من زيادة وغيرها والزيادة أثر وعين فالأثر لاحق للغاصب فيه كما قال " زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة " لثوب وخياطة بخيط منه وطحن حنطة وضرب السبائك دراهم وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها .
فلا شيء للغاصب بسببها .
لتعديه بعمله في ملك غيره بخلاف المفلس حيث كان شريكا للبائع فإنه عمل في ملكه .
وللمالك تكليفه رده .
أي المغصوب " كما كان إن أمكن " كرد الدراهم سبائك واللبن طينا لأنه متعد بفعله ولا يغرم أرش ما كان زاد بصنعته لأن فواته بأمر المالك فإن لم يمكن كالقصارة فليس له إجباره بل يأخذه بحاله .
وأرش النقص .
إن نقص عما كان قبل الزيادة .
وإذا رضي المالك بما يمكن إعادته بحاله أجبر الغاصب على تسليمه له بحاله وعلى غرم أرش النقص إن كان إلا أن يكون له غرض في الإعادة كأن خشي على نفسه من بقائها ضررا من تغرير أو غيره كمن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره فله إبطالها وإن لم يرض به المالك بخلاف ما إذا لم يخش سواء أرضي المالك ببقائها أم سكت عن الرضا والمنع .
نعم لو ضرب الشريك الطين لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه جاز له كما أفتى به البغوي أن ينقضه وإن رضي شريكه بالبقاء ينتفع بملكه كما كان .
ثم شرع في القسم الثاني وهو العين فقال " وإن كانت " أي الزيادة " عينا كبناء وغراس كلف القلع " لها وأرش النقص إن كان وإعادتها كما كانت وأجرة المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة .
ولو أراد المالك تملكها بالقيمة أو إبقاءها بأجرة لم يلزم الغاصب إجابته في الأصح لإمكان القلع بلا أرش بخلاف المستعير .
تنبيه : .
قد يفهم كلامه أنه ليس للغاصب القلع بغير رضا المالك وليس مرادا بل لو أراد القلع فليس للمالك منعه .
ولو بادر لذلك أجنبي غرم الأرش وقيل لا غرم لأنه غير محترم .
ورد بأن عدم احترامه بالنسبة إلى مستحق الأرض لا مطلقا .
ولو كان الغراس والبناء مغصوبين من آخر فلكل من مالكي الأرض والبناء والغراس إلزام الغاصب بالقلع وإن كانا لصاحب الأرض فإن رضي المالك به لم يكن للغاصب قلعه ولا شيء عليه وإن طالبه بالقلع فإن كان له فيه غرس لزمه قلعه مع أرش النقص وإلا فوجهان أحدهما وهو الظاهر نعم لتعديه والثاني لا لأنه عيب .
وسكت المصنف عن نماء المصغوب كما لو اتجر الغاصب في المال المغصوب فالربح له في الأظهر فإذا غصب دراهم واشترى شيئا في ذمته ونقد الدراهم في ثمنها وربح رد مثل الدراهم لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه وإلا وجب عليه رده بعينه أما إذا اشترى بعينه فالجديد بطلانه .
ولو غصب أرضا وبذرا من واحد وبذر الأرش به فللمالك تكليفه إخراج البذر منها وأرش النقص وإن رضي المالك ببقاء البذر في الأرض لم يكن للغاصب إخراجه .
ولو زوق الغاصب الدار المغصوبة بما لا يحصل منه شيء بقلعه لم يجز له قلعه إن رضي ببقائه المالك وليس للمالك إجباره عليه كما في الروضة خلافا للزركشي كالثوب إذا قصره .
وإن صبغ .
الغاصب " الثوب " المغصوب " بصبغه " وكان الحاصل تمويها لا يحصل منه الإنصباغ عين مال فكالتزويق فيما مر .
وإن حصل منه ذلك " وأمكن فصله " منه كأن كان الصبغ غير منعقد " أجبر عليه في الأصح ( 2 / 292 ) قياسا على البناء والغراس والثاني لا لما فيه من ضرر الغاصب لأنه يضيع بفصله بخلاف البناء والغراس .
