فإن قيل كل من الواجبين على الفور فما وجه تقديم الحج أجيب بأنه حق لله تعالى وهو أحق بالقضاء كما ورد به الخبر وكذلك يمتنع عليه لو كانت صغيرة وأحرمت بإذن وليها أو كبيرة وسافرت معه وأحرمت حال إحرامه أخذا مما ذكر لأنها لم تفوت عليه استمتاعا كما أن السيد لا يمنع عبده من صوم تطوع لم يفوت عليه به أمر الخدمة قال الزركشي وهذا قياس المذهب وإن قال الماوردي بخلافه .
وحكم حجة النذر حكم حجة الإسلام كما في المجموع ويستثنى النذر المعين قبل النكاح أو بعده لكن بإذن الزوج .
ويستثنى من كلام المصنف ما لو نكحت بعد تحللها من الفائت فلا منع ولا تحلل منه للتضييق وكذا لو حجت خلية فأفسدته ثم نكحت والحابسة نفسها لتقبض المهر فإنها لا تمنع من السفر كما قاله القاضي وحينئذ فإذا أحرمت لم يكن له تحليلها .
والمراد بتحليله إياها أن يأمرها بالتحلل وتحللها كتحلل المحصر فإن لم يأمرها لم يجز لها التحلل كما نقله في المجموع عن الأصحاب .
وتفارق الرقيق كما مر لأن إحرامه بغير إذن مولاه محرم كما مر بخلافها .
ويؤخذ من كلام الزركشي المتقدم أن هذا في الفرض دون النفل فلو لم تتحلل كان له أن يستمتع بها كما في المجموع والإثم عليها لا عليه وإن توقف الإمام في جوازه .
وليس للزوج تحليل الرجعية بل يحبسها للعدة وكذا البائن أيضا وإن فات الحج هذا إن طلقت الزوجة قبل الإحرام لأن لزومها سبق الإحرام .
فإن انقضت عدتها أتمت عمرتها أو حجها إن بقي الوقت وإلا تحللت بعمل عمرة ولزمها القضاء ودم الفوات .
فإن طلقت بعده ولو كان إحرامها بغير إذنه وجب عليها الخروج معتدة إن خافت الفوات لتقدم الإحرام وإن لم تخف الفوات جاز الخروج إلى ذلك لما في تعين الصبر من مشقة مصابرة الإحرام نعم لو راجع الرجعية فله تحليلها إن أحرمت بغير إذنه .
وحكى المتولي ك البغوي في القضاء وجهين وبناهما على الفور في القضاء وقضيته ترجيح عدم منعها قال في المهمات وهو متجه إذا وطئها الزوج أو أجنبي قبل النكاح فإن وطئها الأجنبي بعده في نسك لم يأذن فيه الزوج فله المنع كما في الأداء وإن أذن ففي المنع نظر .
ويؤخذ من إحرام الرقيق بإذن سيده إذا أفسد نسكه لم يأذن فيه الزوج فله المنع كما في الأداء وإن أذن ففي المنع نظر .
ويؤخذ من إحرام الرقيق بإذن سيده إذا أفسد نسكه أن له منعه وأن للزوج هنا منعها والقضاء إذا كان سببه الفوات يجب على الفور .
قال السبكي ويؤخذ من أن الزوجة إنما تحرم بإذن زوجها أي استحبابا كما مر وأن الحصر الخاص لا يمنع وجوب الحج إذ إنه ليس شرطا للوجوب عليها بل الحج وجب .
وإذا أحرمت فمنعها الزوج ومات قضي من تركتها مع كونها لا تعصي لكونه منعها إلا إذا تمكنت قبل النكاح ( 1 / 537 ) فتعصي إذا ماتت .
قال وفي كلام القاضي أبي الطيب الاتفاق على الوجوب عليها وإنما الخلاف في أنه هل للزوج منعها أو لا .
