عن أركان الحج أو العمرة " والفوات " للحج وما يذكر معهما من بقية موانع الحج .
والموانع ستة أولها الإحصار العام وهو منع المحرمين عن المضي من جميع الطرق يقال أحصره وحصره لكن الأول أشهر في حصر المرض والثاني أشهر في حصر العدو وقد بدأ المصنف بحكم هذا الثاني فقال " من أحصر " أي منع من جميع الطرق عن إتمام الحج أو العمرة " تحلل " جوازا بما سيأتي لا وجوبا سواء أكان حاجا أم معتمرا أم قارنا وسواء أكان المنع بقطع الطريق أم بغيره وسواء أكان المانع كافرا أم مسلما سواء أمكن المضي بقتال أم ببذل مال أم لم يمكن منع من الرجوع أيضا أم لا وذلك لقوله تعالى " فإن أحصرتم " أي وأردتم التحلل " فما استيسر من الهدي " إذ الإحصار بمجرده لا يوجب الهدي والآية نزلت بالحديبية حين صد المشركون النبي A من البيت وكان معتمرا فنحر ثم حلق وقال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ولأن في مصابرة الإحرام إلى أن يأتي بالأعمال مشاقا وحرجا قد رفعه الله سبحانه وتعالى عنا بفضله وكرمه وأجمع المسلمون على ذلك .
أما إذا تمكنوا بغير قتال أو بذل مال فلا يتحللون وعلم من ذلك أنه لو طلب منهم لم يلزمهم بذل وهو كذلك وإن قل أي قلة ( 1 / 533 ) بالنسبة إلى أداء النسك كما قاله بعض المتأخرين فنحوا لدرهمين والثلاثة لا يتحلل من أجلها .
ويكره بذل مال لكافر لما فيه من الصغار بلا ضرورة ولا يحرم كما لا تحرم الهبة لهم .
أما المسلمون فلا يكره بذله لهم والأولى قتال الكفار عند القدرة عليه ليجمعوا بين الجهاد ونصرة الإسلام وإتمام النسك .
فإن قيل لم لم يجب إذا كانوا مثلينا فأقل أجيب بأنه لا يجب الثبات لهم في غير الصف كما قالوه في السير ويجوز للمحسر إذا أراد القتال لبس الدرع ونحوه ويفدي وجوبا كما لو لبسه المحرم لدفع حر أو برد والأولى للمحصر المعتمر الصبر عن التحلل وكذا للحاج إن اتسع الوقت وإلا فالأولى التعجيل لخوف الفوات .
نعم إن كان في الحج وتيقن زوال الحصر في مدة يمكنه إدراك الحج بعدها أو في العمرة وتيقن قرب زواله وهو ثلاثة أيام امتنع تحلله كما قاله الماوردي .
قال الأذرعي والظاهر أن المراد باليقين هنا الظن الغالب واستشهد له بنص في البويطي .
فإن قيل ما فائدة التحلل فيما إذا أحاط بهم العدو من الجوانب كلها أجيب بأنهم يستفيدون به الأمن من العدو الذي بين أيديهم .
قال الإسنوي وهذا يقتضي تقييد المسألة بما إذا كان المانعون فرقا متميزة لا تعضد كل واحدة الأخرى فإن كان المانعون لجميع الجوانب فرقة واحدة لم يجز التحلل فتفطن له ا . ه " .
والمعتمد إطلاق كلام الأصحاب لما في مصابرة الإحرام مع عدم تمكنهم من إتمام النسك من المشقة كما مر .
تنبيه .
كلام المصنف يتناول من أحصر عن الوقوف دون البيت وعكسه وهو كذلك لكنه لا يتحلل في الحال ففي الأولى يدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة كما في أصل الروضة في آخر الباب وفي الثانية يقف ثم يتحلل كما في المجموع عن الماوردي وأقره وفي الصورتين لا قضاء .
وخرج بالأركان ما لو منع من الرمي والمبيت فلا يجوز له التحلل لتمكنه من التحلل بالطواف والسعي والحلق ويجزئه عن نسكه والرمي والمبيت بجبران بالدم .
