والطهارة بالفتح : مصدر طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح يطهر بالضم فيهما .
وهي لغة : النظافة والخلوص من الأدناس حسية كالأنجاس أو معنوية كالعيوب يقال : تطهر بالماء وهم قوم يتطهرون : أي يتنزهون عن العيب .
وشرعا : تستعمل بمعنى زوال المنع المترتب على الحدث والخبث وبمعنى الفعل الموضوع لإفادة ذلك أو لإفادة بعض آثاره كالتيمم فإنه يفيد جواز الصلاة الذي هو من آثار ذلك والمراد هنا الثاني لا جرم .
وقد عرفها المصنف في مجموعه مدخلا فيها الأغسال المسنونة ونحوها : بأنها رفع حدث أو إزالة نجس أو ما في معناهما وعلى صورتهما .
وقوله : " وعلى صورتهما " يعلم به أنه لم يرد بما في معناهما ما يشاركهما في الحقيقة ولهذا قال : وقولنا " أو ما في معناهما " أردنا به التيمم والأغسال المسنونة ( 1 / 17 ) وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة في الحدث والنجس ومسح الأذن والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة وطهارة المستحاضة وسلس البول ا . ه .
قال شيخنا : وبما تقرر اندفع الاعتراض عليه بأن الطهارة ليست من قسم الأفعال والرفع من قسمها فلا تعرف به وبأن ما لا يرفع حدثا ولا نجسا ليس في معنى ما يرفعهما وبأن التعريف لا يشمل الطهارة بمعنى الزوال ا . ه .
ووجه اندفاع هذا كما قال القاياتي أن التعريف باعتبار وضع لا يعترض عليه بعدم تناوله أفراد وضع آخر .
وقدم الأصحاب العبادات على المعاملات اهتماما بالأمور الدينية والمعاملات على النكاح وما يتعلق به لشدة الاحتياج إليها والمناكحة على الجنايات لأنها دونها في الحاجة وأخروا الجنايات لقلة وقوعها بالنسبة لما قبلها .
والطهارة في الترجمة شاملة للوضوء والغسل وإزالة النجاسة والتيمم الآتية مع ما يتعلق بها .
وبدأ ببيان الماء الذي هو الأصل في آلتها مفتتحا بآية دالة عليه فقال : " قال الله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) " أي مطهرا ويعبر عنه بالمطلق .
وافتتح بهذه الآية تبركا وتيمنا بإمامه الشافعي رضي الله تعالى عنه إذ من عادته إذا كان في الباب آية تلاها أو خبر رواه أو أثر ذكره ثم رتب عليه مسائل الباب .
وتبعه في المحرر وحذفه المصنف في باقي الأبواب اختصارا .
وإنما كان الماء أصلا في آلتها لأن الطهارة لا بد لها من آلة وتلك الآلة منها أصل وهو الماء ومنها بدل وهو غيره كالتراب وأحجار الاستنجاء .
فإن قيل : الدليل يكون متأخرا عن المدلول فما باله عكس ؟ أجيب بأنه لم يسقه استدلالا بل تبركا وتيمنا كما مر وبأن هذا الدليل من القواعد الكلية المنطبقة على غالب مسائل الباب والدليل إذا كان بهذه الصفة كان تقديمه أولى لينطبق على جزئياته .
فإن قيل : لم عدل المصنف عن قوله تعالى : ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) " مع أنه أصرح في الدلالة كما قيل ؟ أجيب بأن ما ذكره يفيد أن الطاهر غير الطهور لأن قوله تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماء ) يدل على كونه طاهرا لأن الآية سيقت في معرض الامتنان وهو تعالى لا يمن بنجس وحينئذ يكون الطاهر غير الطهور وإلا لزم التأكيد والتأسيس أولى وهل المراد بالسماء في الآية الجرم المعهود أو السحاب ؟ قولان حكاهما المصنف في " دقائق الروضة " ولا مانع أن ينزل من كل منهما