ويكره نظر ما يلهي عن الصلاة كثوب له أعلام لخبر عائشة : كان النبي " يصلي وعليه خميصة ذات أعلام فلما فرغ قال : " ألهتني هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانيته رواه الشيخان .
وقد شرع في القسم الأول فقال : شروط الصلاة خمسة والشروط جمع . . . . . . " .
و يكره كف شعره أو ثوبه لحديث : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف ثوبا ولا شعرا " رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
ومن ذلك كما في المجموع أن يصلي وشعره معقوص أو مردود تحت عمامته أو ثوبه أو كمه مشمر ومنه شد الوسط وغرز العذبة .
والمعنى في النهي عن كف ذلك أنه يسجد معه ولذا نص الشافعي على كراهة الصلاة وفي إبهامه الجلدة التي يجر بها وتر القوس قال : لأني آمره أن يفضي ببطون كفيه إلى الأرض " .
و يكره وضع يده على فمه لثبوت النهي عنه ولمئنته لهيئة الخشوع " .
بلا حاجة فإن كان لها كما إذا تثاءب فإنه لا يكره بل يستحب وضعها لصحة الحديث في ذلك .
قال ابن الملقن : والظاهر أنه يضع اليسرى لأنها لتنحية الأذى ويكره التثاؤب لخبر مسلم : " إذا تثاءب أحدكم وهو في الصلاة فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ها ضحك الشيطان منه " قال في المجموع : ويكره التثاؤب في غير الصلاة أيضا ويكره النفخ لأنه عبث ومسح الحصى ونحوه حيث يسجد لخبر أبي داود بإسناد على شرط الشيخين : " لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلا فواحدة تسوية للحصى " ولأنه يخالف التواضع والخشوع " .
و يكره القيام على رجل واحدة لأنه تكلف ينافي الخشوع إلا إن كان لعذر كوجع الأخرى فلا كراهة " .
و تكره الصلاة حاقنا بالنون : أي مدافعا للبول أو حاقبا بالموحدة : أي مدافعا للغائط أو حازقا بالقاف : وهو مدافع الريح أو حاقما بهما فيستحب أن يفرغ نفسه من ذلك إذا اتسع الوقت وإن فاتته الجماعة كما سيأتي في بابها .
وقيل : يستحب وإن فات الوقت .
ونقل عن القاضي حسين أنه قال : إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه لم تصح صلاته " .
أو بحضرة بتثليث الحاء المهملة طعام مأكول أو مشروب يتوق بالتاء المثناة من فوق : أي يشتاق إليه لحديث مسلم : " لا صلاة " أي كاملة " بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان " بالمثلثة : أي البول والغائط .
والشرب كالأكل وتوقان النفس في غيبة الطعام كحضوره قاله في الكفاية وهو ظاهر إن كان يرجى حضوره عن قرب كما يؤخذ من كلام ابن دقيق العيد بل قيل : إن غيبة الطعام ليست كحضوره مطلقا لأن حضوره يوجب زيادة تشوق وتطلع إليه .
وتعبير المصنف بتوقان يفهم أنه إنما يأكل ما ينكسر به التوقان والذي جرى عليه في شرح مسلم في الأعذار المرخصة في ترك الجماعة أنه يأكل حاجته بكمالها وهو الظاهر ومحل ذلك إذا اتسع الوقت " .
و يكره أن يبصق قبل وجهه أو عن يمينه لحديث الشيخين : " إذا كان أحدكم في الصلاة فإنما يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه " زاد البخاري : " فإن عن يمينه ملكا وعن يساره أو تحت قدمه " .
ويكره البصاق عن يمينه وأمامه وهو في غير الصلاة أيضا كما قاله المصنف خلافا لما رجحه الأذرعي تبعا للسبكي من أنه مباح لكن محل كراهة ذلك أمامه إذا كان متوجها إلى القبلة كما بحثه بعضهم إكراما لها .
فائدة : .
روى ابن عساكر عن عبادة بن الصامت عن معاذ بن جبل أنه قال " ما بزقت عن يميني منذ أسلمت " .
