أي زكاة المال " وما تجب فيه " مما اتصف بوصف قد يؤثر في السقوط وقد لا يؤثر كالغصب والجحود والإضلال أو معاوضة بما قد يسقط كالدين وعدم استقرار الملك .
وليس المراد بيان أنواع المال التي تجب فيها الزكاة فإن ذلك قد تقدم في الأبواب السابقة .
وقد شرع في بيان شروط من تلزمه الزكاة فقال " شرط وجوب زكاة المال " بأنواعه السابقة وهي الحيوان والنبات والنقدان والمعدن والركاز والتجارة على مالكه . " .
الإسلام " لقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله A على المسلمين رواه البخاري فلا تجب على الكافر الأصلي بالمعنى السابق في الصلاة .
واحترز بزكاة المال عن زكاة الفطر فإنها قد تلزم الكافر إذا كان يخرج عن غيره كما مر . " .
والحرية " فلا تجب على رقيق ولو مدبرا ومعلقا عتقه بصفة وأم ولد لعدم ملكه .
وعلى القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا ومع ذلك لا زكاة عليه ولا على سيده على الأصح .
وإن قلنا يملك بتمليك غير سيده فلا زكاة أيضا عليه لضعف ملكه كما مر ولا على سيده لأنه ليس له . " .
وتلزم المرتد " زكاة المال الذي حال حوله في ردته " إن أبقينا ملكه " مؤاخذة له بحكم الإسلام ومفهومه عدم اللزوم إن أزلناه وهو كذلك وإن قلنا بالوقف وهو الأظهر فموقوفة فمفهومه فيه تفصيل فلا يرد عليه قولنا بالوقف .
أما إذا وجبت الزكاة عليه في الإسلام ثم ارتد فإنها تؤخذ من ماله على المشهور سواء أسلم أو قتل كما نقل في المجموع اتفاق الأصحاب عليه ويجزئه الإخراج في حال الردة في هذه وفي الأولى على قول ( 1 / 409 ) اللزوم فيها وقيل لا يجزئه . " .
دون المكاتب " فلا تلزمه لضعف ملكه بدليل أن نفقة الأقارب لا تجب عليه وهذا قد علم من اشتراط الحرية فلم تدع الحاجة إلى ذكره فإن زالت الكتابة بعجز أو موت أو غيره انعقد حول السيد من حين زوالها .
تنبيه .
ضم في الحاوي إلى الإسلام والحرية شرطين آخرين أحدهما كونه لمعين فلا زكاة في الموقوف على جهة عامة وتجب في الموقوف على معين .
الثاني كونه متيقن الوجود فلا زكاة في مال الحمل الموقوف له بإرث أو وصية على الأصح إذ لا ثقة بحياته فلو انفصل الجنين ميتا فيتجه كما قال الإسنوي عدم الوجوب على الورثة لضعف ملكهم ويمكن كما قال الولي العراقي الاحتراز عن هذا الشرط بقوله وتجب في مال الصبي .
ثم شرع في شروط المال الذي تجب فيه الزكاة فقال " وتجب في مال الصبي والمجنون " لشمول الحديث السابق لهما وبالقياس على زكاة المعشرات وزكاة الفطر فإن الخصم قد وافق عليهما .
ولم يصح في إسقاط الزكاة ولا في تأخر إخراجها إلى البلوغ شيء .
قال الإمام أحمد لا أعرف عن الصحابة شيئا صحيحا أنها لا تجب ولأن المقصود من الزكاة سدا لخلة وتطهير المال وما لهما قابل لأداء النفقات والغرامات كقيمة ما أتلفاه وليست الزكاة محض عبادة حتى تختص بالمكلف .
والمخاطب بالإخراج وليهما ومحل وجوبه عليه إذا كان ممن يرى وجوبها في مالهما فإن كان ممن لا يراه كحنفي فلا وجوب .
والاحتياط له أن يحسب زكاة المال حتى يكملا فيخبرهما بذلك ولا يخرجها فيغرمه الحاكم قاله القفال وفرضه في الطفل .
ولو كان الولي غير متمذهب بل عاميا صرفا فإن ألزمه حاكم يراها بإخراجها فواضح كما قاله الأذرعي وإلا فالأوجه كما قال شيخنا الاحتياط بمثل ما مر والأوجه كما قال أيضا أن قيم الحاكم يعمل بمقتضى مذهبه كحاكم أنابه حاكم آخر يخالفه في مذهبه فإن لم يخرجها الولي من مالهما أخرجاها إن كملا لأن الحق توجه إلى مالهما ولكن الولي عصى بالتأخير فلا يسقط ما توجه إليهما ومثلهما فيما ذكر السفيه " .
