الحروف " الموزع " أي التي توزع " عليها " الدية " ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب " أي من كانت لغته بحذف كلمة لا لأنها لام ألف وهما معدوتان ففي إبطال نصف الحروف نصف الدية وفي إبطال حرف منها ربع سبعها وعدها الماوردي تسعة وعشرين بإثبات كلمة لا .
قال الزركشي وجمهور النحاة عدوها تسعة وعشرين بالألف والهمزة وأسقط المبرد الهمزة وجعلها ثمانية وعشرين ومن أطلق هذا العدد على رأي الجمهور فهو إما سهو وإما تسامح في العبارة بإطلاق الألف على أعم من الهمزة والألف الساكنة وربما وقع في كلام سيبويه جواز إطلاق الألف على الهمزة تجوزا اه " .
واحترز بلغة العرب عن غيرها فإن كانت لغته غيرها وزع على حروف لغته وإن كانت أكثر حروفا وقد انفردت لغة العرب بحرف الضاد فلا يوجد في غيرها وفي اللغات حروف ليست في لغة العرب كالحرف المتولد بين الجيم والسين .
والحروف المذكورة تسمى حروف الهجاء والتهجي التي أولها في العد عادة ألف أي همزة با تا إلى آخر فالباء اسم ومسماه به وهكذا الخ .
تنبيه : .
حروف اللغات مختلفة بعضها أحد عشر وبعضها أحد وثلاثون فلو تكلم بلغتين وحروف إحداهما أكثر وبطل بالجناية بعض حروف كل منهما فهل يوزع على أكثرهما حروفا أو على أقلهما وجهان أرجحهما كما قاله البلقيني وغيره الأول لأن الأصل براءة ذمة الجاني فلا يلزمه إلا اليقين ولا فرق في توزيع الدية على الحروف بين اللسانية وغيرها كالحروف الحلقية " وقيل لا يوزع على " غير اللسانية من " الشفهية " وهي أربعة الباء والفاء والواو والميم نسبة للشفة على أصلها في الأصح وهو شفهة ولك أن تنسبها على اللفظ فنقول شفي .
لا بد في وجوب الدية من تحقق زواله فلو قال أهل الخبرة يعود وقدروا له مدة لا يستبعد أن يعيش إليها انتظرت فإن استبعد ذلك أو لم يقدروا مدة أخذت الدية في الحال وإن قالوا لطيفة السمع باقية في مقرها ولكن انسد منفذ السمع والسمع باق وجبت فيه حكومة إن لم يرج فتقه لا دية لبقاء السمع فإن رجى لم يجب شيء " و " في إزالته " من أذن نصف " من الدية لا لتعدد السمع فإنه واحد وإنما التعدد في منفذه بخلاف ضوء البصر إذ تلك اللطيفة متعددة ومحلها الحدقة بل لأن ضبط نقصانه بالمنفذ أقرب منه بغيره وهذا ما نص عليه في الأم " وقيل قسط النقص " منه من الدية فيعتبر ما نقص من السمع بحالة الكمال على ما سيأتي " ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان " لأن محل السمع غير محل القطع فلم يتداخلا كما لو أوضحه فعمي " .
وقيل أصل شفة شفوة فحذفت الواو وعليه قول المحرر الشفوية " و " من " الحلقية " أي المنسوبة للحلق وهي ستة الهمزة والهاء والعين والحاء المهملتان والغين والخاء المعجمتان لأن الجناية على اللسان فتوزع الدية على الحروف الخارجة منه وهي ما عدا المذكورات وعلى هذا فيكون الموزع عليه ثمانية عشر لأن منفعة اللسان النطق بها فتكمل الدية فيها .
وأجاب الأول بأن الحروف وإن كانت مختلفة المخارج الاعتماد في جميعها على اللسان وبه يستقيم النطق ويكمل .
تنبيه : .
لو قطع شفتيه فذهبت الميم والباء فهل يجب أرشهما مع دية الشفتين أو لا .
