تنبيه : .
يستثنى من ضمان المتمول إذا تلف مسائل منها ما لو غصب الحربي مال مسلم أو ذمي ثم أسلم أو عقدت له ذمة بعد التلف فإنه لا ضمان ولو كان باقيا وجب رده .
ومنها لو غصب عبدا وجب قتله لحق الله تعالى بردة ونحوها فقتله فلا ضمان على الأصح .
ومنها الرقيق غير المكاتب إذا غصب مال سيده وأتلفه لم يضمنه .
ومنها لو قتل المغصوب في يد الغاصب واقتص المالك من القاتل فإنه لا شيء على الغاصب لأن المالك أخذ بدله قاله في البحر .
قال الإسنوي وقوله تلف لا يتناول ما إذا أتلفه هو أو أجنبي لكنه مأخوذ من باب أولى ولذا قلت أو إتلاف لكن لو أتلفه المالك في يد الغاصب بأو أتلفه من لا يعقل أو من يرى طاعة الآمر بأمر المالك برىء من الضمان .
نعم لو صال المغصوب على المالك فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب سواء أعلم أنه عبده أم لا لأن الإتلاف بهذه الجهة كتلف العبد نفسه .
وهو القرابة وجمعه أنساب " .
وخرج بقول المصنف عنده ما لو تلف بعد الرد إلى المالك فإنه لا ضمان واستثني من ذلك ما لو رده على المالك بإجارة أو رهن أو وديعة ولم يعلم المالك فتلف عند المالك فإن ضمانه على الغاصب وما لو قتل بعد رجوعه إلى المالك بردة أو جناية في يد الغاصب فإنه يضمنه .
ثم شرع المصنف في مسائل ذكرها الأصحاب استطرادا يقع فيها الضمان بلا غصب بل بمباشرة كالإتلاف أو سبب كفتح القفص .
وقد بدأ بالأول فقال " ولو أتلف مالا في يد مالكه ضمنه " بالإجماع واستثني من ذلك مسائل منها كسر الباب ونقب الجدار في مسألة الظفر .
ومنها ما إذا لم يتمكن من دفع الصائل إلا بعقر دابته وكسر سلاحه ونحو ذلك .
ومنها ما إذا لم يتمكن من إراقة الخمر إلا بكسر آنيته ومنها ما يتلفه الباغي على العادل ( 2 / 278 ) وعكسه حالة الحرب وكذا ما يتلفه الحربيون علينا وما يتلفه العبد على سيده .
وما لو أتلف العبد المرتد والمحارب وتارك الصلاة والحيوان الصائل بقتله بيد مالكه .
ولو دخل دكان حداد وهو يطرق الحديد فطارت شرارة فأحرقت ثوبه كان هدرا وإن دخل بإذن الحداد .
وخرج بالإتلاف التلف فلا يضمنه كما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت لا يضمنها كما قاله في كتاب الإجارة إلا إذا كان السبب منه كما لو اكترى لحمل مائة فحملت زيادة عليها وتلفت بذلك وصاحبها معها فإنه يضمن قسط الزيادة وسيأتي بسط ذلك في باب الإجارة إن شاء الله تعالى .
ثم شرع في الثاني وهو السبب فقال " ولو فتح رأس زق " بكسر الزاي وهو السقاء " مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح " وتلف " أو " زق " منصوب فسقط بالفتح " لتحريكه الوكاء وجذبه " وخرج ما فيه " وتلف أو بتقاطر ماء فيه وابتلال أسفله به ولو كان التقاطر بإذابة شمس أو حرارة أو ريح مع مرور الزمان فسال ما فيه وتلف " ضمن " لأنه باشر الإتلاف في الأولين والإتلاف ناشىء عن فعله في الباقي سواء أحضر المالك وأمكنه التدارك فلم يفعل أم لا كما لو قتل عبده أو حرق ثوبه وأمكن الدفع فلم يفعل كما ذكره القمولي .