قال الدميري : وينبغي أن يستثنى من البصاق عن يمينه ما إذا كان بمسجد النبي " فإن بصاقه عن يمينه أولى لأن النبي " عن يساره ا . ه .
وهل المبطل الفعل أو وصول المفطر جوفه ؟ وجهان أصحهما الثاني وسيأتي أن المضغ أيضا من الأفعال .
وهو ظاهر إذا كان القبر الشريف عن يساره .
فإن قيل : عن يساره ملك آخر فما وجه اختصاص المنع بما ذكر ؟ أجيب بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها ففي الطبراني : " فإنه يقوم بين يدي الله تعالى وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره " فالبصاق حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك .
هذا إذا كان في غير مسجد فإن كان فيه بصق في ثوبه في الجانب الأيسر وحك بعضه ببعض ولا يبصق فيه فإنه حرام كما صرح به في المجموع والتحقيق ويجب الإنكار على فاعله وإن قال في المهمات إن المشهور الكراهة لحديث الشيخين : " البصاق في المسجد ( 1 / 201 ) وكفارتها دفنها " أي ولو في تراب المسجد لظاهر الخبر بل يبصق في طرف ثوبه في جانبه الأيسر ككمه .
وبصق وبزق لغتان بمعنى .
ومن رأى بصاقا أو نحوه في المسجد فالسنة أن يزيله وأن يطيب محله قاله في المجموع .
فإن قيل : لماذا لم تجب الإزالة لأن البصاق فيه حرام كما مر ؟ أجيب بأنه مختلف في تحريمه كما قالوه في دفع المار بين يدي المصلي كما مر " .
و يكره وضع يده أي المصلي ذكرا كان أو غيره على خاصرته لغير ضرورة أو حاجة للنهي عنه رواه الشيخان .
وفي رواية ابن حبان : " الاختصار في الصلاة راحة أهل النار " قال ابن حبان يعني اليهود والنصارى وهم أهل النار .
واختلف العلماء في تفسير الاختصار على أقوال : أصحها ما ذكره المصنف والثاني : أن يتوكأ على عصا والثالث : يختصر السورة فيقرأ آخرها والرابع : أن يختصر صلاته فلا يتم حدودها والخامس : أن يقتصر على الآيات التي فيها السجدة ويسجد فيها والسادس : أن يختصر السجدة إذا انتهى في قراءته إليها ولا يسجدها .
وعلى الأول اختلف في علة النهي فقيل : لأنه فعل الكفار وقيل : فعل المتكبرين وقيل : فعل الشيطان .
وحكى في شرح مسلم : أن إبليس هبط من الجنة كذلك .
ويكره أن يروح على نفسه في الصلاة وأن يفقع أصابعه أو يشبكها لأن ذلك عبث وأن يمسح وجهه فيها وقبل الانصراف مما يتعلق بها من غبار ونحوه " .
و تكره المبالغة في خفض الرأس عن الظهر في ركوعه لمجاوزته فعله فإنه كان إذا ركع لم يشخص رأسه : أي لم يرفعه ولم يصوبه : أي لم يخفضه .
وقضية كلام المصنف أن خفض الرأس من غير مبالغة لا كراهة فيه والذي دل عليه كلام الشافعي والأصحاب كما قاله السبكي وجرى عليه شيخنا في منهجه الكراهة وهو المعتمد " .
و تكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد قاله في الإحياء قال : وكان بعض الصحابة يضرب الناس ويقيم من الرحاب .
وفي الحمام ولو في مسلخه لحديث صحيح أسنده ابن حبان : " الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام " .
واختلف في علة النهي على أقوال : أصحها لأنه مأوى الشياطين وقيل : خوف النجاسة وقيل : لاشتغال المصلي بدخول الناس وقيل غير ذلك .
وهو مذكر مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار " .
و في الطريق للنهي عن الصلاة في قارعة الطريق وهي أعلاه وقيل : صدره وقيل : ما برز منه والكل متقارب .
