فرع في بيان الأولى بالصلاة .
على الجنازة .
قال الشارح زاد الترجمة به لطول الفصل قبله بما اشتمل عليه كما نقص ترجمة التعزية بفصل لقصر الفصل قبله ا . ه " .
وبهذا يندفع ما قيل إن ترجمة المصنف بالفرع قد تستشكل لأن المذكور فيه وهو بيان أولوية الولي ليس فرعا عما قبله عن كيفية الصلاة لأن المصلي ليس متفرعا على الصلاة . " .
الجديد أو الولي " أي القريب الذكر " أولى " أي أحق " بإمامتها " أي الصلاة على الميت " من الوالي " وإن أوصى الميت لغير الولي لأنها حقه فلا تنفذ وصيته بإسقاطها كالإرث .
وما ورد من أن أبا بكر وصى أن يصلي عليه عمر فصلى وأن عمر وصى أن يصلي عليه صهيب فصلى ووقع لجماعة من الصحابة ذلك محمول على أن أولياءهم أجازوا ( 1 / 347 ) الوصية .
والقديم أو الولي أولى ثم إمام المسجد ثم الولي كسائر الصلوات وهو مذهب الأئمة الثلاثة .
والفرق على الجديد إن المقصود من الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت ودعاء القريب أقرب إلى الإجابة لتألمه وانكسار قلبه .
ومحل الخلاف كما قاله صاحب المعين إذا لم يخف الفتنة من الولي وإلا قدم قطعا ولو غاب الولي الأقرب قدم الولي الأبعد سواء أكانت غيبته قريبة أم بعيدة قاله البغوي . " .
فيقدم الأب " أو نائبه كما قاله ابن المقري وكغير الأب أيضا نائبه . " .
ثم الجد " أبو الأب " وإن علا " لأن الأصول أكثر شفقة من الفروع . " .
ثم الابن ثم ابنه وإن سفل " بتثليث الفاء وخالف ذلك ترتيب الإرث بأن معظم الغرض الدعاء للميت فقدم الأشفق لأن دعاءه أقرب إلى الإجابة . " .
ثم الأخ " تقديما للأشفق فالأشفق . " .
والأظهر تقديم الأخ لأبوين على الأخ لأب " لأن الأول أشفق لزيادة قربه والثاني هما سواء لأن الأمومة لا مدخل لها في إمامة الرجال فلا يرجح بها .
وأجاب الأول بأنها صالحة للترجيح وإن لم يكن لها دخل في إمامة الرجال إذ لها دخل في الصلاة في الجملة لأنها تصلى مأمومة ومنفردة وإمامة للنساء عند فقد الرجال فقدم بها ويجرى الخلاف في ابني عم أحدهما أخ لأم ونحو ذلك .
وكان الأولى التعبير بالمذهب فإن الأصح القطع بالأول . " .
ثم ابن الأخ لأبوين ثم لأب ثم العصبة " النسبية أي بقيتهم " على ترتيب الإرث " فيقدم عم شقيق ثم لأب ثم ابن عم شقيق ثم لأب ثم بعد عم النسب عصبة الولاء فيقدم المعتق ثم عصبته فتقدم عصباته النسبية ثم معتقه ثم عصباته النسبية وهكذا ثم السلطان أو نائبه عند انتظام بيت المال . " .
ثم ذوو الأرحام " يقدم الأقرب فالأقرب فيقدم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم .
والأخ للأم هنا من ذوي الأرحام بخلافه في الإرث والقياس هنا أن لا يقدم القاتل كما سبق في الغسل ونقله في الكفاية عن الأصحاب .
وأشعر سكوت المصنف عن الزوج بأنه لا مدخل له في الصلاة على المرأة وهو كذلك بخلاف الغسل والتكفين والدفن ولا للمرأة أيضا .
ومحل ذلك إذا وجد مع الزوج غير الأجانب ومع المرأة ذكر وإلا فالزوج مقدم على الأجانب والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكر .
قال الأذرعي وفي تقديم السيد على أقارب الرقيق الأحرار نظر يلتفت إلى أن الرق هل ينقطع بالموت أم لا ا . ه " .
ويؤخذ من ذلك أن الأقارب مقدمون . " .
ولو اجتمعا " أي وليان " في درجة " كابنين أو أخوين وكل منهما صالح للإمامة . " .
فالأسن " في الإسلام " العدل أولى " من الأفقه ونحوه " على النص " في المختصر ونص في باقي الصلوات على أن الأفقه أولى من الأسن وفي قول مخرج إن الأفقه والأقرأ مقدمان عليه كغيرها من الصلوات .
والأصح تقرير النصين والفرق أن الغرض من صلاة الجنازة الدعاء .
ودعاء الأسن أقرب إلى الإجابة وأما سائر الصلوات .
فمحتاجة إلى الفقه لكثرة وقوع الحوادث فيها .
أما غير العدل من فاسق ومبتدع فلا مدخل له في الإمامة .
ولو استوى اثنان في السن المعتبر قدم أحقهم بالإمامة في سائر الصلوات على ما سبق تفصيله في بابه ولو كان أحد المستويين زوجا قدم وإن كان الآخر أسن منه كما اقتضاه نص البويطي فقولهم لا مدخل للزوج مع الأقارب في الصلاة إذا لم يشاركهم في القرابة فإن استويا في الصفات كلها وتنازعا أقرع كما في المجموع ولو صلى غير من خرجت قرعته صح ولو استناب أفضل المتساويين في الدرجة اعتبر رضا الآخر في أقيس الوجهين في العدة وهذا شيء يباشره بنفسه وليس له أن يوكل فيه بخلاف الأقرب إذا كان أهلا فله الاستنابة ولا اعتراض للأبعد قاله في المجموع . " .
ويقدم الحر البعيد " كعم حر " على العبد القريب " كأخ رقيق ولو أفقه وأسن لأن الإمامة ولاية والحر أكمل فهو بها أليق وقيل العبد أولى لقربه وقيل هما سواء لتعارض المعنيين .
ويقدم الرقيق القريب على الحر الأجنبي والرقيق البالغ على الحر الصبي لأنه مكلف فهو أحرص على تكميل الصلاة ولأن الصلاة خلفه مجمع على جوازها ( 1 / 348 ) بخلافها خلف الصبي ذكره في المجموع . " .
ويقف " المصلي ندبا من إمام ومفرد " عند رأس " الذكر " الرجل " أو الصغير " وعجزها " أي الأنثى وهو بفتح العين وضم الجيم ألياها للاتباع رواه الترمذي وحسنه ومثلها الخنثى كما في المجموع .
وحكمة المخالفة المبالغة في ستر الأنثى والاحتياط في الخنثى .
أما المأموم فيقف في الصف حيث كان " .
فائدة : .
العجيزة إنما تقال في المرأة وغيرها يقال فيه عجز كما يقال فيها أيضا .
قال بعض فقهاء اليمن ولا يبعد أن يأتي هذا التفصيل في الصلاة على القبر ا . ه " .
وهو حسن عملا بالسنة في الأصل وإن استبعده الزركشي . " .
وتجوز على الجنائز صلاة " واحدة برضا أوليائها لأن الغرض منها الدعاء والجمع فيه ممكن سواء أكانت ذكورا أم إناثا أم ذكورا وإناثا لأن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ماتت هي وولدها زيد بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما فصلي عليهما دفعة واحدة وجعل الغلام مما يلي الإمام وفي القوم جماعة من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقالوا هذا هو السنة رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح كما قاله البيهقي .
وصلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الإمام والنساء فيما يلي القبلة رواه البيهقي بإسناد حسن .
ثم إن حضرت الجنائز دفعة أقرع بين الأولياء وقدم إلى الإمام الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة فإن كانوا رجالا أو نساء جعلوا بين يديه واحدا خلف واحد إلى جهة القبلة ليحاذي الجميع وقدم إليه أفضلهم والمعتبر فيه الورع والخصال التي ترغب في الصلاة عليه وتغلب على الظن كونه أقرب من رحمة الله تعالى لا بالحرية لانقطاع الرق بالموت أو مرتبة قدم ولي السابقة ذكرا كان ميته أو أنثى وقدم إليه الأسبق من الذكور والإناث وإن كان المتأخر أفضل .
ثم إن سبق رجل أو صبي استمر أو أنثى ثم حضر رجل أو صبي أخرت عنه ومثلها الخنثى .
ولو حضر خناثى معا أو مرتبين جعلوا صفا عن يمينه ورأس كل واحد عند رجل الآخر لئلا يتقدم أنثى على ذكر .
وقوله وتجوز يفهم الأفضل إفراد كل جنازة بصلاة وهو كذلك لأنه أكثر عملا وأرجى قبولا وليس تأخيرا كثيرا وإن قال المتولي إن الأفضل الجمع تعجيلا للدفن المأمور به .
نعم إن خشي تغيرا أو انفجارا بالتأخير فالأفضل الجمع . " .
وتحرم " الصلاة " على الكافر " حربيا كان أو ذميا لقوله تعالى " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " ولأن الكافر لا يجوز الدعاء له بالمغفرة لقوله تعالى " إن الله لا يغفر أن يشرك به " " .
ولا يجب غسله " على أحد لأنه كرامة وتطهير وليس هو من أهلها لكنه يجوز لأن النبي A أمر عليا فغسل والده وكفنه رواه أبو داود والنسائي .
وسواء في الجواز القريب وغيره والمسلم وغيره وقال مالك و أحمد ليس للمسلم غسله . " .
والأصح وجوب تكفين الذمي ودفنه " من بيت المال فإن فقد فعلى المسلمين هذا إذا لم يكن له مال ولا من تلزمه نفقته وفاء بذمته كما يجب أن يطعم ويكسى في حياته إذا عجز أما إذا كان له مال فهو في تركته أو من تلزمه نفقته فعليه .
والثاني لا لأن الذمة قد انتهت بالموت وخرج بالذمي الحربي فلا يجب تكفينه قطعا ولا دفنه على الأصح بل يجوز إغراء الكلاب عليه إذ لا حرمة له والأولى دفنه لئلا يتأذى الناس برائحته .
والمرتد كالحربي والمعاهد كالذمي وفاء بعهده وإن أشعر كلام المصنف بأنه كالحربي . " .
ولو وجد عضو مسلم علم موته " بغير شهادة ولو كان الجزء ظفرا أو شعرا " صلي عليه " بقصد الجملة بعد غسله وجوبا كالميت الحاضر لأنها في الحقيقة صلاة على غائب .
نعم من صلى على هذا الميت دون هذا العضو نوى الصلاة على العضو وحده كما جزم به ابن شهبة وقال الزركشي محل نية الصلاة على الجملة إذا علم أنها قد غسلت فإن لم تغسل نوى الصلاة على العضو فقط ا . ه " .
فإن شك في ذلك نوى الصلاة عليها إن كانت قد غسلت ولا يضر التعليق في ذلك .
ولا يقدح في هذه الصلاة غيبة باقية فقد صلى الصحابة على يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وقد ألقاها طائر نسر في وقعة الجمل وعرفوها بخاتمه رواه الشافعي بلاغا .
ويشترط انفصاله من ميت ليخرج المنفصل من حي كما سيأتي كأذنه الملتصقة إذا وجدت بعد موته ذكره في المجموع .
نعم إن أبين من حي فمات في الحال فحكم الكل واحد يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ( 1 / 349 ) بخلاف ما إذا مات بعد مدة سواء اندملت جراحته أم لا .
ويستثنى من الشعر الشعرة الواحدة فلا تغسل ولا يصلى عليها لأنها لا حرمة لها كما نقله في أصل الروضة عن صاحب العدة وأقره وإن قال بعض المتأخرين الأوجه أنها كغيرها .
ويجب مواراة ذلك الجزء بخرقة وإن كان من غير العورة ولو قلنا الواجب ستر العورة فقط لأن ستر جميع البدن حق للميت كما مر .
فمن قال إنما يجب ستره إذا كان من العورة غفلة منه بل القائل بأنه يقتصر على ستر العورة إنما يقول به إذا أوصى بستر العورة فقط وهنا لم يوص بذلك مع أنا قدمنا أن وصيته بذلك لا تنفذ ويجب دفنه بعد الصلاة عليه لما مر أنه كالميت الحاضر .
أما ما انفصل من حي أو شككنا في موته كيد سارق وظفر وشعر وعلقة ودم فصد ونحوه فيسن دفنه إكراما لصاحبها .
ويسن لف اليد ونحوها بخرقة أيضا كما صرح به المتولي .
قال السبكي وظاهر كلامهم كالصريح في وجوب هذه الصلاة قال وهو ظاهر إذا لم يصل على الميت وإلا فهل نقول يجب حرمة له كالجملة أو لا فيه احتمال يعرف من كلامهم في النية ا . ه " .
وقضيته أنها لا تجب وهو ظاهر إن كان قد صلي عليه بعد غسل العضو وإلا فتجب لزوال الضرورة المجوزة للصلاة عليه بدون غسل العضو بوجداننا له وعليه يحمل قول الكافي لو قطع رأس إنسان ببلد وحمل إلى بلد آخر صلى عليه حيث هو وعلى الجثة حيث هي ولا يكتفى بالصلاة على أحدهما .
ولو جهل كون العضو من مسلم صلي عليه أيضا إن كان في دار الإسلام كما لو وجد فيها ميت جهل إسلامه . " .
والسقط " بتثليث السين من السقوط " إن " علمت حياته بأن " استهل " أي صاح " أو بكى " وهو مشتق من البكاء وهو بالقصر الدمع وبالمد رفع الصوت .
فإذا مات بعد ذلك فحكمه " ككبير " فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن لتيقن موته بعد حياته " وإلا " أي وإن لم يستهل أو لم يبك " فإن ظهرت أمارة الحياة كاختلاج " أو تحرك " صلي عليه في الأظهر " لاحتمال الحياة بهذه القرينة الدالة عليها وللاحتياط .
والثاني لا لعدم تيقنها وقطع في المجموع بالأول .
ويجب دفنه قطعا وكذا غسله وقيل فيه القولان . " .
وإن لم تظهر " أمارة الحياة " ولم يبلغ أربعة أشهر " أي لم يظهر خلقه " لم يصل عليه " قطعا لعدم الأمارة ولا يغسل على المذهب بل يسن ستره بخرقة ودفنه . " .
وكذا إن بلغها " أي أربعة أشهر أي مائة وعشرين يوما حد نفخ الروح فيه عادة أي وظهر خلقه لا يصلى عليه وجوبا ولا جوازا " في الأظهر " لعدم ظهور حياته ويجب غسله وتكفينه ودفنه .
وفارق الصلاة غيرها بأنه أوسع بابا منها بدليل أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه فالعبرة فيما ذكر بظهور خلق الآدمي وعدم ظهوره كما تقرر فالتعبير ببلوغ أربعة أشهر وعدم بلوغها جرى على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندها وعبر عنه بعضهم بزمن إمكان نفخ الروح وعدمه وبعضهم بالتخطيط وعدمه وكلها وإن تقاربت فالعبرة بما ذكر " .
فائدة : .
السقط هو الذي لم يبلغ تمام أشهره أما من بلغها فيصلى عليه مطلقا كما أفتى به شيخي وفعله . " .
ولا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه " أي يحرمان لأنه حي بنص القرآن ولما روى البخاري عن جابر أن النبي A أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم .
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه جاءت الأحاديث من وجوه متواترة أنه لم يصل عليهم وأما حديث أنه صلى عليهم عشرة عشرة وفي كل عشرة حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة فضعيف وخطأ قال الشافعي ينبغي لمن رواه أن يستحيي على نفسه ا . ه " .
وما في الصحيحين من أنه A خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت وللبخاري بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء وللأموات فالمراد أنه دعا لهم كالدعاء للميت كقوله تعالى " وصل عليهم " أي ادع لهم والإجماع يدل على هذا لأن عندنا لا يصلى على الشهيد وعند المخالف وهو أبو حنيفة لا يصلى على القبر بعد ثلاثة أيام .
والحكمة في ذلك إبقاء أثر ( 1 / 350 ) الشهادة عليهم والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء القوم .
فإن قيل الأنبياء والمرسلون أفضل من الشهداء مع أنه يصلى عليهم .
أجيب بأن الشهادة فضيلة تكتسب فرغب فيها ولا كذلك النبوة والرسالة . " .
وهو " أي الشهيد الذي يحرم عليه غسله والصلاة عليه ضابطه أن كل " من مات " ولو امرأة أو رقيقا أو صغيرا أو مجنونا " في قتال الكفار " أو الكافر الواحد سواء أكانوا حربيين أم مرتدين أم أهل ذمة قصدوا قطع الطريق علينا أو نحو ذلك " بسببه " أي القتال سواء قتله كافر أم أصابه سلاح مسلم خطأ أم عاد إليه سلاحه أم تردى في بئر أو وهدة أم رفسته دابته فمات أم قتله مسلم باغ استعان به أهل الحرب كما شمله قتال الكفار أم قتله بعض أهل الحرب حال انهزامهم انهزاما كليا بأن تبعهم فكروا عليه فقتلوه وإن لم تشمله عبارة المصنف أو اتباعه لهم لاستئصالهم فكأنه قتل في حال القتال أم قتله الكفار صبرا أم انكشفت الحرب عنه ولم يعلم سبب قتله وإن لم يكن عليه أثر دم لأن الظاهر أن موته بسبب القتال كما جزما به .
فإن قيل ينبغي أن يخرج ذلك على قول الأصل والغالب إذ الأصل عدم الشهادة والغالب أن من يموت بالمعترك أنه مات بسبب من أسباب القتال .
أجيب بأن السبب الظاهر يعمل به ويترك الأصل كما إذا رأينا ظبية تبول في الماء ورأيناه متغيرا فإنا نحكم بنجاسته مع أن الأصل طهارة الماء . " .
فإن مات بعد انقضائه " أي القتال بجراحة فيه يقطع بموته منها وفيه حياة مستقرة فغير شهيد في الأظهر سواء أطال الزمان أم قصر لأنه عاش بعد انقضاء الحرب فأشبه ما لو مات بسبب آخر والثاني أنه يلحق بالميت في القتال .
أما لو انقضى القتال وحركة المجروح فيه حركة مذبوح فشهيد قطعا أو توقعت حياته فليس بشهيد قطعا . " .
أو " مات عادل " في قتال البغاة " له " فغير شهيد في الأظهر " لأنه قتيل مسلم فأشبه المقتول في غير القتال وقد غسلت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ابنها عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما ولم ينكر عليها أحد .
نعم لو استعان البغاة بكفار فقتل كافر مسلما فهو شهيد كما قاله القفال في فتاويه والثاني وصححه السبكي أنه شهيد لأنه كالمقتول في معركة الكفار ولأن عليا رضي الله تعالى عنه لم يغسل من قتل معه .
أما إذا كان المقتول من أهل البغي فليس بشهيد جزما فقوله في الأظهر راجع للمسألتين كما تقرر . " .
وكذا " لو مات " في القتال لا بسببه " أي القتال كموته بمرض أو فجأة أو قتله مسلم عمدا فغير شهيد " على المذهب " لأن الأصل وجوب الغسل والصلاة عليه خالفنا فيما إذا مات بسبب من أسباب القتال ترغيبا للناس فيه فبقي ما عداه على الأصل .
وقيل إنه شهيد لأنه مات في معركة الكفار " .
فائدة : .
الشهداء كما قال في المجموع ثلاثة الأول شهيد في حكم الدنيا بمعنى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه وفي حكم الآخرة بمعنى أن له ثوابا خاصا وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وسمي بذلك لمعان منها أن الله سبحانه وتعالى ورسوله شهدا له بالجنة ومنها أنه يبعث وله شاهد بقتله وهو دمه لأنه يبعث وجرحه يتفجر دما ومنها أن ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه .
والثاني شهيد في حكم الدنيا فقط وهو من قتل في قتال الكفار بسببه وقد غل من الغنيمة أو قتل مدبرا أو قاتل رياء أو نحوه .
والثالث شهيد في حكم الآخرة فقط كالمقتول ظلما من غير قتال والمبطون إذا مات بالبطن والمطعون إذا مات بالطاعون والغريق إذا مات بالغرق والغريب إذا مات في الغربة وطالب العلم إذا مات على طلبه أو مات عشقا أو بالطلق أو بدار الحرب أو نحو ذلك .
واستثنى بعضهم من الغريب العاصي بغربته كالآبق والناشزة ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه عدم السلامة أو استوى الأمران أو ركبه لشرب خمر ومن الميتة بالطلق الحامل بزنا والظاهر كما قال الزركشي فيما عدا الأخيرة وفي الأخيرة أيضا أن ما ذكر لا يمنع الشهادة .
نعم الميت عشقا شرطه العفة والكتمان لخبر من عشق وعف وكتم فمات مات شهيدا وإن كان الأصح وقفه على ابن عباس .
قال شيخنا ويجب أن يراد به من يتصور إباحة نكاحها له شرعا ويتعذر الوصول إليها كزوجة الملك وإلا فعشق المرد معصية فكيف تحصل بها درجة الشهادة ا . ه " .
والظاهر أنه لا فرق ( 1 / 351 ) لما مر أن شرطه العفة والكمال . " .
ولو استشهد جنب " أو نحوه كحائض " فالأصح أنه لا يغسل " كغيره لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب ولم يغسله النبي A وقال رأيت الملائكة تغسله رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما فلو كان واجبا لم يسقط إلا بفعلنا ولأنه طهر عن حدث فسقط بالشهادة كغسل الميت فيحرم إذ لا قائل بغير الوجوب والتحريم ولهذا قال في المجموع يحرم غسله لأنها طهارة حدث فلم تجز كغسل الميت .
والثاني يغسل لأن الشهادة إنما تؤثر في غسل وجب بالموت وهذا الغسل كان واجبا قبله .
وأجاب الأول بأنه سقط به كغسل الموت كما مر ولا يصلى عليه على الوجهين . " .
و " الأصح " أنه " أي الشهيد " تزال " حتما " نجاسته " بغسلها " غير الدم " المتعلق بالشهادة وإن أدى ذلك إلى زوال دمها لأن النجاسة ليست من أثر الشهادة بخلاف دمها الخالي عن النجاسة فتحرم إزالته لأنا نهينا عن غسل الشهيد ولأنه أثر عبادة .
وإنما لم تحرم إزالة الخلوف من الصائم مع أنه أثر عبادة لأنه هو المفوت على نفسه بخلافه هنا حتى لو فرض أن غيره أزاله بغير إذنه حرم عليه ذلك وقد مرت الإشارة إلى ذلك في باب الوضوء .
والثاني لا تزال لإطلاق النهي عن غسل الشهيد .
والثالث إن أدى غسلها إلى إزالة أثر الشهادة لم تزل وإلا أزيلت . " .
ويكفن " الشهيد ندبا " في ثيابه الملطخة بالدم " لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر قال رمي رجل بسهم في صدره أو حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع النبي A .
والمراد ثيابه التي مات فيها واعتيد لبسها غالبا وإن لم تكن ملطخة بالدم لكن الملطخة بالدم أولى ذكره في المجموع .
فالتقييد في كلام المصنف كأصله بالملطخة لبيان الأكمل .
وعلم بالتقييد ب ندبا أنه لا يجب تكفينه فيها كسائر الموتى وفارق الغسل بإبقاء أثر الشهادة على البدن والصلاة عليه بإكرامه والإشعار باستغنائه عن الدعاء . " .
فإن لم يكن ثوبه سابغا " أي ساترا لجميع بدنه . " .
تمم " وجوبا لأنه حق للميت كما تقدم مرارا .
وقول بعض المتأخرين تمم ندبا لأن الواجب ستر العورة ممنوع لما مر غير مرة .
ولو أراد الورثة نزعها وتكفينه في غيرها جاز سواء أكان عليها أثر شهادة أم لا إذ لا يجب تكفينه فيها كسائر الموتى .
ولو طلب بعض الورثة النزع وامتنع بعضهم أجيب الممتنع في أحد احتمالين يظهر ترجيحه .
ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع وخف وكل ما لا يعتاد لبسه غالبا كجلد وفروة وجبة محشوة وفي أبي داود في قتلى أحد الأمر بنزع الحديد والجلود ودفنهم بدمائهم وثيابهم . "