واحترز بقوله فخرج ما فيه بالفتح عما إذا كان جامدا فخرج بتقريب نار إليه فإن الأصح أن الضمان على المقرب .
وإن سقط .
الزق بعد فتحه له " بعارض ريح " أو نحوها كزلزلة ووقوع طائر أو جهل الحال فلم يعلم سبب سقوطه كما جزم به الماوردي وغيره " لم يضمن " لأن التلف لم يحصل بفعله وليس فعله في الأولى مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وللشك في الموجب في الثانية وفارق حكم الأولى إذابة الشمس بأن طلوع الشمس محقق فلذلك قد يقصده الفاتح بخلاف الريح .
تنبيه : .
أفهم كلامه أن الريح لو كانت هابة عند الفتح ضمن وهو الظاهر كما يؤخذ من الفرق المذكور ومن تفرقتهم بين المقارن والعارض فيما إذا أوقد نارا في أرضه فحملها الريح إلى أرض غيره فأتلفت شيئا .
ولو قلب الزق غير الفاتح فخرج ما فيه ضمنه دون الفاتح .
ولو أزال ورق العنب ففسدت عناقيده بالشمس ضمنه أو ذبح شاة رجل فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها ضمنها لفقد ما يعيشان به .
فإن قيل لو حبس المالك على ما شبته ولو ظلما فهلكت لم يضمنها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن التالف هنا جزء أو كالجزء من المذبوح بخلاف الماشية مع مالكها وبأنه هنا أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه ثم .
ولو أراد سوق الماء إلى النخل أو الزرع فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت لم يضمن كما في زوائد الروضة كما لو حبس المالك عن الماشية خلافا لما صححه في الأنوار من الضمان .
ولو حل رباط سفينة فغرقت بحله ضمنها أو بعارض ريح أو نحوه فلا لما مر فإن لم يظهر حادث فوجهان أوجههما كما قاله الزركشي عدم الضمان للشك في الموجب كما مر .
ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار .
في الحال " ضمنه " بالإجماع كما قاله الماوردي لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي .
وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إذا طار في الحال ضمن .
لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره .
وإن وقف ثم طار فلا .
يضمنه لأن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره .
والثاني يضمنه مطلقا لأنه لو لم يفتح لم يطر .
والثالث لا يضمن مطلقا لأن له قصدا واختيارا والفاتح متسبب والطائر مباشر والمباشرة مقدمة على السبب .
ويجري الخلاف فيما لو حل رباط بهيمة أو فتح بابا فخرجت وضاعت وفيما لو حل قيد رقيق مجنون أو فتح عليه الباب بخلاف الرقيق العاقل ولو كان آبقا لأنه صحيح الاختيار فخروجه عقب ما ذكر يحال عليه .
ولو أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته وإن لم تدخل القفص أو لم يعهد ذلك منها كما بحثه شيخنا أو طار فصدم جدار فمات أو كسر في خروجه قارورة أو القفص ضمن ذلك لأنه ناشىء من فعله ولأن فعله في الأولى بمعنى إغراء الهرة .
وقضية هذا التعليل أن محل ذلك فيما إذا كانت الهرة حاضرة وإلا فلا ضمان كعروض ريح بعد ( 2 / 279 ) فتح الزق .
ولو كان الطائر في أقصى القفص فأخذ يمشي قليلا قليلا ثم طار فكطيرانه في الحال كما قاله القاضي قال ولو كان القفص مفتوحا فمشى إنسان على بابه ففزع الطائر وخرج ضمنه ولو أمر طفلا أو مجنونا بإرسال طائر في يده فأرسله فهو كفتح القفص عنه كما قاله الماوردي و الروياني .
فروع لو حل رباط عن علف في وعاء فأكلته في الحال بهيمة ضمن .
