بكلام البشر بلغة العرب وبغيرها على ما سيأتي بحرفين أفهما ك " قم " ولو لمصلحة الصلاة كقوله : " لا تقم " أو " اقعد " أم لا ك " عن " و " من " لخبر مسلم عن زيد بن أرقم : " كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام " وعن معاوية بن الحكم السلمي قال : بينما أنا أصلي مع رسول الله " إذ عطس رجل من القوم فقلت : له يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت : واثكل أماه ما شأنكم تنظرون إلي ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني سكت فلما صلى النبي " قال : " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس " والحرفان من جنس الكلام لأن أقل ما ينبني عليه الكلام حرفان للابتداء والوقف وتخصيصه بالمفهم فقط اصطلاح حادث للنحاة " .
أو حرف مفهم نحو " ق " من الوقاية و " ع " من الوعي و " ف " من الوفاء و " ش " من الوشي " .
وكذا مدة بعد حرف في الأصح وإن لم يفهم نحو " آ " والمد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان .
والثاني : لا تبطل لأن المدة قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفا وهذا كله يسير فبالكثير من باب أولى " .
وإلا أن التنحنح والضحك والبكاء ولو من خوف الآخرة والأنين والتأوه والنفخ من الفم أو الأنف إن ظهر به أي بواحد مما ذكر حرفان بطلت صلاته وإلا فلا تبطل لما مر والثاني : لا تبطل بذلك مطلقا لأنه لا يسمى كلاما في اللغة ولا يكاد يتبين منه حرف محقق فأشبه الصوت الغفل .
وخرج بالضحك التبسم فلا تبطل الصلاة لأن النبي " تبسم فيها فلما سلم قال : " مر بي ميكائيل فضحك لي فتبسمت له " " .
ويعذر في يسير الكلام عرفا إن سبق لسانه إليه أي لما سيأتي أن الناسي مع قصده الكلام معذور فيه فهذا أولى لعدم قصده " .
أو نسي الصلاة أي نسي أنه فيها للعذر وفي الصحيحين عن أبي هريرة : صلى بنا رسول الله " الظهر أو العصر فسلم من ركعتين ثم أتى خشبة بالمسجد واتكأ عليها كأنه غضبان فقال له ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال لأصحابه : " أحق ما يقول ذو اليدين ؟ " قالوا : نعم فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين .
وجه الدلالة أنه تكلم معتقدا أنه ليس في الصلاة وهم تكلموا مجوزين النسخ ثم بنى هو وهم عليها " .
أو جهل تحريمه أي الكلام فيها إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء بخلاف من بعد إسلامه وقرب من العلماء لتقصيره بترك التعلم .
قال الخوارزمي والاشبه أن الذمي الذي نشأ بين أظهرنا أنه لا يعذر وإن قرب عهده بالإسلام لأن مثل هذا لا يخفى عليه من ديننا ا . ه .
وهذا ليس بظاهر بل هو داخل في عموم كلام الأصحاب وهو لو سلم إمامه فسلم معه ثم سلم الإمام ثانيا فقال له مأموم قد سلمت قبل هذا فقال كنت ناسيا لم تبطل صلاة واحد منهما ويسلم المأموم ويندب له سجود السهو لأنه تكلم بعد انقطاع القدوة .
ولو سلم من ثنتين ظانا كمال صلاته فكالجاهل كما ذكره الرافعي في كتاب الصيام " .
لا في كثيره فإنه لا يعذر فيه فيما ذكر من الصور في الأصح لأنه يقطع نظم الصلاة وهيئاتها والقليل يحتمل لقلته ولأن السبق والنسيان في الكثير نادر والفرق بين هذا وبين الصوم حيث لا يبطل بالأكل الكثير ناسيا عند المصنف أن المصلي متلبس بهيئة مذكرة بالصلاة يبعد معها النسيان وليس كذلك الصائم .