فائدة : .
أجاب السبكي عن سؤال صورته كيف تخرج الزكاة من أموال الأيتام من الدراهم المغشوشة والغش فيها ملكهم بأن الغش إن كان يماثل أجرة الضرب والتلخيص فيسامح به وعمل الناس على الإخراج منها . " .
وكذا " تجب الزكاة " على من ملك ببعضه الحر نصابا في الأصح " وعبر في الروضة بالصحيح لتمام ملكه ولهذا قال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه إنه يكفر كفارة الحر الموسر أي بما عد العتق والثاني لا لنقصانه بالرق فأشبه العبد والمكاتب . " .
و " تجب " في المغصوب " إذا لم يقدر على نزعه ومثله المسروق وأهمله المصنف مع ذكر المحرر له لأن حد الغصب منطبق عليه . " .
والضال " والواقع في بحر وما دفنه ثم نسي مكانه . " .
والمجحود " من عين أو دين الذي لا بينة له به ولا علم القاضي به . " .
في الأظهر " الجديد وبه قطع بعضهم لملك النصاب وتمام الحول والثاني وهو القديم لامتناع النماء والتصرف فأشبه مال المكاتب لا تجب فيه الزكاة على السيد .
أما إذا قدر على نزع المغصوب أو كان له بالمجحود بينة فإنه يجب عليه الإخراج قطعا وكذا إذا علم القاضي وقلنا يقضي بعلمه . " .
ولا يجب دفعها حتى يعود " المغصوب وغيره مما تقدم لعدم التمكن قبله فإذا عاد زكاه للأحوال الماضية بشرطين أحدهما كون الماشية سائمة عند المالك والغاصب كما علم مما مر والثاني أن لا ينقص النصاب بما يجب إخراجه فإن كان نصابا فقط وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول . " .
و " تجب قطعا في " المشترى قبل قبضه " بأن حال عليه الحول في يد البائع بعد انقضاء الخيار لا من الشراء . " .
وقيل فيه القولان " في المغصوب ونحوه لأن التصرف فيه لا يصح .
وفرق الأول بتعذر الوصول إليه وانتزاعه بخلاف المشتري لتمكنه منه بتسليم الثمن فيجب الإخراج في ( 1 / 410 ) الحال حيث لا مانع من القبض كالدين الحال على مقر ملي . " .
وتجب في الحال عن الغائب إن قدر عليه " لأنه كالمال الحاضر ويجب أن يخرج في بلد المال إن استقر فيه فإن بعد بلد المال عن المالك ومنعنا نقل الزكاة وهو الراجح فلا بد من وصول المالك أو نائبه .
نعم إن كان هناك ساع أو حاكم يأخذ الزكاة دفعها إليه في الحال لأن له نقل الزكاة نبه على ذلك الأذرعي فإن كان سائرا فلا يجب الإخراج حتى يصل إليه . " .
وإلا " أي وإن لم يقدر عليه لخوف الطريق أو انقطاع خبره أو شك في سلامته " فكمغصوب " فيأتي فيه ما مر لعدم القدرة في الموضعين . " .
والدين إن كان ماشية " لا للتجارة كأن أقرضه أربعين شاة أو أسلم إليه فيها ومضى عليه حول قبل قبضه . " .
أو " كان " غير لازم كمال كتابة فلا زكاة " فيه .
أما الماشية فلأن علة الزكاة فيها النماء ولا نماء فيها في الذمة بخلاف النقد فإن العلة فيه كونه نقدا وهو حاصل ولأن السوم شرط في زكاتها وما في الذمة لا يتصف بالسوم .
واعترض هذا التعليل الرافعي بجواز ثبوت لحم راعية في الذمة وإذا جاز ذلك جاز أن يثبت في الذمة راعية .
أجيب بأنه إذا التزامه أمكن تحصيله من الخارج والكلام في أن السوم لا يتصور فيما في الذمة وإنما يتصور في الخارج ومثل الماشية المعشر في الذمة فإنه لا زكاة فيه أيضا لأن شرطها الزهو في ملكه ولم يوجد وأما دين الكتابة فلأن للعبد إسقاطه متى شاء .
