وعلل الماوردي وغيره وجوب اعتبار الفقه بأن ذلك حكم فلم يجز إلا بقول من يجوز حكمه ومنه يؤخذ كما قال شيخنا أنه لا يكفي الخنثى والمرأة والعبد .
وما ذكر من وجوب الفقه محمول على الفقه الخاص بما يحكم به هنا وما في المجموع عن الشافعي والأصحاب من أن الفقه مستحب محمول على زيادته .
ويحمل العدلان بالمثل فيما قتلاه بلا عدوان كخطأ أو اضطرار إليه لأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر رجلا قتل ظبيا بالحكم فيه فحكم فيه بجدي فوافقه هو وغيره ولأنه حق لله تعالى فكان من وجب عليه أمينا فيه كالزكاة أما مع العدوان والعلم بالتحريم فلا يحكمان لفسقهما .
فإن قيل الظاهر أن ذلك ليس كبيرة فكيف تسقط العدالة بارتكابه مرة أجيب بمنع ذلك بل الظاهر أنه كبيرة لأنه إتلاف حيوان محترم بلا ضرور ولا فائدة .
ولو حكم عدلان بمثل وآخران بمثل أو بأنه لا مثل له تخير من لزمه المثل في الأولى كما في اختلاف المفتيين .
وقدم مثبتي المثل في الثانية لأن معهما زيادة علم بمعرفة دقيق الشبه .
واحترز المصنف بقوله وما لا نقل فيه عن حيوان فيه نص عن النبي A أو عن صحابيين أو عن عدلين من التابعين فمن بعدهم .
قال في الكفاية أو عن صحابي مع سكوت الباقين فيتبع ما حكموا به .
وفي معناه قول كل مجتهد غير صحابي مع سكوت الباقين . " .
و " يجب " فيما لا مثل له " مما لا نقل فيه كالجراد وبقية الطيور ما عدا الحمام لما سيأتي سواء أكان أكبر جثة من الحمام أم لا كالعصفور . " .
القيمة " عملا بالأصل في المتقومات وقد حكمت الصحابة بها في الجراد ولأنه مضمون لا مثل له فضمن بالقيمة كمال الآدمي ويرجع في القيمة إلى عدلين كما صرح به الماوردي وغيره .
والعبرة في هذه القيمة بموضع الإتلاف أو التلف لا بمكة على المذهب .
أما ما لا مثل له مما فيه نقل وهو الحمام وهو ما عب أي شرب الماء بلا مص وهدر أي رجع صوته وغرد كاليمام والقمري والدلسي والفاختة ونحوها من كل مطوق ففي الواحدة منها شاة من ضأن أو معز بحكم الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
فهذا مستثنى من إطلاق المصنف وفي مستندهم وجهان أصحهما توقيف بلغهم فيه والثاني ما بينهما من الشبه وهو إلف البيوت .
وهذا إنما يأتي في بعض أنواع الحمام إذ لا يأتي في الفواخت ونحوها .
وألحق الجرجاني الهدهد ( 1 / 527 ) بالحمام في التضمين بشاة .
وهذا ضعيف لأن الهدهد الراجح فيه أنه غير مأكول .
فروع لو أزال إحدى منعتي النعامة ونحوهما وهما قوة عدوها وطيرانها اعتبر النقص لأن امتناعهما في الحقيقة واحد فالزائل بعض الامتناع فيجب النقص لا الجزاء الكامل .
ولو جرح ظبيا واندمل جرحه بلا إزمان فنقص عشر قيمته فعليه عشر شاة لا عشر قيمتها تحقيقا للماثلة فإنه بريء ولا نقص فيه فالأرش بالنسبة إليه كالحكومة بالنسبة إلى الآدمي فيقدر القاضي فيه شيئا باجتهاده مقدار الوجع الذي أصابه وعليه في غير المثلي أرشه .
ولو أزمن صيد لزمه جزاؤه كاملا كما لو أزمن عبد ألزمه كل قيمته فإن قتله محرم آخر فعلى القاتل جزاؤه مزمنا أو قتله المزمن قبل الاندمال فعليه جزاء واحد أو بعده فعليه جزاؤه مزمنا .
ولو جرح صيد فغاب فوجده ميتا وشك أمات بجرحه أم بحادث لم يجب عليه غير الأرش لأن الأصل براءة ذمته عما زاد . " .