والثاني : يسوى بينهما في العذر كما سوي في العمد ومرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصح وقيل : الكلمة الكلمتان ونحوهما وقيل : ما يسع زمانه ركعة وصحح السبكي تبعا للمتولي أن الكلام الكثير ناسيا لا يبطل لقصة ذي اليدين " .
و يعذر في اليسير عرفا من التنحنح ونحوه مما مر وغيره كالسعال والعطاس وإن ظهر به حرفان ولو من كل نفخة ونحوها " .
للغلبة إذ لا تقصير وهي راجعة للجميع " .
وتعذر القراءة الواجبة وكذا غيرها من الأركان القولية للضرورة .
وهذا راجع إلى التنحنح فقط أما إذا كثر التنحنح ونحوه للغلبة كأن ظهر منه حرفان من ذلك وكثر فإن صلاته تبطل كما قالاه في الضحك والسعال والباقي في معناهما لأن ذلك يقطع نظم الصلاة .
وصوب الإسنوي عدم البطلان في التنحنح والسعال والعطاس للغلبة وإن كثرت إذ لا يمكن الاحتراز عنها ا . ه .
وينبغي أن يكون محل الأول ما إذا لم يصر السعال أو نحوه مرضا ملازما له .
أما إذا صار السعال ونحوه كذلك فإنه لا يضر كمن به سلس بول ونحوه بل أولى ( 1 / 195 ) لا تعذر الجهر فلا يعذر في يسير التنحنح له في الأصح لأنه سنة لا ضرورة إلى التنحنح له .
وفي معنى الجهر سائر السنن كقراءة السورة والقنوت وتكبيرات الانتقالات وإن قال الإسنوي المتجه جواز التنحنح للجهر بأذكار الانتقالات عند الحاجة إلى سماع المأمومين إذ لا يلزمه تصحيح صلاة غيره .
فروع : لو جهل بطلانها بالتنحنح مع علمه بتحريم الكلام فمعذور لخفاء حكمه على العوام ولو علم تحريم الكلام وجهل كونه مبطلا لم يعذر كما لو علم تحريم شرب الخمر دون إيجابه الحد فإنه يحد إذ حقه بعد العلم بالتحريم الكف .
ولو تكلم ناسيا لتحريم الكلام في الصلاة بطلت كنسيان النجاسة على ثوبه صرح به الجويني وغيره .
ولو جهل تحريم ما أتى به منه مع علمه بتحريم جنس الكلام فمعذور كما شمله كلام ابن المقري في روضه صرح به أصله وكذا لو سلم ناسيا ثم تكلم عامدا أي يسيرا كما ذكره الرافعي في الصوم .
ولو تنحنح إمامه فبان منه حرفان لم يفارقه حملا على العذر لأن الظاهر تحرزه عن المبطل والأصل بقاء العبادة وقد تدل كما قال السبكي قرينة حال الإمام على خلاف ذلك فتجب المفارقة .
قال الزركشي : ولو لحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى وجب مفارقته كما لو ترك واجبا لكن هل يفارقه في الحال أو حتى يركع لجواز أنه لحن ساهيا وقد يتذكر فيعيد الفاتحة ؟ الأقرب الأول لأنه لا تجوز متابعته في فعل السهو ا . ه .
بل الأقرب الثاني لأن إمامه لو سجد قبل ركوعه لم تجب مفارقته في الحال " .
ولو أكره المصلي على الكلام اليسير في صلاته بطلت في الأظهر لأنه أمر نادر كالإكراه على الحدث والثاني : لا تبطل كالناسي .
أما الكثير فتبطل به جزما " .
ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهم كيا يحيى خذ الكتاب " مفهما به من يستأذن في أخذ شيء أن يأخذه ومثل قوله لمن استأذن عليه في دخول : ادخلوها بسلام وقوله لمن ينهاه عن فعل شيء : يوسف أعرض عن هذا " " إن قصد معه أي التفهيم قراءة لم تبطل لأنه قرآن فصار كما لو قصد القرآن وحده ولأن عليا رضي الله تعالى عنه كان يصلي فدخل رجل من الخوارج فقال : لا حكم إلا لله ورسوله فتلا علي : فاصبر إن وعد الله حق " " .