واستنبط البلقيني C تعالى من الأحصار عن الطواف أن الحائض إذا لم تطف للإفاضة ولم يمكنها الإقامة حتى تطهر وجاءت بلدها وهي محرمة وعدمت النفقة ولم يمكنها الوصول إلى البيت أنها كالمحصر فتتحلل بالنية والذبح والتقصير وأيده بأن في المجموع عن صاحب الفروع و الروياني وغيرهما فيمن صد عن طريق ووجد آخر أطول إن لم يكن معه نفقة تكفيه لذلك الطريق فله التحلل وذكر البارزي نحو ذلك واستحسنه الولي العراقي .
وقد قدمت التنبيه على هذه المسألة وإنما أعدتها لئلا يغفل عنها فإنها مسألة كثيرة الوقوع فيتفطن لها .
وكلام المصنف يفهم أنه إذا أحصر جاز له التحلل وإن كان له طريق آخر يمكنه سلوكه ووجد شرائط الاستطاعة فيه وليس مرادا بل يلزمه سلوك ذلك الطريق سواء أطال الزمان أم قصر وإن تيقن الفوت ويتحلل بعمل عمرة كما نص عليه الشافعي C تعالى وجرى عليه الأصحاب فلو فاتهم الحج لطول الطريق المملوك ونحوه لم يجب القضاء ولا فرق فيما ذكر بين حصر الكل أو البعض ولو واحدا . " .
وقيل لا تتحلل الشرذمة " بمعجمة وهي طائفة أحصرت من بين الرفقة لأن الحصر لم يعم الكل فأشبه المرض وخطأ الطريق .
والصحيح الجواز كما في الحصر العام لأن مشقة كل واحد لا تختلف بين أن يتحمل غيره مثلها أو لا يتحمل .
وأما الحصر الخاص وهو المانع الثاني بأن حبس ظلما كأن حبس بدين وهو معسر به فإنه يجوز له أن يتحلل كما في الحصر العام لما مر .
فإن قيل قول الأصحاب إن المفلس المحبوس ظلما يتحلل لأن في بقائه على الإحرام مشقة كما في حصر العدو مشكل لأنه إذا حبس تعديا لم يستفد بالتحلل الخلاص مما هو فيه كالمريض ولحوق المشقة بالبقاء على الإحرام غير معتبر إذ هو موجود في المريض بل حال المريض آكد فلا وجه للتحلل بالحبس .
أجيب بأن المرض لا يمنع الإتمام فالمريض متمكن من إتمام النسك معه فلم يبح له إلا بشرط ولا كذلك هنا أما إذا حبس بحق كأن حبس بدين متمكن من أدائه فلا يجوز له التحلل بل عليه أن يؤديه ويمضي في نسكه فلو تحلل لم يصح تحلله فإن فاته الحج في الحبس لم يتحلل إلا بعمل عمرة بعد إتيانه مكة كمن فاته الحج بلا إحصار . " .
ولا تحلل بالمرض " ونحوه كضلال طريق وفقد نفقة لأنه لا يفيد زوال المرض ونحوه بخلاف التحلل بالإحصار بل يصبر حتى يزول عذره فإن كان محرما بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة قال الماوردي وهو إجماع الصحابة .
هذا ( 1 / 534 ) إذا لم يشرط التحلل به " فإن شرطه " بالمرض ونحوه في إحرامه أي أنه يتحلل إذا مرض مثلا " تحلل " جوازا " به " أي بسبب المرض ونحوه " على المشهور " لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل رسول الله A على ضباعة بضم الضاد المعجمة وبالباء الموحدة بنت الزبير فقال لها أردت الحج فقالت والله ما أجدني إلا وجعة فقال حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني ويقاس بما فيه غيره .
والثاني لا يجوز لأنه عبادة لا يجوز الخروج منها بغير عذر فلا يجوز بالشرط كالصلاة المفروضة .
ومن قال بهذا أجاب عن الحديث بأن المراد بالحبس الموت أو خاص بضباعة .
ثم إنه اشترط التحلل بالهدي لزمه أو بلا هدي لم يلزمه وكذا إن أطلق لعدم الشرط ولظاهر خبر ضباعة فالتحلل يكون في هاتين الحالتين بالنية والحلق أو نحوه فقط .
ولو قال إن مرضت أو نحو ذلك من الأعذار فأنا حلال فوجد العذر صار حلالا به من غير نية وعلى ذلك حمل خبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل .
وإن شرط قلب الحج عمرة بذلك جاز كما لو شرط التحلل به بل أولى فله إذا وجد العذر أن يقلب حجه عمرة وتجزئه عن عمرة الإسلام .