ويحرم " على محرم وحلال " قطع " أو قلع " نبات الحرم " الرطب " الذي لا يستنبت " بالبناء للمفعول أي ما من شأنه أن لا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا كان أو غيره لقوله في الخبر المار ولا يعضد شجره أي لا يقطع ولا يختلى خلاه وهو بالقصر الحشيش الرطب أي لا ينتزع بقطع ولا بقلع .
وقيس بما في الخبر غيره مما ذكر .
وخرج بالرطب الحشيش اليابس فيجوز قطعه لا قلعه والشجر اليابس فيجوز قطعه وقلعه .
والفرق بين الشجر والحشيش في القلع أن الحشيش ينبت بنزول الماء عليه .
قال في المجموع وهذا لا يخالف قول الماوردي إن الحشيش إذا جف ومات يجوز قلعه لأن اليابس قد يفسد منبته ويموت أي فكلام الماوردي محمول على هذا والأول على خلافه وبالحرم نبات الحل إذا لم يكن بعض أصله في الحرم فيجوز قطعه وقلعه ولو بعد غرسه في الحرم بخلاف عكسه عملا بالأصل في الموضعين .
ولو قلع شجرة رطبة من الحرم ثم ردها إلى موضعها أو موضع آخر فيه فنبتت فلا ضمان عليه .
أما ما بعض أصله في الحرم فيحرم تغليبا للحرم وبما لا يستنبت ما يستنبت وسيأتي تخصيصه بغير الشجر كبر وشعير فلما لكه قطعه وقلعه .
ولو قطع غصنا في الحرم أصله في الحل لم يضمنه ويضمن صيدا قتله فوقه وحكم عكسه عكس حكمه .
قال الفوراني ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل ولا ضمان بقطع الأغصان الحرمية المؤذية للناس في الطريق .
ولو أخذ غصنا من شجرة حرمية فأخلف مثله في سنته بأن كان لطيفا كالسواك فلا ضمان فيه فإن لم يخلف أو أخلف لا مثله أو مثله لا في سنته فعليه الضمان فإن أخلف مثله بعد وجوب ضمانه لم يسقط الضمان كما لو قلع سن مثغور فنبت .
ويجوز أخذ أوراق لأشجار بلا خلط لئلا يضربها وخبطها حرام كما في المجموع نقلا عن الأصحاب ونقل اتفاقهم على أنه لا يجوز أخذ ثمرها وعود السواك ونحوه وقضيته أنه لا يضمن الغصن اللطيف وإن لم يخلف قال الأذرعي وهو الأقرب ونقل ما يؤيده .
قال شيخنا لكنه مخالف لما مر ا . ه " .
والأولى أن يحمل ما هنا على ما هناك . " .
والأظهر تعلق الضمان به " أي بقطع نبات الحرم الرطب وهو شامل للشجر كما مر فقوله " وبقطع أشجاره " تبع فيه المحرر ولا حاجة إليه فهو من ذكر الخاص بعد العام . " .
ففي " أي يجب في قطع أو قلع " الشجرة " الحرمية " الكبيرة " بأن تسمى كبيرة عرفا " بقرة " كما رواه الشافعي عن ابن الزبير ومثله لا يقال إلا بتوقيف وسواء أخلفت الشجرة أم لا قال في الروضة كأصلها والبدنة في معنى البقرة .
فإن قيل لم تسمحوا بها عن البقرة ولا عن الشاة في جزاء الصيد أجيب بأنهم راعوا المثلية في الصيد بخلافه هنا . " .
و " في " الصغيرة " إن قاربت سبع الكبيرة " شاة " رواه الشافعي أيضا فإن صغرت أيضا ففيها القيمة .
قال الزركشي وسكت الرافعي عما جاوز سبع الكبيرة ولم ينته إلى حد الكبر وينبغي أن تجب فيه شاة أعظم من الواجبة في سبع الكبيرة .
تنبيه .
سكت المصنف عن الواجب في غير الشجر من النبات والواجب فيه القيمة لأنه القياس ولم يرد نص يدفعه .
ولم يتعرض الشيخان لسن البقرة وفي الاستقصاء لا يشترط إجزاؤها في الأضحية بل يكفي فيها التبيع .
وأما ( 1 / 528 ) الشاة فلا بد أن تكون في سن الأضحية .
قال الإسنوي وكان الفرق أن الشاة لم يوجبها الشرع إلا في هذا السن بخلاف البقرة بدليل التبيع في الثلاثين منها .