وإلا أبان قصد التفهيم فقط أو لم يقصد شيئا بطلت به لأنه فيهما بشبه كلام الآدميين فلا يكون قرآنا إلا بالقصد .
قال في الدقائق : يفهم من قول المنهاج أربع مسائل إحداها : إذا قصد القراءة الثانية : إذا قصد القراءة والإعلام الثالثة : إذا قصد الإعلام فقط الرابعة : أن لا يقصد شيئا ففي الأولى والثانية لا تبطل وفي الثالثة والرابعة تبطل وتفهم الرابعة من قوله " وإلا بطلت " كما يفهم منه الثالثة وهذه الرابعة لم يذكرها المحرر وهي نفيسة لا يستغنى عن بيانها وسبق مثلها في قول المنهاج وتحل أذكاره لا بقصد قرآن ا . ه .
وسومح في أخذ الأولى والرابعة من كلامه لأنه جعل الكلام فيما لو قصد التفهيم وجعل في ذلك قسمين وهما : قصد القراءة معه وعدم قصدها معه فلا يندرج في ذلك قصد القراءة فقط وعدم قصد شيء أصلا لأن ما قصد فيه التفهيم يستحيل أن يندرج فيه ما لا يقصد فيه التفهيم .
وهذا التفصيل يجري في الفتح على الإمام بالقرآن والجهر بالتكبير أو التسميع فإنه إن قصد الرد مع القراءة أو القراءة فقط أو قصد التكبير أو التسميع فقط أو مع الإعلام لم تبطل وإلا بطلت وإن كان في كلام بعض المتأخرين ما يوهم خلاف ذلك .
وخرج بقوله " بنظم القرآن " ما لو أتى بكلمات منه متوالية مفرداتها فيه دون نظمها ك " يا إبراهيم سلام كن " فإن صلاته تبطل فإن فرقها أو قصد بها القراءة لم تبطل به نقله في المجموع عن المتولي وأقره .
وقضيته أنه لو قصد بها القراءة في الشق الأول أن صلاته تبطل وهو ظاهر كما قال شيخنا في شرح البهجة فيما إذا لم يقصد القراءة بكل كلمة على انفرادها وإلا لم تبطل ونقل في المجموع عن العبادي أنه لو قال : الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب النار بطلت صلاته إن تعمد وإلا فلا ويسجد للسهو .
ثم قال : وفيما قاله نظر .
قال الأذرعي : وليس كما قال وما قاله العبادي ظاهر ا . ه .
وهو كذلك .
وقال القفال في فتاويه : إنه إن قال ذلك متعمدا معتقدا كفر ولو قال : قال الله أو النبي كذا بطلت صلاته كما شمله كلامهم وصرح به القاضي .
وتبطل بمنسوخ التلاوة وإن لم ينسخ حكمه لا بمنسوخ الحكم دون التلاوة " .
ولا تبطل الصلاة بالذكر والدعاء وإن لم يندبا ولا بنذر قال في المجموع : لأنه مناجاة لله تعالى فهو من جنس الدعاء وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب النذر هل هو قربة أو لا إلا ما علق من ذلك كقوله : " اللهم اغفر لي إن أردت " أو : " إن شفى الله مريضي فعلي عتق رقبة " أو " إن كلمت زيدا فعلي كذا " فتبطل به صلاته وكذا لو كان الدعاء محرما .
ويشترط النطق بذلك بالعربية وإن كان لا يحسنها كما مرت الإشارة إليه وأن لا يكون فيه خطاب مخلوق غير النبي " من إنس وجن وملك كما قال : إلا أن يخاطب به كقوله لعاطس : يرحمك الله ونحو ذلك ك " سبحان ربي وربك " أو قال لعبده : " لله علي أن أعتقك " فتبطل به .