وجهان أوجههما كما قاله شيخنا الأول ويضمن أرش حرف فوتته ضربة أفادته حروفا لم يكن يتمكن من النطق بها ولا ينجبر الفائت بما حدث لأنه نعمة جديدة .
وهل يوزع على الحروف وفيها الحروف المفادة أو عليها قبل الجناية قال الإمام هذا موضع نظر وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني وبه صرح صاحب الذخائر " ولو عجز " المجني على لسانه " عن بعضها " أي الحروف " خلقة " كأرت وألثغ وسبق بيانهما في صلاة الجماعة ولم يكن لغته كذلك " أو بآفة سماوية فدية " كاملة في إبطال كلام كل منهما لأنه ناطق وله كلام مفهوم إلا أن في نطقه ضعفا وضعف منفعة العضو لا يقدح في كمال الدية كضعف البطش والبصر فعلى هذا لو أبطل بالجناية بعض الحروف فالتوزيع على ما يحسنه لا على جميع الحروف " وقيل قسط " من الدية بالنسبة لجميع الحروف .
أما من عجز عن بعضها خلقة وكانت لغته كذلك كالفارسي الذي لا ضادفي ( 4 / 73 ) لغته فالمعروف كما قال الزركشي القطع بالتكميل " أو " عجز عن بعضها " بجناية فالمذهب لا تكمل دية " في إبطال كلامه لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول ومقتضى هذا التوجيه تخصيص التصوير بجناية من تضمن جنايته حتى تكون جناية الحربي كالآفة السماوية .
قال الأذرعي ولا أحسبه كذلك .
تنبيه : .
تعبيره بالمذهب يقتضي إثبات طريقين وليس في الروضة وأصلها غير خلاف مرتب على الوجهين في المسألة قبلها أي فإن قلنا بالقسط هناك فهنا أولى بالتكميل هناك فهنا فيه وجهان .
وحاصله طريقان قاطعة وحاكية لخلاف ولو أبطل بعض ما يحسنه في المسائل الثلاث وجب قسطه مما ذكر على الخلاف فيه .
ولو قطع نصف لسانه .
أي المجني عليه " فذهب " حروف هي " ربع كلامه أو عكس " بأن قطع ربع لسانه فذهب حروف هي نصف كلامه " فنصف دية " يجب في المسألتين لأن اللسان مضمون بالدية وكذا الكلام ولو لم تؤثر الجناية إلا في أحدهما لوجبت الدية فإذا أثرت فيهما وجب أن ينظر إلى الأكثر لأنه لو انفرد لوجب قسطه ولو قطع في الصورتين آخر الباقي فثلاثة أرباع الدية لأنه أبطل في الأولى ثلاثة أرباع الكلام وقطع في الثانية ثلاثة أرباع اللسان وفيهما قوة الكلام ولو تساوت نسبة الحرم والكلام بأن قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه وجب نصف الدية ولا يقتص مقطوع نصف ذهب نصف كلامه من مقطوع نصف ذهب ربع كلامه إذا قطع الثاني الباقي من لسان الأول وإن أجرينا القصاص في بعض اللسان لنقص الأول عن الثاني ولو قطع بعض لسان وبقي نطقه فالواجب حكومة لا قسط خلافا للزركشي إذ لو وجب للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الأخرس ولو قطع لسانا ذهب نصف كلامه مثلا بجناية على اللسان من غير قطع شيء منه فالواجب الدية لأنه قطع جميع اللسان مع بقاء المنفعة فيه .
تنبيه : .
لو قطع نصف لسانه فذهب نصف كلامه فاقتص من الجاني فلم يذهب إلا ربع كلامه فللمجني عليه ربع الدية ليتم حقه فإن اقتص منه فذهب ثلاثة أرباع كلامه لم يلزمه شيء لأن سراية القصاص مهدرة .