وكلام المصنف يقتضي وجوب البقرة أو الشاة بمجرد القطع ولا يتوقف على قلع الشجرة وكلام التنبيه يقتضي التوقف عليه ولم يصرحا في الشرحين والروضة بالمسألة نعم عبر الرافعي بالتامة ولعله احترز به عن قطع الغصن . " .
قلت والمستنبت " بفتح الموحدة وهو ما استنبته الآدميون من الشجر " كغيره " في الحرمة والضمان " على المذهب " وهو القول الأظهر وقطع به بعضهم لعموم الحديث السابق .
والثاني المنع تشبيها له بالزرع أي كالحنطة والشعير والبقول والخضروات فإنه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف ذكره في المجموع . " .
ويحل " من شجر الحرم " الإذخر " قطعا وقلعا لاستثنائه في الخبر السابق قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم فقال A إلا الإذخر ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقفونها بضم القاف به فوق الخشب والقين الحداد .
وهي بكسر الهمزة والذال المعجمة نبات معروف .
وظاهر إطلاق المصنف أن آخذه يتصرف فيه بجميع التصرفات من بيع وغيره وبذلك أفتى شيخي . " .
وكذا الشوك " يحل شجره " كالعوسج " جمع عوسجة نوع من الشوك " وغيره " من كل مؤذ يحل " عند الجمهور " كالصيد المؤذي فلا ضمان في قطعه وقيل يحرم ويجب الضمان بقلعه وصححه المصنف في شرح مسلم واختاره في تحرير التنبيه وتصحيحه .
قال والفرق بينه وبين الصيود المؤذية أنها تقصد الأذى بخلاف الشجر .
تنبيه .
قال الإسنوي ولأجل اختيار المصنف المنع عبر بقوله عند الجمهور ولم يعبر بالصحيح ونحوه على عادته لأنه لا يمكنه إطلاق تصحيح الجواز لاعتقاده خلافه ولا تصحيح المنع لكونه خلاف المشهور في المذهب ا . ه " .
لكنه لم يحترز عن ذلك في الروضة بل قال على الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي المجموع ونحوه .
ويجوز رعي حشيش الحرم بل وشجره كما نص عليه في الأم للبهائم لأن الهدايا كانت تساق في عصره A وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وما كانت تسد أفواهها في الحرم .
ويحل أخذ حشيشه للبهائم " والأصح حل أخذ نباته " من حشيش ونحوه بالقطع " لعلف البهائم " بسكون اللام كما يجوز تسريحها فيه " وللدواء " بالمد كالحنظل وللتغذي كالرجلة والبقلة للحاجة إليه " والله أعلم " ولأن ذلك في معنى الزرع .
ولا يقطع لذلك إلا بقدر الحاجة كما قاله ابن كج والثاني يمنع ذلك وقوفا مع ظاهر الخبر .
وعلى الأول لا يجوز قطعه للبيع ممن يعلف به كما في المجموع لأنه كالطعام الذي أبيح أكله لا يجوز بيعه .
ويؤخذ منه كما قال الزركشي وغيره أنا حيث جوزنا أخذ السواك لا يجوز بيعه وظاهر إطلاقهم جواز أخذه للدواء أنه لا يتوقف على وجود السبب حتى يجوز أخذه ليستعمله عند وجوده قال الإسنوي وهو المتجه ا . ه " .
والمتجه المنع كما قاله الزركشي لأن ما جاز للضرورة أو للحاجة يقيد بوجودها كما في اقتناء الكلب .
تنبيه .
اقتصار المصنف على النبات قد يفهم أن ذلك لا يتعدى لغيره وهو كذلك فيحرم نقل تراب الحرم وأحجاره وما عمل من طينه كالأباريق وغيرها إلى الحل فيجب رده إلى الحرم بخلاف ماء زمزم كما مر .
ونقل تراب الحل إلى الحرم مكروه كما في الروضة أو خلاف الأولى كما في المجموع وهو الظاهر لعدم ثبوت نهي فيه .