واستثنى الزركشي وغيره مسائل : إحداها دعاء فيه خطاب لما لا يعقل كقوله : " يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما دب عليك " وكقوله إذا رأى الهلال : " آمنت بالله الذي خلقك ربي .
( 1 / 196 ) وربك الله " .
ثانيها : إذا أحس بالشيطان فإنه يستحب أن يخاطبه بقوله : " ألعنك بلعنة الله أعوذ بالله منك " لأنه " قال ذلك في الصلاة .
ثالثها : لو خاطب الميت في الصلاة عليه فقال : " رحمك الله غفر الله لك " لأنه لا يعد خطابا ولهذا لو قال لامرأته : " إن كلمت زيدا فأنت طالق " فكلمته ميتا لم تطلق والمعتمد خلاف ما ذكر من الاستثناء .
وقد ذكر المصنف في شرح مسلم الحديث الذي ورد بأنه خاطب الشيطان بقوله : " ألعنك بلعنة الله " وقال : إنه إما مؤول أو كان ذلك قبل تحريم الكلام ا . ه .
أما خطاب الخالق ك " إياك نعبد " وخطاب النبي " ك " السلام عليك " في التشهد فلا تبطل به .
قال الأذرعي : وقضيته أنه لو سمع بذكره " فقال : " السلام عليك " أو " الصلاة عليك يا رسول الله " أو نحوه لم تبطل صلاته ويشبه أن يكون الأرجح بطلانها من العالم لمنعه من ذلك وفي إلحاقه بما في التشهد نظر لأنه خطاب غير مشروع ا . ه .
والأوجه عدم البطلان إلحاقا له بما في التشهد كما يؤخذ مما مر .
قال الزركشي : والظاهر أن إجابة عيسى " بعد نزوله كإجابة نبينا لكن مقتضى كلام الرافعي أن خطاب الملائكة وباقي الأنبياء تبطل به الصلاة ا . ه .
والمقتضى هو المعتمد والمتجه كما قاله الإسنوي أن إجابة النبي " بالفعل الكثير كإجابته بالقول .
ولا تجب إجابة الأبوين في الصلاة بل تحرم في الفرض وتجوز في النفل والأولى الإجابة فيه إن شق عليهما عدمها كما بحثه بعض المتأخرين وتبطل بإجابة أحدهما لا بإشارة الأخرس وإن باع بها واشترى .
ولو قال " قاف " أو " صاد " أو " نون " فإن قصد كلام الآدميين بطلت صلاته وكذا إن لم يقصد شيئا كما بحثه بعضهم أو القرآن لم تبطل .
وعلم بذلك أن المراد بالحرف غير المفهم الذي لا تبطل الصلاة به هو مسمى الحرف لا اسمه .
ولو قرأ إمامه : إياك نعبد وإياك نستعين فقالها بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة أو دعاء كما في التحقيق فإن قصد ذلك لم تبطل أو قال : " استعنت بالله " أو " استعنا بالله " بطلت صلاته وإن قصد بذلك الثناء أو الذكر كما في فتاوى شيخي قال : إذ لا عبرة بقصد ما لم يفده اللفظ ويقاس على ذلك ما أشبهه " .
ولو سكت طويلا عمدا في غير ركن قصير بلا غرض لم تبطل صلاته في الأصح لأن ذلك لا يحرم هيئة الصلاة والثاني : تبطل لإشعاره بالإعراض عنها .
أما تطويل الركن القصير فتبطل الصلاة بتطويله كما سيأتي في الباب الآتي .
قال الإسنوي : واحترز بقوله " طويلا " عن اليسير فإنه لا يضر جزما و " بلا غرض " عن السكوت ناسيا ولتذكر شيء نسيه فالأصح فيهما القطع بعدم البطلان ا . ه .
ونظر في دعواه الاحتراز بقوله : " بلا غرض " عن النسيان فإن الناسي يصدق عليه بأنه سكت بلا غرض وإنما يخرج ما قدرته تبعا للشارح " .
