" هو " لغة أخذ الشيء ظلما وقيل أخذه ظلما جهارا .
وشرعا " الإستيلاء على حق الغير عدوانا " أي على وجه التعدي .
ويرجع في الإستيلاء للعرف وذكر في الكتاب أمثلة يتضح بها ستأتي .
قال المصنف ولا يصح قول من قال علي مال الغير لأنه يخرج المنافع والكلب والسرجين وجلد الميتة وخمر الذمي وسائر الاختصاصات كحق التحجر .
واختار الإمام أنه الإستيلاء على مال الغير بغير حق قال ولا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه بغير عدوان كأخذه مال غيره يظنه ماله .
وقول الرافعي والأشبه التقييد به والثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته قال شيخنا ممنوع وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا وليس مرادا وإن كان غالبا .
وقال شيخي الذي يتحصل في تعريفه من كلام الأصحاب أن الغصب ضمانا وإثما الإستيلاء على مال الغير عدوانا وضمانا الإستيلاء على مال الغير بغير حق وإنما الإستيلاء على حق الغير عدوانا .
فإن قيل يرد على التعريف السرقة فإنه صادق بها وليست غصبا .
أجيب بأنها غصب أيضا وإن كانت من حيث أنها سرقة يترتب عليها حكم زائد على الغصب بشرطه .
وقال بعضهم إن السارق والمختلس خرج بقوله الإستيلاء فإن الإستيلاء ينبني على القهر والغلبة .
وأخذ مال الغير على وجه المحاباة وهو كاره له في معنى الغصب كما قاله الزركشي .
وقال في الإحياء من طلب من غيره مالا بحضرة الناس فدفعه إليه بباعث الحياء والقهر لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه .
والغصب كبيرة وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة وفي الكفاية عن الماوردي الإجماع على أن من فعله مستحلا أي وهو ممن لا يخفى عليه تحريمه كان كافرا ومن فعله غير مستحل كان فاسقا .
والأصل في تحريمه آيات منها قوله تعالى " ويل للمطففين " الآية وإذا كان هذا في التطفيف وهو غصب القليل فما ظنك بغصب الكثير ومنها قوله تعالى " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل .
وأخبار منها خبر الصحيحين إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ومنها خبرهما أيضا من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين .
ومعنى طوقه كلف حمله وقيل يجعل في حلقه كالطوق .
ثم شرع المصنف في الأمثلة التي يتضح بها فقال " فلو ركب دابة أو جلس على فراش " لغيره " فغاصب وإن لم ينقل " ذلك ولم يقصد الاستيلاء لحصول الغاية المطلوبة من الاستيلاء وهي الانتفاع على وجه التعدي .
تنبيه : .
قضية إطلاق المصنف الغصب بالجلوس على الفراش أنه لا فرق بين حضور المالك وغيبته وهو كذلك .
وما ذكره في أصل الروضة من أن المالك إذا حضر ولم يزعجه وكان بحيث يمنعه التصرف في ذلك أن قياس ما يأتي في العقار إن يكون غاصبا لنصفه فقط ليس في الحقيقة نظيره وإنما نظيره كما قال شيخي أن يجلس معه على الفراش ويمكن حمل كلام أصل الروضة على ذلك .
وكلام المنصف قد يفهم أن غير الدابة والفراش من المنقولات أنه لا بد فيها ( 2 / 276 ) من النقل وبه صرح صاحب التعجيز فقال المعتبر في المنقول النقل إلا في الدابة والفراش فإن الإستيلاء عليهما يتم بالركوب والجلوس بدليل أنهما لو تنازعا فيه جعلت اليد له .
والمعتمد أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما فاستخدام العبد كركوب الدابة كما ذكره ابن كج .
ولو دخل داره .