وعلى الأول لو تركه الغاصب للمالك ليدفع عنه كلفة القلع لم يجبر على قبوله في أصح الوجهين ولو رضي المالك بإبقائه كان للغاصب الفصل إن لم ينقص الثوب بالفصل وكذا إن نقص وإذا تراضيا على القلع فذاك أو على الإبقاء فهما شريكان .
وإن لم يمكن .
فصله كأن كان الصبغ منعقدا " فإن لم تزد قيمته " أي الثوب بالصبغ ولم تنقص كأن كان يساوي عشرة والصبغ خمسة فصار مصبوغا يساوي عشرة لا لانخفاض سوق الثياب بل لأجل الصبغ .
فلا شيء للغاصب فيه .
لعدم الزيادة ولا شيء عليه لعدم النقص .
وإن نقصت .
قيمته كأن صار يساوي ثمانية " لزمه الأرش " لأن النقص حصل بفعله .
وإن زادت .
قيمته بالصبغ كأن صار يساوي خمسة عشر في مثالنا " اشتركا فيه " أي الثوب هذا بصبغه وهذا بثوبه أثلاثا ثلثاه للمغصوب منه وثلثه للغاصب فشركتهما ليست على الإشاعة بل كل منهما يملك ما كان له مع ما يخصه من الزيادة .
فلو حصل فيهما أو في أحدهما نقص لانخفاص سعر أحدهما أو زيادة لارتفاعه عمل به فيكون النقص أو الزيادة لاحقا لمن انخفض أو ارتفع سعر ماله وإن حصل ذلك بسبب اجتماع الثوب والصبغ أي بسبب العمل فالنقص على الصبغ لأن صاحبه هو الذي عمل والزيادة بينهما لأن الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا إذا أسندت إلى الأثر المحض تحسب للمغصوب منه وأيضا الزيادة قامت بالثوب والصبغ فهي بينهما .
ولو بذل صاحب الثوب للغاصب قيمة الصبغ ليتملكه لم يجب إليه سواء أمكن فصله أم لا بخلاف البناء والغراس في العارية لتمكنه هنا من القلع مجانا بخلاف المعير .
ولو أراد أحدهما الإنفراد ببيع ملكه لثالث لم يصح إذ لا ينتفع به وحده كبيع دار لا ممر لها نعم لو أراد المالك بيع الثوب لزم الغاصب بيع صبغه معه لأنه متعد فليس له أن يضر بالمالك بخلاف ما لو أراد الغاصب بيع صبغه لا يلزم مالك الثوب بيعه معه لئلا يستحق المتعدي بتعديه إزالة ملك غيره .
تنبيه : .
احترز المصنف بقوله بصبغة عن صورتين الأولى أن يكون الصبغ مغصوبا من آخر فهما شريكان كما لو كان الصبغ للغاصب فإن حصل في المغصوب نقص باجتماعهما اختص النقص بالصبغ كما مر وغرم الغاصب لصاحب الصبغ قيمة صبغه وإن أمكن فصله فلكل منهما تكليفه الفصل فإن حصل به نقص فيهما أو في أحدهما غرمه الغاصب وإن لم يمكن فصله بأن كان الحاصل تمويها فكما سبق في التزويق ففي هذه الصورة زيادة على ما تقدم .
الصورة الثانية أن يكون الصبغ لمالك الثوب فالزيادة له لا للغاصب لأنها أثر محض والنقص على الغاصب فيغرم أرشه وللمالك إجباره على فصله إن أمكن وليس للغاصب فصله إذا رضي المالك بالإبقاء وكذا لو سكت كما قال الإسنوي إنه القياس .
فرع لو طيرت الريح ثوبا .
إلى مصبغة شخص فانصبغ فيها اشتركا في المصبوغ مثل ما مر ولم يكلف أحدهما البيع ولا الفصل ولا الأرش وإن حصل نقص إذ لا تعدي .