فإن قيل قد صرح الماوردي بأنه لو حل رباط بهيمة فأكلت علفا أو كسرت إناء لم يضمن سواء اتصل ذلك بالحل أم لا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه إنما لم يضمن في تلك لأنه لم يتصرف في التالف بل في المتلف عكس ما هنا .
ولو خرجت البهيمة عقب فتح الباب ليلا فأتلفت زرعا أو غيره لم يضمنه الفاتح كما جزم به ابن المقري خلافا لما في الأنوار إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن ذلك .
ولو وقف طائر على جداره فنفره لم يضمنه لأن له منعه من جداره وإن رماه في الهواء ولو في هواء بارد فقتله ضمنه إذ ليس له منعه من هواء داره .
واستثنى البلقيني من وجوب الرد صورا إحداها إذا ملكه الغاصب بالغصب وذلك في حربي غصب مال حربي ولا يملك الغاصب بالغصب إلا في هذه الصورة لأن مال الحربي غير محترم .
ولو فتح الحرز فأخذ غيره ما فيه أو دل عليه اللصوص فلا ضمان عليه إذ لم تثبت يده على المال وتسببه بالفتح في الأولى قد انقطع بالمباشرة نعم لو أخذ غيره بأمره وهو أعجمي أو ممن يرى طاعة أمره فعليه الضمان لا على الأخذ .
ولو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع لم يضمنه لأنه لم يستول عليه .
تنبيه : .
كان الأولى أن يقول المصنف عن طير بلا ألف إذ هو غير طائر في القفص وقد اعترض المصنف في نكته على التنبيه : بذلك .
وأجيب بأن الذي قاله جمهور أهل اللغة أن الطائر مفرد والجمع طير .
والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها .
أي الأيدي " الغصب " وكانت أيدي أمانة لأنه وضع يده على ملك غيره بغير إذنه والجهل ليس مسقطا للضمان بل للإثم فيطالب المالك من شاء منهما نعم يستثنى الحاكم وأمينه فإنهما لا يضمنان بوضع اليد على وجه الحفظ والمصلحة للمغصوب منه .
ومن انتزع المغصوب ليرده لمالكه إن كان الغاصب حربيا ورقيقا للمالك لا غيرهما وإن كان معرضا للضياع كما في الروضة وأصلها في باب اللقطة خلافا للسبكي فيما إذا كان معرضا للضياع .
تنبيه : .
قد يفهم كلام المصنف أنه لو زوج الغاصب المغصوبة وهلكت عند الزوج أن الزوج يطالب بقيمتها .
والمذهب أنه لا يطالب بها بخلاف المودع لأن كونها في حيال الزوج ليس كحلول المال في اليد وينبغي كما قاله الزركشي تخصيصه بما إذا تلف بغير الولادة وإلا فيضمنها كما أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة فإنه يضمنها على الأصح كما قاله الرافعي في الرهن .
ثم إن علم .
من ترتبت يده على يد الغاصب الغصب " فكغاصب من غاصب " حكمه " فيتسقر عليه ضمان ما تلف عنده " لأن حد الغصب صادق عليه ويطالب بكل ما يطالب به الغاصب ولا يرجع على الأول إن غرم ويرجع عليه الأول إن غرم .
نعم إن كانت القيمة في يد الأول أكثر فالمطالب بالزيادة هو الأول خاصة وإليه أشار المصنف بقوله فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده .
تنبيه : .
لو أبرأ المالك الغاصب الأول لا يبرأ الثاني وإن أبرأ الثاني برىء الأول لأن الثاني هو الذي يتقرر عليه الضمان والأول كالضامن عنه قاله القفال في فتاويه .
وكذا .
يستقر على من ترتبت يده على يد الغاصب " إن جهل " الغصب " وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية " والبيع والقرض والسوم لأنه دخل على الضمان فلم يغره الغاصب .
وإن .