ويسن لمن نابه شيء في صلاته كتنبيه إمامه لنحو سهو وإذنه لداخل استأذن في الدخول عليه وإنذاره أعمى مخافة أن يقع في محذور أو نحو ذلك كغافل وغير مميز ومن قصده ظالم أو نحو سبع أن يسبح وتصفق المرأة ومثلها الخنثى بضرب بطن اليمين على ظهر اليسار أو عكسه أو بضرب ظهر اليمين على بطن اليسار أو عكسه فهذه أربع صور تناولها قول التحقيق تصفق بظهر كف على بطن أخرى ونحوه لا بطن على بطن فتناول كلامه أولا جواز الضرب بظهر اليمنى على بطن اليسرى وبظهر اليسرى على بطن اليمنى وقوله : " ونحوه عكسهما " وهو الضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى وبطن اليسرى على ظهر اليمنى وأما الضرب ببطن إحداهما على بطن الأخرى فقال الرافعي : لا ينبغي فإنه لعب ولو فعلته على وجه اللعب عالمة بالتحريم بطلت صلاتها وإن كان قليلا فإن اللعب ينافي الصلاة ا . ه .
ويؤخذ من ذلك أنها إذا فعلت فعلة من الصور الأربع على وجه اللعب كان الحكم كذلك وهو كذلك وإنما نصوا على هذه لأن الغالب أن اللعب لا يقصد إلا بها .
وقد أفتى شيخي في شخص أقام إصبعه الوسطى وهو في صلاته لشخص لاعبا معه بأن صلاته تبطل والأصل في ذلك خبر الصحيحين : " من نابه شيء في صلاته فليسبح وإنما التصفيق للنساء " ومثلهن ( 1 / 197 ) الخناثى كما مر .
وقد تقدم أنه لا بد أن يقصد بذلك الذكر مع التفهيم فإن قصد التفهيم فقط بطلت صلاته وإن قال في المهذب إنها لا تبطل لأنه مأمور به وسكت عليه المصنف وكذا إن أطلق .
فإن قيل : قد أطلق المصنف استحباب الإنذار وهو تارة يكون واجبا كإنذار الأعمى وتارة يكون مستحبا كتنبيه إمامه إذا هم بترك مستحب كالتشهد الأول وتارة يكون مباحا كإذنه لداخل .
أجيب بأنه إنما أراد التفرقة بين حكم الرجال والنساء بالنسبة إلى التسبيح والتصفيق ولم يرد بيان حكم التنبيه وعلى هذا يفوته حكم التنبيه هل هو واجب أو مندوب أو مباح ؟ ولا ريب أنه مندوب لمندوب كالمثال الأول في المتن ومباح لمباح كالمثال الثاني وواجب لواجب كالمثال الثالث وما ألحق به فلو صفق الرجل وسبحت المرأة جاز لكن خالفا السنة كما هو قضية كلام المصنف .
قال الزركشي : وقد أطلقوا التصفيق للمرأة ولا شك أن موضعه إذا كانت بحضرة رجال أجانب فلو كانت بحضرة النساء أو الرجال المحارم فإنها تسبح كالجهر بالقراءة بحضرتهم والمعتمد إطلاق كلام الأصحاب وإن وافقه شيخنا على هذا البحث في شرح الروض ولم يعزه له .
وظاهر كلامهم أن تصفيق المرأة لا يضر إذا كثر وتوالى عند الحاجة إليه وهو كذلك كما في الكفاية وإن قال بعض المتأخرين إنه يضر .
فإن قيل : دفع المار إذا توالى وكثر يضر فهلا كان هذا كذلك أجيب بأن هذا فعل خفيف فاغتفر فيه التوالي مع الكثرة كتحريك الأصابع بسبحة إن لم تحرك كفها وإلا فكتحريك الكف للجرب بجامع الحاجة وهو لا يضر بل قال الزركشي : إن تحريك الكف كتحريك الأصابع وسيأتي ما فيه .