ولو شرط أن ينقلب حجه عمرة عند العذر فوجد العذر انقلب عمرة وأجزأته عن عمرة الإسلام أيضا كما صرح به البلقيني بخلاف التحلل بالإحصار لا تجزئه عن عمرة الإسلام لأنها في الحقيقة ليست عمرة وإنما هي أعمال عمرة . " .
ومن تحلل " أي أراد التحلل لأن الذبح يكون قبل التحلل كما سيأتي أي الخروج من النسك بإحصار . " .
ذبح " حتما للآية السابقة " شاة " أو ما يقوم مقامها من بدنة أو بقرة أو سبع أحدهما . " .
حيث أحصر " في حل أوحرم .
ولا يسقط عنه الدم إذا شرط عند الإحرام أنه يتحلل إذا أحصر بخلاف ما سبق في المرض لأن حصر العدو لا يفتقر إلى شرط فالشرط فيه لاغ .
ولا يجوز الذبح بموضع من الحل غير الذي أحصر فيه كما ذكره في المجموع لأنه A ذبح هو وأصحابه بالحديبية وهو من الحل .
وكذلك يذبح هناك ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي التطوع وله ذبحه عن إحصاره وتفرقة اللحم على مساكين ذلك الموضع .
وظاهر إطلاق المصنف جواز الذبح في موضعه من الحل إذا أحصر فيه ولو تمكن من بعض الحرم وهو الأصح كما في أصل الروضة وإن صحح البلقيني خلافه .
تنبيه .
يفهم من قوله حيث أحصر أنه لو أحصر في الحل وأراد أن يذبح بموضع آخر لم يجز وهو كذلك كما مر عن المجموع لأن موضع الإحصار قد صار في حقه كنفس الحرم وهو نظير منع المتنفل إلى غير القبلة من التحول إلى جهة أخرى واتفقوا على جواز إيصاله الحرم لكنه لا يتحلل حتى يعلم بنحره ولو أحصر في الحرم جاز له نقله إلى موضع آخر منه وإن أفهمت عبارته خلافه . " .
قلت " كالرافعي في الشرح " إنما يحصل التحلل بالذبح " لقوله تعالى " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " " .
ونية التحلل " المقارنة له لأن الذبح قد يكون للتحلل وقد يكون لغيره فلا بد من قصد صارف وكيفيتها أن ينوي خروجه عن الإحرام . " .
وكذا الحلق " أو نحوه " إن جعلناه نسكا " وسبق أنه القول المشهور .
ولا بد من مقارنة النية له كما في الذبح ويشترط تأخره عن الذبح كما صرح به الماوردي وغيره للآية السابقة . " .
فإن فقد " بالبناء للفاعل أو المفعول " الدم " حسا كأن لم يجد ثمنه أو شرعا كأن احتاج إلى ثمنه أو وجده يباع بأكثر من ثمن مثله في ذلك المحل " فالأظهر أن له بدلا " قياسا على دم التمتع وغيره والثاني لعدم النص فيبقى في ذمته . " .
و " الأظهر على الأول " أنه " أي البدل " طعام " لأنه أقرب إلى الحيوان من الصيام لاشتراكهما في المالية فكان الرجوع إليه عند الفقد أولى وعليه قيل يقدر بثلاثة آصع لستة مساكين كفدية الحلق والأصح " بقيمة الشاة " مراعاة للقرب فيقوم الشاة بدراهم ويخرج بقيمتها طعاما . " .
فإن عجز " عن الطعام " صام " حيث شاء " عن كل مد يوما " قياسا على الدم الواجب ( 1 / 535 ) بترك المأمور والقول الثاني بدله الصوم وهو كصوم التمتع أو الحلق أو التعديل أقوال لم يصحح الشيخان شيئا منها وصحح الفارقي آخرها بأن يعرف ما يتأتى بقيمته طعاما فيصوم عن كل مد يوما . " .
وله " إذا انتقل إلى الصوم " التحلل في الحال " بالحلق بنية التحلل عنده " في الأظهر والله أعلم " لأن التحلل إنما شرع به لدفع المشقة فلو وقفناه على ذلك لحقه المشقة لتضرره بالمقام على الإحرام .
والثاني يتوقف على الصوم كالإطعام لأنه قائم مقامه .