ويحرم أخذ طيب الكعبة فمن أراد التبرك مسحها بطيب نفسه ثم يأخذه وأما سترها فالأمر فيه إلى الإمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعا وعطاء لئلا يتلف بالبلى وبهذا قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة وجوزوا لمن أخذه لبسه ولو جنبا وحائضا والحرم له حدود معروفة نظم بعضهم مسافتها بالأميال في بيتين فقال وللحرم التحديد من أرض طيبة ثلاثة أميال إذا رمت إتقانه وسبعة أميال عراق وطائف وجدة عشر ثم تسع جعرانه والسين في سبعة الأولى مقدمة بخلاف الثانية وزاد بعضهم بيتا ثالثا فقال ( 1 / 529 ) ومن يمن سبع بتقديم سينه وقد كملت فاشكر لربك إحسانه 2 وصيد " حرم " المدينة " أو أخذ نباته كما في المجموع " حرام " لقوله A إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها رواه مسلم عن جابر .
تنبيه .
لو زاد المصنف حرم كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والشرحين والروضة كان أولى لأن التحريم لا يختص بالمدينة .
واللابتان الحرتان بفتح الحاء المهملة تثنية لابة وهي أرض تركبها حجارة سود لابة شرقي المدينة ولابة غربيها فحرمها ما بينهما عرضا وما بين جبليها طولا وهما عير وثور لخبر الصحيحين المدينة حرم من عير إلى ثور .
واعترض بأن ذكر ثور هنا وهو بمكة غلط من الرواة وأن الرواية الصحيحة أحد .
ورد بأن وراءه جبلا صغيرا يقال له ثور فأحد من الحرم . " .
ولا يضمن " الصيد ولا النبات " في الجديد " لأنه ليس محلا للنسك بخلاف حرم مكة والقديم أنه يضمن بسلب الصائد والقاطع لشجره واختاره المصنف في المجموع وتصحيح التنبيه لثبوت ذلك عن رسول الله A كما أخرجه مسلم في الشجر وأبو داود في الصيد .
واختلف على هذا في السلب ما هو ولمن هو فقيل إنه كسلب القتيل الكافر وقيل ثيابه فقط وقيل وهو الأصح في المجموع إنه يترك للمسلوب ما يستر به عورته والأصح أن السلب للسالب وقيل لفقراء المدينة وقيل لبيت المال .
ونقل تراب حرم المدينة وأحجاره وما عمل منه كالكيزان وإدخال ذلك من الحل إليه حكم حرم مكة فيما مر .
ويحرم صيد وج الطائف ونباته ولا ضمان فيهما قطعا .
والنقيع بالنون وقيل بالباء ليس بحرم ولكن حماه النبي A لنعم الصدقة ونعم الجزية فلا يملك شيء من نباته ولا يحرم صيده ولا يضمن ويضمن ما أتلفه من نباته لأنه ممنوع منه فيضمنه بقيمته .
قال الشيخان ومصرفها مصرف نعم الجزية والصدقة .
وبحث المصنف أنها لبيت المال .
ثم شرع في بيان أنواع الدماء وهي أربعة أقسام لأن الدم إما مخير أو مرتب وكل منهما إما معدل أو مقدر وسأجمعها لك في خاتمة هذا الباب إن شاء الله تعالى .
وقد بدأ بالمخير المعدل فقال " ويتخير في " جزاء إتلاف " الصيد المثلي بين " ثلاثة أمور " ذبح " بذال معجمة " مثله " بثاء مثلثة " والصدقة به " بأن يفرق لحمه مع النية حتما " على مساكين الحرم " وعلى فقرائه كما فهم بالأولى أو يملكهم جملته مذبوحا .
ولا يجوز إخراجه حيا ولا أكل شيء منه . " .
وبين أن يقوم المثل " بالنقد الغالب " دراهم " أو غيرها " ويشتري بها طعاما لهم " ممن يجزىء في الفطرة أو يخرج مقدارها من طعامه إذ الشراء مثال " أو يصوم " في أي مكان شاء " عن كل مد " من الطعام " يوما " وذلك لقوله تعالى " فجزاء مثل ما قتل من النعم " إلى قوله " صياما " .
ويستثنى من إطلاق المثل ما إذا قتل صيدا مثليا حاملا فإنه لا يجوز ذبح مثله على الأصح كما مر بل يقوم المثل حاملا ويتصدق بقيمته طعاما .
تنبيه .
قوله دراهم منصوب على نزع الخافض أي بدراهم .
والتقويم لا يختص بها فلو عبر بالنقد الغالب كما قدرته كان أولى .
وقوله لهم أي لأجلهم لا لأن الشراء يقع لهم .