الشيء السادس هو ما ذكره بقوله " وفي " إبطال " الصوت " مع إبقاء اللسان على اعتداله وتمكنه من التقطيع والترديد " دية " لما رواه البيهقي عن زيد بن أسلم أنه قال مضت السنة في الصوت إذا انقطع الدية وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع ولأنه من المنافع المقصودة في غرض الأعلام والزجر وغيرهما وقال البلقيني وجوب الدية في الصوت يكاد أن يكون خرقا للإجماع .
وقال الأذرعي لم أره لغير الإمام وحمل كلام زيد بن أسلم على الكلام وعلى المعتمد في وجوب الدية " فإن أبطل معه " أي الصوت " حركة لسان فعجز عن التقطيع والترديد فديتان " لأنهما منفعتان في كل واحدة منهما إذا انفردت بالتفويت كمال الدية " وقيل دية " لأن المقصود الكلام لكنه يفوت تارة ببطلان الصوت وأخرى بعجز اللسان عن الحركة .
قال الزركشي وهذا مقتضى ظاهر كلام الشافعي والأصحاب رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
تنبيه : .
لو أذهب بإبطال الصوت النطق واللسان سليم الحركة وجبت دية واحدة بناء على أن تعطيل المنفعة ليس كإبطالها وينبغي كما قال شيخنا إيجاب حكومة لتعطيل النطق .
الشيء السابع هو ما ذكره بقوله " وفي " إبطال " الذوق " بجناية على اللسان " دية " لأنه أحد الحواس الخمس فأشبه الشم .
تنبيه : .
اختلف في محله هل هو في طرف الحلقوم أو في اللسان نقل الرافعي الأول عن المتولي وأقره ويدل له قولهم في قطع لسان الأخرس حكومة محله إذا لم يذهب الذوق فإنه لو كان في اللسان ذهب ولا بد وجزم الرافعي في موضع آخر بالثاني وجزم به جماعة منهم ابن جماعة شارح المفتاح وقال النسائي وغيره أنه المشهور وعليه الحكماء لكنهم يقولون هو قوة منبثة في العصب المفروش على جرم اللسان يدرك بها الطعوم بخالطة اللعابية التي في الفم ( 4 / 74 ) بالمطعوم ووصولها للعصب وعند أهل السنة أن الإدراك المذكور بمشيئة الله تعالى يعني أن الله تعالى يخلق ما ذكر عند المخالطة المذكورة وعلى هذا القول ينبغي كما قال شيخنا أن يكون كالنطق مع اللسان فتجب دية واحدة للسان .
ثم ذكر أنواع الطعوم واقتصر كالأصحاب منها على خمسة فقال " ويدرك به " أي الذوق " حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة " قال الماوردي وفرعها أهل الطب إلى ثمانية ولا تعتبرها في الأحكام لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة " وتوزع " الدية " عليهن " أي الخمسة فإذا أبطل إدراك واحدة منهن وجب فيها خمس الدية وهكذا " فإن نقص " الإدراك نقصا لا يتقدر بأن يحس بمذاق الخمس لكن لا يدركها على كمالها " فحكومة " تجب في ذلك النقص وتختلف بقوة النقصان وضعفه فإن عرف قدره فقسطه من الدية ولو اختلف الجاني والمجني عليه في ذهاب الذوق امتحن بالأشياء المرة ونحوها كالحامضة الحادة بأن يلقيها له غيره معافصة فإن لم يعبس صدق بيمينه وإلا فالجاني بيمينه .
الشيء الثامن هو ما ذكره بقوله " وتجب الدية في " إبطال " المضغ " كأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ لأنه المنفعة العظمى للإسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد .
تنبيه : .
قال ابن شهبة لم يرد فيه خبر ولا أثر ولم يتعرض له الشافعي ولا جمهور الأصحاب وإنما قاله الفوراني والإمام وتبعهما من بعدهما .