أي دار غيره بعياله أو بدونهم على هيئة من يقصد بالسكنى وإن لم يقصد الإستيلاء " وأزعجه عنها " أي أخرجه منها كما فسره ابن سيده " أو أزعجه وقهره على الدار " بما يصير به قابضا في بيعها وهو التسلط على التصرف " ولم يدخل " ها " فغاصب " أما في الأولى فلأن وجود الاستيلاء يغني عن قصده وأما في الثانية فلأنه لا يعتبر في قبضها دخولها والتصرف فيها .
ولكن لا بد من قصد الإستيلاء كما قاله الماوردي والإمام وإليه أشار المصنف بقوله وقهره على الدار فإن وجد الإزعاج فقط في الثانية أو لم يقصد السكنى في الأولى كمن يهجم الدار لإخراج صاحبها كظالم ولا يقيم فلا يكون غاصبا لشيء منها ولا يضمنها .
وفي الثانية .
أي فيما إذا أزعجه وقهره ولم يدخل " وجه واه " أي ضعيف جدا مجاز عن الإسقاط أنه لا يكون غاصبا لأن أهل العرف لا يطلقون على ذلك أنه غاصب .
وأما أمتعة الدار فإن منع الغاصب المالك منها كان غاصبا لها وإلا فلا قاله القاضي و المتولي .
ولو سكن بيتا .
من الدار " ومنع المالك منه دون باقي الدار فغاصب للبيت فقط " لقصده الاستيلاء عليه دون باقي الدار .
ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها .
ولا من يخلفه من أهل ومستأجر ومستعير ونحو ذلك " فغاصب " لها وإن ضعف الداخل وقوي المالك لحصول الاستيلاء في الحال وأثر قوة المالك وسهولة إزالته لا تمنع في الحال .
أما إذا دخل لا على قصد الإستيلاء بل ينظر هل تصلح له أو ليأخذ مثلها أو نحو ذلك فإنه لا يكون غاصبا حتى لو انهدمت حينئذ لم يضمنها .
وإن كان .
المالك فيها " ولم يزعجه فغاصب لنصف الدار " لاستيلائه مع المالك عليها " إلا أن يكون " الداخل " ضعيفا لا يعد مستوليا على صاحب الدار " فلا يكون غاصبا لشيء منها وإن قصد الاستيلاء إذ لا عبرة بقصد ما لا يتمكن منه وإنما هذا وسوسة وحديث نفس ولا يكون في صورة المشاركة السابقة غاصبا للنصف .
قال السبكي وقياس ما ذكر هنا يقتضي أنه لو انعكس الحال فكان المالك ضعيفا والداخل بقصد الاستيلاء قويا كان غاصبا للجميع .
قال الأذرعي وفيه نظر لأن يد المالك الضعيف موجودة فلا معنى لإلغائها بمجرد قوة الداخل اه .
وهذا كما قال شيخي أوجه .
تنبيه : .
حيث لا يجعل غاصبا لا يلزمه أجرة كما دل عليه كلام القاضي في فتاويه فإنه قال لو دخل سارق ولم يمكنه الخروج وتخبأ في الدار ليلة فلا أجرة عليه لأن اليد للمالك .
وقال الأذرعي ما ذكره القاضي مشكل لا يوافق عليه اه .
وهذا أوجه لأنه صدق عليه أنه استمر في داره ليلة بغير إذنه .
ولو دفع إلى عبد غيره شيئا ليوصله إلى بيته بغير إذن مالكه كان غاصبا له قاله القاضي وطرد ذلك فيما إذا استعمله في شغل .
وفي فتاوى البغوي أنه لا يضمن إلا إذا اعتقد طاعة الأمر وهذا أيضا أوجه .
قال البغوي ولو أن الزوج بعث عبد زوجته في شغل دون إذنها ضمنه بكل حال لأن عبد المرأة قد يرى طاعة زوجها فهو كالأعجمي في حق الأجنبي .
وسئل ابن الصلاح عن رجل أخاف مملوكا لغيره بسبب تهمة فهرب لوقته فأجاب بأنه لا يضمنه إن لم يكن نقله من مكان إلى مكان لقصد الاستيلاء اه .