وقد يفهم كلامهم أنه لو بقي من الطعام أقل من مد لم يصم عنه شيئا لأن الصوم لا يتبعض وليس مرادا بل يكمل المنكسر ويصوم عنه يوما ولا يفعل مكان المنكسر كامل إلا هنا وفي القسامة وقد تقدم أن الكافر كالمسلم في صيد الحرم إلا في الصوم فيتخير بين شيئين فقط . " .
وغير المثلي " مما لا نقل فيه من الصيد يتخير في جزاء إتلافه بين أمرين أحدهما يتصدق بقيمته أي بقدرها " طعاما " يتصدق به على مساكين الحرم وفقرائه فلا يتصدق بالدراهم وثانيهما ما ذكره بقوله " أو يصوم " عن كل مد يوما ويكمل المنكسر كما مر والعبرة في قيمة غير المثلي بمحل الإتلاف وزمانه قياسا على كل متلف متقوم وفي قيمة مثل المثلي ( 1 / 530 ) بمكة وقت إرادة تقويمه لأنها محل ذبحه لو أريد .
والمعتبر في العدول إلى الطعام سعره بمكة كما جزم به الفوراني . " .
ويتخير في فدية الحلق " لثلاث شعرات متوالية فأكثر وفي قلم أظفار كذلك وفي التطيب واللبس والأدهان ومقدمات الجماع بشهوة وشاة الجماع بعد الجماع الأول والجماع بين التحللين . " .
بين " ثلاثة أمور " ذبح شاة " تجزىء في الأضحية ويقوم مقامها بدنة أو بقرة أو سبع من واحدة منهما . " .
و " بين " التصدق بثلاثة آصع " بالمد جمع صاع وآصع أصله أصوع أبدل من واوه همزة مضمومة قدمت على الصاد ونقلت ضمتها وقلبت هي ألفا . " .
لستة مساكين " لكل مسكين نصف صاع " و " بين " صوم ثلاثة أيام " وذلك لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه " أي فحلق " ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " 1 " ولما روى الشيخان أنه A قال لكعب بن عجرة أيؤذيك هوام رأسك قال نعم قال أنسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع وقيس بالحلق وبالمعذور غيرهما " .
فائدة : .
سائر الكفارات لا يزاد المسكين فيها على مد إلا في هذه . " .
والأصح أن الدم في ترك المأمور " الذي لا يفوت به الحج كالإحرام من الميقات أو مما يلزم الإحرام منه إذا أحرم من غيره والرمي والمبيت بمزدلفة أو بمنى ليالي التشريق وطواف الوداع " دم ترتيب " إلحاقا له بدم التمتع لما في التمتع من ترك الإحرام من الميقات وقيس به ترك باقي المأمورات . " .
فإذا عجز " عن الدم " اشترى بقيمة الشاة طعاما " أو أخرجه من طعامه كما مر " وتصدق به " على مساكين الحرم وفقرائه . " .
فإن عجز صام عن كل مد " من الطعام " يوما " وهذا ما صححه الغزالي كالإمام والأصح كما في الروضة أنه إذا عجز عن الدم يصوم كالمتمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع فهو مرتب مقدر وسيأتي تحرير ذلك في الخاتمة . " .
ودم الفوات " للحج بفوات الوقوف " كدم التمتع " في صفته وسائر أحكامه السابقة لأن دم التمتع كترك الإحرام من الميقات والوقوف المتروك في الفوات أعظم منه . " .
ويذبحه في حجة القضاء " وجوبا لا في سنة الفوات " في الأصح " وفي الروضة الأظهر لفتوى عمر رضي الله تعالى عنه بذلك رواه مالك وسيأتي بطوله في الباب الآتي إن شاء الله تعالى .
والثاني يجوز ذبحه في سنة الفوات قياسا على دم الإفساد ووقت الوجوب على الأول منوط بالتحرم بالقضاء كما أن دم التمتع منوط بالتحرم بالحج وعليه إذا كفر بالصوم لا يقدم صوم الثلاثة على القضاء ويصوم السبعة إذا خرج منه .
ولو أخرج دم الفوات بين التحلل والإحرام بالحج بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء أجزأه كما هو قضية كلام أصل الروضة وكلام العراقيين نبه على ذلك الأذرعي . " .
