فرع لو شهد برؤية الهلال .
واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته قال السبكي لا تقبل هذه الشهادة لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية والظني لا يعارض القطعي .
وأطال في بيان رد هذه الشهادة والمعتمد قبولها إذ لا عبرة بقول الحساب كما مر .
ورؤيته الهلال نهارا لليلة المستقبلة لا الماضية فلا نفطر إن كان في ثلاثي رمضان ولا نمسك إن كان في ثلاثي شعبان .
وأما رؤيته يوم التاسع والعشرين فلم يقل أحد إنها للماضية أي ولا للمستقبلة كما في شرح الإرشاد لابن أبي شريف لئلا يلزم أن يكون الشهر ثمانية وعشرين لو قيل إنها لليلة الماضية . " .
وشرط الواحد صفة العدول في الأصح " المنصوص " لا عبد وامرأة " فليسا من العدول في الشهادة .
قال الشارح وإطلاق العدول ينصرف إلى الشهادة بخلاف إطلاق العدل فيصدق بها وبالرواية والمرأة لا تقبل في الشهادة وحدها ا . ه " .
فاندفع بذلك ما قيل إن قوله وشرط الواحد صفة العدول بعد قوله بعدل فيه ركاكة فإن العدل من كانت فيه صفة العدول والخلاف مبني على أن الثبوت بالواحد شهادة أو رواية فلا يثبت بواحد منهما على الأول ويثبت به على الثاني ويشترط لفظ الشهادة على الأول أيضا وهي شهادة حسية وتختص بمجلس القاضي كما جزم به صاحب الأنوار وغيره ولا تشترط العدالة الباطنة فيه وهي التي يرجع فيها إلى قول المزكين على الأصح في المجموع بل يكتفي بالعدالة الظاهرة والمراد بذلك المستور وإن كان مشكلا لأن الصحيح أنها شهادة لا رواية ولعل الحكمة في ذلك الاحتياط للعبادة .
تنبيه .
أشار المصنف بقوله وثبوت رؤيته إلى أن ذلك بالنسبة إلى عموم الناس .
أما وجوبه على الرائي فلا يتوقف على كونه عدلا فمن رأى هلال رمضان وجب عليه الصوم وإن كان فاسقا وقالت طائفة منهم البغوي يجب الصوم على من أخبره موثوق به بالرؤية إذا اعتقد صدقه وإن لم يذكره عند القاضي ولم يفرعوه على شيء ومثله في المجموع بزوجته وجاريته وصديقه ويكفي في الشهادة أشهد أني رأيت الهلال كما صرح به الرافعي في صلاة العيد ( 1 / 422 ) وصرح به القاضي شريح و الروياني وغيرهما وعبارة الروياني وصفة الشهادة على الهلال أن يقول رأيته في ناحية المغرب ويذكر صغره وكبره وتدويره وتقديره وأنه بحذاء الشمس أو في جانب منها وأن ظهره إلى الجنوب أو الشمال وأنه كان في السماء غيم أو لم يكن .
وفائدة التنصيص على ذلك الاحتياط حتى إذا رؤي في الليلة الثانية ولم يكن بهذه الصفات بأن كذب الشاهد لأن الهلال في الليلة الثانية لا يتحول عن صفاته التي طلع عليها بالأمس وإن خالف في ذلك ابن أبي الدم فقال لا يجوز أن يقول أشهد أني رأيت الهلال لأنها شهادة على فعل نفسه بل طريقه أن يشهد بطلوع الهلال أو على أن الليلة من رمضان مثلا ونحو ذلك .
ويدل للأول المعتمد قبول شهادة المرضعة إذا قالت أشهد أني أرضعته على الأصح .
واعلم أن رمضان قد يثبت بواحد وقد يثبت بأكثر وحينئذ فالأولى التعبير بتثبت كما في المحرر ولا يأتي بالمبتدأ المشعر بالحصر نبه على ذلك الإسنوي . " .
وإذا صمنا بعدل ولم نر الهلال بعد ثلاثين أفطرنا في الأصح " المنصوص " وإن كانت السماء مصحية " أي لا غيم فيها لكمال العدد بحجة شرعية .
والثاني لا لأن الفطر يؤدي إلى ثبوت شوال بقول واحد وهو ممتنع .
وأجاب الأول بأن الشيء قد يثبت ضمنا بما لا يثبت به مقصودا ألا ترى أن النسب والميراث لا يثبتان بشهادة النساء ويثبتان ضمنا بالولادة كما مر وقيل إن كانت السماء مغيمة أفطرنا وإن كانت مصحية فلا لقوة الرؤية ولو صمنا بعدل ثم رجع الشاهد في أثناء اليوم فقيل لا يلزم الصوم كرجوع الشاهد قبل الحكم وقيل يلزم لأن الشروع فيه كالحكم قاله شريح في أدب القضاء .