وأما المانع الخامس فهو الأبوة فإن أحرم الولد بفرض بلا إذن فليس لأحد من أبويه منعه لا ابتداء ولا دواما كالصوم والصلاة ويفارق الجهاد بأنه فرض عليه وليس الخوف كالخوف في الجهاد .
وإن أحرم بنفل بلا إذن فلكل منهما منعه وتحليله وتحليلهما له كتحليل السيد رقيقه .
والعمرة كالحج فيما ذكر كما نقله في المجموع عن اتفاق الأصحاب .
ويسن للولد استئذانهما إذا كانا مسلمين في النسك فرضا وتطوعا .
وقضية كلامهم أنه لو أذن الزوج لزوجته كان لأبويها منعها وهو ظاهر إلا أن يسافر معها الزوج .
وأما المانع السادس فهو الدين فليس لغريم المدين تحليله إذ لا ضرر عليه في إحرامه وله منعه من الخروج إذا كان موسرا والدين حالا ليوفيه حقه بخلاف ما إذا كان معسرا أو موسرا والدين مؤجلا فليس له منعه إذ لا يلزمه أداؤه حينئذ .
فإن كان الدين يحل في غيبته استحب له أن يوكل من يقضيه عند حلوله . " .
ولا قضاء على المحصر " بفتح الصاد المهملة " المتطوع " إن تحلل من إحصار عام أو خاص لعدم وروده .
وقد أحصر مع النبي A في الحديبية ألف وأربعمائة ولم يعتمر معه في العام القابل إلا نفر يسير أكثر ما قيل إنهم سبعمائة ولم ينقل أنه أمر من تخلف بالقضاء .
واستثنى ابن الرفعة من إطلاق عدم القضاء ما لو أفسد النسك ثم أحصر ولا حاجة إلى استثنائه لأن القضاء هنا للإفساد لا للإحصار الذي الكلام فيه .
ولا فرق بين أن يأتي بنسك سوى الإحرام أم لم يأت اقترن بالإحصار فوات أم لم يقترن نعم إن صابر إحرامه غير متوقع زوال الإحصار ففاته الوقوف عليه فعليه القضاء بخلاف ما إذا صابر مع التوقع . " .
فإن كان نسكه فرضا مستقرا " عليه كحجة الإسلام فيما بعد السنة الأولى من سني الإمكان أو كانت قضاء أو نذرا " بقي في ذمته " كما لو شرع في صلاة فرض ولم يتمها فإنها تبقى في ذمته . " .
أو غير مستقر " كحجة الإسلام في السنة الأولى من سني الإمكان " اعتبرت الاستطاعة بعد " أي بعد زوال الإحصار إن وجدت وجب وإلا فلا . " .
ومن فاته الوقوف " بعرفة بعذر أو غيره وبفواته يفوت الحج كما مر " تحلل " وجوبا كما في المجموع ونص عليه في الأم لئلا يصير محرما بالحج في غير أشهره .
واستدامة الإحرام كابتدائه وابتداؤه حينئذ لا يجوز .
وربما تشعر عبارة الرافعي بجواز ذلك حيث قال وإذا حصل الفوات فله التحلل كما في الإحصار وليس مرادا لأن في بقائه على الإحرام حتى يقف في العام القابل حرجا شديدا يعسر احتماله .
قال الأذرعي ولا نعلم أحدا قال به إلا رواية عن مالك .
فلو خالف وفعل لا يكفيه ذلك الإحرام ويحصل التحلل " بطواف " هذا لا بد منه اتفاقا " وسعي " لأنه كالطواف في تحتم الإتيان لكن شرط إيجابه أن لا يكون سعي بعد طواف قدوم فإن كان سعي لم يحتج لإعادته كما في المجموع عن الأصحاب خلافا لابن الرفعة في وجوب إعادته . " .
وحلق " بناء على أنه من أركان الحج فكان كالطواف والسعي وبذلك يحصل التحلل الثاني .