والدم الواجب " على محرم " بفعل حرام " وإن لم يكن حراما في ذلك الوقت كالحلق لعذر " أو ترك واجب " عليه غير ركن أو غيرهما كدم الجبرانات وكدم التمتع والقران والحلق " لا يختص بزمان " بل يفعل في يوم النحر وغيره لأن الأصل عدم التخصيص ولم يرد ما يخالفه ولكن يسن يوم النحر وأيام التشريق . " .
ويختص ذبحه " بأي مكان " بالحرم في الأظهر " لقوله تعالى " هديا بالغ الكعبة " ولقوله A نحرت ههنا ومنى كلها منحر رواه مسلم ولأن الذبح حق يتعلق بالهدي فيختص بالحرم كالتصدق والثاني يجوز أن يذبح خارج الحرم بشرط أن ينقل إليه ويفرق لحمه فيه قبل تغيره لأن المقصود هو اللحم فإذا وقعت تفرقته على مساكين الحرم حصل الغرض . " .
ويجب صرف لحمه " وجلده وبقية أجزائه من شعر وغيره وإن أوهمت عبارته خلافه " إلى مساكينه " أي الحرم وفقرائه القاطنين منهم والغرباء .
والصرف إلى الأول أولى إلا أن تشتد ( 1 / 531 ) حاجة الثاني فهو أولى .
تنبيه .
يؤخذ من كلامه أنه لا يجوز له أكل شيء منه وبه صرح الرافعي في كتاب الأضحية وأنه لا فرق بين أن يفرق المذبوح عليهم أو يعطيه بجملته لهم وبه صرح الرافعي أيضا في الكلام على تحريم الصيد .
ويكفي دفعه إلى ثلاثة من الفقراء أو المساكين سواء انحصروا أم لا لأن الثلاثة أقل الجمع فلو دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن له أقل متمول كنظيره من الزكاة .
فإن قيل ينبغي أن يجب استيعابهم إذا انحصروا كما في الزكاة .
أجيب بأن المقصود هنا حرمة البلد وهناك سد الخلة وتجب النية عند التفرقة كما قاله الروياني وغيره أو متقدمة عليها كما في الزكاة .
وظاهر كلامه أن هذا الحكم كله في الدم الواجب بفعل حرام أو ترك واجب وليس مرادا بل دم التمتع والقران كذلك .
وأما دم الإحصار فسيأتي .
ودفع الطعام لمساكين الحرم لا يتعين لكل منهم مد في دم التمتع ونحوه مما ليس دمه دم تخيير وتقدير .
أما دم الاستمتاعات ونحوها مما دمه دم تخيير وتقدير فلكل واحد من ستة مساكين نصف صاع من ثلاثة آصع كما مر .
ولو ذبح الدم الواجب بالحرم فسرق منه أو غصب قبل التفرقة لم يجزه .
ثم هو مخير بين أن يذبح آخر وهو أولى أو يشتري بدله لحما ويتصدق به لأن الذبح قد وجد .
فإن قيل ينبغي بالذمة والزكاة بعين المال ولو عدم المساكين في الحرم أخر الواجب المالي حتى يجدهم ولا يجوز النقل .
فإن قيل ينبغي أن يجوز النقل كالزكاة .
أجيب بأنها ليس فيها نص صريح بتخصيص البلد بها بخلاف هذا . " .
وأفضل بقعة " من الحرم " لذبح المعتمر " الذي ليس متمتعا ولا قارنا ولو مفردا " المروة " لأنها موضع تحلله " ول " ذبح " الحاج " ولو قارنا أو مريدا إفرادا أو متمتعا ولو عن دم تمتعه " منى " لأنها محل تحلله .
والأحسن كما قاله بعض شراح الكتاب في بقعة ضبطها بفتح القاف وكسر العين على لفظ الجمع المضاف لضمير الحرم . " .
وكذا حكم ما ساقاه " أي المعتمر والحاج " من هدي " نذر أو نفل " مكانا " في الاختصاص والأفضلية . " .
ووقته " أي ذبح هذا الهدي " وقت الأضحية على الصحيح والله أعلم " قياسا عليها والثاني لا يختص بوقت كدماء الجبرانات .
وعلى الأول لو أخر الذبح حتى مضت أيام التشريق نظر إن كان واجبا وجب ذبحه قضاء وإن كان تطوعا فقد فات هذا إذا لم يعين غير هذه الأيام فإن عين لهدي التقرب غير وقت الأضحية لم يتعين له وقت لأنه ليس في تعيين اليوم قربة نقله الإسنوي عن المتولي وغيره .