الشيء التاسع هو ما ذكره بقوله " و " تجب الدية في إبطال " قوة إمناء بكسر صلب " لفوات المقصود وهو النسل بخلاف انقطاع اللبن بالجناية على الثدي فإن فيه حكومة فقط لأن الرضاع يطرأ ويزول واستعداد الطبيعة للإمناء صفة لازمة للفحول ونازع البلقيني في ذلك وقال الصحيح بل الصواب عدم وجوب الدية لأن الإمناء الإنزال فإذا أبطل فوته ولم يذهب المني وجبت الحكومة لا الدية لأنه قد يمتنع الإنزال بما يسد طريقه فيشبه إرتتاق الأذن اه " .
وهو إشكال قوي ولكن لا يدفع المنقول .
والصلب الظهر ويقال الصلب بفتحتين كفرس ذكره ابن فارس .
الشيء العاشر هو ما ذكره بقوله " و " تجب الدية في إبطال " قوة حبل " من المرأة لفوات النسل فيكمل فيه ديتها لانقطاع النسل كذا صوره الرافعي .
قال في المطلب ويحتمل تصويره بإذهابه من الرجل أيضا بأن يجنى على صلبه فيصير منيه لا يحبل فتجب فيه الدية .
قال ويتصور ذلك أيضا بما إذا جنى على الأنثيين فإنه يقال أنهما محل انعقاد المني .
قال الأذرعي ويشبه أن يكون محل إيجاب الدية بإذهاب الإحبال في غير من ظهر للأطباء أنه عقيم وإلا فلا تجب .
الشيء الحادي عشر هو ما ذكره بقوله " و " تجب الدية في " ذهاب جماع " من المجني عليه بجناية على صلبه مع بقاء مائه وسلامة ذكره فيبطل التلذذ بالجماع لأن ذلك من المنافع المقصودة وقد ورد الأثر فيه عن الخلفاء الراشدين ولو ادعى المجني عليه ذهابه وأنكر الجاني صدق المجني عليه بيمينه لأنه لا يعرف إلا منه كما إذا قالت المرأة حضت ولو أبطل إمناءه أو لذة جماعه بقطع الإنثيين وجب ديتان كما في إذهاب الصوت مع اللسان .
الشيء الثاني عشر هو ما ذكره بقوله " وفي إفضائها " أي المرأة بجناية عمدا أو شبهة أو خطأ بوطىء أو بغيره " من الزوج وغيره دية " أي ديتها كما عبر به في المحرر لما روي عن زيد بن ثابت ولفوات منفعة الجماع أو اختلالها وعلله الماوردي بأنه يقطع التناسل لأن النطفة لا تستقر في محل العلوق لامتزاجها في البول فأشبه قطع الذكر .
تنبيه : .
إنما نص على غير الزوج لأن في كلام بعضهم ما يقتضي الإهدار في الزانية وسواء في ذلك المكرهة والمطاوعة لأن المطاوعة لا تقتضي الإذن في الإفضاء وأصل الإفضاء من الفضاء وهي البرية الواسعة .
وهو .
أي الإفضاء " رفع ما " أي حاجز " بين مدخل ذكر ودبر " فيصير سبيل جماعها وغائطها واحدا إذ به تفوت المنفعة بالكلية " وقيل " وجزم به في الروضة كأصلها في إثبات الخيار فقالا الإفضاء رفع ما بين مدخل " ذكر و " مخرج " بول " فيصير سبيل جماعها وبولها واحدا لأن ما بين القبل والدبر قوي لا يرفعه الذكر وبينهما عظم لا يتأتى كسره إلا ( 4 / 75 ) بحديدة ونحوها فلا يحمل الإفضاء عليه .
قال البلقيني والأصح هو المذكور هنا وأما الذي في الخيار في النكاح فاقتصرا فيه على تفسير الشيخ أبي حامد وأتباعه وإذا قلنا بالثاني فصار بولها لا يستمسك لزم الجاني مع الدية حكومة صرح به في أصل الروضة وقياسه إيجاب الحكومة على الأول أيضا إذا لم يستمسك الغائط وهو ظاهر وفي وجه ثالث صححه المتولي أن كلا منهما إفضاء موجب للدية لأن التمتع يختل بكل منهما فلو أزال الحاجزين لزمه ديتان .