وهذا الثاني أقرب كما قاله الأذرعي . " .
وإذا رؤي ببلد لزم حكمه البلد القريب " منه قطعا كبغداد والكوفة لأنهما كبلد واحدة كما في حاضري المسجد الحرام . " .
دون البعيد في الأصح " كالحجاز والعراق .
والثاني يلزم في البعيد أيضا . " .
والبعيد مسافة القصر " وصححه المصنف في شرح مسلم لأن الشرع علق بها كثيرا من الأحكام . " .
وقيل باختلاف المطالع .
قلت هذا أصح والله أعلم " لأن أمر الهلال لا تعلق له بمسافة القصر ولما روى مسلم عن كريب قال رأيت الهلال بالشام ثم قدمت المدينة فقال ابن عباس متى رأيتم الهلال قلت ليلة الجمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة فقلت أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله A .
وقياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبهما .
قال الشيخ تاج الدين التبريزي واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخا .
فإن قيل اعتبار اتحاد المطالع واختلافها يتعلق بالمنجم والحاسب وقد تقدم أنه لا يعتبر قولهما في إثبات رمضان .
أجيب بأنه لا يلزم من عدم اعتباره في الأصول والأمور العامة عدم اعتباره في التوابع والأمور الخاصة فإن شك في الاتفاق في المطلع لم يجب على الذين لم يروا الصوم لأن الأصل عدم وجوبه لأنه إنما يجب بالرؤية ولم تثبت في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية .
قال السبكي وقد تختلف المطالع وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس وذلك أن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في البلاد الغربية فمتى اتحد المطلع لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر ومتى اختلف لزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي ولا ينعكس وعلى ذلك حديث كريب فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة فلا يلزم من رؤيته في الشام رؤيته فيها . " .
وإذا لم نوجب على " أهل " البلد الآخر " وهو البعيد " فسافر إليه من بلد الرؤية " من صام به " فالأصح أنه يوافقهم " وجوبا " في الصوم آخرا " وإن كان قد أتم ثلاثين لأنه بالانتقال إلى بلدهم صار واحدا منهم فيلزمه حكمهم .
وروي أن ابن عباس أمر كريبا بذلك .
والثاني يفطر لأنه لزمه حكم البلد الأول فيستمر ( 1 / 423 ) عليه . " .
ومن سافر من البلد الآخر " أي الذي لم ير فيه " إلى بلد الرؤية عيد معهم " وجوبا لما مر سواء أصام ثمانية وعشرين بأن كان رمضان أيضا عندهم ناقصا فوقع عيده معهم في التاسع والعشرين من صومه أم تسعة وعشرين بأن كان رمضان تاما عندهم . " .
وقضي يوما " إن صام ثمانية وعشرين لأن الشهر لا يكون كذلك بخلاف ما إذا صام تسعة وعشرين لا قضاء عليه لأن الشهر يكون كذلك . " .
و " على الأصح " من أصبح معيدا فسارت سفينته " مثلا " إلى بلدة بعيدة أهلها صيام فالأصح أنه يمسك بقية اليوم " وجوبا لما مر .
والثاني لا يجب إمساكه لأنه لم يرد فيه أثر وتجزئة اليوم الواحد بإمساك بعضه دون بعض بعيد .
ورد الرافعي الاستبعاد المذكور بيوم الشك إذا ثبت الهلال في أثنائه فإنه يجب إمساك باقيه دون أوله .
ورده السبكي بأن تبعيض الحكم في يوم الشك في الظاهر وأما في مسألتنا فهو تبعيض ظاهرا أو باطنا بالنسبة إلى حكم البلدين فيكون كما لو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو بلغ الصبي وهو مفطر فإنه لا يلزمهم الإمساك على الأصح وتتصور المسألة بأن يكون ذلك يوم الثلاثين من صوم البلدين لكن المنتقل إليهم لم يروه وبأن يكون التاسع والعشرين من صومهم لتأخر ابتدائه بيوم " .
فائدة : .
في مسند الدارمي وصحيح ابن حبان أن النبي A كان يقول عند رؤية الهلال الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله .
وفي أبي داود كان يقول هلال خير ورشد مرتين آمنت بمن خلقك ثلاث مرات .
ويسن أن يقرأ بعد ذلك سورة تبارك لأثر فيه ولأنها المنجية الواقية قال السبكي وكان ذلك لأنها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر ولأن السكينة تنزل عند قراءتها وكان A يقرؤها عند النوم