جهل و " كانت " يده " يد أمانة " بلا اتهاب " كوديعة " وقراض " فالقرا على الغاصب " دونه لأنه دخل على أن يده نائبة عن يد الغاصب لكنه طريق في الضمان فإن غرم الغاصب لم يرجع على الأمين وإن غرم هو رجع على الغاصب ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه فلو كان هو المالك لم يبرأ الغاصب .
أما لو وهب الغاصب المغصوب من شخص فقرار الضمان على الموهوب له على الأظهر لأنه وإن كانت يده ليست يد ضمان إلا أنه أخذه ( 2 / 280 ) للتملك .
ولو ضاع المغصوب من الغاصب فالتقطه إنسان جاهل بحاله فإن أخذه للحفظ أو مطلقا فهو أمانة وكذا إن أخذه للتملك ولم يتملك فإن تملكه صارت يده يد ضمان .
ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلا به .
أي الإتلاف وهو من أهل الضمان " فالقرار عليه مطلقا " أي سواء كانت يده يد ضمان أو أمانة لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية .
تنبيه : .
احترز بقوله مستقلا عما إذا حمله الغاصب عليه وفيه تفصيل وهو إن كان لغرض الغاصب كذبح الشاة وطحن الحنطة فالقرار على الغاصب أو لا لغرض كإتلاف المال فعلى المتلف لأنه حرام أو لغرض المتلف فقد ذكره بقوله " وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا " القرار على الآكل " في الأظهر " لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة .
والثاني أن القرار على الغاصب لأنه غر الآكل .
وعلى الأول لو قال هو ملكي فالقرار على الآكل أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب لكن بهذه المقالة إن غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لأن دعواه الملك اعتراف منه بأن المالك ظلمه بتغريمه ولا يرجع على غير من ظلمه .
وإذا قدمه لعبد ولو بإذن مالكه فالأكل جناية منه يباع فيها لتعلق موجبها برقبته فلو غرم الغاصب رجع على قيمة العبد بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فإنه لا يرجع على المالك إن لم يأذن وإلا رجع عليه .
وعلى هذا .
أي الأظهر في أكل الضيف " لو قدمه " أي الغاصب " لمالكه " أو لم يقدمه له " فأكله " جاهلا بأنه له " برىء الغاصب " لأنه باشر إتلاف ماله باختياره .
وعلى الثاني لا يبرأ لجهل المالك به .
أما إذا كان عالما بأنه له فإن الغاصب يبرأ قطعا .
تنبيه : .
إنما يبرأ الغاصب بذلك إذا لم يعد المغصوب هالكا كالهريسة وإلا فلا يبرأ لأن الغاصب يملكه في هذه الحالة فهو إنما أكل مال الغاصب فيلزم الغاصب البدل للمالك ولهذا قال الزبيري لو غصب سمنا وعسلا ودقيقا وصنعه حلوا وقدمه لمالكه فأكله لم يبرأ قطعا لأنه بالخلط صار كالتالف وانتقل الحق إلى القيمة ولا تسقط عندنا ببذل غيرها إلا برضا مستحقها ولو مع العلم بذلك اه .
ويبرأ الغاصب أيضا بإعارته أو بيعه أو إقراضه للمالك ولو جاهلا بأنه له لأنه باشر أخذ ماله باختياره لا بإيداعه ورهنه وإجارته وتزويجه منه والقراض معه فيه جاهلا بأنه له لأن التسلط فيها غير تام بخلاف ما إذا كان عالما .
والتزويج شامل للذكر والأنثى ومحله في الأنثى ما لم يستولدها فإن استولدها أي وتسلمها برىء الغاصب .
ولو قال الغاصب للمالك أعتقه عني أو أعتقه عنك فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرىء الغاصب كما رجحه ابن المقري وصرح به السبكي ويقع العتق عن المالك لا عن الغاصب على الصحيح في أصل الروضة .
والأوجه معنى كما قال شيخنا أنه يقع عن الغاصب ويكون ذلك بيعا ضمنا إن ذكر عوضا وإلا فهبة بناء على صحة البيع فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا