" ويحل استعمال " واقتناء " كل إناء طاهر " في الطهارة وغيرها بالإجماع أي من حيث أنه طاهر فلا يرد المغصوب وجلد الآدمي لأن تحريمهما لمعنى آخر وهو تحريم استعمال ملك الغير إلا برضاه وانتهاك حرمة جلد الآدمي وقد توضأ A من جلد ومن قدح من خشب ومن مخضب من حجر ومن إناء من صفر وكره بعضهم الأكل والشرب من الصفر قال القزويني : اعتياد ذلك يتولد منه أمراض لا دواء لها وخرج بالطاهر النجس كالمتخذ من ميتة فيحرم استعماله فيما ينجس به كماء قليل ومائع لا فيما لا ينجس به كماء كثير أو غيره مع الجفاف لكن يكره في الثاني فالمفهوم فيه تفصيل فقد خالف حكمه حكم المنطوق . " .
إلا ذهبا وفضة " أي إناءهما المعمول منهما أو من أحدهما " فيحرم " استعماله على الرجل والمرأة والخنثى بالإجماع ولقوله A ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ) متفق عليه . ويقاس غير الأكل والشرب عليهما وإنما خصا بالذكر لأنهما أظهر وجوه الاستعمال وأغلبها . ويحرم على الولي أن يسقي الصغير بمسعط من إنائهما ولا فرق بين الإناء الكبير والصغير حتى ما يخلل به أسنانه والميل إلا لضرورة كأن يحتاج إلى جلاء عينه بالميل فيباح استعماله والوضوء منه صحيح والمأخوذ منه من مأكول أو غيره حلال لأن التحريم للاستعمال لا لخصوص ما ذكر ويحرم التطيب بماء الورد ونحوه من إناء مما ذكر والتبخر بالاحتواء على مجمرة منه أو إتيان رائحتها من قرب لا من بعد . قال في " المجموع : وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أن يتطيب بها . ولو بخر ثيابه بها أو قصد تطيب البيت فمستعمل " قال في " المجموع " : والحيلة في الاستعمال أن يخرج الطعام من الإناء إلى شيء بين يديه كقشرة رغيف ثم يأكله ويصب الماء في شيء ولو في يده التي لا يستعمله بها فيصبه أولا في يده اليسرى ثم في اليمنى ثم يستعمله ويصب ماء الورد في يساره ثم ينقله إلى يمينه ثم يستعمله ويحرم البول في الإناء منهما أو من أحدهما ولا يشكل ذلك بقولهم يجوز الاستنجاء بالذهب والفضة لأن الكلام هناك في قطعة ذهب أو فضة وهنا في إناء هي منهما لذلك . واستثنى في شرح المهذب الذهب إذا صدئ ولكن فيه التفصيل الذي في التمويه بنحاس ونحوه . " .
وكذا " يحرم " اتخاذه " أي اقتناؤه من غير استعمال " في الأصح " لأن ما لا يجوز استعماله للرجال ولا لغيرهم يحرم اتخاذه كآلة الملاهي والثاني : لا يحرم لأن النهي الوارد إنما هو في الاستعمال لا الاتخاذ وليس كآلة الملاهي لأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها لفقد ما يقوم مقامها بخلاف الأواني ولا أجرة لصنعته ولا أرش لكسره كآلة اللهو .
فائدة : .
جمع الإناء آنية كسقاء وأسقية وجمع الآنية أوان ووقع في الوسيط إطلاق الآنية على المفرد وليس بصحيح .
ويحرم بيان تزيين الحوانيت والبيوت بآنية النقدين على الأصح في " الروضة " و " شرح المهذب ويحرم تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة . " ويحل المموه " أي المطلي بذهب أو فضة ومنه تمويه القول أي تلبيسه . فإن موه غير النقد كإناء نحاس وخاتم وآلة حرب منه بالنقد ولم يحصل منه شيء ولو بالعرض على النار أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شيء من المموه به أو الصدأ حل استعماله " في الأصح " لقلة المموه به في الأولى فكأنه معدوم ولعدم الخيلاء في الثانية فإن حصل شيء ( 1 / 30 ) من النقد في الأولى لكثرته أو لم يحصل شيء من غيره في الثانية لقلته حرم استعماله وكذا اتخاذه في الأصح أخذا مما سبق فالعلة مركبة من تضييق النقدين والخيلاء وكسر قلوب الفقراء والثاني : يحرم ذلك للخيلاء وكسر قلوب الفقراء في الأولى والتضييق في الثانية . ويحرم تمويه سقف البيت وجدرانه وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار وتحرم استدامته إن حصل منه شيء بالعرض عليها وإلا فلا . " .
و " يحل " النفيس " بالذات من غير النقدين أي استعماله واتخاذه " كياقوت " وفيروزج وبلور - بكسر الباء وفتح اللام - ومرجان وعقيق والمتخذ من الطيب المرتفع كمسك وعنبر وعود " في الأظهر " لأنه لم يرد فيه نهي ولا يظهر فيه معنى السرف والخيلاء لكنه يكره والثاني : يحرم للخيلاء وكسر قلوب الفقراء ورد بأن ذلك لا يعرفه إلا الخواص أما النفيس بالصنعة كزجاج وخشب محكم الخرط والمتخذ من طيب غير مرتفع فيحل بلا خلاف ومحل الخلاف أيضا في غير الخاتم أما هو فإنه جائز قطعا كما قاله في شرح المهذب .
فائدة : .
عن أنس أن النبي A قال : ( من اتخذ خاتما فصه ياقوت نفي عنه الفقر ) قال ابن الأثير : يريد أنه إذا ذهب ماله باع خاتمه فوجد به غنى قال : والأشبه إن صح الحديث أن يكون لخاصية فيه كما أن النار لا تؤثر فيه ولا تغيره وقيل : من تختم به أمن من الطاعون وتيسرت له أسباب المعاش ويقوى قلبه وتهابه الناس ويسهل عليه قضاء الحوائج وقيل : إن الحجر الأسود من ياقوت الجنة فمسحه المشركون فاسود من مسحهم وقيل : إن النبي A أعطى عليا فصا من ياقوت وأمره أن ينقش عليه لا إله إلا الله ففعل وأتى إلى النبي A فقال له A : لم زدت محمد رسول الله ؟ فقال : والذي بعثك بالحق ما فعلت إلا ما أمرتني به فهبط جبريل عليه A وقال : يا محمد إن الله تعالى يقول لك أحببتنا فكتبت اسمنا ونحن أحببناك فكتبنا اسمك . " .
وما ضبب " من إناء " بذهب أو فضة ضبة كبيرة " وكلها أو بعضها وإن قل " لزينة حرم " استعماله واتخاذه .
وأصل الضبة : أن ينكسر الإناء فيوضع على موضع الكسر نحاس أو فضة أو غيره لتمسكه ثم توسع الفقهاء فأطلقوه على إلصاقه به وإن لم ينكسر . " أو صغيرة بقدر الحاجة فلا " يحرم للصغر ولا يكره للحاجة ولما رواه البخاري عن عاصم الأحول قال : ( رأيت قدح رسول الله A عند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وكان قد انصدع - أي انشق - فسلسله بفضة ) أي شده بخيط فضة والفاعل هو أنس كما رواه البيهقي قال أنس : لقد سقيت رسول الله A في هذا القدح أكثر من كذا وكذا . " أو صغيرة " وكلها أو بعضها " لزينة أو كبيرة " كلها " لحاجة جاز " مع الكراهة فيهما " في الأصح " أما في الأولى فللصغر ولقدرة معظم الناس على مثلها وكره لفقد الحاجة وأما في الثانية فللحاجة وكره للكبر والثاني : يحرم نظرا للزينة في الأولى وللكبر في الثانية . " وضبة موضع الاستعمال " لنحو شرب " كغيره " فيما ذكر من التفصيل " في الأصح " لأن الاستعمال منسوب إلى الإناء كله ولأن معنى العين والخيلاء لا يختلف بل قد تكون العين الزينة في غير موضع الاستعمال أكثر والثاني : يحرم إناؤها مطلقا لمباشرتها بالاستعمال . " قلت المذهب تحريم " إناء " ضبة الذهب " سواء أكان معه غيره أم لا " مطلقا " أي من غير تفصيل كما مر " والله أعلم " لأن الخيلاء فيه أشد من الفضة ولأن الحديث المار في الفضة ولا يلزم من جوازها جوازه لأنها أوسع بدليل جواز الخاتم للرجل منها " ومقابل المذهب : أن الذهب كالفضة فيأتي فيه ما مر كما نقله الرافعي عن الجمهور . ومعنى الحاجة : غرض إصلاح الكسر ولا يعتبر العجز عن التضبيب بغير الذهب والفضة لأن العجز عن غيرهما يبيح استعمال الإناء الذي كله ذهب أو فضة فضلا عن المضبب به . ومرجع الكبر والصغر العرف وقيل : الكبيرة ما تستوعب جانبا من الإناء وقيل : ما كانت جزءا كاملا كشفة أو أذن والصغيرة دون ذلك وقيل : ما يلمع للناظر من بعد كبير وما لا فصغير فإن شك في كبرها فالأصل الإباحة قاله في " المجموع " ويشكل على ذلك ما قالوه في باب اللباس : من أنه لو شك في ثوب فيه حرير وغيره هل الأكثر حريرا أو لا أنه يحرم استعماله وكذا لو شك ( 1 / 31 ) في التفسير هل هو أكثر من القرآن أو لا فإنه يحرم على المحدث مسه وأجبت عن ذلك في " شرح التنبيه " .
تنبيه : .
قال الشارح : وتوسع المصنف في نصب الضبة بفعلها نصب المصدر أي لأن انتصاب الضبة على المفعول المطلق فيه توسع على خلاف الأكثر فإن أكثر ما يكون المفعول المطلق مصدرا وهو اسم الحدث الجاري على الفعل كما هو معروف في محله نحو : ( وكلم الله موسى تكليما ) لكن قد ينوب عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق أشياء : .
منها ما يشارك المصدر في حروفه التي بنيت صيغته منها ويسمى المشارك في المادة وهو أقسام : منها ما يكون اسم عين لا حدث كالضبة فيما نحن فيه ونحو قوله D : ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ) فضبة اسم عين مشارك لمصدر ضبب وهو التضبيب في مادته فأنيب منابه في انتصابه على المفعول المطلق .
فائدة : .
سئل فقيه العرب عن الوضوء من الإناء المعوج فقال : إن أصاب الماء أي القليل تعويجه لم يجز وإلا جاز . والمراد به المضبب بالعاج وهو ناب الفيل ولا يسمى غيرنا به عاجا . وليس مرادهم بفقيه العرب شخصا معينا وإنما يذكرون ألغازا وملحا ينسبونها إليه وهو مجهول لا يعرف ونكرة لا يتعرف . تتمة : .
تسمير الدراهم في الإناء كالتضبيب فيأتي فيه التفصيل السابق بخلاف طرحها فيه لا يحرم به استعمال الإناء مطلقا ولا يكره وكذا لو شرب بكفه وفي أصبعه خاتم أو في فمه دراهم أو شرب بكفه وفيها دراهم فإن جعل للإناء حلقة من فضة أو سلسلة منها أو رأسا جاز وإنما جاز ذلك في الرأس لأنه منفصل عن الإناء لا يستعمل قال الرافعي : ولك منعه بأنه مستعمل بحسبه وإن سلم فليكن فيه خلاف الاتخاذ ويمنع بأن الاتخاذ يجر إلى الاستعمال المحرم بخلاف هذا . والمراد به ما يجعل في الكوز فهو قطعة فضة أما ما يجعل كالإناء ويغطى به فإنه يحرم أما الذهب فلا يجوز منه ذلك . ويسن إذا جن الليل تغطية الإناء ولو بعرض عود وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب مسميا لله تعالى في الثلاثة وكف الصبيان والماشية أول ساعة من الليل وإطفاء المصباح للنوم .
خاتمة : .
أواني المشركين إن كانوا لا يتعبدون استعمال النجاسة كأهل الكتاب فهي كآنية المسلمين لأن النبي A توضأ من مزادة مشركة وتوضأ عمر من جر نصرانية والجر والجرار جمع جرة ويكره استعمالها لعدم تحرزهم . وإن كانوا يتدينون باستعمال النجاسة كطائفة من المجوس يغتسلون ببول البقر تقربا ففي جواز استعمالها وجهان أخذ من القولين في تعارض الأصل والغالب ولكن يكره استعمال أوانيهم وملبوسهم وما يلي أسافهم - أي مما يلي الجلد - أشد وأواني مائهم أخف ويجري الوجهان في أواني مدمني الخمر والقصابين الذين لا يحترزون من النجاسة والأصح الجواز أي مع الكراهة أخذا مما مر . " .
باب أسباب الحدث " .
والمراد به عند الإطلاق كما هنا الأصغر غالبا .
والأسباب : جمع سبب وهو كل شيء يتوصل به إلى غيره وتقدم تعريف الباب والحدث لغة واصطلاحا .
والمراد بالحدث هنا : الأسباب نفسها ولكن إضافتها إليه تقتضي تفسير الحدث بغير الأسباب إلا أن تجعل الإضافة بيانية والأصح أنه مختص بالأعضاء الأربعة لأن وجوب الغسل والمسح مختصان بها وأن كل عضو يرتفع حدثه بغسله في المغسول وبمسحه في الممسوح وإنما حرم مس المصحف بذلك العضو بعد غسله قبل تمام الطهارة لأنه لا يسمى متطهرا وقد قال تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) وتعبيره كالمحرر بالأسباب أولى من التعبير بما ينقض الوضوء لأن الأصح أنه لا يقال انتقض الوضوء بل انتهى كما يقال انتهى الصوم لا بطل قال في " الدقائق " : لكن المصنف عبر بعد ذلك بالنقض بقوله : فخرج المعتاد نقض ويؤول بمعنى انتهى الطهر به . قال الزمخشري : وإنما بوب المصنفون في كل فن من كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم لأن القارئ إذا ختم بابا من كتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل بخلاف ما لو استمر على الكتاب بطوله ومثله المسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا نفس ذلك ( 1 / 32 ) عنه ونشط للمسير ومن ثم كان القرآن الكريم سورا وجزأه القراء عشورا وأسباعا وأخماسا وأحزابا .
وقدم المصنف تبعا لأصله هذا الباب على الوضوء كما قدم موجب الغسل على الغسل وهو ترتيب طبيعي وخالف في الروضة فقدم الوضوء ولم يقدم الغسل على موجبه لأن الإنسان يولد محدثا فيعرف الوضوء ثم ما ينتهي به ولا يولد جنبا فقدم موجب الغسل عليه