وقوله نقله إلخ ليس بقيد بل مسكه بيده كاف .
ولو استولى على حيوان فتبعه ولده الذي من شأنه أن يتبعه أو هادي الغنم فتبعه الغنم لم يضمن التابع في الأصح إذ لم يستول عليه وكذا لو غصب أم النحل لا يضمنه إلا إن استولى عليه خلافا لصاحب المطلب .
وعلى الغاصب الرد .
للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة في رده ولو كان ( 2 / 277 ) غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى للحديث المار على اليد ما أخذت حتى تؤديه فلو لقي المالك بمفازة والمغصوب معه فإن استرده لم يكلف أجرة النقل .
وإن امتنع فوضعه بين يديه برىء إن لم يكن لنقله مؤنة .
ولو أخذه المالك وشرط على الغاصب مؤنة النقل لم يجز لأنه نقل ملك نفسه ذكر ذلك البغوي .
وفي الشرح والروضة في آخر الباب عن المتولي أنه لو رد الدابة لإصطبل المالك برىء إن علم المالك به مشاهدة أو إخبار ثقة ولا يبرأ قبل العلم وأقراه .
ولو غصب من المودع والمستأجر والمرتهن برىء بالرد إليهم لا إلى الملتقط لأنه غير مأذون له من جهة المالك وفي المستعير والمستام وجهان أوجههما أنه يبرأ لأنهما مأذون لهما من جهة المالك لكنهما ضامنان .
ولو أخذ من عبد شيئا ثم رده إليه فإن كان سيده دفعه إليه كملبوس العبد وآلات يعمل بها برىء وكذا لو أخذ الآلة من الأجير وردها إليه لأن المالك رضي به قاله البغوي في فتاويه .
تنبيه : .
قضية كلام المصنف أنه لا يجب على الغاصب مع رد عين المغصوب شيء .
ويستثنى مسألة يجب فيها مع الرد القيمة وهي ما لو غصب أمة فحملت بحر في يده ثم ردها لمالكها فإنه يجب عليها قيمتها للحيولة لأن الحامل بحر لا تباع ذكره المحب الطبري قال وعلى الغاصب التعزير لحق الله تعالى واستيفاؤه للإمام ولا يسقط بإبراء المالك .
واستثنى البلقيني من وجوب الرد صورا إحداها إذا ملكه الغاصب بالغصب وذلك في حربي غصب مال حربي ولا يملك الغاصب بالغصب إلا في هذه الصورة لأن مال الحربي غير محترم .
الثانية لو غصب خيطا وخاط به جرح حيوان محترم فلا ينزع منه ما دام حيا أي إذا كان يتألم به .
الثالثة غصب عصيرا عصر بقصد الخمرية فتخمر عنده يريقه ولا يرده .
الرابعة كل عين غرمنا الغاصب بدلها لما حدث فيها وهي باقية لا يجب ردها على المالك كما في الحنطة تبتل بحيث يسري إلى الهلاك ونحو ذلك .
ويستثنى من وجوب الرد على الفور مسألتان الأولى ما لو غصب لوحا وأدرجه في سفينته وكانت في لجة وخيف من نزعه هلاك محترم في السفينة ولو للغاصب على الأصح فلا ينزع في هذه الحالة .
ثانيهما تأخيره للإشهاد وإن طالبه المالك .
فإن قيل هذا مشكل كما قاله بعضهم لاستمرار الغصب .
أجيب بأنه زمن يسير اغتفر للضرورة لأن المالك قد ينكره وهو لا يقبل قوله في الرد .
فإن تلف عنده .
متمول بآفة أو إتلاف كله أو بعضه " ضمنه " بالإجماع .
أما غير المتمول كحبة بر أو كلب يقتنى وزبل وحشرات ونحو ذلك فلا يضمنه ولو كان مستحق الزبل قد غرم على نقله أجرة لم نوجبها على الغاصب