والمراد هنا نفس الطريق كما قاله ابن الأثير في النهاية فلهذا عبر به المصنف .
وظاهر كلامه أنه لا فرق بين البنيان والبرية وصححه في الكفاية ولكن المعتمد ما صححه في التحقيق من الكراهة في البنيان دون البرية .
وفي قول إن الصلاة في الشارع باطلة بناء على تغليب الغالب الظاهر على الأصل " .
و في المزبلة بفتح الباء وضمها : موضع الزبل ونحوه كالمجزرة وهي موضع ذبح الحيوان .
ومحل ذلك ما إذا بسط طاهرا وصلى عليه وإلا لم تصح لأنه مصل على نجاسة .
وإنما تكره على الحائل إذا كانت النجاسة محققة فإن بسطه على ما غلبت فيه النجاسة لم تكره على ما يقتضيه كلام الرافعي لضعف ذلك الحائل " .
و في الكنيسة وهي بفتح الكاف معبد النصارى وفي البيعة بكسر الباء وهي معبد اليهود ونحوهما من أماكن الكفر لأنها مأوى الشياطين .
نعم لو منعنا أهل الذمة من دخول أماكنهم حرم علينا دخولها " .
و في عطن الإبل ولو طاهرا وهو الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاردة ليشرب غيرها فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى لقوله : " صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين " رواه ابن ماجة وصححه ابن حبان ولنفارها المشوش للخشوع .
والمرابض المراقد فلا تكره الصلاة فيها .
وفرق الرافعي بين الإبل والغنم بأن خوف نفار الإبل يذهب الخشوع بخلاف الغنم .
ولا تختص الكراهة بالعطن بل مأواها ومقيلها ومباركها بل مواضعها كلها كذلك .
قال الرافعي : والكراهة في العطن أشد من مأواها لأن نفارها في العطن أكثر لازدحامها ذهابا وإيابا .
والبقر كالغنم كما قاله ابن المنذر وغيره وإن نظر فيه الزركشي .
ومعلوم أن أماكن المواشي مطلقا إن تنجست لم تصح الصلاة فيها بلا حائل وتصح بالحائل مع الكراهة لكن الكراهة في موضع الغنم ونحوها لمحاذاة النجاسة كما مر وفي موضع الإبل لذلك ولما مر " .
و في المقبرة بتثليث الموحدة الطاهرة وهي التي لم تنبش والله أعلم لنهيه " عن الصلاة في سبعة مواطن : " في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق بيت الله العتيق " رواه الترمذي وقال : إسناده ليس بالقوي .
ولنجاسة ما تحتها بالصديد .
وإنما كرهت الصلاة فوق البيت لهتك حرمته .
أما المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها بغير حائل ومعه تكره واستثنى كما في التوشيح لابن السبكي مقابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي إذا كانت أرضا ليس فيها مدفون إلا نبي أو أنبياء فلا تكره الصلاة فيها لأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم وإنما هم أحياء في قبورهم يصلون .
وينبغي كما قال بعض المتأخرين أن تكون مقابر شهداء المعركة كذلك لأنهم أحياء واعترض الزركشي كلام ابن السبكي بأن تجويز الصلاة في مقبرة الأنبياء ذريعة إلى ( 1 / 202 ) اتخاذها مسجدا وجاء النهي عن اتخاذ مقابر الأنبياء مساجد وسد الذرائع مطلوب ا . ه .
وليس هذا الاعتراض بظاهر .
قال في المجموع : وتكره الصلاة في مأوى الشياطين كالخمارة ومواضع المكس ونحو ذلك من المعاصي الفاحشة وفي الوادي الذي نام فيه " لا في غيره من الأودية وان أطلق الرافعي تبعا للإمام و الغزالي الكراهة في بطون الأودية مطلقا وعللوه باحتمال السيل المذهب للخشوع ويكره استقبال القبر في الصلاة لخبر مسلم : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " .
نعم يحرم استقبال قبره " كما جزم به في التحقيق ويقاس به سائر قبور الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام .
فائدة : .
أجمع المسلمون إلا الشيعة على جواز الصلاة على الصوف وفيه ولا كراهة في الصلاة على شيء من ذلك إلا عند مالك فإنه كره الصلاة عليه تنزيها وقالت الشيعة : ولا يجوز ذلك لأنه ليس من نبات الأرض .
خاتمة : في أحكام المسجد يحرم تمكين الصبيان غير المميزين والمجانين والبهائم والحيض ونحوهن والسكران من دخوله إن غلب تنجيسهم له وإلا كره كما يعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى في الشهادات .
وكذا يحرم دخول الكافر له إلا بإذن مسلم قال الجويني : مكلف .
قال الأذرعي : ولم يشترط على الكافر في عهده عدم الدخول كما صرح به الماوردي وغيره .
وإن أذن له أو قعد قاض للحكم فيه وكان له حكومة جاز له الدخول ولو كان جنبا لأنه لا يعتقد حرمة ذلك .
ويستحب الإذن له فيه لسماع قرآن ونحوه كفقه وحديث رجاء إسلامه لا لأكل ونوم فيه فلا يستحب له الإذن بل يستحب عدمه وهو الظاهر بل قال الزركشي : ينبغي تحريمه .
والكلام في غير المسجد الحرام لأن في دخوله حرم مكة تفصيلا يأتي في الجزية إن شاء الله تعالى .
ويكره نقش المسجد واتخاذ الشرافات له بل إن كان ذلك من ريع ما وقف على عمارته فحرام .
ويكره دخوله بلا ضررة لمن أكل ما له ريح كريه كثوم " بضم المثلثة " وحفر بئر وغرس شجر فيه بل إن حصل بذلك ضرر حرم .
وعمل صناعة فيه إن كثر هذا إذا لم تكن خسيسة تزري بالمسجد ولم يتخذه حانوتا يقصد فيه بالعمل وإلا فيحرم ذكره ابن عبد السلام في فتاويه .
ولا بأس بإغلاقه في غير أوقات الصلاة صيانة له وحفظا لما فيه ومحله كما قال في المجموع : إذا خيف امتهانه وضياع ما فيه ولم تدع حاجة إلى فتحه وإلا فالسنة عدم إغلاقه ولو كان فيه ماء مسبل للشرب لم يجز غلقه ومنع الناس من الشرب .
ولا بأس بالنوم والوضوء والأكل فيه إذا لم يتأذ بشيء من ذلك الناس وما قاله البغوي من تحريم نضح المسجد بالماء المستعمل وجرى عليه ابن المقري في باب الاعتكاف قال المصنف في مجموعه : ضعيف قال : والمختار الجواز كما يجوز الوضوء فيه مع أن ماءه مستعمل ا . ه .
وهذا هو المعتمد وإن فرق بعض المتأخرين بأن الوضوء محتاج إليه بخلاف النضح بالمستعمل وبأن تلويثه يحصل في الوضوء ضمنا بخلافه في النضح والشيء يغتفر ضمنا ما لا يغتفر مقصودا .
والبصاق فيه حرام وكفارته دفنه كما مر ( 1 / 203 ) ولحائطه مثل حرمته فيحرم البصاق عليها لا في هوائه فلو رمى نخامة من داخل المسجد إلى خارجه لم يحرم .
ويسن أن يقدم رجله اليمنى دخولا واليسرى خروجا وأن يقول : " أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك " ثم يقول : " بسم الله " ويدخل .
وكذا يقول عند الخروج إلا أنه يقول : " أبواب فضلك " .
قال في المجموع : فإن طال عليه هذا فليقتصر على ما في مسلم : أنه " قال : " إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل : اللهم إني أسألك من فضلك " .
وتكره الخصومة ورفع الصوت ونشد الضالة فيه .
ولا بأس أن يعطي السائل فيه شيئا ولا بأس بإنشاد الشعر فيه إذا كان مدحا للنبوة أو للإسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك ( 1 / 204 )