وفرق الأول بما تقدم .
ثم شرع في المانع الثالث وهو الرق فقال " وإذا أحرم العبد " وفي معناه الأمة ولو مبعضا في غير نوبته أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد أو معلقا عتقه بصفة " بلا إذن " من فيما أحرم به " فلسيده تحليله " بأن يأمره بالتحلل لأن إحرامه بغير إذنه حرام كما صرح به البندنيجي وغيره إذ لا نسك عليه ولأن تقريره على إحرامه يعطل عليه منافعه التي يستحقها فإنه قد يريد منه ما لا يباح للمحرم كالاصطياد وإصلاح الطيب وقربان الأمة وكذا يجوز لمشتريه تحليله .
ولا خيار له عند جهله بإحرامه لكن الأولى لهما أن يأذنا له في إتمام نسكه كما صرح به في الروضة في السيد ومثله المشتري قاله الأذرعي وغيره .
ولو أحرم بلا إذن ثم أذن له السيد في المضي فيه لم يملك تحليله فيما بعد كما قاله الماوردي وغيره ويستثنى ما لو أسلم عبد حربي ثم أحرم بغير إذنه ثم غنمناه فالظاهر أنه ليس لنا تحليله قال الزركشي ولا يخفى أن الكلام في البالغ فإن الصغير لا يصح إحرامه بغير إذن سيده وإن صححنا إحرام الصغير الحر بغير إذن وليه ا . ه " .
وتقدم أن المعتمد أنه لا يصح بغير إذن وليه فإذن لا فرق .
وللرقيق أن يتحلل قبل أمر سيده كما صرح به المصنف في مجموعه نقلا عن الأصحاب في الزوجة لكن قياسه على الزوجة ممنوع لما سيأتي .
والأقرب كما اقتضاه كلامهم أن له التحلل وإن لم يأمره به سيده بل إذا أمره به لزمه كما صرح به ابن الرفعة فعليه التحلل حينئذ فيحلق وينوي التحلل فعلم إن إحرامه بغير إذنه صحيح وإن حرم عليه فعله .
فإن لم يتحلل فله استيفاء منفعته منه والإثم عليه ولا يرتفع إحرامه بشيء من ذلك .
ويؤخذ من بقائه على إحرامه أنه لو ذبح صيدا لم يحل وإن أمره سيده بذلك كما أفتى به شيخي وغيره وإن خالف في ذلك بعض العصريين وإنما لم يجب بغير أمره وإن كان الخروج من المعصية واجبا لكونه تلبس بعبادة في الجملة مع جواز رضا السيد بدوامه .
وإن أحرم بإذنه فليس له تحليله وليس له أن يتحلل أيضا ولا لمن اشتراه لكن يتخير إن جهل .
وللسيد الرجوع في الإذن قبل الإحرام فلو أحرم ولم يعلم برجوعه فله تحليله ولو أنكر السيد الإذن صدق .
قال في العباب وفي تصديق السيد في تقديم رجوعه تردد ا . ه " .
والذي يظهر تصديقه أي إذا لم يعين وقت الرجوع وإلا فيظهر أنه كالاختلاف في الرجعة .
ولو أذن له في العمرة فأحرم بالحج جاز له تحليله لا إن أذن في الحج فأحرم بالعمرة لأنها دونه .
وإن أذن له في التمتع فله الرجوع بينهما كما لو رجع في الإذن قبل الإحرام بالعمرة وليس له تحليله عن شيء منهما بعد الشروع فيه .
ولو قرن بعد إذنه له في التمتع أو في الحج أو في الإفراد لم يحله لأن ما أذن له فيه مساو للقران أو فوقه .
فإن قيل هو مشكل في صورة التمتع كما قاله الأذرعي قال ابن كج لأنه يقول كان غرضي من التمتع أني كنت أمنعك من الدخول في الحج .
أجيب بأنه متلبس بما أذن له فيه فامتنع عليه تحلله ولو أذن له أن يحرم في وقت فأحرم قبله فله منعه ما لم يدخل ذلك الوقت .
قال في العباب ولو أذن له في الإحرام مطلقا وأراد السيد صرفه إلى نسك والرقيق صرفه إلى غيره ففيمن يجاب قولان ا . ه " .
والذي يظهر أن السيد هو المجاب إن كان ما طلبه أدون . "