ويؤخذ عن ذلك أنه لو كان للسيد على المكاتب دين أنه لا زكاة فيه وأنه لو أحال المكاتب سيده بالنجوم على شخص أن الزكاة تجب على السيد وهو كذلك لأنه يسقط بتنجيزه في الأولى دون الثانية . " .
أو عرضا " للتجارة " أو نقدا فكذا " أي لا زكاة فيه " في القديم " إذ لا ملك فيه حقيقة فأشبه دين المكاتب . " .
وفي الجديد إن كان حالا وتعذر أخذه لإعسار وغيره " كمطل أو غيبة مليء وجحود " فكمغصوب " فتجب فيه في الأظهر ولا يجب إخراجها حتى يحصل ولو كان مقرا له في الباطن وجبت الزكاة دون الإخراج قطعا قاله في الشامل . " .
وإن تيسر " أخذه بأن كان على مليء مقر حاضر باذل أو جاحد وبه بينة أو يعلمه القاضي وقلنا يقضي بعلمه " وجبت تزكيته في الحال " لأنه مقدور على قبضه فهو كالمودع .
وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال وإن لم يقبضه وهو المعتمد المنصوص في المختصر وقيل لا حتى يقبضه فيزكيه لما مضى ولو أمكنه الظفر بأخذ دينه من مال الجاحد حيث لا بينة من غير خوف ولا ضرر لم يجب الإخراج في الحال كما هو المتبار من كلام الشيخين وغيرهما وإن كان قضية كلام ابن كج و الدارمي تزكيته في الحال . " .
أو مؤجلا فالمذهب أنه كمغصوب " ففيه القولان وقيل تجب الزكاة قطعا وقيل عكسه . " .
وقيل يجب دفعها قبل قبضه " كالغائب الذي يسهل إحضاره .
تنبيه .
لو عبر بقوله قبل حلوله لكان أولى فإن هذا الوجه محله إذا كان الدين على ملي ولا مانع سوى الأجل وحينئذ متى حل وجب الإخراج قبض أم لا " .
فائدة : .
قال السبكي إذا أوجبنا الزكاة في الدين وقلنا تتعلق بالمال تعلق شركة اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع عشر الدين في ذمة المدين وذلك يجر إلى أمور كثيرة واقع فيها كثير من الناس كالدعوى بالصداق والديون لأن المدعي غير مالك للجميع فكيف يدعي به إلا أن له القبض لأجل أداء الزكاة فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في الدعوى وإذا حلف على عدم المسقط ينبغي أن يحلف أن ذلك باق في ذمته إلى حين حلفه لم يسقط وأنه يستحق قبضه حين حلفه ولا يقول إنه باق له ا . ه " .
ومن ذلك أيضا ما لو علق الطلاق على الإبراء من صداقها وقد مضى على ذلك أحوال فأبرأته منه فإنه لا يقع الطلاق لأنها لا تملك الإبراء من جميعه وهي مسألة حسنة فتفطن لها ( 1 / 411 ) فإنها كثيرة الوقوع . " .
ولا يمنع الدين وجوبها " سواء أكان حالا أم لا من جنس المال أم لا لله تعالى كالزكاة والكفارة والنذر أم لا " في أظهر الأقوال " لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة ولأنه مالك للنصاب نافذ التصرف فيه .
والثاني يمنع كما يمنع وجوب الحج . " .
والثالث يمنع في المال الباطن وهو النقد " ولو عبر بالذهب والفضة ليشمل غير المضروب كان أولى .
والركاز " والعرض " لا يمنع في الظاهر وهو الماشية والزروع والثمار والمعدن .
والفرق أن الظاهر ينمو بنفسه والباطن إنما ينمو بالتصرف فيه والدين يمنع من ذلك ويحوج إلى صرفه في قضائه .
قال الإسنوي وأهمل المصنف زكاة الفطر وهي من الباطن أيضا على الأصح .
وأجيب بأن زكاة الفطر وإن كانت ملحقة بالباطن لكن لا مدخل لها هنا لأن الكلام في الأموال ومحل الخلاف ما لم يزد المال على الدين فإن زاد وكان الزائد نصابا وجبت زكاته قطعا وما إذا لم يكن له من غير المال الزكوي ما يقضي به الدين فإن كان لم يمنع قطعا عند الجمهور