تنبيه : .
محل إيجاب الدية إذا لم يلتحم فإن التحم سقطت ديته وتجب حكومة إن بقي أثر كما لو عاد ضوء البصر بخلاف الجائفة لأن الدية لزمت ثم بالاسم وهنا بفقد الحائل وقد سلم فلا معنى للدية " فإن لم يمكن الوطء " للزوجة " إلا بإفضاء " من زوجها إما لكبر آلته أو ضيق منفذها " فليس للزوج " وطؤها لإفضائه إلى الإفضاء المحرم وليس لها أن تمكنه في هذه الحالة .
وهل لها الفسخ بكبر آلته أو له الفسخ يضيق منفذها تقدم في باب خيار النكاح التنبيه عليه " ومن لا يستحق افتضاضها " أي البكر " فأزال البكار " منها " بغير ذكر " كأصبع وخشبة " فأرشها " يلزمه وهو الحكومة بتقدير الرق كما سيأتي .
تنبيه : .
قوله فأرشها قد يفهم أنه لا قصاص فيها وقد يتصور بأن تزيل بكر بكارة أخرى فيفتض منها كما جزم به الرافعي .
قال المتولي ولو كان يستحق عليها القود فأزال بكارتها بأصبع ونحوها لا شيء عليه " أو " أزالها " بذكر " ولو ملفوفا بخرقة " لشبهة " كأن ظنها زوجته " أو " كانت " مكرهة " على ذلك أو صغيرة أو مجنونة كما بحثه بعض المتأخرين " فمهر مثل ثيبا " يلزمه " وأرش البكارة " زائدة عليه فلا يندرج في المهر لأن المهر يجب لاستيفاء منفعة البضع .
والأرش يجب لإزالة تلك الجلدة وهما جهتان مختلفتان " وقيل " يلزمه " مهر بكر " ولا أرش لأن القصد من هذا الفعل الاستمتاع إزالة تلك الجلدة تحصل ضمن الاستمتاع وعلى الأول لو أفضاها داخل أرش البكارة في الدية لأنهما وجبا للإتلاف فيدخل الأقل في الأكثر بخلاف المهر لاختلاف الجهة فإن المهر للتمتع والأرش لإزالة الجلدة .
واحترز بقوله لشبهة أو مكرهة عما لو أزالها بزنا فإنه ينظر فإن كانت حرة فهدر وإن كانت أمة وجب الأرش .
إن قلنا يفرد عن المهر كما مر في كتاب الغصب وقدمت في خيار النقيصة الفرق بين ما وقع في هذا الباب وباب الغصب والبيع الفاسد والنكاح الفاسد وفي إيجاب الزيادة على مهر مثلها وهي ثيب إذا طاوعته وهي عالمة بالحال وجهان رجح البلقيني منهما الوجوب لأن الذي يسقط بمطاوعة الأمة المهر المتمحض للوطء أما ذهاب شيء من الجسد فلا .
تنبيه : .
هذا كله في المرأة أما الخنثى إذا أزيلت بكارة فرجه وجبت حكومة الجراحة من حيث هي جراحة ولا تعتبر البكارة من حيث هي لأنه لم يتحقق كونه فرجا قاله الرافعي " ومستحقه " أي افتضاضها وهو زوجها " لا شيء عليه " في إزالة بكارتها بذكر إن غيره لأنه مأذون له فيه شرعا فلا يضره الخطأ في طريق الاستيفاء .
وقيل إن أزال .
بكارتها " بغير ذكر " كأصبع " فأرش " يلزمه لعدوله عن الطريق المستحق له فيكون حينئذ كالأجنبي .
الشيء الثالث عشر هو ما ذكره بقوله " وفي " إبطال " البطش " من يدي المجني عليه بجناية عليهما فشلتا " دية " لزوال منفعتهما .