وإذا لم يحصل الإنذار الواجب إلا بالفعل المبطل أو بالكلام وجب وبطلت صلاته بالأول وكذا بالثاني على الأصح في الروضة وأصلها وهو المعتمد وإن قال في التحقيق بالصحة واقتضاه كلام المجموع إذا لم يمكن إلا به " .
ولو فعل في صلاته غيرها أي فعل فيها غير ما شرع فيها إن كان المفعول من جنسها أي من جنس أفعالها كزيادة ركوع أو سجود أو قعود أو قيام وإن لم يطمئن لا على وجه المتابعة من المسبوق " .
بطلت صلاته لتلاعبه لكن لو جلس من اعتداله قدر جلسة الاستراحة ثم سجد أو جلس من سجود التلاوة للاستراحة قبل قيامه لم يضر لأن هذه الجلسة معهودة في الصلاة غير ركن بخلاف نحو الركوع فإنه لم يعهد فيها إلا ركنا فكان تأثيره في تغيير نظمها أشد .
نعم لو انتهى من قيامه إلى حد الركوع لقتل نحو حية لم يضر كما قاله الخوارزمي وكذا لو فعل ما ذكر ناسيا كما قال : إلا أن ينسى لأنه " صلى الظهر خمسا وسجد للسهو ولم يعدها رواه الشيخان .
والجهل مع قرب العهد بالإسلام أو البعد عن العلماء كالنسيان كما قاله الأذرعي وقال في الأنوار : لو فعل ما لا يقتضى سجود سهو فظن أنه يقتضيه وسجد لم تبطل إن كان جاهلا لقرب عهده بالإسلام أو لبعده عن العلماء .
أما ما فعله على وجه المتابعة لإمامه فلا يضر كأن اقتدى بمن اعتدل من الركوع فإنه يلزمه متابعته في الزائد ولو ركع أو سجد قبل الإمام كان له العود ثانيا كما سيأتي في صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى ولا يضر ذلك وإن صدق عليه أنه زاد ركوعا أو سجودا لأجل المتابعة .
ولو قرأ في صلاته آية سجدة فهوى ليسجد حتى وصل لحد الركوع ثم بدا له فتركه جاز كقراءة بعض التشهد الأول .
ولو سجد على خشن فرفع رأسه لئلا تنجرح جبهته ثم سجد ثانيا بطلت صلاته وإن كان تحامل على الخشن بثقل رأسه في أحد احتمالين للقاضي حسين يظهر ترجيحه وإلا فتبطل والاحتمال الثاني تبطل مطلقا .
وخرج بقول المصنف : " فعل " القول فلو نقل ركنا قوليا غير السلام أو كرره عمدا فإنه لا يضر على النص كما سيأتي في الباب الآتي .
أما نقل السلام إلى غير محله فإنه يضر كما مرت الإشارة إليه " .
وإلا أي وإن لم يكن المفعول من جنس أفعالها كالمشي والضرب فتبطل بكثيره ولو سهوا لأن الحاجة لا تدعو إليه إما إذا دعت الحاجة إليه كصلاة شدة الخوف أو المتنفل على الراحلة إذا احتاج إلى تحريك يده أو رجله فإنه لا يضر وإن كثر " .
لا قليله ولو عمدا وفارق الفعل القول حيث استوى قليله وكثيره في الإبطال بأن الفعل يتعذر أو يعسر الاحتراز عنه فعفي عن القدر الذي لا يخل بالصلاة بخلاف القول وقد ثبت " أنه " صلى وهو حامل أمامة بنت بنته فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها " رواه الشيخان " وأمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب " و " خلع نعليه في صلاته " .
نعم الأكل القليل العمد يبطلها كما سيأتي وكذا الفعل القليل بقصد اللعب كما يؤخذ مما مر ( 1 / 198 ) والكثرة والقلة بالعرف في الأصح فما يعده الناس قليلا كخلع الخف ولبس الثوب الخفيف وقتل قملة ودمها عفو فقليل نعم إن حمل جلد القملة المقتولة بطلت صلاته ومثل المصنف لذلك بقوله : فالخطوتان المتوسطتان أو الضربتان كذلك أو الإشارة برد السلام قليل لحديث خلع النعلين .
وما يعده الناس كثيرا مما ذكر أو غيره فكثير وقد مثل له المصنف بقوله : والثلاث من ذلك أو غيره كثير إن توالت سواء أكانت من جنس الخطوات أم أجناس كخطوة وضربة وخلع نعل وسواء أكانت الخطوات الثلاث بقدر خطوة واحدة أم لا كما قاله الإمام .
وقيل : القليل ما لا يحتاج فيه إلى كلتا اليدين والكثير ما يحتاج إلى ذلك كعقد الإزار والتعمم وقيل : الكثير ما يسع وقته ركعة والقليل خلافه وقيل غير ذلك .
وخرج بقوله : " إن توالت " ما لو أتى بالثلاث متفرقة بحيث تعد الثانية مثلا منقطعة عن الأولى أو الثانية منقطعة عن الثالثة فإنه لا يضر لحديث حمل أمامة وعند البغوي أن يكون بينهما قدر ركعة .
ولو فعل واحدة بنية الثلاث بطلت صلاته كما قاله العمراني وإذا تكلم بحرف ونوى أن يأتي بحرفين هل تبطل صلاته قياسا على ذلك أو لا ؟ ولم أر من تعرض له والظاهر الأول ولو تردد في فعل فعله هل وصل إلى حد الكثرة أو لا لم يضر كما قاله الإمام لأن الأصل عدمه " .
وتبطل بالوثبة لمنافاتها للصلاة وقوله : الفاحشة يفهم أن لنا وثبة غير فاحشة لا تبطل الصلاة وليس مرادا ولذلك عدل ابن المقري عن هذه العبارة إلى قوله : " ولو فحشت الفعلة كوثبة بطلت " " .
لا الحركات الخفيفة المتوالية كتحريك أصابعه بلا حركة كفه في سبحة أو عقد أو حل أو حك أو نحو ذلك كتحريك لسانه أو أجفانه أو شفتيه أو ذكره مرارا ولاء فلا تبطل بذلك في الأصح إذ لا يخل ذلك بهيئة الخشوع والتعظيم فأشبه بالفعل القليل والثاني : تبطل بذلك لأنها أفعال كثيرة متوالية فأشبهت الخطوات فإن حرك كفه في ذلك ثلاثا متوالية بطلت خلافا للزركشي وما يفهم من كلام الإمام من التسوية بينها وبين الأصابع .
نعم إن كان معه جرب لا يقدر معه على الصبر لم تبطل بتحريك كفه ثلاثا ولاء كما قاله الخوارزمي في كافيه للضرورة ولو فتح كتابا وفهم ما فيه أو قرأ في مصحف ولو قلب أوراقه أحيانا لم تبطل لأن ذلك يسيرا وغير متوال لا يشعر بالإعراض .
وتبطل بمنسوخ التلاوة وإن لم ينسخ حكمه لا بمنسوخ الحكم دون التلاوة .
والقليل من الفعل الذي يبطل كثيره إذا تعمده بلا حاجة مكروه لا في فعل مندوب كقتل نحو حية وعقرب فلا يكره بل يندب كما مر .
فائدة : .
هل الخطوة نقل رجل واحدة فقط حتى يكون نقل الأخرى إلى محاذاتها خطوة أخرى أو نقل الأخرى إلى محاذاتها داخل في مسمى الخطوة ؟ قال ابن أبي شريف في شرح الإرشاد : كل منهما محتمل والثاني أقرب .
أما نقل كل من الرجلين على التعاقب إلى التقدم أو التأخر إلى الأخرى فخطوتان فلا إشكال ا . ه .
والمتجه ما قاله في ذلك شيخي وهو أن نقل الرجل الأخرى خطوة ثانية مطلقا لأن الخطوة بفتح الخاء المرة الواحدة وأما بالضم قاسم لما بين القدمين " .