أما في الأول ففي المجموع أنه يحصل بواحد من الحلق والطواف المتبوع بالسعي إن لم يكن سعي لأنه لما فاته الوقوف سقط عنه حكم الرمي كالمبيت وصار كمن رمى .
ويقال أيضا إنه إذا لم يكن برأسه شعر أنه يسقط عنه الحلق ويصير تحلله بالطواف فقط . " .
وفيهما " أي السعي والحلق " قول " أنهما لا يحتاج إليهما في التحلل .
أما السعي فلأنه ليس من أسباب التحلل ولهذا يصح تقديمه على الوقوف ولو كان من أسبابه لما جاز تقديمه عليه .
وأما الحلق فمبني على أنه استباحة محظور ثم ما أتى به لا ينقلب عمرة وقيل ينقلب ويجزىء عن عمرة الإسلام . " .
وعليه دم " واحد في مسألة المتن وكذا في عدم الإمكان مع عدم الإحصار وسبق أنه كدم التمتع . " .
و " عليه " القضاء " فورا للحج الذي فاته بفوات الوقوف فرضا كان أو نفلا كما في الفساد لأنه لا يخلو عن تقصير .
والأصل في ذلك ما رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر و عمر بن الخطاب ينحر هديه فقال يا أمير المؤمنين أخطأنا العدد وكنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة فقال له عمر Bه اذهب إلى مكة فطف بالبيت أنت ومن معك واسعوا بين الصفا والمروة وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا ( 2 / 1 ) أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان عام قابل فحجوا واهدوا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع .
واشتهر ذلك بين الصحابة ولم ينكره أحد فكان إجماعا .
وأفهم كلام المصنف أنه لا يجب عليه المبيت بمنى ولا الرمي وهو الأصح كما يؤخذ مما مر ولأن عمر لم يأمر بهما .
ولا فرق فيمن ذكر بين من فاته ذلك بعذر أو بغيره وإنما يفترقان في الإثم فقط .
فإن قيل لم لم يقل يجب القضاء على الفور على غير المعذور دون المعذور كما قيل بمثله في الصلاة والصوم أجيب بأن الفوات لا يخلو عن تقصير وإنما يجب القضاء في فوات لم ينشأ عن حصر فإن نشأ عنه بأن أحصر فسلك طريقا آخر ففاته الحج وتحلل بعمل عمرة فلا إعادة عليه كما في الروضة كأصلها لأنه بذل ما في وسعه .
فإن قيل كيف توصف حجة الإسلام بالقضاء ولا وقت لها أجيب بأنه لما أحرم بها تضيق وقتها كما تقدم ذلك في الإفساد وتقدم ما فيه .
وفرق بعضهم بين الإفساد وما نحن فيه بأن المفسد متعد فلهذا جعلنا الفرض قضاء بخلاف الفوات ورده الإسنوي بأنا لا نسلم أن الفوات لا تعدي فيه إذ قد يترك الوقوف عمدا حتى يفوت وقته .
خاتمة يسن أن يحمل المسافر إلى أهله هدية لما روى البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله A إذا قدم أحدكم على أهله من سفر فليهد لأهله هدية وليطرقهم ولو كان حجارة .
ويسن إذا قرب إلى وطنه أن يرسل من يعلمهم بقدومه إلا أن يكون في قافلة اشتهر عند أهل البلد وقت دخولها .
ويكره أن يطرقهم ليلا والسنة أن يتلقى المسافر وأن يقال له إن كان حاجا قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك وإن كان غازيا الحمد لله الذي نصرك وأكرمك وأعزك .
والسنة أن يبدأ عند دخوله بأقرب مسجد فيصلي فيه ركعتين بنية صلاة القدوم .
وتسن النقيعة وهي طعام يعمل لقدوم المسافر وسيأتي بيانها في الوليمة إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم ( 2 / 2 )