الشيء الرابع عشر هو ما ذكره بقوله " وكذا المشي " أي إبطاله من الرجلين بجناية على صلب فيه دية لفوات المنفعة المقصودة منهما وفي إبطال بطش أو مس يد أو رجل أو أصبع ديتها ولا تؤخذ الدية حتى يندمل فإن انجبر وعاد بطشه أو مسه كما كان فلا دية وإن بقي شين فحكومة " و " في " نقصهما " أي كل من البطش والمشي ( 4 / 76 ) إن لم ينضبط " حكومة " لما فات ويختلف بحسب النقص قلة وكثرة سواء احتاج في مشيه لعصا أم لا فإن انضبط وجب القسط كالسمع " ولو كسر صلبه " أي المجني عليه " فذهب " مع سلامة الرجل والذكر " مشيه وجماعة أو " مشيه " ومنيه فديتان " لأن كل واحد منهما مضمون بالدية عند الانفراد فكذا عند الاجتماع " وقيل دية " لأن الصلب محل المني ومنه يبتدأ المشي وينشأ الجماع واتحاد المحل يقتضي اتحاد الدية ومنع الأول محلية الصلب لما ذكر وعلى الأول لو شلت رجلاه أيضا وجب عليه ثلاث ديات وإن شل ذكره أيضا وجب عليه أربع ديات قاله الكافي .
تنبيه : .
قضية كلامه أنه لا يفرد كسر الصلب بحكومة وهو كذلك فيما إذا كان الذكر والرجلان سليمين فإن شلا وجب مع الدية الحكومة لأن المشي منفعة في الرجل فإذا شلت فاتت المنفعة لشللها فأفرد كسر الصلب الحكومة وإذا كانت سليمة ففوات المشي لخلل الصلب فلا يفرد بالحكومة .
ويمتحن من ادعى ذهاب مشيه بأن يفاجأ بمهلك كسيف فإن مشى علمنا كذبه وإلا حلف وأخذ الدية .
فرع في اجتماع ديات كثيرة .
في شخص بجراحات بقطع أطراف وإبطال منافع .
قال الغزالي وهي تقرب من عشرين دية .
قال الرافعي وإذا تأملت ما سبق وجدتها أكثر من ذلك وسرد ما تقدم ثم قال وقد تضاف إليها المواضح وسائر الشجاج والجوائف والحكومات فيجتمع شيء كثير لا ينحصر واعترضه الأذرعي بأنه كيف يجتمع ديتان لليدين وللبطش وديتان للرجلين وللمشي ودية للحيين ودية للمضغ وثلاث ديات للسان والنطق والصوت وترجم المصنف لذلك بالفرع لتفرعها على ما ذكر من وجوب الدية في المذكورات .
إذا " أزال " الجاني " أطرافا " تقتضي ديات كقطع أذنين ويدين ورجلين " ولطائف تقتضي ديات " كإبطال سمع وبصر وشم " فمات سراية " منها كما في المحرر وكذا من بعضها ولم يندمل البعض كما اقتضاه نص الشافعي واعتمده البلقيني إذا كان قبل الاندمال للبعض الآخر " فدية " واحدة وسقط بدل ما ذكره لأنها صارت نفسا .
أما إذا مات بسراية بعضها بعد اندمال بعض آخر منها لم يدخل ما اندمل في دية النفس قطعا وكذا لو جرحه جرحا خفيفا لا مدخل للسراية فيه ثم أجافه فمات بسراية الجائفة قبل اندمال ذلك الجرح فلا يدخل أرشه في دية النفس كما هو مقتضى كلام الروضة وأصلها أما لا يقدر بالدية فيدخل أيضا كما فهم مما تقرر بالأولى " وكذا لو حزه الجاني " أي قطع عتق المجني عليه " قبل اندماله " من الجراحة يلزمه للنفس دية واحدة " في الأصح " المنصوص لأن دية النفس وجبت قبل استقرار ما عداها فيدخل فيها بدله كالسراية .
والثاني تجب ديات ما تقدمها لأن السراية قد انقطعت بالقتل فأشبه انقطاعها بالاندمال .