وسهو الفعل المبطل لفحشه أو كثرته كعمده في بطلان الصلاة به في الأصح فيبطل كثيره وفاحشه لندور السهو ولأنه يقطع نظم الصلاة .
والثاني واختاره في التحقيق : أنه كعمد قليله واختاره السبكي وغيره لما مر في حديث ذي اليدين وجهل التحريم كالسهو أخذا مما سيأتي " .
وتبطل بقليل الأكل لشدة منافاته لها لأن ذلك يشعر بالإعراض عنها وقيل : لا تبطل به كسائر الأفعال القليلة أما الكثير فتبطل به قطعا ويرجع في القلة والكثرة إلى العرف كما مر .
وهل المبطل الفعل أو وصول المفطر جوفه ؟ وجهان أصحهما الثاني وسيأتي أن المضغ أيضا من الأفعال " .
قلت : إلا أن يكون ناسيا للصلاة أو جاهلا تحريمه لقرب عهده بالإسلام أو لبعده عن العلماء فلا تبطل بقليله قطعا والله أعلم لعدم منافاته للصلاة .
أما كثيره فيبطل مع النسيان أو الجهل في الأصح ولو مفرقا بخلاف الصوم فإنه لا يبطل بذلك .
وفرقوا بأن للصلاة هيئة مذكرة بخلافه وهذا لا يصلح فرقا في جهل التحريم والفرق الصالح لذلك أن الصلاة ذات أفعال منظومة والفعل الكثير يقطع نظمها بخلاف الصوم فإنه كف والمكره هنا كغيره لندرة الإكراه " .
فلو كان بفمه سكرة فذابت فبلع بكسر اللام وحكي فتحها ذوبها بمص ونحوه لا بمضغ بطلت صلاته في الأصح لمنافاته للصلاة كما مر والثاني : لا تبطل لعدم المضغ .
ثم إن المضغ من الأفعال فتبطل بكثيره وإن لم يصل إلى الجوف شيء من الممضوغ " .
ويسن للمصلي أن يتوجه إلى سترة نحو جدار أو سارية أي عمود كخشبة مبنية أو إلى نحو عصا مغروزة كمتاع عند عجزه عن المرتبة الأولى للإتباع في ذلك رواه الشيخان ولخبر : " استتروا في صلاتكم ولو بسهم " رواه الحاكم وقال : على شرط مسلم " .
أو بسط مصلى عند عجزه عن المرتبة الثانية كسجادة بفتح السين " .
أو خط قبالته عند عجزه عن المرتبة الثالثة خطا طولا كما في الروضة روى أبو داود خبر : " إذا صلى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره ما مر ( 1 / 199 ) أمامه " .
وقيس بالخط المصلي وقدم على الخط لأنه أظهر في المراد .
وطول المذكورات حتى الخط ثلثا ذراع فأكثر تقريبا وبينها وبين المصلي ثلاثة أذرع فأقل وإذا صلى إلى شيء منها على هذا الترتيب سن له وكذا لغيره كما صرح به الإسنوي وغيره تفقها دفع المار بينه وبينها .
والمراد بالمصلي والخط منهما أعلاهما وذلك لخبر الشيخين : " إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " أي معه شيطان أو هو شيطان الإنس " .
والصحيح تحريم المرور حينئذ وإن لم يجد المار سبيلا آخر لخبر : " لو يعلم المار بين يدي المصلي " أي إلى السترة " ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه " رواه الشيخان إلا " من الإثم " فالبخاري وإلا " خريفا " فالبزار .
وقضية هذا وجوب الدفع وقد بحثه الإسنوي لحرمة المرور وهو قادر على إزالتها وليس كدفع الصائل فإن من لم يوجبه احتج بخبر : " كن عبد الله المظلوم ولا تكن عبدالله الظالم " والمنقول عدم الوجوب وبهذا يلغز ويقال لنا حرام لا يجب إنكاره