والهدي كما يطلق على ما يسوقه المحرم يطلق أيضا على ما يلزمه من دم الجبرانات وهذا الثاني لا يختص بوقت الأضحية كما سبق .
وظاهر كلام المصنف كالروضة أن ما يسوقه المعتمر يختص أيضا بوقت الأضحية على الصحيح وهو كذلك وإن نازع فيه الإسنوي .
خاتمة حيث أطلق في المناسك الدم فالمراد به كدم الأضحية فتجزىء البدنة أو البقرة عن سبعة دماء وإن اختلفت أسبابها فلو ذبحها عن دم وجب فالفرض سبعها فله إخراجه عنه وأكل الباقي إلا في جزاء الصيد المثلي لها فلا يشترط كونه كالأضحية فيجب في الصغير صغير وفي الكبير كبير وفي المعيب معيب كما مر بل لا يجزىء البدنة عن شاته .
وحاصل الدماء ترجع باعتبار حكمها إلى أربعة أقسام دم ترتيب وتقدير ودم ترتيب وتعديل ودم تخيير وتقدير ودم تخيير وتعديل .
القسم الأول يشتمل على دم التمتع والقران والفوات والمنوط بترك مأمور وهو ترك الإحرام من الميقات والرمي والمبيت بمزدلفة ومنى وطواف الوداع فهذه الدماء دماء ترتيب بمعنى أنه يلزمه الذبح ولا يجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه وتقدير بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص .
والقسم الثاني يشتمل على دم الجماع فهو دم ترتيب وتعديل بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة فيجب فيه بدنة ثم بقرة ثم سبع شياه فإن عجز قوم البدنة بدراهم والدراهم طعاما وتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوما ويكمل المنكسر كما مر وعلى دم الإحصار فعليه شاة ثم طعام بالتعديل فإن عجز عن الطعام صام عن كل مد يوما ( 1 / 532 ) والقسم الثالث يشتمل على دم الحلق والقلم فهو دم تخيير بمعنى أنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة عليه فيتخير إذا حلق ثلاث شعرات أو قلم ثلاثة أظفار ولاء بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وصوم ثلاثة أيام وعلى دم الاستمتاع وهو التطيب والدهن بفتح الدال للرأس أو اللحية وبعض شعور الوجه على خلاف تقدم واللبس ومقدمات الجماع والاستمناء والجماع غير المفسد .
والقسم الرابع يشتمل على دم جزاء الصيد والشجر .
فجملة هذه الدماء عشرون دما ونظم الدميري C تعالى هذه الخاتمة فقال خاتمة من الدماء التزم مرتبا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما كالعدل والتقويم حيث فهما فالدم بالترتيب والتقدير في تمتع فوت قران اكتفى وترك ميقات ورمي ووداع مع المبيتين بلا عذر يشاع ثم مرتب بتعديل سقط في مفسد الجماع والحصر فقط مخير مقدر دهن لباس والحلق والقلم وطيب فيه باس والوطء حيث الشاة والمقدمات مخير معدل صيد نبات وهذه الدماء كلها لا تختص بوقت كما مر وتراق في النسك الذي وجبت فيه .
ودم الفوات يجزىء بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء كالمتمتع إذا فرغ من عمرته فإنه يجوز له أن يذبح قبل الإحرام بالحج وهذا هو المعتمد وإن قال ابن المقري إنه لا يجزىء إلا بعد الإحرام بالقضاء .
وكل هذه الدماء وبدلها من الطعام تختص تفرقته بالحرم على مساكينه وكذا يختص به الذبح إلا دم المحصر فيذبح حيث أحصر كما سيأتي .
فإن عدم المساكين في الحرم أخره كما مر حتى يجدهم كمن نذر التصدق على فقراء بلد يجدهم .
ويسن لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي إليها شيئا من النعم لخبر الصحيحين أنه A أهدى في حجة الوداع مائة بدنة ولا يجب ذلك إلا بالنذر .
ويسن أن يقلد البدنة أو البقرة نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام ويتصدق بهما بعد ذبحها ثم يجرح صفحة سنامها اليمنى بحديدة مستقبلا لها القبلة ويلطخها بالدم لتعرف فإن قرن هديين بحبل جرح الآخر في الصفحة اليسرى والغنم لا تجرح بل تقلد عرى القرب وآذانها ولا يلزم بذلك ذبحها . "