ولو خلط المغصوب بغيره .
سواء أخلط بجنسه كحنطة بيضاء بحنطة حمراء أم بغير جنسه كبر بشعير " وأمكن التمييز لزمه " التمييز لسهولته ولإمكان رد عين ما أخذه .
وإن شق .
عليه تمييز جميعه وجب عليه تمييز ما أمكن .
فإن تعذر .
كأن خلط الزيت بمثله أو بشيرج " فالمذهب أنه كالتالف " لا مشتركا سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ لتعذر رده وملكه الغاصب .
فله .
أي المغصوب منه " تغريمه " أي الغاصب " وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط " لأن الحق فيه انتقل إلى ذمته وله أيضا أن يعطيه منه إن خلطه بمثله أو بأجود منه لا بأردأ لأنه دون حقه إلا برضاه فله أخذه ولا أرش له وكان مسامحا ببعض حقه وإلا أخذ مثل ماله .
والطريق الثاني قولان أحدهما هذا والثاني يشتركان في المخلوط وللمغصوب منه قدر حقه من المخلوط .
قال السبكي والذي أقوله وأعتقده وينشرح صدري له أن القول بالهلاك باطل لأن فيه تمليك الغاصب مال المغصوب منه بغير رضاه بل ( 2 / 293 ) بمجرد تعديه بالخلط .
وأطال الكلام في ذلك .
وقال الزركشي إذا قلنا إنه كالتالف ويملكه الغاصب فلا يتصرف فيه وهو محجور عليه فيه حتى يعطي المالك بدله .
وهو كما قال ابن شهبة ظاهر قال ولم أره لغيره .
تنبيه : .
قضية إطلاقهم أن خلط الدراهم بمثلها بحيث لا تتميز هلاك وهو كذلك كما قاله بعض المتأخرين وهو أوجه من قول ابن الصباغ وغيره إنهما يشتركان والفرق بأن كل درهم متميز في نفسه بخلاف الزيت ونحوه منتقض بالحبوب .
ولو اختلط الزيتان أو نحوهما بانصباب ونحوه كصب بهيمة أو برضا مالكهما فمشترك لعدم التعدي فإن كان أحدهما أراد إجبار صاحبه على قبول المختلط لأن بعضه عين حقه وبعضه خير منه لا صاحب الأجود فلا يجبر على ذلك فإن أخذ منه فلا أرش له لعدم التعدي وإلا بيع المختلط وقسم الثمن بينهما بنسبة القيمة فإن أراد قسمة غير المتفاضلين في القيمة على نسبة القيمة لم يجز للتفاضل في الكيل ونحوه .
أما لو خلط المغصوب بغير جنسه كالزيت بالشيرج ودقيق الحنطة بدقيق الشعير فإن تراضيا على الدفع منه أو ببيعه وقسمة ثمنه جاز لأن الحق لا يعدوهما ولأن التفاضل جائز مع اختلاف الجنس وإن امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع لأنه كالهالك فلا يلزم الغاصب ببذل ما لم يجب عليه ولا المغصوب منه بقبول ما لم يجب له فيغرم المثل وقيل يباعان ويقسم الثمن على نسبة القيمتين ولو لم يكن غصب كأن انصب أحدهما على الآخر فمشترك بينهما لما مر .
ولو غصب زيتين أو نحوهما من اثنين فأكثر وخلطهما قال ابن المقري فهو كما لو غصب زيتا وخلطه بزيته وهو مقتضى كلام أصله .
وقال البلقيني المعروف عند الشافعية أنه لا يملك شيئا عنه ولا يكون كالهالك وهذا أوجه ومما يؤيده كما قال شيخي ما نقل عن فتاوى المصنف أنه لو غصب دراهم من جماعة وخلطها ودفع لكل منهم قدر حقه جاز له أخذه والتصرف فيه وإن دفع لأحدهم فقط صار مشتركا بين الجميع "