فإن قيل لو قطع أطراف حيوان غير آدمي وسرت الجناية إلى النفس أو عاد وقتله قبل الاندمال لم تدخل قيمة أطرافه في قيمته بل أوجبوا قيمته يوم موته فهلا كان كما هنا .
أجيب بأن الحيوان مضمون بما نقص من القيمة وهي تختلف بالكمال والنقصان والآدمي مضمون بمقدر وهو لا يختلف بذلك ولأن الغائب في ضمانه التعبد كما قاله الشيخ عز الدين .
وما سبق هو عند اتحاد الفعل المجني به " فإن " كان مختلفا كأن " حز " الرقبة " عمدا والجناية " الحاصلة قبل الحز " خطأ " أو شبه عمد " أو عكسه " كأن حزه خطأ والجنايات عمدا أو شبه عمد " فلا تداخل " لشيء مما دون النفس فيها " في الأصح " بل يستحق الطرف والنفس لاختلافهما واختلاف من تجب علته فلو قطع يديه ورجليه خطأ أو شبه عمد ثم حز رقبته عمدا أو قطع هذه الأطراف عمدا ثم حز الرقبة خطأ أو شبه عمد وعفا الأول في العمد على ديته وجبت في الأولى دية خطأ أو شبه عمد ودية عمد وفي الثانية ديتا عمد ودية خطأ أو شبه عمد والثاني تسقط الديات فيهما " ولو حز " الرقبة " غيره " أي الجاني المتقدم " تعددت " أي الديات لأن فعل الإنسان ( 4 / 77 ) لا يدخل في فعل غيره فيلزم كلا منهما ما أوجبته جنايته .
ولما فرغ مما فيه أرش مقدر من الحر شرع في الجناية التي لا تقدير لأرشها فيه وفي الجناية على الرقيق مترجما لذلك بفصل فقال " فصل تجب الحكومة فيما " أي شيء يوجب مالا ليخرج ما يوجب تعزيرا فقط كقلع سن من ذهب وقوله " لا مقدر فيه " أي من الدية ولم تعرف نسبته من مقدر فإن عرفت نسبته منه كأن كان بقرب موضحة أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة كما مر .
قال ابن قاسم وقد يقال لا حاجة لهذا القيد فإن مثل هذا لا يسمى حكومة فإنها التي يقدر الحر فيها رقيقا ويشير إلى ذلك قول المصنف في الفصل في أول باب الديات والشجاج قبل الموضحة أن عرفت نسبتها منها وجب قسط من أرشها وإلا فحكومة اه " .
وهذا ظاهر على ما جرى عليه المصنف وإن قلنا بالأصح وهو وجوب الأكثر من قسطه ومن الحكومة فلا بد من هذا القيد فإنه لا بد أن يقدر رقيقا حتى يعرف الأكثر وسميت حكومة لاستقرار بحكم الحاكم حتى لو اجتهد غيره في ذلك لم يكن له أثر وإنما ذكرت الحكومة بعد المقدرات لتأخرها عنها في الرتبة لأنها جزء منها كما سيأتي و الغزالي ذكرها في أول الباب .
قال الرافعي وذكرها هنا أحصن ليتم الكلام على الانتظام وكذا صنع في الروضة فذكرها هنا " وهي جزء " من الدية " نسبته إلى دية النفس " في الأصح " وقيل " نسبته " إلى عضو الجناية نسبه نقصها " أي الجناية " من قيمته " أي المجني عليه " لو كان رقيقا بصفاته " التي هو عليها مثاله جرح يده فيقال كم قيمة المجني عليه بصفاته التي هو عليها بغير جناية لو كان رقيقا فإذا قيل مائة فيقال كم قيمته بعد الجناية فإذا قيل تسعون فالتفاوت العشر فيجب عشر دية النفس وهو عشر من الإبل إذا كان المجني عليه حرا ذكرا مسلما لأن الجملة مضمونة بالدية فتضمن الأجزاء بجزء منها كما في نظيره من عيب المبيع